الفصل التاسع: لا تخاطر بالبحر يا ابني

استمرت السيارة في السير عبر الطرق الوعرة والمظلمة، وكانت كل دقيقة تمر ببطء شديد. عبود وعباس كانا جالسين في المقعد الخلفي، يراقبان الطريق بهدوء وترقب. كان الجو داخل السيارة متوتراً، وكل حركة خارج السيارة كانت تثير الخوف في نفوسهم.

عباس (بصوت منخفض): "أشعر وكأننا نسير في حلم سيء."

عبود (وهو يحاول التخفيف عنه): "لقد مررنا بأسوأ من هذا يا عباس. تذكر الأيام التي كنا نختبئ فيها من القصف في سوريا؟ هذا لا يقارن بما عانيناه هناك. فقط كن صبوراً."

ظل الصمت يسيطر على المحيط، حتى وصلوا إلى منطقة بعيدة عن الأنظار، حيث طلب المهرب منهم النزول من السيارة.

المهرب (بصوت منخفض): "علينا السير على الأقدام من هنا. لا يمكننا المخاطرة بالسيارة في هذا الجزء. هناك دوريات كثيرة."

أخذ عبود وعباس حقائبهما وبدأوا في السير خلف المهرب عبر طريق ضيق بين الأشجار. الطريق كان مظلماً وشاقاً، ولم يكن هناك أي ضوء إلا من النجوم البعيدة. كان عبود يشعر بالقلق على عباس، الذي لم يكن معتاداً على مثل هذه الرحلات الخطرة، لكنهما واصلا السير بدون توقف.

بعد ساعات طويلة من المشي في الظلام، وصلوا إلى مكان آمن بالقرب من إسطنبول، حيث كان من المفترض أن يلتقوا بسيارة أخرى تنقلهم إلى داخل المدينة.

المهرب (وهو يلتفت إليهم): "حسنًا، انتظروا هنا. سأتصل بالسائق الجديد ليأتي ويأخذكم. الأمور تبدو هادئة الآن، لكن لا يمكننا البقاء هنا لفترة طويلة."

جلس عبود وعباس على الأرض، منهكين من المشي والتوتر الذي مر بهما طوال الليل. كان بإمكانهم سماع أصوات بعيدة من المدينة، لكنهم كانوا يعلمون أنهم لا يزالون بعيدين عن الأمان الكامل.

عباس (وهو يتنفس بصعوبة): "هل تعتقد أننا سنتجاوز هذه الرحلة بسلام؟"

عبود (بثقة): "علينا أن نؤمن بذلك يا عباس. لقد وصلنا حتى هذه النقطة، ولا يمكننا التراجع الآن. الأمور ستكون بخير، فقط علينا أن نصمد."

بعد انتظار طويل وصل السائق الجديد، وهو رجل تركي بدا عليه أنه معتاد على مثل هذه العمليات. استقلوا السيارة، وبدأوا في التحرك نحو قلب إسطنبول. الطريق هذه المرة كان أكثر سلاسة، لكنهما كانا يعرفان أن الخطر لم ينته بعد.

وصلوا إلى أحد الأحياء الشعبية في إسطنبول، حيث كان من المقرر أن يقضوا ليلتهم الأولى في المدينة. دخلوا إلى شقة صغيرة كان المهرب قد أعدها لهم مسبقًا، وأغلقوا الباب خلفهم.

عبود (وهو ينظر حوله): "الحمد لله، لقد وصلنا إلى إسطنبول. هذا جزء كبير من رحلتنا."

عباس (وهو يجلس على الأرض منهكًا): "لكن هل هذا هو الأمان؟ ما زلنا في تركيا، وما زال علينا الكثير للوصول إلى ألمانيا."

عبود (بتفاؤل): "الأمان الكامل لن يأتي إلا عندما نصل إلى ألمانيا، لكننا الآن قطعنا شوطًا كبيرًا. علينا أن نخطط للمرحلة التالية."

بدأ الشابان في مناقشة خطتهما الجديدة. كانت تركيا قد أصبحت أكثر صرامة مع اللاجئين في تلك الفترة، خاصة فيما يتعلق بالسفر إلى الدول الأوروبية. الطرق البحرية إلى اليونان كانت محفوفة بالمخاطر، والبرية عبر بلغاريا كانت أكثر تعقيدًا.

عباس (وهو ينظر إلى الخريطة): "ما رأيك؟ هل نذهب عبر بلغاريا مشيًا؟ أم نخاطر بالقوارب إلى اليونان؟"

عبود (متفكرًا): "الطريق البري قد يكون أكثر أمانًا، لكن السفر عبر البحر أسرع. مع ذلك، سمعت عن الكثير من اللاجئين الذين غرقوا في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى اليونان."

بدأت المحادثة تزداد صعوبة، إذ لم يكن هناك خيار سهل أمامهما. كل طريق يحمل مخاطر قد تؤدي إلى الفشل أو الموت.

عباس (بتردد): "ماذا لو سألت أمك؟ هي دائمًا تعرف ما هو الأفضل."

عبود (يبتسم بحزن):  اخبرتها من قبل وقالت" اذهب مشيا ولا تخاطر بالبحر يا ابني،"

اتصل عبود بوالدته عبر الهاتف وأخبرها عن خططه مرة اخرة. كان صوتها مليئًا بالقلق، لكنها حاولت أن تكون داعمة له.

والدة عبود (بصوت دافئ عبر الهاتف): "يا بني، لقد قلت لك من قبل وساعيدها مرة اخرة  اذهب مشيا ولا تخاطر بالبحر يا ابني . الله يحميك أينما ذهبت. قلبي معك دائماً."

كانت المحادثة مليئة بالمشاعر، وأعطت عبود دفعة من الشجاعة. بعد المحادثة، استدار نحو عباس وقال:

عبود (بحزم): "سنتخذ الطريق البري عبر بلغاريا. لا أريد المخاطرة بحياتنا في البحر."

عباس (موافقًا): "حسنًا، دعنا نبدأ التخطيط للرحلة. سيكون الأمر صعبًا، لكنني أثق بك يا عبود."

أمضى الشابان الأيام التالية في التحضير لرحلتهما عبر بلغاريا، يبحثان عن مهربين يثقون بهم ويخططان لكل خطوة بعناية. كانت الرحلة المقبلة مليئة بالتحديات، لكنها كانت الخطوة الأولى نحو حلمهما في الوصول إلى ألمانيا.

بدأت الرحلة الفعلية بالتخطيط الدقيق، وتم الاتصال ببعض المهربين الذين يعملون على تهريب اللاجئين عبر الحدود البلغارية. كانت الطريق محفوفة بالمخاطر، وكان عليهم أن يسلكوا دروباً جبلية خطيرة تجنباً للدوريات الحدودية.



إعدادات القراءة


لون الخلفية