كان عبود يجلس في شقته يفكر في كل ما مر به خلال الأشهر الماضية. الهاتف رن فجأة، نظر إلى الشاشة ليرى اسم أورورا يظهر أمامه. كانت الدعوة غير متوقعة.
عبود (بصوت هادئ): "مرحبًا، أورورا."
أورورا (بصوت مليء بالحنين): "عبود، هل لديك وقت الليلة؟ أشعر أنني بحاجة لبعض الراحة من كل ما نمر به. ربما يمكننا الخروج معًا، إلى مكان هادئ؟"
تردد عبود للحظة، لكنه أدرك أن هذه الدعوة كانت أكثر من مجرد طلب للخروج. كان هناك شعور بالوحدة في صوت أورورا، وكأنها بحاجة إلى شخص تثق به.
عبود (بابتسامة طفيفة): "بالطبع، لدي وقت. أين تريدين أن نذهب؟"
أورورا (بتفكير): "هناك مقهى صغير على أطراف المدينة. هادئ وجميل، يناسبنا. أعتقد أننا بحاجة لمكان نبتعد فيه عن كل الضغوط."
عبود: "اتفقنا، سأقلك بعد نصف ساعة."
بعد وصول عبود إلى بيت أورورا، انطلقا معًا إلى المقهى الذي اقترحته. كان الجو هادئًا، والليل قد أسدل ستاره على المدينة. الشوارع كانت فارغة نسبيًا، والموسيقى الهادئة تنبعث من بعض المحلات القليلة المفتوحة.
عندما وصلا إلى المقهى، جلسا في زاوية بعيدة، حيث كان المكان شبه فارغ. كانت الأجواء دافئة ومريحة، وهو ما كانا يحتاجانه بعد كل التوتر الذي عاشاه.
أورورا (وهي تنظر إلى فنجان القهوة أمامها): "أحيانًا أشعر أنني أحمل ثقل العالم على كتفي. منذ وفاة والدي، وكل شيء تغير. لم أعد أشعر بأنني أتحكم في حياتي."
عبود (بصوت مطمئن): "كل ما مررتِ به ليس سهلًا، أورورا. فقدتِ والدكِ، وواجهتِ المنظمة، والآن تقودين شركتكِ بمفردك. لكنكِ قوية، أقوى مما تظنين."
أورورا (تبتسم بخفة): "أحيانًا القوة ليست كافية. أحتاج إلى شخص يكون بجانبي، وليس من أجل العمل فقط."
عبود شعر بمعنى أعمق في كلماتها. لم تكن تتحدث فقط عن العمل أو المال، كانت تبحث عن شريك يعينها على مواجهة الحياة. ولكن بدلاً من التعجل في الاستجابة، اختار أن يستمع ويدعمها في هذه اللحظة.
عبود (بهدوء): "أنا هنا. ونحن معًا في هذا الأمر. سواء كان الأمر يتعلق بالشركة أو حياتك الشخصية، فأنت لست وحدك."
أورورا (بنظرة مليئة بالامتنان): "أعلم أنك دائمًا هنا، عبود. وأشعر بالارتياح عندما تكون بجانبي."
بينما كانت الليلة تمضي ببطء، بدأ عبود يتحدث عن ذكرياته السابقة، وكيف كانت رحلته من سوريا إلى ألمانيا مليئة بالمواقف الصعبة. كانت أورورا تنصت باهتمام، تدرك كم عاش من معاناة وصعوبات.
عبود (بتأمل): "أحيانًا، أشعر أن الحياة كانت غير عادلة معي. لكن عندما أرى ما نحن فيه الآن، أدرك أن كل تلك المعاناة صنعتني الشخص الذي أنا عليه اليوم."
أورورا (بابتسامة خفيفة): "ربما، في النهاية، كل منا يحمل قصته الخاصة. لكن ما يميزنا هو كيف نتجاوز تلك القصص."
عبود (بنظرة عميقة): "وربما نحن نكتب الآن فصلًا جديدًا."
بعد لحظة من الصمت الهادئ، استدارت أورورا نحو عبود، تنظر في عينيه بعمق. كان هناك شيء في تلك النظرة لم يعبر عنه بالكلمات، لكنه كان واضحًا.
أورورا (بصوت خافت): "عبود، لا أعلم أين ستأخذنا هذه الرحلة، لكنني سعيدة بأنك جزء منها."
عبود (مبتسمًا): "وأنا كذلك. لم أكن أعتقد أنني سأجد شخصًا يفهمني كما تفعلين."
لحظة الصمت التي تلت تلك الكلمات كانت مليئة بالمشاعر المكبوتة. كان كل منهما يشعر بالتقارب، ليس فقط بسبب ما مر بهما، بل بسبب التفهم المتبادل الذي نمى بينهما ببطء.
عندما انتهت السهرة، أوصل عبود أورورا إلى بيتها. كانت الليلة هادئة، لكن في أعماقها كانت هناك مشاعر جديدة تنمو. وعندما اقتربا من باب المنزل، توقفت أورورا للحظة قبل أن تودعه.
أورورا (بابتسامة رقيقة): "شكرًا لك على هذه الليلة، عبود. كنت بحاجة لهذه اللحظة من الهدوء."
عبود (بصوت دافئ): "أنا هنا دائمًا، أورورا."
تبادلا نظرة عميقة للحظة قبل أن تفتح أورورا الباب وتدخل. عبود وقف لبضع لحظات في الخارج، يفكر في كل ما حدث، ويدرك أن مشاعره تجاهها بدأت تتغير شيئًا فشيئًا.
في تلك اللحظة، كان يدرك أن الماضي بدأ يتلاشى، وأن المستقبل قد يحمل بين طياته شيئًا أجمل.
أورورا (بهدوء، وهي تنظر إلى عبود): "ما رأيك أن تدخل؟ "
عبود نظر إليها بحيرة، لكنه شعر بأنها بحاجة للتحدث، وربما كان هو بحاجة إلى الحديث أكثر مما كان يعتقد.
وافق ودخل المنزل معها، حيث جلسا في غرفة الجلوس. المكان كان دافئًا وهادئًا، لكن الجو بينهما كان مليئًا بالمشاعر المتداخلة التي لم يتم التعبير عنها بعد.
بعد لحظات من الصمت، كانت أورورا تجمع أفكارها. كان هناك شيء يحترق في قلبها، وكان الوقت قد حان لإخراجه.
أورورا (بصوت هادئ ومتوتر): "هل تتذكر عندما سألتني إذا كنت أحب جون؟ وقلت لك إنني لم أعرف طعم الحب حتى الآن؟"
عبود نظر إليها بتساؤل، متذكراً تلك المحادثة. كانت قد أجابت على سؤاله ببساطة، لكنه شعر بأن هناك شيئًا خفيًا خلف كلماتها في ذلك الوقت.
عبود (بهدوء): "نعم، أتذكر."
أورورا أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تتابع.
أورورا (بصوت مليء بالتوتر): "لقد كذبت عليك. في الحقيقة... عرفت طعم الحب بعد أن رأيتك أنت، عبود."
كانت كلماتها مثل صاعقة تنزل على قلب عبود، الذي لم يكن يتوقع أن تسمع منه هذا الاعتراف. شعر بالدهشة، لكنه بقي صامتًا، منتظرًا أن تكمل.
أورورا (بصوت مشوب بالحزن): "رغم أنني كنت أحبك، كنت مستعدة لأن أساعدك لتعود إلى ليلى، لأنني كنت أريدك أن تكون سعيدًا، حتى لو لم أكن جزءًا من حياتك."
جلس عبود بصمت للحظة، وهو يفكر في كل ما سمعه. تذكر تلك اللحظات التي شاركها مع أورورا، خصوصًا تلك التي لم يكن يريد أن يتذكرها بسبب التزامه تجاه ليلى. ثم تذكر تلك اللحظة في مكتب والدها، اللحظة التي غيرت كل شيء بينهما.
عبود (بنبرة هادئة): "هل تتذكرين عندما كنا في مكتب والدك؟ وحدث بيننا ذلك الشيء... عندما قبلنا بعضنا لأول مرة؟"
أورورا شعرت بأن قلبها ينبض بسرعة عندما ذكر تلك اللحظة.
أورورا (بهمس): "نعم، أتذكر."
عبود (بصوت عميق): "كذبت عليك عندما قلت إنني ندمت على ما حدث. الحقيقة أنني لم أندم أبدًا."
عبود نظر إلى أورورا بحنان وعمق، كان يشعر بأن هذه اللحظة قد حانت أخيرًا. يداه كانتا ترتجفان قليلاً من التوتر، لكنه مدّ يده بلطف وأمسك بيدها. شعر بحرارة جسدها القريبة منه، وكأن قلبه يتسارع معها.
عبود (بصوت دافئ وشجاع): "أورورا... لقد مررت بالكثير في حياتي، وكنت أعتقد أن ليلى هي من ستبقى معي إلى الأبد. لكن عندما أكون معك... أشعر بشيء مختلف. أشعر بشيء لم أشعر به من قبل."
نظرت إليه أورورا بعينيها اللتين تحملان مزيجًا من الفضول والخوف من المجهول. لم تكن تتوقع أن يسمعها هذا الكلام، لكنها كانت تعرف في أعماقها أن هذه اللحظة كانت حتمية. كل يوم كانت تقضيه بجانبه، كانت تشعر بأن شيئًا غير عادي يجمع بينهما، لكن لم تملك الشجاعة للاعتراف به.
أورورا (بصوت متردد وخافت): "عبود... لم أكن أعرف ما إذا كنتُ جزءًا من حياتك أو مجرد شخص عابر في طريقك. لكنني أعرف أنني... أريد أن أكون هنا. أريد أن أكون بجانبك."
اقتربت أورورا ببطء، وكأن كل خطوة كانت تقرّبها أكثر من الحقيقة التي لم تُفصح عنها بعد. وضع عبود يده بلطف على خديها، وشعر بنبضات قلبها تتسارع. كانت تلك اللحظة مليئة بالعاطفة، والشوق المكبوت، والمشاعر التي تراكمت دون أن يُعبر عنها أحد.
عبود (بنبرة مليئة بالحنان): "أنتِ لستِ عقبة في حياتي يا أورورا. بالعكس، أنتِ من يجعلني أشعر بأنني قادر على المضي قدمًا. ليلى كانت جزءًا من ماضيي، لكنها أصبحت ذكرى. أنتِ الآن، هنا، الحاضر والمستقبل."
أورورا لم تتمالك نفسها، واقتربت منه أكثر، وضعت يدها بلطف على صدره، وكأنها تبحث عن الأمان في دفء جسده. كان قلبها ينبض بسرعة، لكنها شعرت بالأمان وهي بجانبه. كانت تعلم أن هذه اللحظة تغير كل شيء بينهما.
بدون تردد، وضعت يدها على خده بحنان، عيناها كانتا تلمعان بمزيج من العاطفة والشوق. كان عبود ينظر إليها وكأنها كل ما يملكه في هذه الحياة. اقترب منها ببطء، ورفع يده بحنان ليحمل وجهها بين يديه.
عبود (بصوت هامس): "أورورا... لا أريد أن أخفي مشاعري بعد الآن."
نظرت إليه أورورا بابتسامة خجولة، لكنها كانت مليئة بالحب. اقترب منها ببطء أكبر، وكأن الزمن توقف للحظة. شعرت أورورا بالحرارة التي تدفقت في قلبها، وبدون أي كلمات إضافية، أغلقت عينيها واقتربت منه.
قبّلها عبود بلطف وعمق، كانت تلك القبلة مختلفة تمامًا عن أي شيء مر به من قبل. كانت مليئة بالعاطفة، والحنان، والشوق الذي كانا يخفيانه عن بعضهما لفترة طويلة. كانت قبلة لم تعبر فقط عن الحب، بل عن الامتنان لوجودهما معًا في هذه الحياة، بعد كل ما مرا به.
كانت يده تلامس شعرها برفق، بينما كانت يدها تتحرك ببطء على صدره، تشعر بنبضات قلبه التي تسرع في تجاوب مع نبضات قلبها. كان كل شيء في تلك اللحظة يعبر عن مشاعر الحب المتبادل، عن الراحة، والاحتواء.
بعد لحظات من الصمت، ابتعدا قليلاً عن بعضهما، لكن عيونهما كانت تتحدث بصوت أعلى من أي كلمات. ابتسمت أورورا، ووضعت رأسها على كتفه، بينما عبود ضمها بلطف بين ذراعيه. كانت تلك اللحظة تحمل كل المشاعر التي لم يتمكنا من البوح بها من قبل، لكنها كانت الآن واضحة تمامًا.
أورورا (بصوت هادئ): "عبود، لم أكن أعرف طعم الحب حتى الآن. لكنني الآن أعرف أنني أحبك."
عبود (بصوت هامس): "وأنا أيضًا، أورورا. معكِ، أشعر بأنني قد وجدت مكانًا أخيرًا في هذا العالم."
جلست أورورا بين ذراعيه، وابتسمت بسعادة لم تشعر بها منذ فترة طويلة. كان عبود هو الشخص الذي أعاد لها الإحساس بالحب والأمان، بعد كل ما مرت به من تحديات وصعوبات.
النهاية
ولاكن هل نظنها النهاية حقا