الفصل الخامس: التفكير في الرحلة المحفوفة بالمخاطر

بعد اتخاذه القرار بمغادرة تركيا والتوجه نحو ألمانيا، واجه عبود سؤالاً كبيرًا: كيف يمكنه الوصول إلى هناك؟ كل الخيارات محفوفة بالمخاطر، لكن كان عليه أن يختار بين خيارين رئيسيين: إما أن يسافر عبر البحر إلى اليونان أو أن يسلك الطريق البري عبر بلغاريا. كلا الخيارين كان صعبًا وخطيرًا، وكان عبود يشعر بالتردد الشديد في اتخاذ القرار.

الطريق البري عبر بلغاريا: كان عبور الحدود البرية إلى بلغاريا يتطلب السير لمسافات طويلة عبر الجبال والغابات الكثيفة. الطريق كان خطيرًا بسبب انتشار عصابات تهريب البشر، وصعوبة العبور دون اكتشاف من قبل السلطات. العديد من اللاجئين الذين حاولوا العبور عبر هذا الطريق تعرضوا للضرب أو الاحتجاز، والبعض الآخر اختفى دون أثر.


الطريق البحري إلى اليونان: الطريق الآخر الذي فكر فيه عبود كان عبور البحر إلى اليونان، وهي رحلة محفوفة بالمخاطر بشكل خاص. القوارب الصغيرة التي يستخدمها المهربون عادة ما تكون محملة بشكل زائد وتفتقر إلى معايير الأمان. العواصف البحرية والغرق كانوا يهددون حياة كل من يحاول هذه الرحلة. عبود سمع الكثير من القصص عن اللاجئين الذين فقدوا حياتهم في البحر، وكان هذا الخيار يثير في قلبه خوفًا كبيرًا.


التردد بين الخيارين: عبود جلس في غرفته المتواضعة، يفكر بعمق في كلا الخيارين. كان يعرف أنه ليس هناك طريق آمن حقًا، وكان عليه أن يختار بين السيئ والأسوأ. التردد أرهقه، وأدرك أنه بحاجة إلى التحدث مع الأشخاص المقربين منه ليساعدوه في اتخاذ القرار.


أول شخص فكر عبود في استشارته كان والدته. منذ مغادرته سوريا، كانت والدته هي دعمه النفسي الأكبر. ورغم أن حياتها في سوريا كانت مليئة بالصعاب، إلا أن عبود كان يعرف أن نصائحها دائمًا تنبع من حبها العميق له ورغبتها في أن يعيش حياة أفضل.


في إحدى الليالي، اتصل عبود بوالدته عبر الهاتف، حيث كان الاتصال قد تحسن بشكل طفيف بين سوريا وتركيا في تلك الفترة.

عبود: "أمي، أنا في حيرة كبيرة ولا أعرف ما هو الخيار الأفضل. أريد أن أذهب إلى ألمانيا، لكني لا أعرف هل أذهب عبر البحر إلى اليونان أم أختار الطريق البري عبر بلغاريا."


والدته، التي كانت تعرف أن عبود في مواجهة خيارات صعبة، تنهدت قبل أن ترد: "يا بني، القرار ليس سهلاً. أعرف أنك تشعر بالخوف من المخاطر، وأنا مثلك. قلبي ينبض بالخوف عليك كلما فكرت في الرحلة التي تنتظرك."


عبود: "أعرف يا أمي، لكن لا يوجد طريق سهل. لا أستطيع البقاء في تركيا أكثر من ذلك. العنصرية تزداد، والفرص تقل. أشعر أنني عالق هنا."

والدته: "عبود، كل ما أتمناه هو أن تصل إلى بر الأمان. مهما كان الطريق الذي تختاره، فأنا أدعو الله أن يحميك. لكن فكر جيدًا. البحر خطير، ولكن الطريق البري كذلك. استشر من تثق بهم، واتخذ قرارك بحكمة."

كلمات والدته أعطته بعض الراحة، لكنها لم تمنحه الإجابة التي كان يبحث عنها. كان يعرف أن القرار في النهاية يقع عليه وحده.


الحوار مع صديقه عباس:
بعد الحديث مع والدته، قرر عبود أن يتصل بصديقه القديم عباس، الذي كان يعيش في تركيا أيضًا. عباس كان قد جرب العبور عبر الحدود البرية في وقت سابق، لكنه فشل وتم ترحيله إلى تركيا مرة أخرى.

عبود: "عباس، أنا أفكر في المغادرة إلى ألمانيا، لكنني محتار بين الطريق البري إلى بلغاريا أو البحر إلى اليونان. أنت تعرف كلا الطريقين. ماذا تنصحني؟"


عباس: "يا عبود، كلا الخيارين محفوفان بالمخاطر، ولكن بصراحة، الطريق البري أكثر أمانًا من البحر. عندما حاولت العبور، نعم، تم القبض علي، ولكنني على الأقل لم أخاطر بحياتي كما يحدث في البحر. البحر غادر، ولا يمكنك التحكم في أمواجه أو الطقس."

عبود: "لكن هناك من وصلوا عبر البحر، أليس كذلك؟"

عباس: "نعم، هناك من وصلوا. لكن كم عدد الذين فقدوا حياتهم؟ تذكر القصص التي سمعناها عن العائلات التي غرقوا جميعًا، وعن الأطفال الذين لم يجدوا لهم أثرًا. إذا كنت تسألني، فأنا أقول لك جرب الطريق البري. حتى لو تم القبض عليك، يمكنك المحاولة مرة أخرى. في البحر، إذا حدث شيء، لن يكون هناك فرصة أخرى."

كلمات عباس كانت منطقية، لكن عبود لم يكن متأكدًا بعد. البحر كان مغريًا لأنه أقصر، ويمكن أن ينقله إلى أوروبا في وقت أسرع. لكن ماذا عن المخاطر؟


كانت ليلى هي الشخص الذي يتردد في الحديث معه. رغم كل الصعاب التي مروا بها، كانت هي الحافز الأكبر وراء رحلته. أراد أن يعرف رأيها في الأمر، لكنه كان يخشى من أن يقلقها أكثر. في النهاية، قرر أن يتصل بها ويشاركها مخاوفه.


عبود: "ليلى، أنا أفكر في المغادرة إلى ألمانيا. لكنني لا أعرف كيف سأذهب. البحر أو الطريق البري؟ كلا الخيارين مخيفان."

ليلى بصوت هادئ: "عبود، لا أستطيع أن أقول لك ماذا تفعل. لكنني أريدك أن تفكر في سلامتك أولاً. أنا هنا أنتظرك، وأريدك أن تصل سالمًا. لا أستطيع أن أتحمل فكرة فقدانك في البحر أو أي مكان آخر."


عبود: "أعرف، ليلى. لكن الوقت ينفد. لا أستطيع الاستمرار هنا في تركيا. يجب أن أحاول."

ليلى: "مهما كان قرارك، سأدعمك. فقط كن حذرًا، ولا تستعجل. انتظر حتى تتأكد من أن الطريق آمن بقدر المستطاع."

كلمات ليلى لم تكن الإجابة التي كان عبود يبحث عنها، لكنها كانت بمثابة دعم عاطفي قوي له. كان يعرف أنها قلقة عليه، وأنها تخشى فقدانه.


القرار النهائي:
بعد التحدث مع والدته وعباس وليلى، قضى عبود عدة ليالٍ دون نوم. كان يفكر في كل كلمة قالوها له، وفي كل قصة سمعها عن الرحلات السابقة للاجئين. البحر كان سريعًا ولكنه محفوف بالمخاطر. الطريق البري كان بطيئًا ولكنه قد يكون أقل خطورة.


في النهاية، قرر عبود أن يختار الطريق البري عبر بلغاريا. كان يعلم أن الرحلة ستكون طويلة ومرهقة، لكن الأمل في البقاء على قيد الحياة والوصول إلى ألمانيا كان أكبر من خوفه.



إعدادات القراءة


لون الخلفية