الفصل 1

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي، تروي الحكايات أن الثغر معصية.  

**أبو تمآم**

في فرنسا، وتحديداً باريس،  
تفلت يمنة ويسرة في شقته وهو يتعوذ وينفث ثالثاً من شيطانه وكوابيسه.  
سقطت عينه على صورة والدته... ابتسم، يشعر أنها معه في كل لحظة.  
بصوت رجولي جهور: "مثواك الجنة يا الغالية".  
ارتدى ملابسه وربط عنقه.  
ذهب إلى المطبخ وجهّز قهوته، وضعها في حقيبة أخته الفاتنة 

هي المسؤولة عن ربطات عنقه واختيارها... تنهد متذكراً أموات يتذكرهم في كل  لحظة... 
أخذ حقيبته الأنيقة السوداء وخرج من الشقة ليصادف  
العجوز السورية: "كيف حالك يا ابني؟"  
عبدالعزيز بابتسامة: "بخير الله يسلمك، بشريني عن أحوالك؟"  
العجوز: "نحمد الله".  
عبدالعزيز: "محتاجة شيء؟"  
العجوز: "إيه يا ابني، محتاجة بطاقة اتصال دولية، بدي أحاكي ابني".  
عبدالعزيز وهو يشير لعينيه: "أبشري من عيوني، وأنا راجع بجيبها لك".  
العجوز: "الله يرضى عليك".  
عبدالعزيز اتجه لدوامه... ألقى السلام.  
عادل (إماراتي): "يا ريال، ما بغينا نشوفك".  
عبدالعزيز اكتفى بابتسامة.  
أمجد (المصري): "الكلام ما يطلعش منو إلا بفلوس".  
عبدالعزيز التفت: “أجل سجل عندك  ”يورو لكل كلمة".  
عادل: هههههههههههههه، شحالك؟"  
عبدالعزيز: "الحمد لله، زي ما أنت تشوف".  
عادل: "مأجور".  
عبدالعزيز بهدوء: "الله يرحمهم".  
الجميع: "آمين".

ذلك الذي إذا قيل اسمه وقفوا مهابة واحتراماً: عبدالعزيز بن سلطان العيد.  
والآخر أقل رتبة ولكن ذو حجة ورأي قوي: "يا أبو سعود، الرجال مغترب،  
صار له أكثر من ثلاثين سنة، أنا أقول نغيّر الجهة".  
أبو سعود: "مناسب يا مقرن، وأنا قابلته، الرجال أنا واثق فيه، ولو أدخلناه  
السلك معانا راح يكون كفؤ، وما وراه أهل ولا زوجة ولا شيء، الرجال  
بإختصار ما عنده شيء يخسره، كل أهله راحوا بحادث".  
عاد لذاكرته يوم قابله.  
أبو سعود: "بس بترتاح لو تقولي".  
عبدالعزيز بنظرات حادة: "ما تعودت أشكي لأحد".  
أبو سعود ابتسم: "الله يرحم من رحل ويلطف بمن بقى".  
عبدالعزيز تنهد.  
أبو سعود: "لو أجلس معاك لين بكرا ما راح أطلع معك بفائدة".  
عبدالعزيز: "ما أعرفك، وبكل قلة ذوق جاي وتحقق معي".  
أبو سعود: "آسف وحقك علي يا أبو سلطان".  
عبدالعزيز: "وقتي مزحوم، إذا عندك شيء قوله".  
أبو سعود: "باريس حلوة، بس ما حنيت للرياض؟"  
عبدالعزيز بجمود: "لا".  
أبو سعود: "لهدرجة الرياض ضايقتك؟ قلي وش زعلك منها".  
عبدالعزيز لم يرد عليه وعيونه على المارة.  
أبو سعود: "الرياض تطلب رضاك".  
عبدالعزيز: "بلغها العفو".  
أبو سعود: "وتودها تقابلك".  
عبدالعزيز بصمت.  
أبو سعود: "أخدم ديرتك وعيش في وطنك، وش لك بالغربة! ما طلعت  
منها بفائدة، هذا كل من تحب راح".  
عبدالعزيز: "ومين قال ما أبي أخدم وطني؟ بس ما أبي أرجع... توقف...  
إذا بغيت تتذاكى، سوّ نفسك غبي على أغبياء، بس لا تتذاكى على ناس أذكياء".  
وذهب.  
أبو سعود وابتسامته المنتصرة لا تغيب... "وجدت من أريد"، هذا ما كان  يردده بنفسه.

رجع للشقة التي تعمها الفوضى غاضباً... في نهاية الدوام استلم خبر  
إقالته... "بأي حق يقيلوني؟"  
واثق أن ذلك الرجل البغيض وراء ذلك... فتح غرفته لينصدم بتلك  
الفتاة الحسناء أو بمعنى أدق فاتنة شبه عارية أمامه.  
اقتربت ومسكت ربطة عنقه واقتربت جيداً لكنه أبعدها بتقرف.  
وبصوت أنثوي وبلغة عربية ركيكة: "لم أعجبك؟"  
عبدالعزيز وهو يشتت نظراته بعيداً عن جسمها شبه العاري وبالفرنسية:  
"من أين أتيتِ؟"  

الأنثى وهي تتلمس عنقه وبلكنة فرنسية بحتة: "من هنا"... أشارت لقلبه.  
عبدالعزيز: "لتختبري صبري، كيف دخلتِ؟"  
هي قبلته على عنقه وبدأت قبالتها تغرقه.  
عبدالعزيز يدفعها بشدة: "لك دقيقتين فقط لتخبريني من أين أتيتِ، أو سوف  
أتعامل معك بشكل آخر".  
هي: "غريب فجمالي يقاوم".  
عبدالعزيز بحدة: "من أين أتيتِ؟"

هي: "أعجبتني وفكرت أن آتيك خلسة".  
عبدالعزيز: "وكيف دخلتِ هنا؟"  
هي: "بطرق خاصة غير قابلة للنشر".  
عبدالعزيز بغضب: "أخرجي قبل أن أنهي آخر أنفاسك هنا".  
هي بابتسامة ساحرة: "الرجال الشرقيون وسيمون ويعشقون جسد الأنثى، لماذا  
تخرج من هذه القاعدة الآن؟"  
لف يديها وهي تتألم وكأنه يوبخها بكلماتها: "أبلغي من أرسلك، الي يحاول  
اللعب معي لن يستطيع الصبر أبداً".  
ومسك وجذبها بقوة ورماها وأغلق باب الشقة.

بعد دقائق طويلة، أتته رسالة: "كفو، ما تخون يا ولد سلطان".  
أغلق هاتفه... يريدون أن يختبروه، لكن لن أسمح لهم!

هي: ذلك الرجل الشرقي بغيض ومتكبر.

الفرنسي الآخر: مالك به؟ أهم ما علينا هو المبلغ الذي قبضناه!

هي ابتسمت بخبث: أثرياء لم يعطوني بهذا المبلغ.

هو: أبلغت السيد ما حصل بينك وبينه وشكرني، ولكن يجب أن تنسين هذه الحادثة بأكملها.

هي وهي ترى المبلغ: أكيد، أنا لا أرى، ولا أسمح، ولا أتكلم.

هو يقبّلها بعمق: هكذا، صغيرتي.

---

مر شهر وهو يبحث عن عمل. بدأت تتراكم عليه الديون، وعزة نفسه لم تتغير بالغربة أبداً، ما زال ذلك الرجل البدوي الذي يرفض أن يأخذ من أحد درهماً واحداً.

الهالات السوداء انتشرت تحت عينيه. لست ممن يحبذون أن يجعلوا كل أبطال الرواية وسيمين وجميلين وذوي فتنة، لكن هو كان طويلاً، عريضاً، وذو شعر قصير يجذب كل أنثى نحوه، غير ملامحه السمراء وحدّة عيونه. ويا عذابنا بعينيه الآسرة. جميل، وأبدع الخالق في جماله. لبس جينزاً وفوقه معطفاً يقيه من برد باريس الذي لا يرحم، وارتدى نظارته السوداء. ركب سيارته البي إم دبليو السوداء وهو يفكر ببيعها لأنه محتاج.

سرح بخياله، يتذكر تفاصيل تلك الليلة، أجمل ليالي العمر.

أم عبدالعزيز: بس ها، ما يجوز من الحين أقولكم.

عبدالعزيز: هههههههههههه يا يمه، ما نحتفل ولا شيء، بس كذا مبسوطين فيك.

أم عبدالعزيز: أمك تذكرها طول السنة، مو بيوم.

عبدالعزيز يقبّل جبينها: مو بس طول السنة، بكل لحظة وكل نفس آخذه.

هديل: أبعد عن أمي... وتقبل جبينها... شوفي العيار، حلت له الجلسة بحضنك.

أبو عبدالعزيز: لي الله.

غادة: يبه وش عليك منهم؟ يكفي أنا أموت فيك.

أبو عبدالعزيز: هههههههههههههه، هذي البنت العاقلة.

هديل: إيه، من تملكت وجاها حبيب القلب وهي ساحبة علينا، يالله حتى إحنا لنا الله.

عبدالعزيز: بسك محارش.
 

في السياق، عبدالعزيز يقول هذه العبارة لإيقاف شخص عن التحريض أو إثارة المشاكل بين الآخرين.


غادة: ما راح أرد على الغيرانين... يالله بناخذ صورة جماعية ارتزوا.

حطت التوقيت على ثوانٍ لتلتقط ثلاث صور خلف بعض.

غادة: هههههههههههههههههههه، هالصورة مو طبيعية. عزوز، تعال شوف وجهك كيف صاير؟

هديل: أوه ماي قاد، هههههههههههه، وش هالابتسامة الغبية؟

أم عبدالعزيز: حبيبي ولدي، بكل حالاته يجنن. خل عنكم الحكي الفاضي.

عبدالعزيز بضحك: عاشت الوالدة.

وإذا بشيء يمر أمامه. توقف، ولكن وقوفه لم يفد، فإذا برجل ملقى على الشارع والدماء حوله.



إعدادات القراءة


لون الخلفية