الفصل الثلاثون: خطة الهروب

بينما كان عبود يجلس في منطقة الانتظار في المطار، تملأه مشاعر القلق والتوتر. اللحظات القادمة ستكون حاسمة في حياته، وربما تحدد مصيره للأبد. كان يدرك جيدًا أن الرحلة لن تكون مباشرة إلى سوريا، لكنه احتاج إلى تأكيد من أحد الحراس ليعرف المزيد من التفاصيل حول خط سير الطائرة. لم يكن يريد أن يسأل بشكل مباشر حتى لا يثير شكوكهم، فقرر أن يستفز أحد الحراس بطريقة ذكية ليستخرج منه المعلومات التي يحتاجها.


جلس عبود بظهره مستندًا إلى كرسي المطار البارد، وكانت عيناه تراقبان الحراس بحذر. لم يكن كل الحراس بنفس اليقظة؛ لاحظ أن أحد الحراس كان يبدو أقل حذرًا من الآخرين. هذا الحارس كان يتحدث بكثرة مع زملائه، ويبدو وكأنه مشغول بالثرثرة أكثر من متابعة المسافرين المرحلين. كانت هذه نقطة ضعف قد يستغلها عبود.


عبود (بهدوء داخلي، يتحدث إلى نفسه): "إذا أردت أن أنجو، يجب أن ألعب اللعبة بذكاء. عليّ أن أستفز هذا الحارس ليكشف لي ما أحتاج لمعرفته."

اقترب عبود من الحارس، متظاهرًا بأنه لا يكترث للأمر. ابتسم ابتسامة خفيفة، ثم نظر إلى الحارس بنظرة استفزازية متعمدة.

عبود (بصوت هادئ، مع ابتسامة ساخرة): "لحسن الحظ، أخيرًا سأنهي هذه المهزلة وسأعود مباشرة إلى سوريا. من الجميل أنني لن أضطر لزيارة دول أخرى في طريقي."


كان عبود يعلم أن هذه العبارة ستستفز الحارس وتدفعه للكشف عن تفاصيل الرحلة دون أن يشعر بأنه قد تم خداعه. الحارس، الذي بدا عليه الملل والضجر من عمله، استغل الفرصة للرد بطريقة مستفزة، معتقدًا أنه يسيطر على الموقف.

الحارس (يضحك بسخرية واضحة، بنبرة غرور): "هاها! تعتقد أنك ذاهب مباشرة إلى سوريا؟ لا، يا ذكي، الرحلة ستتوقف في تركيا والعراق قبل أن تصل إلى وجهتك."


شعر عبود بارتياح داخلي عندما سمع هذا الرد. لقد حصل على المعلومات التي كان يحتاج إليها. الرحلة لن تكون مباشرة، وهناك توقفات يمكنه استغلالها للهروب. لكن عبود لم يظهر أي تأثر أو ارتباك على وجهه. بقي محافظًا على هدوئه الخارجي وكأن ما قاله الحارس لم يكن له أهمية تذكر.

عبود (بهدوء، وكأنه غير مبالٍ): "أوه، حسنًا، على الأقل سأحظى بوقت كافٍ للتفكير في حياتي قبل الوصول إلى الوطن."

كان الحارس يظن أنه استفز عبود وجعله يشعر بالإحباط، ولكنه لم يدرك أن عبود قد حصل على كل ما يحتاجه لتخطيط هروبه. الآن، أصبح عبود يعلم أن فرصته الوحيدة للهروب ستكون عند التوقف في مطار إسطنبول، حيث يكون الزحام والفوضى في ذروتهما.


بعد أن استعاد عبود هدوءه، جلس في مكانه محاولًا تنظيم أفكاره. بدأ يرسم خطة الهروب في ذهنه. كانت الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه هي استغلال التوقف في إسطنبول. مطار إسطنبول مزدحم دائمًا، وهذا الازدحام سيكون ملاذًا له. بدأ يتذكر كل الدروس التي تعلمها من غريغور عن الحذر والصبر وكيفية استغلال الثغرات.

عبود (بينه وبين نفسه): "تركيا... هي فرصتي. إسطنبول ستكون مزدحمة والفوضى ستغمر المكان. علي أن أبحث عن لحظة ضعف في حراسة المطار. يجب أن أتصرف بذكاء وسرعة."

بدأ عبود في مراقبة الحراس الآخرين. لاحظ أن البعض منهم كانوا مرهقين من ساعات العمل الطويلة، وبدأت أعينهم تتثاقل. الحراس ليسوا في أفضل حالاتهم. هذا قد يكون العامل الذي يعول عليه.


عندما حان موعد الصعود إلى الطائرة، زادت دقات قلب عبود. كل لحظة تقترب تجعله يشعر بأن مصيره يوشك على التحديد. الحراس كانوا مشغولين بتنظيم الصفوف وقيادة المرحلين إلى الطائرة. عبود لم يفقد تركيزه، بل كان عقله يعمل بسرعة لتقييم الموقف والخطوات التي يجب أن يتخذها.

جلس في مقعده داخل الطائرة، وبدا هادئًا من الخارج، لكنه كان يعد نفسه لتلك اللحظة التي ينتظرها. كان يعرف أن الهروب لن يكون سهلًا، ولكنه قرر أن يحاول مهما كانت العواقب. كانت هذه فرصته الوحيدة.

عبود (يحدث نفسه بعزيمة): "إذا لم أهرب في إسطنبول، فربما لن أحصل على فرصة أخرى. هذه هي لحظتي."


عندما هبطت الطائرة في مطار إسطنبول، بدأت أجواء القلق تسيطر على الأجواء. كان الزحام كبيرًا، والحراس مشغولون بتنظيم الأمور. عبود بدأ يراقب كل حركة من حوله. لاحظ أن الحراس كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض، غير منتبهين بشكل كافٍ للمسافرين.

أثناء الانتقال من الطائرة إلى قاعة الانتظار، لاحظ عبود أن الحشود كانت ضخمة والفوضى تعم المكان. هذه الفوضى هي ما كان يحتاج إليه. كان هذا هو التوقيت المناسب للهروب. بدأ يتحرك ببطء، متظاهرًا بأنه يتبع الحراس، لكنه بدأ بالاقتراب تدريجيًا من مجموعة من المسافرين.

عبود (بينه وبين نفسه، بخفة ودقة): "الآن... هذه فرصتي."

بخفة وهدوء، تسلل عبود بين الحشود وكأنه واحد منهم. لم يلتفت حوله، ولم يظهر أي إشارة تدل على توتره. كان يتحرك بسرعة لكن بحذر. دقات قلبه كانت تتسارع، لكنه حافظ على تعابير وجهه الباردة.


عندما شعر عبود بأنه قد ابتعد بما يكفي عن أعين الحراس، بدأ يتجه نحو إحدى الزوايا البعيدة في المطار، حيث لا يمكن للحراس ملاحظته بسهولة. وقف للحظة ليلتقط أنفاسه، ثم نظر حوله ليتأكد من أن الحراس لم ينتبهوا لاختفائه. كان يعلم أن اللحظات القادمة ستكون حاسمة. كان لا يزال لديه طريق طويل للخروج، لكنه على الأقل الآن حر.

عبود (بصوت خافت ومليء بالعزيمة): "الخطوة الأولى تمت بنجاح. الآن، كيف سأخرج من هنا؟"

كانت هذه اللحظة بداية جديدة في رحلته نحو الحرية.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية