بعد لقاءهما المؤثر، قرر عبود وعباس أخذ استراحة قصيرة في بيت عبود قبل الشروع في رحلتهما الجديدة. كان البيت الصغير الذي يعيش فيه عبود في أورفا متواضعًا، بالكاد يحتوي على ما يلزم للحياة اليومية. وعلى الرغم من بساطة المكان، شعر عباس بالارتياح؛ لأن المكان يمثل الأمان بعد كل الصعوبات التي مر بها.
جلسا في غرفة الجلوس التي كانت تحوي بعض الكراسي القديمة وطاولة خشبية مهترئة. كانت الشمس تغرب، وبدأ الليل يكسو السماء بالظلام، مما أعطى المكان هدوءًا نسبيًا.
عباس (مستلقٍ على الكرسي): "يا رجل، لم أكن أعتقد أنني سأصل إلى هنا يومًا... أحتاج لبعض الأيام فقط لأستعيد طاقتي."
عبود (مبتسمًا): "الطريق كان صعبًا، وأعرف ذلك جيدًا. ارتح الآن، لكن تذكر، الرحلة لم تنتهِ بعد."
في الأيام التي تلت وصول عباس، بدأ الشابان في التخطيط للمرحلة القادمة من رحلتهما. عبود كان يعرف أن عليهما الانتقال من أورفا إلى إسطنبول، لكن تركيا كانت قد شددت قوانينها تجاه اللاجئين في تلك الفترة. لم يعد بإمكان اللاجئين التنقل بحرية بين المدن الكبرى دون إذن خاص من الحكومة، وهو ما عقد الأمور بشكل كبير.
عبود (ينظر إلى هاتفه بانزعاج): "لقد قدمت طلبًا للحصول على إذن السفر إلى إسطنبول منذ أسابيع، لكن تم رفضه. لا أعلم لماذا. الوضع يزداد تعقيدًا."
عباس (قلق): "وأنا لا أملك حتى بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك). إذا تم القبض علي في أي لحظة، يمكن أن يرحلوني."
كانت تركيا في تلك الفترة تتعامل بصرامة مع اللاجئين غير المسجلين، وأي شخص لا يملك الأوراق الرسمية كان في خطر الترحيل. عباس كان مدركًا تمامًا لمدى خطورة وضعه، لذا كان عليهم أن يكونوا حذرين للغاية.
عبود (يحدث نفسه بصوت مرتفع): "الطريق إلى إسطنبول ليس سهلًا الآن... لا يمكننا السفر بالحافلة أو القطار. سيتوجب علينا الاعتماد على المهربين مرة أخرى."
عباس (بصوت يائس): "لكن ماذا لو قبضوا علينا؟ إذا تم ترحيلي إلى سوريا، ستكون النهاية بالنسبة لي."
عبود يعلم أن القرار صعب، ولكنه كان مصممًا على إيجاد طريقة للوصول إلى إسطنبول ومنها إلى أوروبا. بعد أيام من البحث والسؤال، تمكن من التواصل مع أحد المهربين الذين يعرفون الطريق إلى إسطنبول. كان المهرب معروفًا بأنه يعمل بسرية ويأخذ اللاجئين عبر الطرق الجبلية، بعيدًا عن أعين الشرطة.
المهرب (عبر الهاتف): "الوضع صعب هذه الأيام، لكن يمكنني مساعدتكما. سيكون عليك أن تدفع مبلغًا كبيرًا، وعلينا أن نتحرك بحذر شديد. الطريق يستغرق عدة أيام، ولا يمكن ضمان الأمان."
عبود (بصوت قلق): "كم سيكون المبلغ؟"
المهرب: "ستكون 2000 ليرة تركية للشخص. ولكن كما قلت، لا ضمانات. وإذا حدث أي طارئ في الطريق، علينا أن نغير خطتنا فورًا."
عباس كان يستمع إلى المكالمة بجانب عبود، وبدأ يشعر بالخوف. الأموال كانت قليلة، وأي مشكلة في الطريق قد تعرض حياتهما للخطر.
عباس (بصوت متردد): "هل تعتقد أنه سيكون الأمر آمنًا؟"
عبود (وهو يفكر بعناية): "لا يوجد شيء آمن تمامًا، لكننا لا نملك خيارًا آخر. يجب علينا أن نتحرك. البقاء هنا يعني انتظار الأسوأ."
بدأت الأيام تمر بسرعة، وبدأ عبود وعباس بالتحضير لرحلتهما. جمعا ما تبقى لديهما من المال، وحاولا التواصل مع أشخاص قد يساعدونهما إذا واجها أي مشاكل في الطريق. وفي يوم من الأيام، جمعا كل ما لديهما في حقيبتين صغيرتين، وخرجا من بيت عبود في أورفا، متجهين إلى نقطة اللقاء مع المهرب.
كان الجو باردًا في تلك الليلة، والسماء مظلمة، مما زاد من رهبة الموقف. لم يكن هناك أحد في الشوارع، سوى بعض المارة الذين يسيرون على عجل، وكأنهم يهربون من شيء ما. وصل عبود وعباس إلى نقطة الالتقاء التي تم الاتفاق عليها، حيث كان المهرب ينتظرهما في سيارة صغيرة.
المهرب (يبتسم بمكر): "جاهزان؟ الطريق طويل، ويجب أن نكون حذرين. سنبدأ الآن."
ركبا السيارة، وبدأت الرحلة نحو إسطنبول. كان الطريق وعرًا، ويمر عبر مناطق جبلية وصعبة. استمر السائق في السير عبر طرق ترابية، محاولًا تجنب نقاط التفتيش. كان كل صوت وكل حركة في الخارج تثير القلق في قلوب عبود وعباس.
في منتصف الليل، توقفت السيارة فجأة، وأطفأ السائق الأنوار.
المهرب (بصوت منخفض): "علينا أن ننتظر هنا لبعض الوقت. هناك نقطة تفتيش قريبة."
جلس الجميع في السيارة بصمت، وكان التوتر واضحًا في كل حركة. شعروا بأن الزمن يتوقف، وكل دقيقة كانت تمر كانت تزيد من حدة التوتر. عباس بدأ يتذكر كل ما مر به في سوريا، وكيف كان يختبئ من القصف والمعارك. هذه اللحظات كانت تذكره بتلك الأيام السوداء، لكنه كان يعلم أن هذه الرحلة هي فرصته الوحيدة للوصول إلى بر الأمان.
بعد دقائق بدت كالساعات، عاد المهرب ليقود السيارة بحذر، وبدأت الرحلة مرة أخرى.
عبود (بهمس لعباس): "سيكون الأمر بخير. علينا فقط أن نصمد لبعض الوقت."
ابتسم عباس بضعف، ولم يقل شيئًا. كانت هذه الرحلة تحمل في طياتها الكثير من الخوف، لكنهما كانا يعلمان أن النهاية قد تكون أفضل مما يتوقعان.