الفصل الثامن والثلاثون: الرحلة إلى ألمانيا

بعد أيام من وصوله إلى أثينا، كان عبود يشعر بأن الخطر لا يزال يلاحقه، وأنه بحاجة إلى إيجاد مخرج سريع قبل أن يقع في مشكلة أكبر. كان يعلم أن أثينا ليست محطته الأخيرة، وأن الهدف الذي سعى إليه منذ البداية كان الوصول إلى ألمانيا. كانت تلك الأرض بالنسبة له تمثل بداية جديدة، حياة أخرى يمكن أن يحقق فيها شيئًا من الأمان والحرية.


بدأ عبود يتجول في الأحياء القديمة من أثينا، حيث تنتشر الشائعات عن وجود شبكة من المهربين المتخصصين في تزوير الوثائق وتقديم خدمات السفر غير القانونية. كان يعلم أن التعامل مع هؤلاء الأشخاص محفوف بالمخاطر، لكن لم يكن لديه خيار آخر. كان العالم السفلي لهذه المدينة هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يجد فيه مهربًا يثق فيه – ولو بقدر قليل – ليساعده في الوصول إلى هدفه.


دخل عبود إلى مقهى صغير في أحد الأحياء الشعبية، حيث سمع أن المهربين يترددون عليه بشكل منتظم. جلس في زاوية المقهى، وطلب قهوة ليشربها ببطء وهو يراقب الداخلين والخارجين. كان يبحث عن الرجل الذي يُشاع عنه أنه "يوسف"، أحد أبرز المهربين في المدينة، والذي قيل إنه قادر على تأمين جوازات سفر مزورة بجودة عالية.


بعد حوالي ساعة من الانتظار، دخل رجل يرتدي معطفًا طويلًا ويضع نظارات شمسية على وجهه. كان هذا الرجل يملك حضورًا مخيفًا جعل الجميع ينظر إليه بفضول، لكنه تجاهل الجميع وتوجه مباشرة نحو زاوية المقهى. عبود عرف على الفور أنه "يوسف".


تقدم عبود نحو يوسف بحذر، ثم جلس أمامه دون أن يدعوه إلى الجلوس. تبادلا نظرات حذرة، حيث كان يوسف يراقب عبود بدقة، محاولاً تقييمه.

يوسف (بصوت منخفض ومتحفظ): "ماذا تريد؟"

عبود (بجدية): "أحتاج إلى جواز سفر. شيء قوي، غير قابل للكشف. أريد السفر إلى ألمانيا."

ابتسم يوسف قليلاً، وكأنه كان يتوقع مثل هذا الطلب. كان يعلم أن أمثال عبود يبحثون دائمًا عن الفرار، وعن وسائل للهرب من ماضيهم المظلم.

يوسف (بنبرة متهكمة): "ألمانيا، ها؟ إنها ليست رخيصة. جواز سفر جيد سيكلفك الكثير."

عبود (بصوت جاد): "أعرف. لدي بعض المال، وسأدفع ما يلزم. لكن يجب أن يكون الجواز آمنًا. لا يمكنني المخاطرة بالفشل."

يوسف جلس لبعض الوقت، ثم قال بابتسامة هادئة: "الأمان يأتي بثمن. سأجهز لك جوازًا جيدًا، لكنني بحاجة إلى ثلاثة أيام. ستحصل على أوراقك في المطار، قبل أن تصعد إلى الطائرة مباشرة."

عبود (بحذر): "ثلاثة أيام؟ حسناً، لكن ما الذي أحتاجه غير الجواز؟"

يوسف (بثقة): "لا شيء. أنا أتولى كل شيء. ستحصل على تذكرة سفر، وجواز السفر المزور، وحتى قصة تغطية قوية إذا سألك أحد عن هويتك."


عبود شعر ببعض الراحة. رغم أنه لم يكن يثق تمامًا في يوسف، إلا أن الرجل بدا محترفًا بما يكفي ليوفر له فرصة جيدة.


على مدار الأيام الثلاثة التالية، بقي عبود في حالة توتر. كان يشعر بالقلق من أن شيء ما قد يحدث، أن الشرطة قد تلقي القبض عليه أو أن يوسف قد يخدعه. لكنه لم يكن لديه خيار آخر سوى الانتظار.

أخذ وقته في التحضير النفسي لهذه الرحلة، كان يعلم أن التحدي الأكبر لم يأتِ بعد. عبود، الذي أصبح أكثر خبرة وذكاء منذ مغادرته سوريا، كان يعرف أن كل شيء يعتمد على مدى هدوئه في المطار، ومدى قدرته على التعامل مع الضغوط دون أن يلفت الانتباه.



في اليوم الثالث، التقى عبود بيوسف في مكان مهجور قريب من المطار، حيث تم تسليمه جواز السفر المزور وتذكرة الطيران. كان جواز السفر يبدو حقيقيًا تمامًا، حتى أن عبود شعر بالدهشة من مدى احترافيته.

يوسف (بنبرة واثقة): "تذكر، لا تتصرف بغرابة. استخدم الجواز بثقة، ولا تنظر إلى الحراس بطريقة مريبة. كل شيء يجب أن يكون طبيعيًا."

عبود أخذ الأوراق، وأومأ برأسه. كان يعرف أن هذه اللحظة هي الأكثر حسمًا في رحلته. إذا تمكن من تجاوز المطار، فسيكون أقرب خطوة إلى حلمه.


وصل عبود إلى المطار وبدأ يتحرك بهدوء بين المسافرين. كان الجو مشحونًا بالتوتر، لكن عبود حافظ على رباطة جأشه. عندما وصل إلى نقطة الفحص، قدم جوازه المزور للحارس، الذي قام بفحصه بعناية.

عبود "ابقَ هادئًا."

الحارس أعاد الجواز إليه بعد فحصه، وأشار له بالمرور.

عبود (بصوت داخلي متوتر لكنه ممتن): "لقد نجحت... أخيرًا."


بعدما صعد إلى الطائرة ووجد مقعده، شعر عبود بارتياح عميق. لم يكن يصدق أنه قد وصل إلى هذه النقطة. أثينا كانت خلفه، وألمانيا أمامه.

عبود (بين نفسه): "ألمانيا... أخيرًا."


بينما كانت الطائرة تقلع، كانت أفكار عبود تتوجه نحو المستقبل. كان يعلم أن الوصول إلى ألمانيا هو بداية جديدة، لكنه كان يدرك أيضًا أن هناك تحديات أخرى تنتظره.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية