بدأت الأحداث تزداد سوءًا بالنسبة لعبود وعباس عندما قررا العبور من بلغاريا إلى طرق البلقان. رغم حذرهم الشديد ومحاولاتهم المتكررة للبقاء بعيدًا عن الأنظار، فإن الحظ لم يكن حليفهم تلك الليلة.
بينما كانوا على وشك عبور أحد الأودية الحدودية بين بلغارية واحدى دول البلقان، فجأة ظهرت أصوات خطوات سريعة تقترب. قبل أن يتمكنوا من التحرك أو الاختباء، أحاطت بهم مجموعة من الحراس البلغاريين، يحملون الهراوات وأسلحة نارية. لم يكن هناك أي مجال للهرب.
عبود (وهو ينظر بقلق لعباس): "ابقَ هادئًا، لا تصعد الموقف."
لكن أحد الحراس لم يمنحهم حتى فرصة للتحدث، فقد بدأ بضرب عباس دون تحذير، أسقطه أرضًا بينما صرخ عبود وحاول التدخل. الهراوات تنهال عليهما بلا رحمة، أصوات الألم تتردد في الليل البارد.
عباس (بصوت مختنق بالألم): "عبود، هل هذا هو نهاية الطريق؟"
عبود (يصرخ بينما الدم يتدفق من جرح في وجهه): "لا، لا تستسلم! سنخرج من هذا.. لا يمكن أن ينتهي هكذا."
تم تقييدهما واقتيادهما إلى سيارة عسكرية. الألم الجسدي كان مبرحًا، لكن الألم النفسي كان أكثر فتكًا. أحلامهم التي بدت قريبة، تحولت إلى كابوس في لحظة واحدة.
بعد ساعات من القيادة عبر الطرق الوعرة، تم إيداعهما في مركز احتجاز مؤقت على الحدود البلغارية. الحراس البلغاريون كانوا صارمين، يعاملون اللاجئين كأنهم مجرمين، يلقون بهم في زنزانات باردة ومظلمة. كانت تلك الزنازين مكتظة باللاجئين من جنسيات مختلفة، معظمهم يعانون من آثار الضرب وسوء المعاملة.
في داخل الزنزانة، جلس عبود وعباس في زاوية مظلمة، أجسادهما مرهقة وجروحهم تنزف.
عباس (بصوت ضعيف): "هل هذا هو مصيرنا؟ هل سنظل هنا إلى الأبد؟"
عبود (وهو يحاول أن يتمالك نفسه): "لا.. لن نسمح لهذا بأن يكون نهاية الرحلة. سنخرج من هنا. هناك دائماً طريق للخروج."
مرت الأيام ببطء. كل يوم كان بمثابة اختبار جديد لقدرتهما على التحمل. كان الطعام الذي يتلقونه سيئًا وشحيحًا، والماء بالكاد يكفي لإبقائهما على قيد الحياة. الهواء في الزنزانة كان خانقًا، والإضاءة ضعيفة للغاية، مما جعل الليالي تبدو طويلة بشكل لا يحتمل.
وفي أحد الأيام، استدعى الحراس مجموعة من اللاجئين، وكان عبود وعباس من بينهم. اقتيدوا إلى الخارج وسط الصقيع الشديد، حيث أُخبروا أنهم سينقلون إلى مخيم مؤقت في بلغاريا.
عبود (بهمس لعباس): "هذه فرصتنا.. ربما يكون المخيم أفضل من هذا الجحيم."
بعد شهر من الاحتجاز القاسي والضرب اليومي، تم وضعهم أخيرًا في شاحنة مزدحمة باللاجئين الآخرين، مقيدين بالأصفاد. كان الانتقال إلى المخيم بمثابة بصيص من الأمل، رغم كل الظروف المأساوية.
عند وصولهم إلى المخيم، كان المنظر مفجعًا. صفوف من الخيام البيضاء المهترئة تنتشر في ساحة كبيرة مليئة بالطين والوحل. كانت هناك مئات العائلات، أطفال يبكون، نساء منهكات، ورجال مصدومون يحاولون استيعاب ما مروا به.
تم توزيعهم على مجموعات صغيرة، ووضعتهم السلطات البلغارية في إحدى الخيام المشتركة. كانت الخيام ضيقة وباردة، بالكاد توفر الحماية من الرياح القاسية. كان المخيم غير مجهز للتعامل مع هذا العدد الكبير من اللاجئين، فالبنية التحتية كانت ضعيفة للغاية، مما جعل الحياة اليومية في المخيم صعبة وشاقة.
عباس (وهو ينظر حوله): "كيف يمكن أن نسمي هذا مكاناً للإيواء؟"
عبود (متعب لكنه يحاول بث الأمل في صديقه): "على الأقل نحن خارج السجن.. علينا أن نبقى أقوياء. المخيم ليس نهاية الطريق."
في الأيام الأولى في المخيم، كانا يعتمدان على القليل من الطعام الذي كان يتم توزيعه. الوضع الصحي كان كارثيًا، مع غياب الرعاية الطبية ونقص في الأدوية. لكن عبود، رغم حالته الصحية المتدهورة، كان يحاول أن يساعد الآخرين. قدم الدعم النفسي لبعض اللاجئين وشاركهم قصصه، محاولاً الحفاظ على بعض الأمل وسط هذا الجحيم.
اول شيء فعله عبود وعباس قامو بشراء هاتف جديد مشترك ليتواصلو مع اهاليهم .
عبود : امي انا بخير لا تقلقي انا حاليا في بلغاريا وبصحة جيدة ساكمل طريقي بعد فترة لا تقلقي لقد ذهب الخطر الان .
لقد كنت في الحبس لمدة شهر ولم استطع ان اتواصل معكي اسف يا امي
ام عبود : بصوت حزين وخافت ( ابني انت رجل ولن اخاف عليك) في قلبها حرقة والم لانها عرفت معاناة ابنها وانها لا يمكنها اظهار ضعفها امامه لكي لا تنكسر معنوياته
ثم عبود بدأ يتواصل مع ليلى، يرسل لها رسائل قصيرة تسأله عن حالها ويطمئنها على وضعه. كانت ردودها تمثل لهما بارقة أمل في هذه اللحظات العصيبة، ولاكن عبود لم يقل لها ما مر به خلال الايام الماضية لكي لا يقلقها اكثر
كانت الأيام تمر ببطء في المخيم، ومع مرور الوقت، بدأ اللاجئون في التكيف مع الوضع. تعلم عبود وعباس كيفية التعامل مع الصعوبات اليومية، وبدأا بالتفكير مجددًا في حلمهما بالوصول إلى ألمانيا.
كان المخيم مليئًا بالحكايات المأساوية والقصص المحزنة، لكن عبود وعباس كانا مصرين على أن هذه المحطة لن تكون النهاية.