مرت ثلاث سنوات منذ أن عبر عبود الحدود إلى تركيا، باحثًا عن الأمان والاستقرار بعيدًا عن أهوال الحرب في سوريا. كانت تركيا في البداية مكانًا واعدًا، ملجأ للآلاف من اللاجئين الذين فروا من جحيم الحرب. ظن عبود أن الأمور ستكون أسهل هنا، وأنه يستطيع بناء حياة جديدة لنفسه وربما يجمع ما يكفي لجلب ليلى أو العودة إليها في يوم ما. لكن الواقع كان أشد قسوة مما تخيله.
عندما وصل عبود إلى تركيا، كانت الحياة مليئة بالتحديات، لكن عبود كان متفائلاً. عمل في البداية في أعمال البناء والمطاعم، مستعدًا للعمل في أي وظيفة قد تجلب له ما يكفي للبقاء على قيد الحياة. في إحدى الورش، كان يعمل أكثر من 12 ساعة يوميًا مقابل أجر زهيد، لكنه كان يأمل أن تكون تلك البداية لحياة أفضل.
كانت ليلى لا تزال في ذهنه دائمًا. كان يتحدث إليها كلما استطاع ذلك، وكانت هي الدعم العاطفي الذي يعينه على الاستمرار. رغم أن الحياة كانت صعبة، إلا أن فكرة جمع المال والعودة إلى سوريا لإحضارها كانت تجعله يقاتل ضد الإحباط والتعب.
الأوضاع المتدهورة في تركيا:
لكن مع مرور الوقت، بدأت الأمور تزداد سوءًا. القوانين التركية تجاه اللاجئين أصبحت أكثر صرامة. بدأت السلطات التركية تفرض قيودًا جديدة على حركة اللاجئين السوريين، حتى على أولئك الذين كانوا يعملون بجد ويحاولون الاندماج في المجتمع. كانت العنصرية تتسلل إلى كل زاوية من حياته. في مكان العمل، لم يكن يلقى الاحترام الذي يستحقه، وكثيرًا ما كان يتعرض للنقد أو الإهانة بسبب جنسيته.
بدأ يشعر بالاستياء في كل مكان يذهب إليه. في الشوارع، كان يتلقى نظرات مليئة بالشك والرفض من الناس. في العمل، كان يشعر بأنه يعامل كمواطن من الدرجة الثانية. أجره كان قليلًا جدًا بالكاد يكفي للطعام والإيجار، ودائمًا ما كان يخشى أن يخسر وظيفته بسبب القيود الجديدة.
في أحد الأيام، بينما كان في طريقه إلى العمل، تعرض لعبود لحادثة عنصرية في الحافلة. شاب تركي وقف بجواره وألقى كلمات مليئة بالكراهية، يتحدث عن "الغرباء" الذين يسرقون فرص العمل ويعيشون على حساب السكان الأصليين. عبود لم يكن الشخص الذي يبحث عن المشاكل، لكنه شعر بالذل. جلس في الحافلة دون أن يرد، لكنه في داخله شعر بأن هذه الحادثة كانت القشة التي ستكسر ظهره.
مع كل يوم يمر، كان يرى اللاجئين من حوله يتعرضون لنفس المصير. البعض يتم طردهم من أعمالهم بدون سبب، والبعض الآخر يتعرض للمضايقات في الشوارع أو حتى للاعتقال. كان الوضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت، والحكومة التركية بدأت في تشديد قبضتها على اللاجئين.
القرار الصعب: الرحيل إلى أوروبا
بعد ثلاث سنوات من الكفاح والضغوط المستمرة، أدرك عبود أنه لم يعد بإمكانه البقاء في تركيا أكثر من ذلك. لم يعد هناك أمل في بناء حياة مستقرة هنا. العنصرية والقيود المتزايدة جعلته يشعر بأنه غير مرحب به. كانت الحياة في تركيا قد تحولت إلى عبء لا يمكن تحمله.
في إحدى الليالي، جلس عبود وحده في غرفته الصغيرة التي كان يشاركها مع أربعة من اللاجئين الآخرين. كانت الغرفة بالكاد تتسع لهم جميعًا، والرائحة الكريهة الناتجة عن العرق والرطوبة كانت تملأ المكان. نظر حوله إلى وجوه زملائه في الغرفة، الذين كانوا مثله، عالقين بين ماضٍ مدمر ومستقبل مجهول.
عبود (متحدثًا لنفسه بصوت منخفض): "لا أستطيع الاستمرار هكذا. تركيا ليست المكان الذي يمكنني أن أبني فيه حياتي. ربما الوقت قد حان لأخذ المخاطرة."
كان القرار بالرحيل إلى أوروبا دائمًا فكرة تراوده، لكنه كان يخشى المخاطرة. لقد سمع الكثير من القصص المرعبة عن الأشخاص الذين غرقوا وهم يحاولون عبور البحر. البعض وصل، لكن الكثير منهم فقدوا حياتهم في محاولاتهم للوصول إلى الضفة الأخرى.
الضغط الاقتصادي والأمل المفقود:
عبود كان يعلم أن خيار البقاء في تركيا لم يعد موجودًا. الضغط الاقتصادي كان يثقل كاهله، وكان يجد نفسه مضطرًا للاختيار بين دفع إيجار الغرفة أو إرسال بعض المال القليل الذي كان يجمعه إلى والدته في سوريا. كلما نظر إلى الأموال القليلة التي كان يجمعها، كان يدرك أنه حتى لو بقي هنا لعشر سنوات أخرى، فلن يتمكن من جمع ما يكفي ليجلب ليلى إلى تركيا.
قرر عبود أن يغامر. كان يعلم أن الرحلة إلى أوروبا محفوفة بالمخاطر، لكنه لم يعد يملك خيارًا آخر. كان عليه أن يحاول، لأنه أدرك أن البقاء في تركيا يعني تلاشي كل أحلامه.