الايام في الحبس كان كالجحيم بالنسبة لعبود وعباس. تم إيداعهم في زنزانة ضيقة مع عدد كبير من اللاجئين الآخرين، والظروف كانت لا تحتمل. الجدران العتيقة تضيق الأنفاس، والرائحة الكريهة تملأ المكان. كانت الأضواء خافتة، بالكاد تستطيع رؤية الوجوه في الظلام. الحراس البلغاريون كانوا قساة للغاية، ولم يترددوا في استخدام العنف لأي سبب كان.
عبود (وهو يجلس على الأرض الرطبة، مستندًا على الجدار): "لم أكن أتخيل يومًا أنني سأصل إلى هذا الحد. كل ما أردته هو حياة أفضل."
عباس (بصوت متعب، وقد وضع يده على كتف عبود): "إنها لعنة الهروب. الهروب من الموت إلى الموت. كأننا مجرد أرقام بالنسبة لهم."
كانت الليالي تمر ببطء، كل لحظة تبدو وكأنها أبدية. أصوات الأنين كانت لا تتوقف، اللاجئون يئنون من الجوع والبرد، والمرض بدأ يفتك بالبعض منهم.
عبود (بهمس متقطع وهو يحاول استعادة أنفاسه بعد جولة أخرى من الضرب): "أمي كانت تحذرني دائمًا من هذه الرحلة، لكنها لم تكن تعلم أن العذاب سيكون بهذا الشكل."
عباس (بصوت هادئ وكأنه يحاول إخفاء خيبته): "أنا لا أندم على شيء يا عبود. لو كان هذا الثمن للوصول إلى حياة جديدة، فأنا مستعد لدفعه. لكن... كم علينا أن ندفع قبل أن نجد الأمان؟"
كان الحراس البلغاريون يدخلون الزنزانة في أي وقت، يختارون عشوائيًا من اللاجئين ليضربوهم أو يأخذوهم إلى استجواب طويل ومؤلم. كل يوم كان بمثابة اختبار للبقاء على قيد الحياة.
عباس (بصوت مرتجف بعد يوم طويل من العذاب): "هل تظن أن الله يسمعنا؟"
عبود (بنبرة تائهة): "الله معنا دائمًا، لكنني بدأت أفقد قدرتي على الصبر. كم علينا أن نتحمل قبل أن نرى شيئًا من الرحمة؟"
بعد مرور شهر، جاء أمل صغير. أبلغهم الحراس بأنهم سيتم نقلهم إلى مخيم في ألمانيا. في تلك اللحظة، شعر عبود وعباس وكأن هذا الخبر هو بداية الخلاص. لكن هذا الأمل سرعان ما تحول إلى كابوس آخر.
عبود (وهو ينظر إلى عباس بنظرة تعبئة بالأمل الممزوج بالخوف): "هل تصدق هذا؟ ربما نكون قريبين من نهاية هذا العذاب."
عباس (بتنهيدة طويلة): "لن أصدق حتى أرى بأم عيني. لقد كذبوا علينا من قبل."
في اليوم التالي، تم وضعهم في شاحنة ضيقة. كانوا جميعًا مقيدين ومغمى على أعينهم، ولم يكن لديهم أي فكرة إلى أين يتم أخذهم. مرت ساعات طويلة في الظلام والبرد، وكان الصمت يخيم على الجميع.
عبود (بصوت منخفض، محاولًا كسر الصمت): "هل تظن أننا حقًا ذاهبون إلى ألمانيا؟"
عباس (بهمس ثقيل): "لا أعلم يا عبود. ربما تكون مجرد خدعة أخرى."
في اللحظة التي بدأ فيها عبود يشعر بشيء من الأمل، توقفت الشاحنة فجأة، وبدأ الحراس البلغاريون بالصراخ عليهم للنزول. عندما تمت إزالة الأغماد عن أعينهم، وجدوا أنفسهم في مخيم بلغاري آخر، وليس في ألمانيا كما وُعدوا.
عبود (وهو يقف مشدوهًا، ينظر إلى عباس بعينين مليئتين بالصدمة): "كذبوا علينا... مرة أخرى."
عباس (بصوت مليء بالغضب): "كأنهم يستمتعون بتعذيبنا. كلما قدموا لنا بصيص أمل، سحبوه منا وجعلونا نغرق في اليأس."
تم وضعهم في خيمة مهترئة في المخيم، وكانت الظروف هنا أسوأ من الحبس. لا يوجد طعام كافٍ، والبرد كان قارسًا لدرجة أن الجليد كان يتشكل على أطراف الخيام في الليل. كانوا محاطين بأسلاك شائكة، ولا يُسمح لهم بالخروج أو التواصل مع العالم الخارجي.
عبود (بصوت مليء بالتعب وهو يجلس داخل الخيمة ويحتضن ركبتيه): "أشعر أنني أموت ببطء هنا، عباس. لم يعد لديّ أي طاقة للقتال."
عباس (وهو ينظر إليه بعيون مثقلة بالهموم): "لا تقل هذا يا عبود. نحن نجونا من الأسوأ. نعم، نحن محاصرون هنا، لكن لا يزال لدينا فرصة. علينا أن نتمسك بها، مهما كان الثمن."
مرت الأيام ببطء شديد في المخيم. عبود وعباس كانا يكافحان من أجل البقاء، لكن الأمل في الهروب من بلغاريا بدأ يتلاشى مع كل يوم يمر. في أحد الأيام، بعد جولة طويلة من الانتظار في طوابير الطعام، جلسوا سويًا وبدأوا يتحدثون عن مستقبلهم.
عبود (بصوت هادئ لكنه مثقل بالتفكير): "ماذا سنفعل يا عباس؟ هل ننتظر هنا حتى نموت؟"
عباس (بإصرار): "لا، سنهرب مرة أخرى. ربما لم ننجح هذه المرة، لكنني لن أستسلم. علينا أن نخطط بعناية. هذه المرة، لن نعتمد على أي وعود كاذبة."
عبود (بصوت متردد): "أليس من الأفضل أن نعود؟ أن ننسى كل هذا ونتعايش مع ما تبقى؟"
عباس (بغضب مكبوت): "نعود إلى ماذا؟ إلى الدمار؟ إلى الموت؟ لا يا عبود، أنا لن أعود. قد يكون الطريق أمامنا صعبًا، لكنه الطريق الوحيد للخلاص."
بدأت الفكرة تدور في رأس عبود. رغم كل شيء، كان يعلم أن عباس على حق. لا يمكنهما العودة إلى الخلف. كان عليهم المضي قدمًا، مهما كانت المخاطر.