عبود شعر بتدفق مشاعر مختلطة من الدهشة، الحيرة والفرح في آنٍ واحد. لم يكن يتوقع أن يسمع اسم عباس بعد كل هذه السنوات، والأهم، لم يتوقع أن يتمكن عباس من الوصول إليه بعد كل ما مر بهما. جلس أمام المحامي محاولاً استيعاب الموقف.
عبود (بصوت مفعم بالتساؤل): "عباس...؟ كيف هو؟ كيف تمكن من الوصول إلي؟"
المحامي (بابتسامة مطمئنة): "عباس بخير، وهو يعيش الآن في ألمانيا. بعد كل ما مر به، استطاع أن يستقر هناك، وبدأ حياته من جديد. عندما علم بما حدث لك، قرر أن يفعل كل ما في وسعه لمساعدتك. لقد وظفني لمتابعة قضيتك هنا في بلغاريا."
تدافعت الذكريات في ذهن عبود، تلك اللحظة التي اضطر فيها لعباس أن يهرب وهو يصرخ اسمه، بينما كان عبود يتعرض للضرب الوحشي على يد الحراس. لم يكن يتخيل أن يتقاطع طريقهما مرة أخرى. كان دائمًا يفكر في عباس، ويتساءل عما إذا كان قد تمكن من الوصول إلى ألمانيا بسلام.
عبود (بصوت مرتعش من التأثر): "لم أكن أعلم... ظننت أنني لن أراه مجددًا. هل حقًا يعيش في ألمانيا؟ وهل هو بخير؟"
المحامي (مطمئنًا): "نعم، وهو بخير. لكنه لم ينسَك قط. أخبرني كيف كان يعتبرك أكثر من مجرد صديق. أنتما أشقاء في هذه الرحلة، وها هو الآن يحاول رد الجميل. لقد تواصل معي عندما علم أنك في السجن، وقرر أنه يجب علينا العمل على إخراجك."
كان عبود يكاد لا يصدق ما يسمعه. لم يكن مجرد خبر أن عباس يعيش حياة جديدة في ألمانيا، بل أن عباس لم ينسَ صداقتهما، ولم يتخلَ عنه رغم كل ما مر به. هذا الأمر جعله يشعر بأن كل تلك السنوات من المعاناة والظلم لم تكن بلا معنى.
عبود (بنبرة امتنان ودهشة): "لا أصدق... بعد كل ما مررنا به، وبعد كل ما حدث، لا يزال عباس يتذكرني؟"
المحامي (بحزم): "بالطبع يتذكرك. وهو يعتقد أن هذا أقل ما يمكنه فعله. لقد روى لي قصتكما، وكيف كان عبور الحدود من أخطر التحديات التي واجهتكما. يعرف عباس أن الوضع ليس سهلًا هنا، لكنه يؤمن بأننا نستطيع فعل شيء من أجلك."
عبود شعر وكأن وزناً ثقيلاً قد انزاح عن صدره. بعد سنوات من الوحدة والمعاناة داخل الزنزانة، ها هو أمل جديد ينبثق أمامه. فكرة أن هناك من لا يزال يفكر فيه، من يحاول مساعدته، جعلته يشعر بأن العالم لم يعد بذلك السوء.
عبود (بصوت حالم): "ألمانيا... لم أكن أتوقع أن أصل إليها. كنت أفكر بأن الحلم انتهى، لكن عباس... إنه يمنحني أملًا جديدًا."
المحامي (بجدية): "الطريق ليس سهلاً، عبود. لكننا نعمل بجد من أجلك. عباس جمع بعض المال لمساعدتك في تسديد تكاليف القضية، ونحن نبحث في خيارات استئناف الحكم. لدينا عدة أسباب قوية تجعلنا نعتقد أنه يمكننا تخفيف عقوبتك، أو على الأقل تقصير مدتها."
كانت هذه الأخبار كالماء البارد على قلب عبود المتعطش للأمل. نظر إلى المحامي بعينين تملؤهما الدموع، وقال بصوت خافت:
عبود: "لا أستطيع أن أشكر عباس بما فيه الكفاية... لقد أعاد لي الأمل."
المحامي: "هذا ما يفعله الأصدقاء، عبود. لكنك تحتاج إلى أن تبقى قويًا الآن. لا يزال هناك عمل يجب أن نقوم به. سنحتاج إلى شهادات، وسنعمل على إظهار الظروف التي كنت تمر بها عندما حدثت المواجهة مع الحارس."
جلس عبود لبضع دقائق مع المحامي، يناقش تفاصيل القضية، ويتحدث عن الصعوبات التي واجهها منذ دخوله السجن. المحامي أظهر له خطة العمل التي وضعها، ووعده بأنه سيقوم بكل ما بوسعه لتقديم استئناف جيد.
المحامي (قبل مغادرته): "ابقَ قويًا يا عبود. هذه ليست النهاية. لدينا فرصة جيدة، ولا تنسَ أن عباس في انتظارك في ألمانيا. سنفعل كل ما في وسعنا لتحقيق ذلك."
عندما غادر المحامي الزنزانة، شعر عبود بمزيج من المشاعر. لأول مرة منذ سنوات، شعر بأن هناك بصيصًا من الأمل في نهاية هذا النفق المظلم. جلس عبود على سريره، وأخذ نفسًا عميقًا. بدأ يفكر في كل اللحظات التي مر بها مع عباس، وفي تلك الرحلة الطويلة التي قطعوها معًا. رغم كل ما مر به، ها هو الآن يملك أملًا جديدًا.