الفصل الرابع والاربعون: صدمة غير متوقعة

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساءً، والمكتب شبه خالٍ من الموظفين. عبود كان يجمع متعلقاته الشخصية استعدادًا للمغادرة بعد يوم طويل من العمل. لكن قبل أن يتمكن من الخروج، فاجأته أورورا وهي تقف عند مدخل مكتبه، ووجهها يحمل ملامح مزيج من القلق والتردد.

أورورا (بصوت منخفض وجاد): "عبود، هل لديك دقيقة؟"

توقف عبود عن ترتيب أوراقه ونظر إليها بدهشة. لم يكن يتوقع أن تتحدث إليه خارج إطار العمل، خاصةً بهذه الجدية.

عبود (بتعجب): "بالطبع، ما الأمر؟"

بدت أورورا وكأنها تجمع أفكارها قبل أن تتحدث. كانت تعلم أن ما ستقوله سيغير الكثير، ليس فقط بالنسبة لعبود، ولكن بالنسبة لها أيضًا. نظرت إليه بعينين مليئتين بالتردد والخوف.


أورورا (بتردد واضح): "كنت أفكر... هل تعرف غريغور؟"


صُدم عبود من السؤال، وتذكر غريغور، الرجل الذي شكل جزءًا كبيرًا من حياته في السجن والذي غير الكثير من جوانب شخصيته. لكن كانت هناك خيانة تراود ذهنه دائمًا، خيانة لم يستطع أن يغفرها.


عبود (مندهشًا وبتوتر): "غريغور؟... أين هو؟ ذاك الخائن. لقد ورطني وكذب علي."

بدت ملامح الصدمة والإنكار على وجه أورورا، وكأنها لم تصدق ما سمعته.


أورورا (بصوت مرتعش): "خائن؟ غريغور خائن؟ هذا مستحيل."

نظر إليها عبود بعينين تحملان مزيجًا من الحيرة والغضب.


عبود (بحدة): "نعم، خائن. هل تعرفينه؟"

أورورا (بصوت منخفض لكن مليء بالعاطفة): "نعم، أعرفه... لكنه ليس خائنًا، غريغور لا يخون أبدًا."


كان عبود يشعر بالغضب المتزايد تجاه غريغور، لكنه في نفس الوقت لم يكن يعلم الكثير عن خلفيته. قبل أن يستطيع الرد، جاءت الكلمات الصادمة التي غيرت كل شيء.


أورورا (وهي تحاول التماسك): "غريغور... مات. بعد وصوله إلى ألمانيا بفترة قصيرة، لقد انتحر."


تجمدت ملامح عبود للحظة، وكأنه لم يستوعب ما قالته. بدت الكلمات وكأنها تنزل عليه كالصاعقة. غريغور؟ انتحر؟ هذا مستحيل.

عبود (بصوت مرتعش وهو يحاول السيطرة على عواطفه): "غريغور... مات؟"


بدأت الذكريات تتدفق على عبود كالسيل. تذكر كيف كان غريغور يقف إلى جانبه في السجن، كيف علمه أن يكون قوياً وأن يقاتل من أجل البقاء. رغم الخيانة التي شعر بها عندما لم يرسل غريغور أحدًا لإنقاذه، إلا أن هناك جزءًا من عبود كان يشعر بالامتنان لهذا الرجل الذي كان له دور كبير في تشكيل شخصيته.


عبود (وهو يشعر بالارتباك والدموع تلمع في عينيه): “لهذا لم يأت لمساعدتي؟ كان يعدني بالخروج... لكنه لم يأتِ.”


أورورا (بصوت حزين): "أنا آسفة، عبود. لم أكن أعلم أنك كنت تعرفه بهذه الطريقة. لكن أريدك أن تعرف أن والدي، غريغور، لم يكن كما تظن. لقد كان يعاني كثيرًا بعد وصوله إلى ألمانيا. الأمور التي حدثت له... كانت أكبر مما كان يستطيع تحمله."


جلس عبود على الكرسي ببطء،غريغور والدك؟  وبدأت الدموع تتجمع في عينيه، لكنه أبقى وجهه صارمًا، يحاول أن يظل قويًا كما تعلم. كانت المشاعر تتصاعد بداخله – الغضب، الحزن، والارتباك. كيف يمكن لشخص قوي مثل غريغور أن ينتهي به الأمر إلى الانتحار؟


عبود (وهو يحاول السيطرة على صوته): "انتحر؟ هذا مستحيل... غريغور لم يكن شخصًا يستسلم. كان دائمًا يخبرني أن الحياة قاسية، لكننا يجب أن نقاتل. كيف يمكن لشخص مثله أن يفعل ذلك؟"


أورورا (بحزن عميق): "لقد كان يخفي الكثير من الألم. حتى أنا لم أكن أعرف حجم ما كان يمر به حتى اللحظة الأخيرة. لقد كان عالقًا بين مشاكله في العمل وبين المنظمة التي كانت تطارده. وفي النهاية، لم يجد مخرجًا."


عبود بدأ يشعر بالذنب يتسلل إلى قلبه. كان غاضبًا من غريغور لفترة طويلة، يعتقد أنه خانه، لكنه الآن يشعر وكأن الحقيقة كانت أكبر من كل ما كان يظنه.


عبود (بصوت خافت): "كنت أعتقد أنه خانني... لكنه كان يعاني. لماذا لم يخبرني؟ لماذا لم يحاول الوصول إلي؟"

أورورا (بعينين دامعتين): "كان يريد حمايتك. كان يعلم أن الأمور ستزداد تعقيدًا إذا عرف المزيد من الأشخاص. ولهذا السبب، حاول إبقاء الجميع بعيدًا عن مشاكله."


كانت الغرفة هادئة تمامًا بعد هذه المحادثة، وكأن الزمن توقف للحظة. عبود لم يستطع التحدث أكثر، وكان في حاجة إلى وقت لاستيعاب كل ما قيل. تركته أورورا ليواجه مشاعره وحده، لكنها كانت تعلم أنهما قد بدءا رحلة جديدة معًا، رحلة البحث عن إجابات لماضي والدها وما يعنيه ذلك لمستقبلهما.


عبود (بينه وبين نفسه): “غريغور... مهما كان ما فعلته، لن أنسى ما علمتني إياه. لقد تركت أثرًا عميقًا في حياتي، وسأظل أقاتل، حتى وإن لم تكن هنا.”



إعدادات القراءة


لون الخلفية