الفصل العاشر: بدأت الرحلة

بدأت رحلة عبود وعباس عبر بلغاريا بعد أيام من التخطيط والاتصالات. كانا قد وجدا مهربًا موثوقًا نسبيًا، ويعمل على نقل اللاجئين عبر الجبال الوعرة إلى بلغاريا بعيدًا عن أعين الدوريات العسكرية. كانت هذه الطريق مليئة بالتحديات، لكنها كانت الخيار الأكثر أمانًا من المخاطرة في البحر الهائج.

في صباح يوم الرحلة، جمع عبود وعباس أغراضهما البسيطة وودعا إسطنبول على أمل ألا يضطرا للعودة إليها أبدًا. التقى الشابان بالمهرب في مكان سري بعيد عن الأنظار، وهو رجل في منتصف العمر ذو لحية خفيفة وملامح مرهقة. بدا عليه أنه مر بالكثير من الصعاب في هذا العمل.

المهرب (وهو يشير إلى طريق ضيق عبر الغابة): "من هنا سنبدأ. الطريق طويل وشاق، وعلينا أن نسير بهدوء. لا نريد لفت انتباه الحراس البلغاريين."


بدأت الرحلة بين الجبال والغابات. كانت الأشجار كثيفة والطرقات ضيقة، والطبيعة البرية المحيطة بهما تجعل الأمور أكثر تعقيدًا. كانت الأجواء باردة، وكلما تسلقوا مرتفعات أعلى، ازدادت الرياح برودة واشتدت قسوتها. كان جسديهما ينهكان مع مرور الوقت، خاصة أن عبود كان يعاني من إصابة قديمة في قدمه إثر الحادث الذي تعرض له في تركيا.


عباس (متعبًا وهو يتنفس بصعوبة): "هل تعتقد أننا سنصل بسلام؟"

عبود (محاولاً تشجيعه): "علينا أن نؤمن بذلك. لقد مررنا بأصعب من هذا، وعلينا فقط أن نصمد قليلًا."

في الليل، كان المهرب يجد أماكن آمنة للمبيت. لم يكن هناك فراش مريح أو طعام دافئ، بل مجرد قطعة قماش على الأرض وتحت السماء المكشوفة. كان عبود وعباس يجلسان في صمت، كل منهما غارق في أفكاره. عبود كان يفكر في والدته وليلى، يتساءل ما الذي يحدث في سوريا، وكيف يمكن أن يكون مستقبله أفضل في ألمانيا. أما عباس، فكان يفكر في عائلته التي تركها في تركيا، ويحاول أن يتخيل ما إذا كان سيتمكن من جلبهم معه يومًا ما.


عباس (بهمس وهو ينظر إلى السماء): "هل تعتقد أننا سنرى ألمانيا يومًا ما؟"

عبود (بثقة هادئة): "سنصل. ليس لدينا خيار آخر."

استمرت الرحلة لعدة أيام. الجبال أصبحت أصعب وأصعب، والمخاوف تزداد مع كل خطوة. في إحدى الليالي، حين كانا يستريحان في مخيم صغير، سمعا أصواتًا في الأفق. كانت تلك الأصوات لدوريات حدودية بلغارية. شحب وجهيهما، وأدركا أن الخطر قريب.

المهرب (بصوت منخفض وهو يشير بيده): "علينا التحرك بسرعة. لا يمكننا البقاء هنا."


ساروا بهدوء عبر الغابة، يحاولون تجنب الأصوات. لكن فجأة، سمعوا صوتًا قريبًا جدًا، وكأن الجنود كانوا على بعد أمتار قليلة منهم. تجمد الجميع في أماكنهم، وصوت القلوب النابضة كان يكاد يسمع من شدة التوتر.

عبود (وهو يهمس لعباس): "ابقَ هادئًا. لا تتحرك."

كانوا محظوظين تلك الليلة، فقد مرت الدورية دون أن تلاحظهم. لكن الخوف الذي عاشوه جعلهم أكثر حرصًا في الأيام التالية.

وأخيرًا، بعد عدة أيام من السير والمخاطرة، وصلوا إلى الحدود البلغارية. هناك، كان عليهم الانتظار حتى يتم تأمين طريقة دخولهم إلى البلد بشكل غير قانوني. المهرب اتصل بشخص آخر في بلغاريا سيساعدهم في اجتياز الحدود.


المهرب (وهو يشير نحو الاتجاه): "هذا هو المكان الذي سنتوقف عنده. بمجرد أن نعبر الحدود، سنكون في أمان نسبيًا."

كانت اللحظة حاسمة. وقف عبود وعباس معًا، ينظران إلى الأمام، ويدركان أن هذه الخطوة هي الأصعب. لكن في الوقت ذاته، كانت تحمل لهم الأمل في حياة جديدة.

عباس (بصوت خافت): "هذا هو.. الخطوة الأخيرة قبل أن نصل إلى أوروبا."

عبود (وهو يمسك بكتف عباس): "لقد قطعنا شوطًا كبيرًا يا صديقي. لا تنظر إلى الوراء الآن."


تحركوا بخفة عبر الحدود، يتجنبون الحراس البلغاريين والمخاطر المحيطة بهم. كان كل شيء على المحك، لكنهم عبروا في النهاية. كانت تلك اللحظة مليئة بالمشاعر، ما بين الخوف والفرح والرهبة.

وصلوا إلى بلغاريا، وبالرغم من أن الطريق لم ينته بعد، إلا أن عبود وعباس شعرا بأن الحلم يقترب. كانت ألمانيا لا تزال بعيدة، لكنهما عرفا أن الأمل الذي بدا مستحيلاً يوماً ما، أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى.


بعد أن استقروا قليلاً في بلغاريا، بدأوا في التخطيط للمرحلة التالية من رحلتهم الطويلة، وهي الانتقال إلى ألمانيا عبر دول البلقان. كانت الصعوبات لا تزال في الطريق، لكنهم كانوا مستعدين لمواجهتها، مسلحين بالأمل والمثابرة.

كانت هذه المرحلة الجديدة من حياتهم بداية لرحلة أكثر تعقيدًا، لكنها حملت في طياتها الأمل في مستقبل جديد وحياة أفضل.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية