الفصل السادس والثلاثون: الطريق الى أثينا

عبود لم يكن ليقف مكتوف الأيدي بعد كل ما مر به من تجارب قاسية. بعد وصول القارب إلى الشاطئ اليوناني، كانت الأمور تبدو وكأنها تسير بسلاسة، إلى أن ظهرت الشرطة اليونانية فجأة وبدأت في القبض على المجموعة التي كانت معه. الركاب الذين كانوا يشعرون بالأمان منذ لحظات قليلة، الآن كانوا يتناثرون في كل اتجاه، يحاولون الهروب أو التفاوض مع الشرطة.


لكن عبود تعلم من تجاربه السابقة. لم يكن سيقع في نفس الفخ مرة أخرى. كانت عيناه تراقبان التحركات بعناية، وبدلاً من الانجراف مع الفوضى، بدأ بتقييم الوضع ببرود وذكاء.


بينما كانت الشرطة تحاصر المجموعة وتبدأ في اعتقالهم، تراجع عبود إلى الخلف بهدوء، مستفيدًا من الفوضى التي تعم المكان. لم يكن يتصرف كغيره من الركاب الذين اندفعوا بشكل عشوائي محاولين الهروب؛ بل راقب الشرطة بتمعن، يبحث عن أي نقطة ضعف يمكن أن يستغلها.


عبود (محدثًا نفسه بصوت داخلي): "الفرص تأتي لمن يراقب بعناية... لا تتعجل، فقط انتظر اللحظة المناسبة."

أحد أفراد الشرطة كان يمسك بجهاز لاسلكي ويعطي تعليمات لفريقه، بينما كانت مجموعة أخرى منهم تركض خلف بعض الفارين. عبود استغل هذه اللحظة ليبدأ في التحرك ببطء نحو الزاوية الخلفية من الشاطئ، حيث كانت هناك صخور مرتفعة يمكن استخدامها للتسلل بعيدًا عن الأنظار.


عبود عرف أن السرعة ليست في صالحه الآن. كان يحتاج إلى هدوء ودقة في تحركاته. بدأت خطواته تتسارع ولكن بحذر، متجهًا نحو الصخور التي كانت تشكل حاجزًا طبيعيًا يمكن أن يخفيه عن أعين الشرطة. نظر حوله، رأى أن معظم الركاب الآخرين قد تم القبض عليهم، لكن الشرطة لم تلحظه بعد.

عبود (بهدوء داخلي): "الآن... إنها فرصتي."

بدأ يتسلق الصخور بحذر، محاولاً تجنب إصدار أي أصوات قد تجذب الانتباه. كان الجو مظلمًا بعض الشيء، مما ساعده في التخفي، ولكن قلبه كان ينبض بسرعة. كل خطوة كانت تحمل مخاطرة، لكنه كان يعلم أنه إذا نجح في الابتعاد عن الشرطة الآن، فسوف يكون قادرًا على مواصلة رحلته إلى أثينا.


بعد أن تمكن من عبور الصخور، وجد نفسه أمام غابة صغيرة. كانت الأشجار كثيفة، مما جعله يشعر بشيء من الراحة. دخل الغابة بسرعة، وبدأ في التحرك بين الأشجار بصمت، محاولًا الابتعاد عن الشاطئ بأسرع ما يمكن. رغم أن التعب بدأ يتسلل إلى جسده، إلا أنه لم يكن مستعدًا للتوقف.

عبود (بين نفسه): "لن أسمح لهم بالإمساك بي. وصلت إلى هنا ولن أعود إلى الوراء."

كلما تعمق في الغابة، كان يشعر بالمسافة تتزايد بينه وبين الشرطة. لكنه كان يعلم أن هذه ليست النهاية؛ الرحلة إلى أثينا كانت لا تزال طويلة، وهو بحاجة إلى طريقة للوصول إلى هناك دون أن يتم اكتشافه.


بعد ساعات من السير بين الأشجار والطرق الترابية، بدأ عبود يشعر بالإرهاق، لكن عقله كان لا يزال حادًا. كان يعلم أن أثينا هي وجهته، وأنه بحاجة للوصول إلى هناك للبحث عن الأمان. لم يكن يملك المال، ولا أصدقاء في اليونان، لكنه كان يعلم أنه يجب عليه الاعتماد على ذكائه وموارده المحدودة.


وصل عبود إلى طريق صغير يمر عبر القرية القريبة. كان الطريق هادئًا، ولم تكن هناك حركة مرور كبيرة، مما جعله يشعر بشيء من الراحة. قرر أن يسير على طول الطريق، متجنبًا المناطق المزدحمة.

عبود (بصوت هادئ): "الطريق إلى أثينا طويل، لكنني قطعت شوطًا كبيرًا بالفعل. لن أسمح لأي شيء بإيقافي الآن."

بينما كان يسير في الطريق، بدأ يفكر في كل ما حدث له منذ مغادرته سوريا. كل الألم، الخوف، والمعاناة التي مر بها جعلته أقوى وأكثر تصميمًا على الوصول إلى هدفه. كان يعلم أن أثينا ليست النهاية، ولكنها محطة مهمة في رحلته نحو الحرية.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية