كان الليل قد أرخى سدوله على المخيم، والبرد القارس يتسلل إلى أجساد اللاجئين المنهكة. جلس عبود وعباس في زاوية خيمتهم المتهالكة، يتهامسان حول خطة هروبهما التي طال انتظارها. لقد كان الهروب من هذا الجحيم هو الأمل الوحيد المتبقي لهما. قررا أن هذه الليلة ستكون فرصتهما، إما النجاة أو الموت.
عبود (بصوت مبحوح): "الليلة يا عباس، لا مجال للتردد. إذا لم نخرج الآن، سنظل هنا للأبد."
عباس (بعيون ممتلئة بالخوف): "لكن، ماذا لو فشلنا؟ ماذا لو أمسكوا بنا؟"
عبود (بصوت حازم): "لا تفكر بذلك الآن. إما أن نعيش حياة جديدة أو نموت هنا ببطء. نحن لن نخسر أكثر مما خسرناه بالفعل."
مع اقتراب منتصف الليل، عندما كانت الحراسة تخف قليلاً، قررا التحرك. تسللا عبر الظلال، متجنبين الأضواء الكاشفة والحراس المتنمرين. كان قلب عباس يخفق بسرعة بينما كان يخطو بحذر شديد، لكن عبود كان بجانبه، يدعمه ويمنحه القوة للمضي قدمًا.
لكن الحظ لم يكن حليفهما. بينما كانا يقتربان من سور المخيم، انطلقت صافرة عالية فجأة.
صوت حارس (يصرخ): "هناك هاربون! أمسكوهم!"
في لحظة فوضى، انقض أحد الحراس على عباس، وطرحه أرضًا بقوة.
عباس (يتأوه من الألم): "عبود... عبود، ساعدني!"
عبود، الذي كان قد تجاوز الحاجز ببضعة خطوات، التفت ورأى عباس يتعرض للضرب. ركض عائدًا نحوه دون تردد، وقفز على الحارس، محاولاً إنقاذ صديقه.
عبود (بصوت مليء بالغضب): "اتركه! دعنا نذهب!"
لكن الحارس كان أقوى، ووجه عدة ضربات لوجه عبود. لم يكن عبود مهتمًا بالألم، كان يريد فقط أن يحمي عباس. ووسط الفوضى، نظر عبود إلى عباس الذي كان يئن تحت ثقل الحارس.
عبود (بصوت متقطع وهو يتلقى الضربات): "اهرب، يا عباس! اهرب الآن!"
عباس (بنبرة مترددة، عيناه مليئتان بالدموع): "لا أستطيع أن أتركك هنا، عبود!"
عبود (يصرخ بقوة وهو يتلقى ضربة أخرى): "اهرب يا صديقي! لا تفكر بي... اهرب وابدأ حياتك الجديدة!"
تردد عباس للحظات، تردده يمزق قلبه. كيف يمكن أن يترك عبود وراءه؟ لكن عيناه التقت بعيني عبود، ورأى فيهما القوة والقرار. أدرك أن عبود كان يحاول أن يمنحه فرصة للحياة.
عباس (بصوت مختنق بالبكاء): "عبود... سأعود لأجلك، أقسم بالله أني سأعود!"
عبود (بابتسامة متعبة رغم الألم): "اهرب فقط... لا تترك هذه الفرصة تضيع. أهرب!"
عباس، رغم الألم في قلبه، بدأ بالجري. كانت الدموع تتساقط من عينيه وهو يركض باتجاه الحرية، تاركًا وراءه صديقه الذي تعرض للضرب المبرح. كان يسمع صرخات عبود تتلاشى مع كل خطوة يخطوها بعيدًا.
عباس (يصرخ بصوت مرتجف): "عبوووود!"
لكن عبود كان ما زال يتعرض للضرب، ورغم الألم، كان يصيح بكل ما تبقى له من قوة:
عبود (بصوت متهدج): "اهرب يا عباس... اهرب، عش لأجلنا... اهرب!"
كانت لحظة الفراق تلك ممزقة للقلب. كل خطوة خطاها عباس كانت كأنها سكين تغرز في قلبه، ولكنه كان يعلم أن عبود قد ضحى بنفسه من أجله. وهو يجري في الظلام، كان صوته يرتجف وهو يتمتم:
عباس (بين شهقات البكاء): "لن أنساك، يا عبود. أقسم أني لن أنساك."
بينما كان عبود مستلقيًا على الأرض، يتلقى المزيد من الضربات من الحراس، كان يشعر بالألم الشديد، لكنه كان مرتاحًا. لقد أنقذ صديقه. عباس الآن في طريقه نحو الحرية، نحو حياة جديدة، وهذا كان كل ما يهمه.
عبود (بصوت خافت بينما الدموع تختلط بالدماء): "عش لأجلنا يا عباس... عش."
وترك الحراس عبود ملقى على الأرض بعد أن فقد وعيه، لكن في قلبه كان يعرف أن تضحيته لم تذهب سدى.