في اليوم التالي جلس عبود في قاعة المحكمة، منتظرًا بفارغ الصبر القرار الذي سيحدد مستقبله. كانت عيناه تراقبان القاضي وهو يتصفح أوراق القضية، والحاضرون في القاعة يترقبون بدورهم. كان في داخله مزيج من التوتر والخوف، على الرغم من كل محاولاته لتهدئة نفسه.
إلى جانبه، جلس المحامي وعباس. المحامي بدا واثقًا، بينما عباس كان يضغط على يده في محاولة لتهدئته. لقد قطعا شوطًا طويلًا معًا، والآن، كل شيء معلق على قرار القاضي.
القاضي (بصوت رسمي):
"بعد مراجعة الأدلة، وسماع المرافعات، قررت المحكمة أنه يجب على المتهم، عبود، إما أن يقضي مدة سجنه المتبقية هنا، ومن ثم يتم ترحيله إلى سوريا، أو يختار الترحيل الفوري إلى بلده."
الكلمات كانت كالصاعقة التي ضربت عبود في لحظة واحدة. توقف الزمن، ووجد نفسه غير قادر على استيعاب ما قيل للتو. ترحيل إلى سوريا؟ العودة إلى الأرض التي هرب منها خوفًا من الموت والدمار؟ لم يكن هذا هو القرار الذي كان يتوقعه أو يأمله.
عبود (بصوت متهدج ومليء بالصدمة):
"سوريا؟ كيف... كيف يمكن أن أعود إلى هناك؟ لقد هربت من الحرب والموت... لا يمكنني العودة الآن."
المحامي، الذي كان يحاول البقاء هادئًا، شعر بالقلق الشديد. لم يكن هذا القرار هو ما خطط له، وكان يعلم أن عبود لن يستطيع تقبل العودة إلى سوريا.
المحامي (موجهًا كلامه إلى القاضي):
"يا سيدي القاضي، عبود فر من سوريا بحثًا عن الأمان. إذا تم ترحيله الآن، فإنه سيواجه نفس الظروف التي هرب منها. نحن نطلب من المحكمة إعادة النظر في هذا القرار، فالتبعات على حياته ستكون خطيرة."
لكن القاضي لم يتراجع. رفع عينيه من الأوراق، وقال بصوت حازم:
القاضي:
"سيدي المحامي، هذا القرار يستند إلى القانون. سوريا هي بلده الأصلي، ومن حقنا ترحيله إليها بعد قضاء مدة الحبس. هذه المحكمة ليست هنا لتحديد مصير السياسيين أو الظروف في بلد معين."
عبود شعر وكأن الأرض تنهار من تحت قدميه. عاد إلى كرسيه، وعيناه تمتلئان بالدموع. لم يكن يتخيل أن ينتهي به المطاف في العودة إلى سوريا، بعد كل ما مر به.
التفت إلى عباس، الذي كان ينظر إليه بنظرة مشفقة. كان من الواضح أن عباس أيضًا يعاني من وقع هذا القرار. نظر عبود إليه وقال بصوت مختنق:
عبود (بصوت مليء باليأس):
"عباس، ما الذي يجب أن أفعله؟ كيف يمكنني العودة؟"
عباس، الذي كان يحاول أن يخفف عن صديقه، لم يستطع الكذب. فقد كان يعلم أن الوضع في سوريا لم يتحسن كثيرًا، وأن العودة ستكون محفوفة بالمخاطر. لكنه كان يحمل أيضًا سرًا مؤلمًا، سرًا ظل يخفيه عن عبود طيلة الفترة الماضية.
عباس (بتردد وحزن عميق):
"عبود... قبل أن تتخذ قرارك، هناك شيء يجب أن تعرفه. لم أكن أريد أن أخبرك بهذا الآن، لكن... أمك، عبود... أمك توفيت.منذ مدة طويلة"
عبود جمد في مكانه. لم يستطع استيعاب ما سمعه. للحظة، توقف الزمن مرة أخرى. تلك الكلمات اخترقت قلبه كالسهم.
عبود (بصدمة كاملة):
"ماذا؟ ماذا تقول؟"
نظر إليه عباس، ودموعه تملأ عينيه.
عباس (بصوت مرتجف):
"لقد ماتت بعد أشهر من دخولك السجن. حاولت أن أخبرك، لكن لم يكن لدي وسيلة للتواصل معك. ظننت أنه من الأفضل أن لا أخبرك أثناء وجودك في السجن... لكنها رحلت يا عبود."
القاعة أصبحت صامتة. عبود جلس هناك، لا يعرف كيف يتعامل مع هذا الخبر. كل شيء بدا وكأنه ينهار من حوله. أمه، التي كانت الأمل الوحيد الذي يتمسك به في حياته، رحلت. لم يعد هناك أي شيء ينتظره في سوريا. الدموع بدأت تنهمر من عينيه بلا توقف، وكأنه لا يستطيع السيطرة عليها.
عبود (بصوت مكسور):
"أمي... رحلت؟ كيف؟ لماذا لم تخبرني؟"
عباس شعر بالذنب. لم يكن هناك طريقة جيدة ليخبره بهذا الخبر، لكن الوقت كان قد حان. كل ما كان يريده هو أن يخفف عنه، لكن لم يكن هناك ما يمكنه قوله ليزيل هذا الألم.
عباس (بصوت مفعم بالألم):
"أنا آسف يا عبود... لم أكن أريد أن أزيد من معاناتك. لكنها رحلت بسلام... وكنت تعرف كم كانت تحبك."
عبود انفجر بالبكاء، والصمت في القاعة أصبح ثقيلًا. كان كل شخص في القاعة يشعر بثقل الموقف. لم يعد هناك أي شيء يربط عبود بسوريا الآن. لم يعد هناك أمل في العودة إلى عائلته. الجدار الوحيد الذي كان يستند عليه في تلك اللحظات قد انهار.
القاضي (بصوت حازم لكن متفهم):
"عبود، يمكنك أن تأخذ وقتك للتفكير في قرارك. إما أن تقضي مدة السجن المتبقية هنا، أو يتم ترحيلك على الفور. القرار في يدك."
عبود جلس هناك، محاطًا باليأس. لم يكن يعلم ماذا يجب أن يفعل. العودة إلى سوريا كانت بمثابة حكم بالموت، لكن البقاء في السجن لمدة خمس سنوات أخرى كان كابوسًا بحد ذاته. نظر إلى المحامي، ثم إلى عباس، محاولًا إيجاد الإجابة.
عبود (بصوت منخفض وحزين):
"سوريا لم تعد مكانًا لي. لا شيء هناك ينتظرني الآن. سأختار... البقاء في السجن. لاني لا اريد مواجهة الحاضر والماضي في هذا الوقت"
كان القرار موجعًا، لكنه شعر أنه الخيار الوحيد المتاح أمامه. لم يعد لديه ما يخسره.
عبود لعباس : اوصل سلامي الى ليلى وقل لها انا اسف.