الفصل 92

ألحد طيِّ
:مفهوم طال عمرك لكن احنا سوينا اللي علينا! وش وِِّدك نسوي أكثر
وإحنا مستعدين؟
سلطان : ما شفتوا أثر أحد لما أحترقت المزرعة؟
:ال . . بس الجانب الخلفي اللي احترق وال أحد من العَّمال شاف شي !
سلطان تن َّهد بهوا ٍء يضي ُق بإنحداراتِه في جوفه : طيب . . بس يصير شي
ثاني بلغني!
:أبشر . .
أغلقه ليسقط الهاتف من يِده بحركة الحبال التي أنسحبت للخلف، ج ِّره
الحبل إلرتطام رأسه بعاموِد قا ٍس حارق، أخفض رأسه ليتقيأ الدماء، شعر
أنه يغيب كليًا عن العالم الذي حوله.
ال عينا اٍه سليم وال أنا أرى شيئًا بمكانه الصحيح، ِّي ترى اإلنعاكسات بإتج
ي فرصة المرور
أختنق يالله بغصا ٍت متكاثرة على حافـة قلبي، ال تترك ل
سهلة وال تترك لي فرصة الرجوع سهلة، إني عالق! . . " ثارت دماءه
لتعتلي ال ُحمرة عين يـه، حاول أن يفتح الحزام وال جدوى، أختنق وهو يشت ُد
ٍن اكثر حول بطنه ح مؤلم والدماء تنز ُف بعمق من رأسه،
تى شعر بغثيا





ُه ب ُحرقة الدماء الثائرة، طريقـة
حاول أن ينادي، أن يصرخ ولكن بلع صوتـ
وحدة بأن يفتح الحبل االول ولحظتها سيصعد به لالعلى وفرصة أن يرتطم
بإحدى األبراج الشاهقـة كبيرة "
كانوا كثير يالله الذين فق ُدوا حياتهم بهذه الصورة المفجعة، ال تجعلني منهم!
ا
يا رب . . يارب . . يارب أسألك ثالث . ً
تقيأ مرةً أخرى وهو يضع يِده المرتخية على الحبل، كل شيء يخذله حتى
قوتـه.
ثانيـة، لحظة ولحظت ين، ع ِّد في داخله وهو يُدرك تما ًما لو فقد وع يه اآلن
سيذهب لمو ٍت شنيع ويفقد قدرته على التحكم بالحبال المرتبطة به .
مِّرت في باله بصورة موجعة، مِّرت بمالمحها الباذخة، بكلماتها الناعمة،
بربكـ ِة شفت يها و ُحمرة خجلها، مَّرت بصوتِها النَ ِدي، مَّرت بألم .
فاتنـا أن نعيش! أن نُخيط لنـا من األرض قطعـة من اجلنا، فاتنا أن نحيـا
ي بال ألم. يا مرورك المِّر في ذاكرتي
، ويا ُحزني الذي تشي به عينا .
عاد ب ُخطاه الذابلة للخلف وهو يحاول أن يسحب الحبل للجهة األخرى،
مسك القطع الحديدية الحادة الخارجة من الحزام، حاول أن يُبعد إحداهما
بال حول وال قِّوة.
في جهٍة أخرى خرج من المصعد متج ًها ألحمد : سلطان جاء ؟
أحمد : إيه وسأل عنك !
عبدالرحمن : بمكتبه ؟
أحمد : آل طلع للساحة !
عبدالرحمن عاد بخطواته للمصعد ولكن ُسرعان ما أبتعد : بس يخلص
تدريب خله ي ِّمرني . . وإتجه نحو مكتبه.
سلطان تحت حرارة الشمس التي تغلي دماءه النازفة، يسع ُل ببحة مؤلمة
ا ونصفها ينظ ُر ُدون أن يخرج صوتـه، يرى الموت بعين ين يغي ُب نصفه
بو َجع .
سقطت عيناه للدائرة الكهربائية المكشوفـة، على بُعد خطوات لو يقترب
ر الدقائق وهو يتحامل على وجعه حتى ال يغيب
ُّ
منها سيحترق ال ُمحالة. تم
وع يه. كل األشياء السيئة التي فعلها تعبره، يشعُر بأن الموت يُداهمه





بصورة فجائية .
كل االشياء تتعلق بالجوهرة وحدها، تصبب عرقـه ُمبلال وجهه الذي يختفي
اللون منه، الموت الذي نعرفـه جي ًدا ال يتعامل معًا بشك ٍل جيِّد، سكَرات
الموت الذي نسمعها دائِ ًما تأ ِت أحيانًا على هيئة كلمات. أنا أحتضر وأخشى
على شخ ٍص واحد .
من أعلى وقف أمام النافذة تغرق عين يه بهذه المملكة األمنيـة العمالقـة،
أنتبه لسلطان، غرقت عيناه حتى ش َّدته الدماء، نظر للحبل الملتوي حوله،
أدرك أنه يختنق. ب ُخطى سريعة خرج ليهرول ُمفاجئًا الجميع، نزل لألسفل
بالساللم دون أن ينتظر المصعد، ركض إل يه، حاول أن يفك الحزام الذي
يحاصره، رفع عينه لسلطان الذي أغمي عليه تما ًما.
عبدالرحمن وضع يِده على عنقه ليستشعر نبضه، بصراخ: سلطااان . .
أبعد أنظاره لتأ ِت صرخته بعظمة مكانته في صدره، يستجدي أحٍد يأ ِت
يُساعده.
نظر إل يه برجا ٍء كبير وهو يحاول أن يُبعد الحبال عنه، وجهه ال يُبشر
بالخير من الدماء التي لم تتدفق إل يه بعد : سلطااان . .
ِه من منظر الدماء،
وضع يِده على رأسه ليُالمس الدماء، نظر بدهشـة لكفِّ
بصو ٍت يموت تدريجيًا : آل يا سلطان! . . ال . .
صرخ بقِّوة : أطلـــــــــــــبوا اإلسعاف . . !
خرج بعض الموظفين على صوتِـه لتندهش أعينهم بما يرون، كأنها
محاولة إنتحار ال ير ونها إال باألفالم السينمائية .
عبدالرحمن ويِده ال تفارق عنقه الشاحب : يارب . . يارب . . وضع يِده
ِّي بلل
األخرى المنتشية بدماءه على وجهه ُدون أن يهتم بأ .
أقترب أحمد ليحاول نزع الحبال عنه، بتوتر : كيف متشباكة ؟
ِّي شي نقطعه
عبدالرحمن بربكة عميقة : جيب أ
أحمد : مستحيل! الحبال ما تتقطع بسهولة! . . لحظة . . مفروض هالحبل
يكون بالجهة الثانية !
عبدالرحمن يحاول رفع رأس سلطان الذي بدأ بأكمله هو وجسِده يذبالن
معًا وبغضب : وين اإلسعاف!!!





أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . .
أتى مسفر المسؤول اآلخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل
عشان يرتخي ونف ِّكه!
عبدالرحمن : جيب كبريت !
أحمد وقف أمام جسِد سلطان حتى ال تتسلل النار إل يه .
عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أي ًضا حتى ال تُقارب النار إل يه،
أقترب مسفر ليُشعل النار بمنتصف الحبل و ُسرعان ما أطفأها، أخرج
ِّط ال ع
ِّطِ ع بها الحبل الليِّن بعد الحرق، ب ُمجرد ما ق
سكين الحادة من جيبـه ليُق
آخر أوتار الحبل حتى سقط على األرض، جلس عبدالرحمن على ركبت يه
ليرفع رأسه من األرض الحارقة : نبضه ينخفض !!!
أحمد أنحنى اآلخر ليُجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيِّه ببعضهما
فوق قل ِب سلطان، بقِّو البعض ليضعها ة ضغطه حاول أن يُعيد نبضه
إلتزانه، حاول مرةً ومرتين وثالثـة وال يحصل شيء سوى الدماء التي
تخرج من فِمه.
عبدالرحمن يشعُر بأن قلبـه يُقارب على التوقف من منظر سلطان، ال
يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب ال تأ ِت فُرادى، يارب يارب
يارب أحفظه .
أحمد برهبـة : نبضه متوقف!!!
عبدالرحمن أشتعلت عيناه بال ُحمرة : ال . . أبعد . . وضع رأسه على
ه
" تعني مو ٌت ال يصطبر عليـ
" الالشيء
صدِر . ه وال شيء يسمعه! وهذه
عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين اإلسعاف؟ . . ويننننهم
أحمد بتوتر وقف وهو يشعُر بأن العالم ي ُدور به، خسارة سلطان تعني
خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و اآلن
؟ هذا ما ال طاقة لنا به.
ب البيت ليست
ُّ
موتُه مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! ور
صدفـة، إنما مفتعلة من أحدهم.
دقائِق عميقة حتى دخل رجال اإلسعاف، وقف عبدالرحمن ملط ًخا بدماءه
يحاول أن يصدق عكس ما تُشير إليه صورتـه، وضعُوا جسده الذابل على





سرير اإلسعاف المتحرك وخر ُجوا به دون أن يقولوا شيئًا يُطمئننا، إتجه
ٍر غائب تما ًما.
نحو المغاسل ليُغسل يد يه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكي
أحاول أن ال أفكر بأسوأ األشياء ولكن تأ ِت بغتة .
خرج متج ًها للغرفة المنزويـة، نزع حذاءه، شعَر بأن قَّواه تنهار فعليًا
ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينـه على سجادة الصالة بمالمحٍ صبرت
ُعمًرا وفي أرذل هذا العُمر فقد قَّواه و صبره، ال يحتمل الموت الذي يحمل
ِهي
نعش الذكريـات على الدوام! ال يحتمل أن تنت حياة أحٌد بصورة مؤذيـة .
سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت
والنهايات، يارب األمن واألمان ، يارب قلبـه ال تُرينا به مكرو ًها، أ ِعد له
نبضـه وحياته وال تُح ِّملنا فوق طاقتنا بفُقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه
بعدك، يارب أنت تعلم بو َجع عائلته فال تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس
المؤمنـة بقضاءك وقدرك. يارب إنه ال يعجز عنك شيئًا وال يخيب من
سألك .
،
دخل مشمئز من المالمح التي يراها، يشت ُد بغضه لهذه األعين التي تالحق
ظالله، فتح الباب لينظر لوالده : السالم عليكم
رائد بهُدوء ُدون أن يرفع عينه : وعليكم السالم
ِل رأسه : وش صاير ؟
فارس تق ِّدم نحوه لينحني ويقبِّ
رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على ال ُكرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟
فارس : مافهمت !!
: فارس ال تستفز أعصابي
رائد يلوي فِمه يمنةً
فارس : والله مو فاهم
رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟
فارس : وال شـ
لم يُكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيِّه الحادت ين،
بغض ٍب يضغ ُط على أسنانه : وش مخبي عني؟





فارس يختنق بقبضة يِده، تركه لينحني ب ُسعاله الضيِّق، رفع عيناه بهيجان
مالح : قلت لك ما أعرف شي!!!
رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟
فارس : كالمك معي مو معها
رائد بصراخ : فاااااااارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها!
فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها
رائد يصفعه بقِّوة ليش ِّده من ياقته : ال تعاندني!
فارس نزفت شفتِه بالدماء الثائرة : سِّم وأبشر بكل شيء عدا عبير
رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل أالمه ليُردف : هذا
اللي طلبتني عشانه؟
رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!!
فارس تن ِّهد وهو يمسح دماءه بطر ِف ُكمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى
كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك ت ِّضر
ولدك فهذا شي ثاني
رائد : أتركها زي الكالب! وأبشر بكل اللي تبيه
فارس : ال
رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس ال تخليني أوجع قلبك فيها!!!
فارس : مستحييل
رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي
فارس ثارت أعصابه ليُردف : تحاول تجبرني أني أتركها!!
رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها
فارس : يبه ال تسوي فيني كذا !!
رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يض ِّرها شي! لو تحبها صدق
أتركها
فارس مسح على وجهه وعين يه تشت ُد بحمرتها : اللي تسويه في ولدك
حرام! خله يعيش ولو مِّرة
رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك
فارس بضع ِف ال ُحب الذي دائِ ًما ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . .





روحي معها
ِه : أنا احاول ألقى
رائد بحنيَّ ٍة ال يُبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفِّ
منفذ عشان أو ِّرط سليمان مع آسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك
شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمِّرة مالي مصلحة في هالموضوع!
أبيك تتركها عشانك
فارس : مقدر
رائد : إال بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير!
فارس : مقدر ال تطلب مني شي فوق طاقتي!!
رائد : فااارس! ال تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج
بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! وال تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى
فيه عنك!! . . ال أنت تناسبها وال هي تناسبك! أتركها من الحين قبل ال
تدخل في معمعة ما تنتهي على خير!
فارس عقد حاجب يه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم
فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟
رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة االلف أقولك أتركها
فارس وضع يِده على رأسه بمحاولة جادة أن ال تنهار ُخطاه المبعثرة :
ي
ِّي شي بس أترك عبير ل
مستعد أسوي لك أ . .
رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها . . !
لم أترجى في حياتي شيئًا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل . . !
رائد للحظة األولى أدرك ُعمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من
عين يه التي تتو َّهج ب ُحمرة العشق : يا يبه أسمع كالمي! أصال طريقة
زواجكم مبنية على فشل!!! ال عبدالرحمن راضي وال أنا! مستحيل أحد
يتنازل منِّا! . . مهما حاولت تطِّول بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية ال أنت
لها وال هي لك
ي فا . .
رس بج ُموِد مالمحه الغير ُمصدقة لكل هذه اإلتهامات : عبير ل
ًء رضيتوا أو ال
سوا
رائد : فاارس! فاارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها
أحسن من أنك تتألم من موتها





فارس : األعمار بيد الله
رائد بعصبية : لكن نآخذ باألسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف
تنتهي فيه األمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك
وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف
نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها
تأ ِت الكلمات بصورة قاتلة، بصورة ُمفجعة اكث ُر من كونها كلمات، تأ ِت
بشك ٍل إنتحاري فوق كل إحتماالتنا بالحياة.
فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعُمري يوم حلو! طلبتك إال ه ي
رائد صمت طويالً حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدِره، ذبل
جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها.
فارس بضيق يخنق صوتـه : كم مِّرة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مِّرة
أتعذب؟ . . خلني بس مِّرة أعيش!
رائد بخفُوت قريبًا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبدايـة وما تتقبلها لكن
بعدين تقتنع فيها!
فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكالم! . . يبه عبير اللي شفت فيها
نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتِك! مقدر! . . . تكفى يبه!
رائد يضيق صوتـه : ماعاد ينفع هالكالم
فارس يبتعد عن حضنـه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت
رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على
حيلك بدونها
فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . .
رائد نظر إليه بنظرا ٍت ال منتهيـة من التيِّه : كنت صادق!
فارس يُشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟
رائد : أتركه لأليام
فارس أشاح بنظره ليُردف : األيام داوتك بعد أمي؟
رائد : إيه
فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت
رائد بحدة : فارس!!!





فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا
يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟
رائد بهُدوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية
فارس : أوقف مع ولدك ولو مِّرة! أنصفني
رائد : وأنا ما ُعمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو
اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك
صفر معها!
فارس تن ِّهـد : طيب
رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟
ا : إن شاء الله
ر حبًا/عشقً
ُّ
نظر للسقف بعين يه التي تحم
رائد عقد حاجب يه لينحني بظهره ويُقبل رأس إبنه الذي ال يعتلي مكانته أحد
بقلبه/بحياته، أحاط يِده برأسه : بنتظرك بكرا! ال تتأخر
فارس أبتعد ليخرج، نزل لألسفل بالساللم المتأملة ل ُخطاه التائهة .
ركب سيارته خار ًجا من الح ِّي األسوأ على اإلطالق، أبتعد عن المنطقة
متج ًها نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! ال شيء أخ ُف من
المطر وال شيء أثقل من و َجع الماء .
وصل للفندق ليضع رأسه على مقِّود السيارة.
يالله! ال أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأ ِت دربها خاطئًا،
ا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهـ ِة،
كانت أكثر األشياء صدقً
بكثافة. أنت تعلم كم كلفني ُحبها. ولكنني أغرق في أر ٍض تيه، ماذا أطل ُب
من قدِري بعدها؟ يارب هي آخر األحالم وختام الحياة، ال نجمة بعدها
أهتِدي بها في صحراء الدنيـا الواسـعة، ال نجمة بعدها تط ُّل من السماء.
يل ٍة بغداديـة مخضبـة بالدماء،
كمَّوا ٍل عراقي يض ُل يبكينـا لسنين طويلة ، كلَ
كنح ُن يا عبير. استسلم ُرغ ًما عني! أنا الذي وعد ُت نفسي أن ال يجيء شيئًا
َوعد تك َّسر! ال شيء يهِّز الرجل سوى ال ُحب، ال
يُباعد بيننا، ولكن رم ُش ال
شيء يعب ُث به أكث ُر من المرأة، أترانِي أبكي ِك ُحبًا ام بُعًدا ؟ حد الف َضاء
موجوع. عن الصبَـابة،الشغف و الود، عنهم جميعًا أنا البكاء الواق ُف في
حنجرة القصائد، وأنا الشطر المك ُسور في أغنيـة يتيمة لم ينعشها وزن وال





ا بما يكفي
قافيـة، لم أكن طاه ًرا بما يكفي حتى ألي ُق بِك ولكنني كن ُت عاشقً
حتى أهتِدي إليك .
تألألت في محاجره دموع شرقيـة، تُكابر بعَّزةِ سمَراء وال تسقط، فقط
تُضيء عين يه كمصابيح الحوانيت في القُرى الفقيرة .
مثل قلبي الذي تو َّسل الغنى من عين يك ولم يفلح.
مسح وجهه بكفيِّه الدافئت ين، نزل متج ًها للداخل بشتا ٍت فعلي، ضغط على
المصعد الكهربائي .
من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل األمور تُبسط
يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عنِّ . ِي
دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يِده على رأسه بمحاولة تخفيف
هذا الصداع الذي ينه ُش خاليا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق.
أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفُوت، دخل ليبحث بعين يه عنها، تق َّدم ب ُخطاه
لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعٌر مبلل بالماء، وقف ُدون
أن يهمس بكلمة و ُدون أي ًضا أن تشعر به.
تُعطي الباب ظهرها وهي تتو َّسد يدها ويدها األخرى تُحركها ب ُخطى
ص
ُّ
َف أقُ
موسيقية على الفراش، بصو ٍت ناعم مبحوح يكاد ال يُسمع : كي
مني!
ِّ
في األحداق عِل
مني! كيف تمو ُت الدمعةُ
ِّ
جذو َر هوا َك من األعماق، عِل
َف يمو ُت القل ُب وتنتح ُر األشواق .. . صمتت لت
كي غرق عين يها بالنافذة،
ض َّمت يد يها ناحية صدرها حتى تُخفف رجفة البرد التي تُصيبها.
سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت
ب ُرعب من وقوفه .
عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتُبعد شعرها للجهة
األخرى ُدون أن تُجففه من الماء الذي يمت ِّصـه.
نظر للطعام الذي لم يُلمس ليُردف : ليه ما أكلتي؟
عبير : مو مشتهية
فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع
عبير ب ُخطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟





فارس ضاعت عين يه بعين يها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعي ًدا عنه : بس
يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه
عبير إبتسمت بسعادة ال تستطيع أن تُخبئها : متى راح يجي ؟
فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين
عبير : اتصل عليك وال كيف ؟
فارس : ال . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية الزم
تتصلح!
عبير توترت لتتالشى إبتسامتها الناعمة : أكيد الزم تتصلح!!! ألن مافيه
زواج بالغصب
فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه آخر ما بيني وبينك
عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تف َّضل
فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟
عبير بلعت ريقها لتُردف : محد
فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟
عبير أحمَّرت مالمحها البيضاء لتقف : ما يخ ِّصك!
فارس ظهرت غيرته في عين يه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب
صعب؟
عبير بغضب : مالك عالقة فيني وال بمين حبيت وال كرهت!!
ُمهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على
فارس يقف ليرِِّوض غضبها بوقوفه ال
اآلقل في هاأليام األخيرة
عبير عقدت حاجب يها وبنبرةٍ ُمتذبذبة : وش تبغى توصله؟
فارس يُدخل يداه في جيو ِب بنطاله : وال شي! وش بيكون مثالً؟
عبير تنهَّدت بنظرا ٍت غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو
األريكة األخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجيـة
رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله
فارس إبتسم : ب ُمقابل أني راح أسلمك ألبوك الزم نتفق على شروط معينة
عبير فهمت مقصده من ُخبث إبتسامته : إبعد عن وجهي





فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك!
عبير : وش تبي ؟
فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف
الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من
سقو ٍط لم تتوقعه في وس ِط طاولة زجاجيـة خفيفة.
فارس ب ُخطى سريعة إنحنى عليها : ال تتحركين . . . جلس بجانبها ليُبعد
الزجاج الذي التصق ببلوزتها.
عبير بغض ٍب أحمِّرت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . ال تلمسني
. . أبعد . .
فارس بعصبية وضع يِده على فمها ليُسكتها وهو يُبعد بيِده األخرى قطع
الزجاج المتناثرة حولها ليُردف : أنا لو أبي أض ِّرك كان ض ِّريتك من أول
يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها !!
عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يِده تكتم فمها، ع َّضته بش ِّدة حتى
أبعدها. فارس نظر إليها بدهشـة : عنيفة . . !!!!
عبير : وال تحاول تق ِّرب لي بخطوة
فارس تن َّهد وهو يُشير إليها بالسبابة : ال تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي
في بالك قبل ال تخسريني بعد
عبير أشاحت أنظارها بعي ًدا وهي تُمدد بأكمام بلوزتها حتى تُغطي كفيِّها،
ٍر إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟
شعرت بدوا
عبير تنهدت : وش ؟
فارس : كوني زوجتي ليوم واحد.
نظرت إليه بدهشـة ومحاجرها المح ِّمرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربـة،
ًء تسحبه لصدرها، ُهم هُم ال يتغيرون! مثل التفكير ومثل
لم يبقى هوا
التصرفات! مثل الدناءة !
فارس : ال يروح فِكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالح ِّدة
بنظراتك
عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عين يها
لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظا ٍت سريعة نحوه، يُوقعني بتفكيره





بعُمق شخصيته، يتصرف بطريق ٍة تُثير حوا ِِّسي التي تتشب ُث به كمحاولة
أخيرة للخالص : تبيني أمث ! ِّل أني مرتاحة معك
فارس : ال تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء
ثانية
ِّطل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج،
عبير بغضب : ب
ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في
عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل
هاألشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك
مصدقتها
عبير تجمَّدت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحـة واضحة ال تُخفي شيئًا،
أخذت نفس عميق لتُردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق
خرافاتك!
فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها
ويُرغمها على التمسك به، وضعت ي َدها على ذراعه حتى تقف بإتزان،
بغضب من أالعيـبه : فارس!!!!
فارس بضحكة يُخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه
عبير شعرت بأن دماءها تفُور وتغلي، نظرت لعين يه وهي تشت ُد حمَّرةً من
النار ذاتها : لو سمحت !
فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة
عبير بح ِّدة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟
فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليُردف : بس ممكن يسويها في حاالت
مجهولة األسباب!
عبير ُرغ ًما عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك
فارس بخفُوت على شفت يها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح
تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة
األولى واألخيرة
عبير : وين ؟
فارس : خليها مفآجآة





عبير : أخاف من مفاجآت الناس الغريبة
فارس بإبتسامة : أنا آسف على محاوالتك السيئة بأنك تجرحيني!
عبير شعرت بأنها تذوب فعليًا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت
أجرحك!
فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى آخره من كلماتك صدقيني ما
تح ِّرك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول !
،
وصل لم تفقتده كثي ًرا، كل َت بعد ساعا ٍت طويلة ناعسـة لبيتها الذي
الذكريات السيئة تتفر ُع منه بصورة مؤذيـة لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل
من السيارة ومن خلفها والدها .
:ال تخبين عن أمك شي!
الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والد ًها يدخل أوال إمتثاالً
للحديث الذي تحفظه منذُ مه باسمه والتمش امامه نعومة أناملها " التس
والتجلس قبله ."
عبدالمحسن بصو ٍت عا ٍل : السالم عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها :
وعليكم السـ . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السالم والرحمة . . وش
هالمفآجآة الحلوة
الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتُقبِّ : ِل رأسها ويدها، جلست بجانبها
بشريني عنك؟
والدتها : بخير الحمدلله . . ان ِت شلونك؟ وش مسوية؟
الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريـان الذي نزل وبجانبه ريم .
وقفت بتوتر وحساسيـة ما بينهما، قبلته بهُدوء : شلونك ؟
ريان بإقتضاب: بخير . . .
عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين
الصخب والهدوء: منِّورة الشرقية
الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟





ريم : بخير الحمدلله . .
ريِّان جلس ُدون أن ينطق كلمٍة أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يُداوي هذا
الزمن خيباتنا .
الجوهرة توترت من صمت ريـان وج ُموِد مالمحه، جلست لتُردف : وين
أفنان ؟
ريم : قبل شوي نامت!
والدتها : زين جيتي! على األقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منَّا
الجوهرة إبتسمت : محد يآخذني منكم
ريِّان ببرود : واضح
الجوهرة نظرت إل يه لتأخذ نفس تُخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت
شو ي عن الكل مو بس عنكم!
ريِّان : سلطان ماراح يجي ؟
الجوهرة بلعت ريقها : ال . . مشغول
عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريِّان أمش معي . .
ريِّان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . .
ريم الحظت التوتر بينهما لتُردف : ليه ما جيتي العرس؟
الجوهرة : ما أحضر حفالت! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب
ريم : آمين . .
والدتها : وشلون عمة سلطان؟
الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . .
ريم وقفت : بروح أشوف الغداء
أم ريان بإبتسامة : عاد جيِّتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ
ريم
ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتُردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة
الحمدلله
أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي األيام اللي فاتت! الله يصلح ريِّان بس
الجوهرة بنظرا ٍت ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟





والدتها : أبد على حطة يِدك ! مافيه شي ينذكر .. أن ِت اللي سولفي لي؟
شلون سلطان؟
الجوهرة : عندي لك بشارة
والدتها بإبتسامة : وشو ؟
الجوهرة ب ُحمرة مالمحها الناعمة : أنا حامل
تجمَّدت مالمحها لتستوعب حتى عانقتها بش َّدة : يا عين أمك! عساه مبروك
الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . .
والدتها : من متى ؟
الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه!
والدتها بعين ين تُضيء بالفرح : وأخي ًرا بشوفك أم
ال شيء أطهُر من أن يُصبح لك حفي ًدا ينحد ُر من رحم إبنتك، ال شيء
أجمل من هذه الفرحة وال يُضاهيها أي ًضا، الحياة الناعمة مهما تنازعت
ُها يبقى الطفل مح ُل وفاق أبِدي، والجنين الذي يكب ُر فيك
وفاض جدل
يالجوهرة يتخذُ من قلبي مقعًدا .
الجوهرة وإبتسامتها ال تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتب َسة لتهيج
محاجرها بالملوحة : الحمدلله
والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر
الجوهرة : ما وِِّدي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء
والدتها عقدت حاجب يها : آل قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟
الجوهرة : ال . . بس أنا وسلطان
والدتها بضيق : آل تجيبين طاري الطالق!!!
ه خيرة
ِّ
الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! عل
والدتها : آل يمه ال توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن
حملك؟
الجوهرة : آل
والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تن ِّحل
ِّي! ماتدرين الخيرة
الجوهرة برجاء : الله يخليك يمه ال تضغطين عل
وينها !





والدتها بحزن يعب ُر صوتها : الله يسامحك بس
يُتبع
،
دخلت للغرفـة وعيناها تتأمل بغر ٍق عميق، أشعُر وكأنني أدخل متحف من
ـة، الصور المعلقـة بطريق ٍة ُم السبيعنات الميالدي ذهلة تجذب عيني بال
إنتهاء، و آلة الكتابـة البدائيـة تتوس ُط الطاولة الخشبيـة، رفعت عينها للثريـا
الذهبيـة التي تُشبه عصور أوربـا المنتشيـة بالثراء، ألتفتت ناحيـة المكتبة
التي تحبس الكتب بترتي ٍب أنيق، يب ُدو لوهلة أنها غرفة للتأمل فقط.
من خلفها : وش رايك؟
هيفاء بإبتسامة : تجنن . . جميلة مررة
ِّي نوع من القراءة تفضلين؟
فيصل اقترب من المكتبة ليُردف : أ
هيفاء تنحنحت بتوتر : آ . . يعني . .
فيصل : روايات وأ َدب؟
هيفاء : إيه
فيصل : هذي رواية البؤساء! لما كنت في باريس حضرت مسرحيتها . .
وو منها أفالم ومسرحيات
ُّ
ماراح تندمين عليها! تعتبر من أشهر الروايات س
كثيرة وللحين مشهورة مع أنها من القرن

. .
هيفاء جاهدت أن تُظهر إبتسامتها : تحكي عن أيش؟
فيصل : عن الظلم اإلجتماعي في فرنسا بعد سقوط نابليون . . !
هيفاء و ِّدت لو تُخبره بأنها تكره القرآءة ولكن ألتزمت صمتها ليُردف
فيصل : وفيه كتب كثير ممكن تعجبك! متى ما طفشتي أدخلي وأقرأي
براحتك
هيفاء بإعجاب كبير : هالغرفة للتأمل بجد!
فيصل إبتسم لينظر لريف التي تتمايل بمش يتها حتى تجيء إليه، رفعها :
وشلون الحلوة؟





ريف: كويسة
فيصل : طيب سلمي على هيفا
ريف بعفويـة مِّدت يدها الصغيرة. هيفاء بضحكة عانقت كفِّها : مساء
الخير
ريف ترفع عينها لفيصل لتهمس : وش أقول؟
فيصل : قولي مساء النور
ريف بتلعثم حروفها الناعمة : مسا النور
خر َجا من الغرفـة، ليأ ِت صوت والدته الهادىء : غيِّروا مالبسكم على ما
احط الغدا
فيصل يُنزل ريف : شوية وأجيك . .
ريف بإبتسامة : تيب
فيصل صعد لألعلى لتتبعه هيفاء، فتح لها جناحه لتتأمله بمثل تأملها
السابق، يطغى عليه التصاميم القديمـة منذُ عقوٍد سابقة، إتجهت نظراتها
ناحيـة السرير الذي يطغى بخمريـة لونه : هنا غرفة المالبس!
هيفاء : أوكي . . نزعت عباءتها لترتفع معها بلوزتها أمام أعين فيصل
التي ال تفِّوت لحظة لتأملها، علقت عباءتها وهي تُنزل بلوزتها دون أن
تنتبه لنظراته، رفعت عين يها لتقع بعين يه، إرتبكت ب ُحمرة تصاعدت
لمالمحها البيضاء .
فيصل بسؤا ٍل فضولي : ممكن أسألك شي؟
هيفاء بربكة : إيه
فيصل : ال تفهمين انها قلة ذوق بس بجد هالسؤال في بالي من زمان
هيفاء بلعت ريقها : تف َّضل
فيصل : في الملكة كن ِت سمرا ِكذا على برونز . . والحين بيضا!!
هيفاء لم تستطع أن تحبس ضحكتها التي أنفجرت بوجهه، شتت نظراتها
من ضحكتها الصاخبة
فيصل بإبتسامة : ترى إذا سؤالي غبي تقدرين ما تجاوبين!
هيفاء أنطلقت بعفويتها : آل عادي . . بالملكة كنت مسوية تان! ومع الوقت
راح ورجع لوني الطبيعي





فيصل يتفحصها بنظراته من أقدامها حتى رأسها : آهآ .. طيب خلينا ننزل
ال نتأخر على أمي
هيفاء بإبتسامة شغب ترتسم على محيَّاها : ينفع أقولك شي غبي!
فيصل وهو ينزل معها لألسفل واإلبتسامة ال تفارقه : قولي
هيفاء : عندي مشكلة مزمنة مع القراءة!
فيصل ضحك ليلتفت عليها : أجل ليه تجاملين من اليوم؟
ي! بس ماعندي ميول
هيفاء : هو يعني بقرآ الرواية بما أنك رشحتها ل
للروايات والقصص
فيصل : وش ميولك؟
هيفاء بكذ ٍب ال تتردد به : يعني مثالً أقرأ األشياء اإلقتصادية أحب
فيصل رفع حاجب يه بدهشة : جد؟ ماتوقعتك تحبين األشياء اإلقتصادية
والحساب وهاألمور
هيفاء : على أني أكره المواد العلمية بس أيام الثانوي دخلت علمي عشان
الرياضيات
فيصل بإعجاب كبير بميولها الذي يشترك معها فيه : وليه ما تخصصتي
ِّي شي يتعلق باإلقتصاد؟
رياضيات أو أ
هيفاء بلعت ريقها لتُردف: بصراحة مدري! ناسية أسبابي
فيصل جلس على طاولة الطعام ب ُمقابلها ليُردف لوالدته : تصِّوري يمه أنه
هيفا ميولها يشابه ميولي!
هيفاء بتوتر : يعني مو مررة
والدته : تراه فرحان ألن عنده أهم صفة يبيها بشريكة حياته أنها ذكية
وتحب شغله
هيفاء أكتفت بإبتسامة مرتبكة، أدركت أنها تقع بمصيبة كبيرة بسبب كذبها
التي حاولت أن تُثير إعجابه به.
،
استلقت على السرير لتنظر للسقف بمل ٍل بدأت تتأقلم معه وتتعايش معه





كصورةٍ روتيـنية، في جهٍة أخرى كان واقف أمام والده ومنصور : عاد
لألمانة يبه ما جاء في بالي كذبة سنعة إال أنك مسافر . . !
منصور : المشكلة ما تعرف تكذب! قبل أمس كانوا في الشركة ينتظرون
أبوي
والده : الله رزقك عقل حمير وأنا أبوك!
يوسف : مقبولة منك يا بو منصور! . . سبحان الله منصور عالقته طردية
من رفعة الضغط
منصور : حط حرتك فيني!
يوسف يجلس ب ُمقابل والده : يبه فيه خبر أسود وخبر أبيض . . وش وِِّدك
أبدأ فيه؟
والده : لو األسود شين بيجيك ك ِّف يطيِّحك شلل كامل
يوسف بضحكة : بس أنت رِّوق
والده : قل وأخلص
يوسف : الخبر األبيض أني أنا ومنصور وقعنا لك عقد ذهبي
والده : قالي منصور
منصور غرق بضحكته على مالمح يوسف من ر ِّدة فعل والده الباردة.
يوسف : واضح اليوم أني متمصخر! . . طيب الخبر األسود . . اني ألغيت
العقد وأسألني السبب قبل كل شي!
منصور بدهشة : من جدك !
والده : يا وجه الخيبة بس! . . ورآه ؟
يوسف : بصراحة ما عجبوني ومندوبه واضح أنه يتالعب فينا! قلت ورآه
نجيب الغثا لنفسنا وفيه عقود ثانية ممكن نرتاح لها
والده أغمض عينه ليُردف بهدوء : يوسف!
يوسف : سِّم
والده : أنقلع عن وجهي . . أغيب عن الشركة يومين وتلعبون فيها لعب!!
يوسف وقف: والله أنا بريت ذمتي! الناس ماعجبوني وال تنسى يبه أنا
عندي حا ِّسة سادسة أعرف الحيوانات من عيونهم
والده : وماعرفت نفسك ؟





منصور : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ههههه سِّو نفسك ميِّت
يوسف بإبتسامة يح ِّمر وجهه : معليه معليه يمون الوالد! . . يومين مانيب
طالع لكم . . . صعد متج ًها لألعلى واإلبتسامة ال تفارقه.
دخل غرفته لتسقط عين يه عليها : مساء الخير
رفعت ُمهرة ظهرها : مساء النور . .
يوسف : وش جِِّوك! بتنامين الحين!!!
ُمهرة : آل وين يجيني النوم! بس طفشت قلت أفكر
يوسف يجلس على األريكة وهو ينزع شماغه : تفكرين بأيش؟
ُمهرة : وال شي محدد . . إتجهت نحوه لتجلس بجانبه : ماراح تآخذ إجازة
قريب؟ وِِّدي أروح حايل مشتاقة ألمي
يوسف : شكلي بدعي على حايل والسبة أن ِت
ُمهرة إبتسمت : ال والله جد يوسف! مافيه إجازة قريب؟
يوسف : أنتظري بس هالشهر يعِِّدي على خير وبعدها آخذ من إجازتي
السنوية ونروح
ُمهرة : تمام . . وش فيه وجهك؟ ح ِّر برا ؟
يوسف : وين ح ِّر! الرياض بدت تبرد الحين
ُمهرة : أجل حرارة جسمك مرتفعة
يوسف بضحكة إلتفت عليها : لوال البرستيج كان قلت لك
ُمهرة إبتسمت : قول . . تراني فضولية ممكن ماأنام لو ما عرفت!
يوسف : أستغفر الله كنت بقولك شي وقح
ُمهرة : يخص؟
يوسف بسخريـة : سواليف الشباب بينهم وبين البعض ما فيها حيا لكن ال
جت عند الحريم تصير وقحة مثل سواليفكم تما ًما . . مو فيه سواليف تنقال
بينكم عاِدي لكن لو وصلت لنا تستحون!
توترت لترتفع ال ُحمرة من جدار قلبها نحو مالمحها البيضاء، غرق يوسف
بضحكته ليُردف : ترى ما قصدت شي !
ُمهرة أخذت نفس عميق لتُردف : أنت تفكيرك غلط مع مرتبة الشرف . .





يوسف أسند ظهره بإرهاق على االريكة لينظر إليها بنظرة ُمربكـة :
تذكرين لما كنا جالسين هنا في بداية زواجنا
ُمهرة : أيام تعيسة ذيك األيام
يوسف : خليك من األيام التعيسة .. ما تتذكرين شي صار هنا؟
ُمهرة عقدت حاجب يها بتفكير لثواني طويلة حتى أردفت : ال ... وش صار
؟
ِي أقولك
يوسف : تعالي قربِّ
مهرة : ما عاد أثق فيك
يوسف : قربي
ُمهرة بإصرار : ال . . قول من هنا
ِلها بالقرب من شفت يها، همس بضحكة
يوسف يستعدها بجلسته ليسحبها ويُقبِّ
: فالش باك للمشهد
،
بدأت تسير بإجهاد يمينًا ويسا ًرا، قلبها ينقبض لدقائق طويلة وينبسط للحظة
ر
ُّ
قصيرة، تشعُر بأن ستلد اآلن من و َج ِعها، الساعات التي تعبرها ال تم
بخفـة، كلما أستطال الوقت ولم تأ ِت رتيل يزداد خوفها أكثر وهاتف
عبدالرحمن المغلق يزي ُد من توترها/ربكتها.
ال تعرف مالوسيلة المثلى بأن تهدأ وتُسكن ربكة تفكيرها، تق ِّدمت نحو
الباب األمامي لتفتحه قليالً، من خلفه : نايف!
أقترب : سِِّمي
ضي : عبدالعزيز ما قالك وين رايح ؟
نايف : آل . .بس قريب وراح يرجع تطمني
ضي : طيب أتصلت على أبو سعود؟
نايف : ال
ضي : قاعدة أتصل عليه وما ي ِّرد! . . إذا تقدر تتصل على مكتبه وتشوف
نايف : أبشري . . محتاجة شي ثاني؟





ضي : آل . . . أسندت ظهرها على الباب بألم المغص الذي يُداهمها، يارب
رحمتك التي وسعت كل شيء.
ا أوضح من الله. يارب
نح ُن الذين ضللنا السير في حياتنا ال نعرف طريقً
ِب بجسِدها،
ِّ
أشرح صدري وي ِِّسر أمري، جلست على الكرسي المتصل
تخشى أن أمًرا حدث لعزيز. غضبه األخير وتصرفاته الغريبة تُوحي
لشيٍء غريب، من المستحيل أن يؤذي رتيل ولكن مِّرت ساعات منذُ
خروجهما!!!
،
وضع قدمه على الطاولة وفوقها قدِمه األخرى لينظ ُر ببرود : طيب؟ وش
أسوي؟
ُعمر : آ . . وال شي بس قلت أخبرك أنه عبدالعزيز طلع من المكان بس!
سليمان : مايهمني! كل اللي يهمني الحين فارس و ناصر! هاإلثنين أبيكم
تنهون لي موضوعهم بأسرع وقت!
أسامة : طيب وش صار على آسلي؟ ماراح تقابله؟
سليمان : خ ِّل آسلي على جمب بمخمخ له هاليومين! .. المهم فارس
وناصر
ُعمر : ناصر عرفنا مكانه بلندن . . ننتظر إشارتك
سليمان : حمار! . . أنا وش قايل؟ . . هاألمور أستعجلوا لي فيها ال
تنتظرون كلمة مني! كم صار لكم سنة ماعرفتوا اسلوبي!!! .. إلتفت
ألسامة : قلت لي متى بيجتمع معه؟
أسامة : بعد بكرا . . هاليوم مصيري لنا كلنا! وأتوقع لو وصل العلم لربعنا
بالرياض راح يكون مصيري لهم بعد !
سليمان ببرود : خل يوصلهم! أهم شي اللي تعبت عليه طول هالشهور
يصير!
أسامة : بس ال تنسى أنه رائد معك وهذا إذا ما دخل بالخط سلطان
وبوسعود!!





سليمان : هاليوم أنتظرته كثيير وحلمت فيه كثيير! بس الزم شوي أكسر
رائد بفارس وأكسر سلطان و بوسعود بناصر وعبدالعزيز! . . . .
وبتصفى لي الساحة
ِّي
أسامة : تقدر بهاليومين تحقق هالشي؟ ألن العد التنازلي بدآ يا سليمان أ
غلطة مننا ممكن تضيع كل أتعابنا
ِّر حكي قلت لك أنا مضبط أموري . . بس الزم فارس
سليمان : ال تكث
وناصر تتصرفون بأمورهم عشان نشغلهم
أسامة : أبشر

ساعة وأنهي لك أمورهم . .
،
ُظلمة يُنيرها قمر باريس، نظرت للنهِر الجاري لتلتفت إل يه :
هبط الليل ب
وين بنجلس؟
فارس تق َّدم بخطواته دون أن يُجيب عليها بكلمة ليقترب من حافـ ِة النهر
أمام القارب الصغير ، إلتفت عليها : تعالي
عبير مشت ب ُخطى ناعمة نحوه ليمِّد يِده إليها، رفعت حاجبها بتوتر :
بنركب القارب؟ ..
فارس : إيه
عبير : آآ . . كيف؟ ما معانا أحد ممكن يصير
فارس يُقاطعها : تطمني مو صاير شي !
استغرقت ثواني طويلة حتى وضعت ي َدها على يِده، أرتعش جسدها
بلمساته، مِّدت خطوتها الطويلة لتركب القارب، من خلفها أقترب وجلس
ليُجِِّدف مبتعدين عن هذا الجانب.
عبير بربكة قلبها تنظ ُر للمكان الخالي تما ًما إال منهما، نظرت إل يه بخوف :
آل تبعِّد كثير!!
فارس : أِِّدل هالمكان . .
عبير : طيب وقف خالص أحس بعِّدنا كثير . .
ُمضيء بمصباحه وسط النهِر
فارس ترك المجداف، ليتوسط القارب ال





الفسيح، نظر إليها بنظرا ٍت أشعلت قلبُها بربكة عميقة . .
،
بين يد يه هاتفه الذي سئم منه، لم ي ِصل لعبدالعزيز ولن ي ِصل ما دامت كل
أرقامه ال تعمل، تن َّهد ليرفع عينه لغادة الجالسة أمامه : تذكري! ممكن قالك
كلمة
غادة : وال شي! كان ساكت ماعرفت مين . . بس أكيد مو عبدالعزيز ألن
الرقم مو مس ِّجل
نا ِصر : الزم يعرف عبدالعزيز قبل ال يدري من غيري!!! . . إتصل على
آخر رقم ليأ ِت صوت نايف بعد دقائق طويلة : ألو
ناصر : ألو . . مين معاي؟
نايف : انت اللي متصل!
ناصر : أمس أتصل علينا شخص من هالرقم!!
نايف : أكيد غلطان ألن محد أتصل أمس
ناصر تن ِّهـد : أو ِك . . مع السالمة . . أغلقه . . محد أتصل !
قبل أن تُجيبه غادة أتى صو ُت الجرس قاطعًا، ناصر وضع أصبعه على
شفت يه بإشارة واضحة لغادة أن ال تصدر صوتًا، إقترب من الباب لينظر
من العين السحريـة، تيبست أقدامه للحظا ٍت طويلة مع الرنين المتكرر.
،
جلست ب ُمقابله دون أن تهمس بكلمة، غاضبة من هذا المكان ومن وجودها
في هذا المكان ومن فكرة أنها تتشارك معها السقف ذاته، تنهَّدت لتُبعد
أنظارها لألشياء القريبة، لألثاث المخ َّضب بذوقها.
ِت أنظاره بإتجاهها : تفكرين فيها؟
عبدالعزيز يشر ُب الماء دفعة واحدة ليثبِّ
رتيل بعين يها الحادة : ُمشكلتك واثق من نفسك كثيير !
عبدالعزيز بإبتسامة : كان مجرد سؤال! قولي ال وراح أصدقك . . بس





ها
ِّ
واضح أنه ثقتي بمحل
رتيل بضيق : ال تكلمني بشي! ماأبي أتناقش معك بأي موضوع
عبدالعزيز بسخرية : أبشري . . أن ِت بس آمري وش تبين وأنا أسويه لك
رتيل تكتفت بتنهيدة غاضبة ثائرة .
عبدالعزيز : تطِّمني ما راح تجي اليوم! بكرا إن شاء الله تصبِّحين على
وجهها
رتيل تتجاهل كلماته وحضوره الصاخب في قلبها، ال تُريد أن تنظر إليه
وتثور أعصابها مرةً أخرى.
عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدِمه : شاركيني أفكارك! أخفف لك حدة
الموقف على األقل
رتيل بغضب لم تتمالك أعصابها : تعرف تآكل تبن!!!!!
عبدالعزيز وقف ليقترب منها، أرتبكت من وقوفه أمامها، بهُدوء : علميني
كيف آكله؟
رتيل ُدون أن ترفع عينها بإتجاهه : عبدالعزيز أبعد عني!
عبدالعزيز بغضب يضع قدمه فوق قدمها ليضغط بقِّوة : لسانك أمسكيه
زين!!
رتيل بوجع دفعته لتسحب قدمها للداخل : نذل!!!
عبدالعزيز جلس بجانبها وعينه على هاتفه يحاول أن يُشغله بعد وق ٍت
طويلة بمحاوالته الفاشلة : هو ِكذا بتعصبين يوم ويومين! وآخر شي
بترضين
رتيل بحدة : آل تكلمني! مالك عالقة فيني
عبدالعزيز بإبتسامة يحاول أن يُخمد وجعه على غادة بها، لو ي ِصل إليها
وي عيناه : مو أن ِت اللي تقولين لي ال تتكلم وتكل ! ِّ اآلن وير م
رتيل بغضب بدأت عيناها تلمع بالدموع : عبدالعزيز كافي !!
عبدالعزيز وضع الهاتف على الطاولة بيأس ليلتفت إليها بكامل جسِده
رتيل إلتفتت إليه لتنظر لعين يه الباردة : ممكن توديني غرفة أجلس فيها بعيد
عنك!!
عبدالعزيز أشار لغرفته، وقفت ليسحبها من يِدها ويُعيدها للجلوس: بس





ماراح تجلسين فيها الحين!
رتيل بحدة : تبيني أقابلك وأسمع كالمك الحلو!!!
عبدالعزيز : أحسن من الجدران!
رتيل : الجدارن أبرك لي مية مرة منك
عبدالعزيز بسخرية الذعة : سبحان اللي يغيِّر وما يتغيِّر!!
فهمت قصِده، و ِّدت لو تبصق عليه لتُشفي حرقتها/غضبها : طيب؟ وش
أسوي لك ؟
عبدالعزيز : أجلسي تأملي معي هالحياة
رتيل : صدقني محد بيخسر غيرك ومحد بيندم غيرك!!
عبدالعزيز : جاني تبلد! ما يهمني وش أخسر وال على أيش أندم!!!
رتيل زفرت غضبها، ما عادت تحتمل ربكة وجوده و كلماته المؤذيـة.
عبدالعزيز : كن ِت تح ِِّسين بالرخص قبل شهور! والحين؟ أفهم إحساسك
تما ًما
رتيل بعصبية ثارت كل أعصابها : وتذكر وش قلت لك وقتها! المشكلة مو
إني رخيصة المشكلة إني ما لقيت ر َّجال. .
عبدالعزيز إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدِمه ويجعلها ُرغما عنها تستلقي
ٍن ُمتصاعدة . .
على األريكة، سحبها بش َّدة غضبه الذي ثار كبراكي
،
بحز ٍن عميق سارعت ُخطاها المبعثرة، لتنظر لعبدالرحمن الذي تحفظه
جي ًدا : وينه ؟
عبدالرحمن بحرج : تفضلي من هنا . . دخلت ح َصة لترى مالمحه
ه الشاش األبيض، جلست بجانبه ليبتسم لها
ُّ
الشاحبـة الذابلة كليًا، ورأسه يلف
يُجاهد أن ال يُخيفها . .
حصة بغض ٍب وعين يها تجهش بالبكاء : هذي ضربة بسيطة!!
سلطان ببحة التعب : الحمدلله على كل حال





حصة تمسح على رأسه : شوف كيف وجهك تعبان؟ ما بقى جهة في
جسمك ما طحت عليها!!
سلطان تنهد ليسعل بو َجع، رفع عينه إليها : ليه تعبتي نفسك وجيتي؟ أصال
بيطلعوني بعد شو ي
حصة : مو شايفني أصغر عيالك اللي تضحك عليهم!!!
سلطان بجديـة : والله كنت بطلع
حصة بتو ِِّسل عين يها الباكيت ين : يا روحي ال تسوي في نفسك كذا . . خاف
ربك في نفسك
سلطان بضيق : حادث ومِّر على خير . .ال تفكرين بشي ثاني
حصة : حادث وحادثين وثالث . . مو كل مرة بتسلم!!
سلطان شتت نظراته بعي ًدا ليأ ِت سؤاله الثقيل على نفسه : الجوهرة راحت
؟
حصة : إيه . . كنت أنتظرك عشان أعطيك محاضرة تعلمك أنه الله حق
بس عقب هالحال وش عاد أقول!
سلطان بإبتسامة ينظ ُر إليها : ماش الغالية مهيب راضية علينا!
حصة : سلطان شايف نفسك! شوف كيف الحزن ماِليك! المشكلة كل
األمور بإيدك لكن تكابر . . والله حرام اللي تسوونه بنفسكم!!
سلطان أغمض عين يه : بغمضة عين ممكن أخسر حياتي! . . اليوم للمرة
المدري كم حسيت بالموت قريب مني! . . تعرفين وش جاء في بالي ؟
ح َصة : وش ؟
سلطان : الجوهرة
حصة سقطت دمعة ناعمة على خدها : ليه يا سلطان تعذب نفسك وتعذبها
معك؟
سلطان : كنت أفكر فيها بشعور ما عرفت أصنِّفه! بس مافيه قرار أفضل
من هالقرار
حصة بغضب : إال فيه! . . تحبون الشقا والغثآآ وش فيها لو تنازلتوا شوي
وكملتوا حياتكم . . هذا وبينكم و. . . صمتت لتُشتت نظراتها.
سلطان : بيننا أيش؟





حصة : وال شي
سلطان عقد حاجب يه : عمتي . .
حصة : سلطان ماأبغى اتكلم في هالموضوع
ِّي موضوع ؟
سلطان : أ
حصة بضيق : بقولك بس أوعدني ماتقول للجوهرة لين هي تقولك
سلطان بحدة : وشو ؟
حصة بلعت ريقها : الجوهرة حامل . .
.
.
أنتهى نلتقي على خير الجمعة()
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم()$:
التحرمونِي من صدق دعواتك م و جنَّة حضورك م.
ب
ُّ
ُمستضعفين في ُك


إعدادات القراءة


لون الخلفية