اليوم الاول
بدأت الرحلة الطويلة والخطرة نحو أوروبا الغربية من حدود بلغاريا الى صربيا. بعد أيام من التخطيط المتوتر، وجد عبود وعباس نفسيهما داخل شاحنة صغيرة مكدسة باللاجئين، يقبعان في زوايا ضيقة تحت أكوام من الصناديق القديمة. كان الجو خانقًا، والهواء مليئًا برائحة العرق والخوف. الحراس البلغاريون معروفون بقسوتهم، وقد حذرهم المهرب من أي حركة قد تؤدي إلى اكتشافهم.
عبود (بصوت خافت بينما يلتفت لعباس): "لا نعرف كم من الوقت سنبقى هنا، لكن علينا التحمل. ربما هي فرصتنا الوحيدة."
عباس (يتنفس بصعوبة): "لقد تحملنا كثيرًا يا عبود، لكن هذا المكان... لا أستطيع أن أتنفس جيدًا."
مرّت الساعات ببطء، وكانت الشاحنة تتوقف بين الحين والآخر لتفادي الدوريات الحدودية. كلما توقفت، كان قلب عبود يخفق بشدة، وكأنه على وشك القفز من صدره. في كل مرة يسمعون فيها أصوات الحراس أو الكلاب، كانت الأرواح تتجمد من الرعب.
اليوم الثاني:
بدأ الإرهاق يأخذ مجراه. لم يكن هناك طعام كافٍ، وكان الماء نادرًا. عبود شعر بألم شديد في ساقه، التي كانت قد تعرضت لإصابة سابقة أثناء العمل في الإنشاءات بتركيا، وكانت الظروف القاسية تعيد إشعال ذلك الألم.
عبود (يتحدث مع نفسه بصوت ضعيف): "يا الله، هل سيكون هذا مصيري؟ الموت هنا في الظلام؟"
لكن رغم هذا الألم، كانت قوة عزيمته هي التي تدفعه للأمام. كان يعلم أن طريقه لم ينته بعد، وأن هذه الرحلة هي بداية جديدة.
اليوم الثالث:
مع كل يوم يمر، كان الوضع يزداد سوءًا. الطعام نفد، والماء بات شحيحًا. في إحدى محطات التوقف، اقترب المهرب منهم ليخبرهم بأن الطريق إلى الحدود الصربيا لا يزال طويلاً، وأنهم قد يواجهون المزيد من العقبات.
المهرب (بنبرة جافة): "علينا أن نتحرك بحذر أكبر من هنا. الحدود البلغارية ليست سهلة كما تظنون."
في هذه اللحظة، شعر عبود أن جسده يتهاوى تحت وطأة العذاب الجسدي والنفسي. نظراته لامست عيون عباس، وكانا يعرفان أن لا خيار أمامهما سوى الاستمرار.
عباس (مبتسم رغم الألم): "لن نستسلم الآن، أليس كذلك؟"
عبود (بإصرار): "أبداً، لقد قطعنا شوطًا طويلًا. لن يوقفنا شيء."
اليوم الرابع:
عندما اقتربوا من الحدود البلغارية الصربيا، زادت دوريات الحراس وتضاعف الخطر. في إحدى الليالي المظلمة، توقفت الشاحنة فجأة، وسُمعت أصوات الحراس. المهربون قرروا ترك الشاحنة في مكان مهجور لبعض الوقت لتجنب الشكوك.
خرج عبود وعباس وكل اللاجئين من الشاحنة تحت غطاء الليل. كانوا يسيرون في طرقات موحلة وغير مأهولة، وكانت أقدامهم تغوص في الطين مع كل خطوة. كانت الرياح الباردة تعصف بهم، وكانت الأصوات الوحيدة التي يسمعونها هي أنفاسهم المتسارعة وضربات قلوبهم.
عبود (بصوت مرتجف من البرد والإرهاق): "هل سنصل إلى بر الأمان؟"
عباس (مطمئنًا نفسه وعبود): "علينا أن نؤمن بذلك. الألم مؤقت، لكن الهدف دائم."
اليوم الخامس:
في النهاية، وبعد أيام من السير الطويل والشاق، ظهر الأفق الصربي. كان هذا المنظر كأنه حلم بعيد، ولكن الوصول إليه لم يكن سهلاً. الحدود الصربية كانت مشددة، والدوريات منتشرة بكثافة. عبود وعباس وكل من معهم حاولوا الزحف بين الحشائش العالية والأشجار لتفادي اكتشافهم.
لكن في لحظة من التوتر، سمعوا صوت إطلاق نار في الهواء. الحراس اكتشفوا المجموعة، وبدأوا بالركض نحوهم. أدرك عبود وعباس أن لا مفر. لقد تم القبض عليهم.من قبل حراس الحدود البلغاريين
عبود (وهو يجثو على ركبتيه بعد القبض عليه): "كل هذا لأجل حياة جديدة؟ كيف يمكن للأمل أن يكون ثمنه كل هذا الألم؟"
عباس (بصوت منهك): "ربما هذا ليس النهاية يا عبود. علينا أن نؤمن أن الله لا ينسى عباده."
بعد القبض عليهم، تعرضوا للضرب المبرح من قبل الحراس البلغاريين، الذين كانوا يرونهم كـ "مجرمين" يحاولون عبور الحدود بطرق غير قانونية. استمر الضرب لساعات طويلة، وكانت الكدمات والجروح تغطي أجسادهم.
عبود (بصوت مكتوم بينما يلفظ دماءً من فمه): “يا الله، هل سأعيش؟”