الفصل 98

ا،
َي يوسف التي
ينها ُر شيئًا فشيئًا، كانت ستسقط على األرض لوال ذراع
ِردة والتي تُناقض حرارة الرجفة
تُحيطان بها، جلس معها على األرض البا
بأجسادهم : هيفاء طالعيني . . مو صاير اال كل خير إن شاء الله . . .
ٍر تام : كان زين والله كان زين
هيفاء بإنهيا . . . د َق الجرس وراح وبعدها
ما رجع . . ما رجع يا يوسف . . مارجججع . . . كررت كلمتُها كثي ًرا
وهي تب ِكي بش َدة توازي ش َدة الخوف التي ت َدب في صدرها.
ٍر سيء
يوسف يمسح دموعها بكفيَه وهو ينظ ُر إليها بحز ٍن بالغ، يشعُر بخب
سيأ ِت ولكن ال يُريده أن يأ ِت، يُريد أن يكذَب توقعاته، مسك كفيَها ليضغط
عليهما : استغفري . . كرري اإلستغفار وتفرج من عنده
هيفاء نظرت إليه نظرة قتلت يوسف تما ًما، يوسف شتت نظراته بعي ًدا عنها
ليعقد حاجب يه، سحبها إليه لتضع رأسها على صدِره، قبَل رأسها وأطال
بقُبلته ليقرأ عليها بصو ٍت تحشرج من أفكاره السيئة التي تعب ُث بعقله، قرأ
عليها آيات السكينة التي يحفظها ويُكررها عل يها : و قال لهم نبيهم إن آية
من ربَكم . . . . . و قال لهم نبيهم إن آية
ُكُم التابُو ُت فيه َسكينةٌ
ملكه أن يأتيَ
من ربَكم . . و قال لهم نبيهم إن آية م
ملكه أن يأتيَ لكه ُكُم التابُو ُت فيه َسكينةٌ
من ربَكم . . . . ثم أن َزل الله سكينته على
ُكُم التابُو ُت فيه َسكينةٌ
أن يأتيَ
رسوله وعلى المؤمنين . . . . ثم أن َزل الله سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين . . ثم أن َزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . . إذ
يقول لصاحبه ال تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنوٍد لم
تر وها . . . . إذ يقول لصاحبه ال تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته
عليه وأيَدهُ بجنوٍد لم تر وها
خذلهُ صوت ليصمت على صو ُت اإلسعاف الذي يغُزو مسامعهم في هذه
اللحظة، هذه المَرة لم يد ُعو لفيصل وحده، كان قلبه يدعو أن ال يصل
الصوت إلى والدة فيصل، سكنَت حوا ُس هيفاء ومازال الدم ُع يعب ُر خدها





بإستسالم.
يوسف : بيط َمنا منصور إن شاء الله . . . قومي نجلس داخل . . . وقف
ليش َدها معه وهو يثبَتها بذراعه التي تحيط كتفها من الخلف، جلس في
الصالة التي تحتوي على الجلس ِة الشرقية األرضية، سحب ِجالل الصالة
ليجعلها تستلقي وتضع رأسها على فخِذه، غ َطاها وهو يُجاهد أن يجعلها
تنام حتى ال يضطرب قلبها باإلنتظار كثي ًرا.
" يالله ارزقني الصبر، ال طاقة لي
س َكن صوتُها ولكن قلبها لم يس ُكن بعد،
ًء مني تنشطر، مازالت إبتسامته قبل ساعة
بتح َمل كل هذا، أشعُر بأن أجزا
تُضيء عيني بالدمع، مازالت هيئته الصاخبة تحض ُر في عقلي، يالله على
ا
صوتُه الذي ال يُريد أن يفارق مسامعي! للتو شعر ُت بأن هناك أهدافً
بحياتي، للتو وضعتُها بقائمة أولَها فيصل ونهايتها فيصل، إلهي أرجوك!
أرجوك! أرجوك . . احفظه"
ئمة بسكينة لم يُح َر في الجزء العلوي من المنزل كانت نا كها صوت
فترةٍ طويلة لم تنام ريف
ُم بحضنها، منذُ
اإلسعاف أب ًدا وريف الصغيرة تنا
أمها هي من تُغطي جسِدها الصغير،
ِ
مع والدتها، نامت هذه الليلة وذراع
َف جسِدها
لتفتح عين يها بهدوء نظرت للسقف المظلم لتل
تح َركت ريف قليالً
وجهها بصدِر الناحية الثانية وتُغطي أمها، غرزت أصابعها الناعمة في
جسِدها وهي تتمس ُك بوالدتها : ماما
ُدون أن تفتح عين يها والدتها ش َدتها إل يها وهي تشعُر بحركاتها لتهمس :
يالله ماما نا ِمي
ريف بركاكِة الحروف التي تنطقها : بروه لفيصل
والدتها : ُهم نايمين الحين غلط نزعجهم صح؟ . . يالله نامي وبكرا الصبح
تشوفينه
ريف : و هيفا ؟
والدتها : هي نايمة بعد . . يالله ريف حبيبي نامي
ريف بضجر : راح النوم
والدتها تنهَدت لتفتح عين يها : غمضي عيُونك و فكري بأشياء حلوة ويجيك
النوم





ريف : مثل وشو ؟
َما تلعبين مع َما يوديك فيصل . . فكري
والدتها : فكري بالمالهي ل ل
َما تطلعين . . تذ َكري هاألشياء وغمضي عيونك
صديقاتك و ل
ريف ابتسمت بشغف لتُردف بعد ثواني قليلة من إغماضها لعين يها : أنا و
أن ِت و بابا
والدتها : بابا راح للسما عند الله
ريف : إيه ألن السما أحلى من األرض و بابا ألنه قلبه حلو الزم يروح
للسما . . ِكذا يقول فيصل
والدتها بإبتسامة : صح
َما أن ِت ماما تروحين للسما أنا بصير
ريف : بعدين صار فيصل بابا . . ول
ماما
والدتها اختنقت من ذكرى هذا الزوج، ضاقت محاجرها لتغرق بالدمع،
أكملت ريف بما تحفظه من كلمات فيصل : بعدين يصير لنا بيت كبيييير
كبيير في . . أيش إسمها ماما؟ اللي هناك عند الله؟
والدتها بصو ٍت متحشرج : الجنة
َما أكبر و أن ِت ماما و بابا و
ريف : إيوا هناك إحنا عندنا بيت فيه أنا ل
فيصل . . بنجيب هيفا؟ عادي؟
والدتها لم تستطع الرد، نزلت دموعها بال توقف، ريف : بروح لهيفا بقولها
شي وأرجع على طول
والدتها بلعت غ َصتها : ال ماما بكرا تقولين لها . . يالله نامي عشان
تصحين بدري وتفطرين وياهم
ريف بعد صمت لدقائق : ماما
والدتها : هال
ريف : متى نروح للسما؟
والدتها : ما أعرف يا ماما! بس إن شاء الله بنروح للجنة
ريف : بابا بروحه؟ ما يخاف؟
والدتها أرهقتها هذه األسئلة التي ال تعر ُف لها جواب : إحنا معاه . . وش
قالك فيصل؟





َما أشوف عيونك ماما أشوف بابا ألن انتو الكبار . . ناسية
ريف : قال ل
وشو قال
َما نشتاق للناس
والدتها تض َمها أكثر لتُردف بصو ٍت تنام به السكينة : قال ل
اللي راحوا للسما نروح نشوف عيون اللي يحبَونهم . . ألن اللي يحبونهم
يحفظونهم بعيونهم . . وأن ِت يا ريف تحفظين بابا في قلبك وعيونك صح؟
َما تبين تشوفين بابا ؟
ريف رفعت رأسها : أن ِت تشوفيني ل
َما أبي أشوف بابا أصلي
والدتها : ل
يُتبع
ِرعان لتجاوزه والو ُصول
يسي ُر على الرصيف بجان ِب رتيل، تبقَى شا
للعمارة المنزويـة في نهايـة الطريق، وقفا حتى تُضيء إشارة العبُور
وأحاديثهم البسيطة في كل ثانيـة تر ُن في صدر اآلخر .
نظرت إل يه بضيق الحياة في عين يها لتُردف : أكره هالشعور! شعور
َي شي يا عبدالعزيز
اإلحباط واليأس، شعور إني ماني قادرة أسوي أ
عبدالعزيز : لو كن ِت تبين تسوين شي قدرتي بدون ال تسألين عن أحد!
أعرفك يا رتيل! أعرف حجم تهَورك وجنُونك
إلتفتت إليه بكامل جسِدها لتبتسم بسخافة الحياة التي تصفعها : تغيَرنا ما
عدنا على ُخبرك!! لو أقدر كان ما طلعت معك الحين! لو أق َدر كان سويت
أشياء كثيرة! بس صرت أخافك
عبدالعزيز : وش اللي تغيَر؟
رتيل بحزن هذا الكون الذي يخر ُج من شفا ِهها كنص ٍل ُمدمي : إني ماراح
أسامحك!
عبدالعزيز نظر إل يها بنظرة غريبة، نظرة تحمل من اليأس ما التتحملهُ





روحٍ واحدة، اقترب منها حتى تالمس حذاءهُ مع حذاءها، أضاءت إشارة
َهد ليسير خلفها ناحيـة الرصي
العبور حتى سارت وتركته، تن ف اآلخر،
ش َدت على شفتِها السفليَة حتى تكبت دمعًا يُجاهد للصعود نحو محاجرها،
وقف بجانبها آلخِر . إشارة عبُور
عبدالعزيز بصراحتِه المؤذيـة لقل ٍب أمتلئ بندبا ٍت مالحة سبُبها صوتُه : ما
َور فيه عن حياة لي كن ِت
َي شيء! في الوقت اللي كنت أد
حاولت أأذيك بأ
َي قدامي يا رت شي! بس ما حاولت أأذيك! غلطت
يل! س َميه ق َدر س َميه أ
كثير لكن ما كانت نيتي أبد إني أأذيك لشخصك! وال كان لي نيَة بأني أدخل
قلبك . . !
عقد حاجب يه وهو ينظ ُر لكل شيٍء عداها، أكمل : كانت نيتي الحياة! . . .
ِه : تبين تعرفين شع
إلتفت عليها وهو يُدخل يد يه بجيُوبـ وري؟ مثل الشخص
المريض اللي عارف وش نهايته لكن يآكل حبوبه بإنتظام! هو يأس بس
مجبور يآكل! وأنا يأست بس مجبور أعيش! ما يأست من رحمة الله!
يأست من خلقه، يأست من هالطريقة اللي عايش فيها! يأست من نفسي اللي
مو قادرة توقف وتتجاهل! . . . . . وتقولين ماراح أسامحك! وكأني متعَمد
أأذيك وأغلط وكأن ه َمي في الحياة إني أقهرك! وكأن نفسي بإختياري . . !!
نزلت دمعتها الناعمة وهي تُشتت نظراتها بعي ًدا عنه، أضاءت إشارة
العبور لتسير بجانبه على الرصيف األخير الذي ينتهي بشقته، في جهٍة
أخرى كان اإلحباط يتسل ندفع إلى صوتها بهيئة ُل لقلبها شيئًا فشيئًا حتى أ
ُجملة : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
في كل خطوةٍ تخطوها لألسفل كانت ُهناك خطوا ٌت بالخارج متجهـة إلى
العمارة، رفع أصابعه ناحية ياقة قميصه ليفتح أو ُل أزاريره وهو يشعُر بأن
العالم بأكمله يحش ُر نفسه بحنجرته ويخنقه، وقف قليالً من الالإتزان الذي
يواجهه، شعر بالغثيان يغزو معدتِه ويُضبب رؤيتـه، إلتفتت عليه بخوف :
عبدالعزيز!!!
عبدالعزيز لثوانِي معدودة رفع رأسه ليُغمض عين يه بش َدة حتى يُعيد
توازنـه.
ٍر
يالله! أفق ُد شهيتي بالحياة تما ًما، أفق ُد قدرتي على اإلتزان بها، أشعُر بنا





ريد أ
َو تله ُب صدِري، ال أ د أن أموت ُ
ُ
ن أموت على يقضة هذا العالم، أ
َي أحٍد من حولي، فقد ُت
ريد أ
ُ
ِري ُدون أن أرى أح ًدا، ال أ
بسالٍم على سري
ريد ومازل ُت أفقد! مازال وجعي من نا ِصر يتكاث ُر في داخلي، مازال
ُ
من أ
! أحتاج جواب يشفي لهي ُب السؤال في عينِي! "
َ
بُكاء غادة يصر ُخ بأذني، ِلم
يالله لو ِكنت ِهنا يا يبـه " لو ُكنت تراني! لو كنت معي! لو كنت تش َد على
معصِمي وتأخذني حي ُث الصواب، لو أنني أب ِكي على صدِرك لشف ي ُت والله!
بصرك لمرةٍ
ُ
لو أنني أجل ُس عند ركبت يك لداويت ُحزني بكفيَك، لو أنني أ
وا ِحدة أشر ُح لك بها كيف أنَك تعي ُش بداخِلي وتُرهق عيني التي ال تراك !
فتح عين يـه ليسير ب ُخطى بطيئة تج َر أثقاالً من ال ُحزن، على بُعِد خطوات
وضعت قدمها على الطابق األول وباب الخروج أمامها يتض ُح تما ًما،
َهد بضيق من أنها ستخر ُج ُدون أن تراه، شعرت بإنقباضات
وقفت قليال لتتن
قلبها الضيَق من فكرة غيابِه المستمر عنها، في كل ثانيَة تمُر تشط ُر قلبها
المنفعل بحنينه، من خلفها وليد : يالله . .
غادة نزلت لنصف الدرج حتى تجمَدت عيناها ُدون أن ترمش، رفع رأسه
َران في جوفِه، ثبت في مكانِه ليقمع الالإتزان الذي يواجهه،
لتصطدم الني
سقطت ذراعه التي كانت تُالمس رأسه لتُالمس جانبِه األيمن من جسِده،
كان كل شيء في جسِده يرتجف، ارتجفت يد يه وهي تختبئ بمعطِفه
األسود.
َي تضع ُف أمامها، أمام العين ين التي تُشبهني، أهذه غادة أم أنني
كل قوا
ي للتخيالت، لم أتخلص من وعثاء الواقع حتى أواجه
َوهم؟ ال طاقـة ل
أت
تخلَت صالبتُه عنه في
حياةً إفتراضية أخرى، يالله ساعدني! ساعد رجالً
مواجهة نف ِسه، سا ِعد رجالً عبث بالحياة حتى عبثت به و شتتَه، يالله
ساعدني! أخا ُف من ُحزني، أخا ُف من إندفاع الموت في جسِدي، أخا ُف من
َف الذي يذب ُل في صوتي، أر ُجوك يالله إن هذه الحياة تختن ُق
البكاء الجا
بصدِري، خذني إل يها، سا ِعد أقدامي حتى تذهب إل يها، يالله أر ُجوك أمسح
على ُحزني بلطفك وأرحمني في هذه اللحظة، أر ُجوك يالله ُخذني إل يها.
في الجهة التي تُقابله، أندفع البكاء حتى سكنَت ضوضاء ال ُدنيا من حولهما
َي الدم ُع يُؤدي مهمة النزول على خ َدها الناعم بهدو ٍء
وبق .





عزيز! " تأ ِت بصورة تض َج حياة لجسدي، تأ ِت بهيئة أبِي وأمي " ال
وعائلتي ُكلها، تأ ِت كـ نو ٍر يُهذب عتمة قلبي، يجرحنُي الحنين في غيابك
ان غاب
ني، افترقنـا وفارقتني الحياة تما ًما منذُ
كثي ًرا، يعب ُث بقلبي ويحرقُ
جنَة
ُون دَمنا و رائحتنا، أن ت يا "
عن سمعي ذكِرك وذكر من كانوا يحمل
لكنني ال انسى طعُم ال ُحب الذي يغرق
صدري ". غابت ذاكرتي طويالً
بفمي ب ُمجرد ما تُناديني، ال أنسى أبس ُط التفاصيل التي نشتر ُك بها وأه ُمها "
سلطان " الذي ينتهي بأسماءنا وينتهي بكلماتنا، نح ُن الذي عشنا في كن ِف
إبتسامته، أشتاقك! ُخذني إل يك كما أخذتني الحياة ِمنك، يموت صوتي يا
ِك، أريد أن أستشعُر مقطع إسمك
ريد أن أنادي
ُ
عبدالعزيز وال يُساعدني! أ
الما ! َر على لساني، نادنِي يا عبدالعزيز، نادنِي
أرجوك يالله ال تخذلني بصوتِي، أرجوك يالله ساعدنِي حتى أعب ُر هذه
الخطوات لعناقه، يارب أشتاقه! أشتا ُق صدِره، يارب ُخذني إليه قبل أن
ِو أموت في ي جرحها
" عزيز!! قلب أختِك مج ُروح! تعال دا
مكاني،
بصوتِك، تعال أس ِكن فجيعة عيونِك بصدِري، . . نادنِي! ر َعى الله نهر
يجيء من صوتِك، لصدٍر . أمتلىء بجفافه، ر َعى الله قلبك يا روح أختِك
ٍر تام تح َركت ذراعه اليُمنى وعين يه تشتَد ب ُحمرة الدمع المالح، لم
بإنكسا
ترمش عيناه بعد مازالت تُصارع اليق َضة من أجلها، أقوى مني يالله! هذا
اللقاء يُضعفني تما ًما، صوتي يؤذيني وهو ي ُموت في داخلي! حنجرتِي
يترس ُب بها البكاء ويمنع الكلمات من العبُور! وعيني يترس ُب بها الملح
ويمنع نظري من الوضوح، وجسِدي يتصل ُب بالحنين ويمن ُع أقدامي من
" يا عين أبُوي
َود أن أقول بوضوح
الحر َكة، أنا ممنوع من كل شيء، أ
أشتقت لك."
َواه وينتهي،
ُها بعين يه أن تأ ِت قبل أن تتب َخر ق
بثقل تق َدم خطوتين وهو يتوسل
ب ُخطى سريعة غادة تو َجهت إليه لتقف على أطراف أصابعها وهي تعانقه
بش َده، أغمضت عين يها بذا ِت الش َدة وهي تغر ُق بعنقه وتستشنق رائحته التي
أفتقدتها، أنهارت بالبكاء وأنينها يُسمع صداه، ب َكت كأنها تواجهُ البكاء ألو ِل
َواها
مَر . ة، ش َدت على معطفه من الخلف بأصابعها وهي تعانقه بكل ق
"هذه الرائحة أشتقتُها! هذا العناق أشتقتُه يا عبدالعزيز" .





وقفت ثابتًا وذراعيه لم يتحركا وتُحيطان جسد غادة، يعي ُش أعلى مستويات
الصدَمة وكأنه للتو أستوعب أنها حيَة، نزلت دمعتُه وعين يه ال ترمش، في
كل لحظ ٍة يعود صدى بكاءها كان الدم ُع في عين يه يتكاثر ُدون أن يسقط،
همس بغير تصديق/ همس بهذيان لم يُفهم منه سوى : غادة!!
غادة وهي ال تنفَك عنه من بين بكاءها : أشتقت لك . . أشتقت لك والله
العظيم . . .
هذا الصوت مازال حيَا! يالله ثبَت يقيني بما أراه وال تتركيني أسق ُط
ِك هذه يا غادة من خدشها؟ ال تسألي عنَي! أنا ما زلت
بخياالتي هكذا، نبرتُ
واقف في الطريق الذي رحلتُم به دفعةً وا ِحدة لتنتهي روحي على دفعا ٍت
تستطي ُل بوجعي، ما زلت واقف! وكل ما مضى من بعِدكم كان ُمجرد
َي رج ٍل ينتمي لعائلة، مازلتُم
محاوالت للحياة ولكنني لم أحيا! لم أ ِعش كأ
ي! عطشتِكم يا غادة
َي! تنامون على قلبي وال تستيقظون أب ًدا! " يا ظمآ
ف
وما روتني الحياة من بعِدكم" !
َوة ليُغلق عين يه بذا ِت الش َدة، أمال رأ ِسه
رفع ذراع يه ليُحيطانها، ش َدها بق
ليُقبَلها بالقُرب من عين يها، ش َد على ظهره ليرفعها قليالً عن مستوى
األرض.
كل شيء يُغيَب الوعي عن قلبي، ُكنت سأرضى والله لو كنت أدِري أن ِك
على قيد الحياة وال نلتقي أب ًدا، كنت سأجد سببًا للعيش/للحياة/للسعادة،
ولكنني في كل مَرة أشعُر بأنه ال فائدة! ال أح ًدا أقاوم من أجله، لو تعلمين
يا غادة كيف ي ُكون شعور الفرد إن أستفردت به الحياة وأوجعتـه، لو
ي ذريعة للموت، لو تعلمين
تعلمين كيف يكون الغدر ممن رأيت ُهم حياةً ل
ِك
كيف للشوق أن يأ ِت في منامي ب ِشعًا يُحبط كل أسس طمأنينتي، تخيلتُ
كثي ًرا حتى أخطأت بقدِر ما تخيلتُك، أنا آسف ألنني لم أكن قويًا كفايةً وال
ذكيًا حتى أكتش ُف أمرك ُمبكًرا، وصوتي اآلن يُخطئ الخروج! مازال
مبحوح في داخلي.
"رائحتِك هذه تُرادف أمي، أمي التي بك يتُها مرا ًرا ولم أشعُر بلذاعة الشوق
إال بها، كيف أش ُكر ال ول الحمدلله بطريقة توازي
له علي ِك اآلن؟ كيف أقُ
ٍر أجهله أب ِكي عليه، أن ِت
ي! أن ِت ُهنا يا غادة! ُهنا وأنا أذه ُب لقب
ُطف الله ب
ل





ُهنا ولم يهَزني طوال حياتي شيئًا بقدر ما ه َزني موتكم، صبر ُت كثي ًرا
َي مرةً وا ِحدة لتدفعني لفداح ٍة ال أدِري كيف أتجاو
حتى أنهارت قوا زها!
َي، بِوحدةِ األغصان المغروسـة في
أشتقتُك! أشتقتُك بمرارة البكاء العالق ف
صحرا ٍء شاسعة، بسما ٍء جفَفها الغبَار ولم يُسعفها مطر، بفع ٍل صاخب كانت
ر َدة فعله : صمت، أشتقتُك كثي ًرا وكثي ًرا لس ُت عميقة كما ينبغي لقلبك " يا
روح أ ُخوك ."
منذُ عين يه عاد وليد للخلف ليصعد للطابق الثاني أن رآه وقبل أن يرفع
آخر، ضرب بقبضته على الجدار، كل شيء ينتمي إلى
ويخر ُج من مخرجٍ
ي ولكن ال
ًطا حتى تثق ب
الحياة يتعَمد الوقوف ضَدي! كن ُت أحتاج وقتًا بسي
مجال للثقة أب ًدا، عادت لحياتها التي تُريدها وأنا؟ مثل كل مرةٍ تنتص ُب
الخيبة أمامي بثبات .
،
خرجت والدتها من غرفتها بعد أن سكنَت ونامت، لتُقابل ريَان بوجهها :
خوفتني بسم الله
ريَان : آسف ما كنت أقصد . . وش فيها الجوهرة ؟
والدتها تنهَدت : وال شي . . كانت ستتجاوزه ولكن وقف أمامها . . يممه
بالي مشغول أبي أعرف
والدتها : ريَان أختك ما تتحمل تسمع منك . .
َوها
يُقاطعها : تط َمني ماني مسوي لها شي! تراني أخوها ماني عد
والدتها : أستغفر الله . .
ريَان : وش فيها؟ ماراح أنام لين أعرف
والدتها : طلَقها سلطان
َي والدته ُدون أن يرمش، ُصِدم بما يسمع وهو الذي
ريَان ثبَت عيناه بعين
يظن أن حياتهما تسير كما ينبغي، شعر بأن أح ًدا يصفعهُ بك ٍف باردة، لم





يتوقع وال
٪أن ي ِصل حال الجوهرة إلى هذا الحال من أجل سلطان .
والدته : ال تضايقها بشي وال تعلَم أحد لين أخبَر أبوك . . . تركته ُدون أن
يخرج من بين شفت يه كلمة واحدة.
أنا الذي اجبرتها على الموافقة في كل مَر ا الذي أجبرتها على الرفض ة وأن
كثي ًرا، ليتني وقفت بوجه هذا الزواج، ليتني لم أجعلها تعيش معه هذا األلم
درك بأن بداية الزواج كانت سيئة، وأن بنا ِءهم لهذه الحياة كان ه ًشا،
ُ
وأنا أ
لو أنني فقط تخليَت عن إندفاعي وف َكرت بعقالنيَة تص َب في مصلحتها.
يارب أرحمنا!
تق َدم بخطواتِه ليفتح الباب بخفُوت ويط َل عليها، أطال النظر إلى مالمحها
الشاحبة الباكيَة، أخذ نفس عميق ليتراجع ويُغلق الباب .
يُثقله، نظر لريم التي تعبث بهاتفها لترفع رأسها إل يه،
َ
عاد إلى جناحه والهم
َي! أكيد صاير شي
َرد عل
بتذَمر : وال أحد من أهلي ي
ريَان عقد حاجب يه : ال توسوسين كثير
ريم : حتى تليفون البيت محد يشيله! و زوجات أخواني وال وحدة ت ! َرد
ريَان أستلقى بضيق : الخبر الشين بيجيك لين مكانك! تط َمني
ريم تركت هاتفها : الله ال يفجعنا بأحد بس . . . رحت تشوف الجوهرة؟
ريَان : لقيتها نايمة
َي شي
ريم : قلت لك يمكن من الحمل تعبانة وتتحسس من أ
ريَان بفضفضة لم يعتادها : أحس إني مشتت مو قادر أر َكز بشي
ريم : مشتت بمين؟
ريَان : قسيت عليها كثييير ، أجبرتها على أشياء ماتبيها
ريم بلعت ريقها وهي تنظ ُر لعين يه التي تنظ ُر للسقف بندٍم شديد يتض ُح
ببريق هذه النظرات.
يُكمل : بس والله كنت خايف عليها! كنت أح َسها طايشة ما تعرف تقرر
صح بحياتها، ما أبي أحس إني ظلمتها بس أحس كل شي في ذاك الوقت
كان ضَدها
ريم : وإذا كانت طايشة! من حقها تختار حياتها . . ريَان أنت أجبرتها
تتزوج سلطان ؟





ريَان : ال كنت رافض! ما أطيق سلطان أصالً عشان أوافق عليه لكن
َس أ أنه ماهو
بوي هو اللي وافق وطلَعني من الموضوع، بس كنت حا
مناسب لها! وكنت داري أنه يحس في داخله أنه متزَوجها بس ِكذا عشان
موقف ماهو عشانها الجوهرة بنت عبدالمحسن
ريم بعدم فهم : طيب ال تفكر بأشياء راحت وطلعت برا سيطرتك وتلوم
نفسك عليها
َي فرصة .
َرب منها بس ماتعطيني أ
ريَان : ماني فاهم الجوهرة! أحاول أتق
. دايم تحسسني إني أنا وتركي أعداءها
ريم : تركي عمك؟
ريَان بسخرية : إيه ع َمنا اللي نسانا
ريم : مو قال أبوك أنه سافر برا ؟
ريَان : إيه وشكله مسوي مصيبة مع أبوي عشان كذا قطع فينا
ريم : أكيد فاهم الجوهرة غلط! مستحيل تحسسكم أنكم أعداءها بالعكس
تلقاها تحبكم أكثر من روحها
َي
ريَان : ما لحقتي عليها كيف كانت تتجنَب تطالعني وكيف تقطع أ
موضوع إذا شاركنا تركي فيه
ريم بعُقدة حاجب يها : ريان والله شكلك فاهم غلط! ممكن وقتها صار خالف
بينها وبين تركي وتصرفت كذا مو شرط يعني!
ريَان : قلبي يقول فيه شي بين تركي و أبوي والجوهرة! بس مو راضيين
يقولون لي وحتى أمي شكلها تعرف ومهي راضية تقولي! ألنها كانت
تسأل عن تركي دايم بس الحين ما عادت تسأل عنه
ريم تنهَدت بإبتسامة : أنت اللي ال توس وس الحين! الخبر الشي بيوصل
لعنِدك تط َمن
ريَان ُرغما عنه إبتسم : خبر عن خبر يفرق
ريم : والله ريان أنت موس وس كثير
ريَان إلتفت عليها بنظرةٍ جعلتها تندفع بالكلمات : بس يعني ماشاء الله
عليك يعني متزن وعاقل وكذا
ضحك ريَان ليُردف : زين الله يسلمك





ريم بعفوية : وش دعوى عاد! تراني أحبك ماأرضى عليك بالشينة بس
يعني أنت ت وسوس كثير بس هذا عيبك لكن إيجابياتك كثيرة
، إلتفت عليها بكامل
ريَان أستعَدل بجلسته بعد أن طرقت أسماعه " أحبك "
جسِده، ريم إرتبكت من قُربه لتُردف : قلت شي غلط؟ تراني أخاف من
نظرتك ذ ي !!!
ريَان بإبتسامته التي ال تظهر كثي ًرا وإن ظهرت تأ ُخذ قلب ريم معها : أبد
كل اللي قلتيه على عيني وعلى راسي
،
لت فيها "
أفلس ُت من الدنيَا، هذا ما أنا أيقنت منه تما ًما، في الثانية التي قُ
" تجاوزتني دقيقة الوداع، لو أنَ ِك
أحفظي لي يا عبير ما تبقى من قلبي
َر ُد به قوام حيا
ُحبك فعالً وجنونًا ألسبوع، فقط أسبوع أست
ي بأن أ
سمحتي ل ةٍ
ته َشمت أمامي، ولكن ِك قس ي ِت من أجل العقل، من أجل األشياء
نسير بطريق ين
َ
نفترق وكالنا يُحب بعضنا البعض؟ ِلم
َ
الالمعروفـة، ِلم
يا رحمة الله في عيني؟ كان
َ
منفصل ين ونح ُن نعي ُش تحت سما ٍء واحدة؟ ِلم
ِري الفراق وأنا الذي ر َدد ُت كثي ًرا ال
من المؤسف والله أن تختا طاقة لي
ٍر أخرى تحت التراب؟ كيف وأن ِت ترحلين ب ُخطا ِك
ٍق ينتهي بغيا ٍب لديا
بفرا
فوق التراب؟ كيف تجرأت القسوة بعين يك وفي ماؤها جنَة ؟ أختر ِت
النهايـة، أنا الذي كنت أظن كثي ًرا بأن النساء إن أحببن يتركن قواعد الحياة
وقناعتها ويعشقن بجنُون! ولكن ِك كن ِت مختلفة عنهن! أختر ِت السير خلف
درك ذلك، فشلت باإلنسالخ
ُ
عقلك وقناعاتها والحياة، أختر ِت موتي. فاشل! أ
عن والِدي ألكون بمظهٍر يلي ُق بإبنة عبدالرحمن، فشلت ألني ال أعرف أن
أعيش في كن ٍف أحٍد غير عينا والِدي، أنا ال أعرف تما ًما مالذي يجب أن
أفعله! ولكنني في نهاية األمر أنا إبنه وهذا مااليتقبلهُ والِدك وأن ِت أي ًضا .
من خلفه : وين غرقت؟





فارس بضيق : أف َكر
جلس بجانبه : بأيش ؟
ليُردف : ما أعرف الصح من الغلط
فارس صمت قليالً
:أسمعني يا فارس! مافيه أحد معصوم من الخطأ . . كلنا نخطي وكلنا
نتصرف أحيانًا بتهويل . . لكن بالنهاية إحنا محنا منز َهين وال مالئكة . .
أهم شي أننا نصلَح أغالطنا
فارس : وصححت أغالطي! لكن محد قِبَل
:مع الله كل شي يهون
فارس : أعرف وش بيصير بالنهاية! بسلَم أمري لله وبتقبَل إنه هالزواج
اللي أصالً ما أعرف كيف بدأ، ينتهي! لكن ماراح أتقبَل إنه أبوي ينتهي . .
عارف أنه ممكن يكون أسوأ األشخاص بنظركم لكنه أبوي! مقدر أقول
الحق حق والزم يتعاقب! مقدر أكون ِكذا . . .
:كل شخص يا فارس راح يدفع ثمن أخطاءه، أنت الحين تدفع ثمن
أخطاءك رغم نيتك الطيبة . . وأبوك راح يدفع ثمن أخطاءه مهما كانت
نيَته، وكلنا ندفع ثمن أخطاءنا! مافيه شي نسويه بدون مقابل! ومقابل
هاألخطاء عقاب ممكن يكفَر عن أخطاءنا! ليه الله أو َجد الحدود في الدنيا؟
أوج َدها تكفير لنا ورحمة
فارس : وش بتكون عقوبة أبوي؟ القصاص؟
:فارس المسألة مو بكيفية العقوبة . .
يُقاطعه : كنت عارف . . الله يصبَرني على اللي بقى من ُعمري
يربت على كتفه بيِده الحانية : الله يصبَرنا كلنا . . .
فارس الجالس على الطاولة وأمامه دفتر فارغ وقلم، رفع عينه إل يه : ينفع
أرسم؟
بإبتسامة : خذ راحتِك
َي
أخذ الدفتر ليثبَت رأس قلم الرصاص بمنتصف الورقـة، إحتار عن أ
شيٍء يرسم، يُريد أن يفضفض بالر ِسم ويتجاوز حزنه بالرسم، خ َطت عيناه
رعى الله عينا ِك حين جفَت وصَدت . . . "
بكلما ٍت أطرقت قلبه، كتب : "
وقف اآلخر ليت ِجه نحو هاتفه ويُجيب بدهشة من الصوت الذي ي ِصل إليه :





وعليكم السالم والرحمة
سلطان : ب َشرنا عن أحوالك؟
:بخير عساك بخير وصحة
سلطان بح َدة : ماني بخير . . أف َكر بالشخص اللي يغدر فينا
:سلطان
سلطان : أسمعك! وش أسبابك اللي بتقنعني فيها؟ سنة ونص وأنا أركض
ُمشكلة إنك تدري وتعرف! سنة ونص
ورى شي ماله أساس من الصحة وال
راحت وأنت أكثر شخص تعرف إنه الثانية اللي تضيع منَا عن يوم
كامل !!
:تثق فيني؟
سلطان بغضب : ال !
يا بو بدر تعَو : ذ من الشيطان
سلطان : أسألك بالله ما ف َكرت فينا؟ ما ف َكرت وش المصايب اللي بتطيح
على راسنا من تصرفك؟ ما ف َكرت بعبدالعزيز اللي خليناه يروح للخطر
بكامل إرادته عشان معلومة أنت تملكها!!!
:إال فكرت وعبدالعزيز يهمني قبل كل شي! وكل اللي سويته كنت أبي
أنهي فيه شغل أستمر لسنوات
َهد : بس أنت ِكذا دمرتني! خليتني أفشل بأكثر شي كنت أبي
سلطان تن
أنجح فيه وأنتهي منه . . الغلط مو بس فيني! الغلط بيصير على إدارتي
َي غلط بسيط يعتبر في عيوننا عظيم
كلها! وأنت فاهم قصدي وعارف أنه أ
كيف عاد لو كان غلط مثل هالغلط؟ . . ريَحني بس وقولي عن كل اللي
تعرفه . . ما عاد أتح َمل أنه يضيع لي وقت ثاني!!!
:طيب أبشر بقولك كل شي
،





ينظ ُر بإستغرا ٍب تام لهما، وقف نا ِصر : كيف يعني ؟
الشخص الذي يجه ُل تماما من يكون : بتطلع براءة وتسأل كيف يعني؟
مفروض تنبسط
نا ِصر : باألول أعرف مين اللي تد َخل
:عبدالرحمن آل متعب . . أرتحت؟
ناصر بش َك : مستحيل! أنا أعرف مين وراكم
َي : وأنت براحتك إذا تبي تخيس بالسجن
أنا سويت اللي عل !!!
َهد بضيق من هذه األفكار التي تطرأ عليه : طيب
تن . .
ُطها له عند دخوله
أتى الضابط ليسلَمه أغراضه الشخصية التي تم ضب
ا نا ِص للسجن، أخذه ر ليضعها في جيبه، أرتدى معطِفه ليقيه من برد
باريس في هذه الفترة من السنة التي تتج َمد بها الطرق بأكملها من درجة
الحرارة المتدنيَة، خرج معه ليلتفت عليه ناصر : سويت اللي عليك وشكًرا
ممكن تروح الحين
بوصلَ : ك
نا ِصر : آل شكرا أنا ادل طريقي
:طيب مثل ما تبي . . . . . أبتعد عنه وهو يلتفت كثي ًرا عليه، ب ُمجرد ما
أن دخل نا ِصر للجهِة األخرى وعبر الطريق، تبعه الشخص على مساف ٍة
بعيدة حتى ال يلحظه .
إتجه نا ِصر بإتجاه شقتِه وهو يكرهُ كل خطوةٍ يخطوها في باريس التي
أصبحت مدينة العذاب بالنسبة لقلبه، بثوانِي قليلة و َصل ليأت صو ُت
العجوز المسن : نا ِسر !!!
إلتفت ناصر بإبتسامة جاهد أن تخرج بإتزان : كيف حالك ؟
:أصبحت بخير، هل أخرجوك براءة ؟
بالفرح : ُمبارك . .
ناصر ه َز رأسه باإليجاب ليأ ِت صو ُت الم َسن متهلهالً
لحظة ُهناك رسائل كثيرة اتت إل يك من عملك
ناصر تن بها بين كفيَه وكلها إعالنات و دعوا ٍت َهد ليمَد يِده ويأ
خذها، قلَ
إنضمام لبعض اإلجتماعات والحفالت، وقعت عيناه على عنوان الجامعة





َسه من الرسالة التي
التي تنتمي إليها غادة في وق ٍت سابق، ارتجفت حوا
تأ ِت بغير وقتها، ترك بقية الرسائل ليأخذ هذه الرسالة ويصعد لألعلى،
فتحها قبل أن ي ِصل لشقته، فتح الباب ليُغلقه بقدِمه من الخلف، وقف
بمنتصف الشقة والعالم بأكمله ي ُدور حوله بالكلمات التي يقرأها .
"أكتب لك بـ



رسالتنا المستقبلية اللي أستهزأت فيها كثير يا ناصر
وقلت بال خرابيط وخليتِك تكتب لي رسالة بعد جهد عظيم، المهم صباح أو
مساء الخير على عيُونِك يا ناصر يا زوجي و يا حبيبي، مَر الحين

سنوات على زواجنا، عندنا بيبي وال بعد : $ ؟ أتوقع بـ



عندنا ولد
يشبهك، أكثر شيء أحلم فيه وأتمناه يتحقق بالخمس سنوات الجاية، أننا
نكون مستقرين بحياتنا وعندنا أطفال باألسماء اللي نحبَها وأخترناها . .
َم تذكر ا كنَا جالسين عند النهر واتفقنا على أسماء كثيرة، أتفقنا على نُورة
ل
إسم أمك الله يرحمها وعلى سارة و على ض َي و دانَة، وأتفقنا بأسماء
الشباب على سلطان و عبدالعزيز و ثامر على إسم أبوك . . كنَا دايم نقول
نبي نحتفظ باللي نحبَهم في أطفالنا، أطفالنا اللي ما جَو، تعرف شي يا
ناصر، أنا ما أخاف أفقِدك، أخاف من الحياة بعد فقِدك كيف تنعاش! مَرة
قلت لي تعرفين ليه العصافير تغني عنِدك؟ تذكر الله عليك. تعرف إني
بيومها ما نمت! وال قدرت أنام، كنت أبي أطير وأطير من الفرحة، كنت
أبي أصرخ وأقول فيه شخص مجنون قالي كلمتين و َدت قلبي بداهية، لو
َف وحاد
َما يقولي عبدالعزيز أنك إنسان جا
تدري وش كثر أفتخر فيك! ل
وثقيل بشكل ينرفز، أجلس أف َكر في تعاملك معي أحس إني إنسانة مميَزة
وإستثنائية، أحس إني شيء عظيم بعيونك وهذا الشعور يكفيني والله، إذا
َي وصلت لك الرسالة وكانت الظروف تمنعنا عن بعض اتصل ، إذا كنَا
عل
متهاوشين وأعانِدك تراني كذابة وأبيك تراضيني، وإذا كنَا منفصلين
ر َجعني لعيُونك، وإذا ما عشت لهالوقت تعال لي بالصالة، أحب دعواتِك
وأحب ) الله يحفظ مكاني بقلب بنت سلطان (، الله يحفظ لي من علَمني
ال ِشعر كيف يكون و ال ُحب كيف يكون، الله يحفظك كثر ما ردَدت مع البدر
" المحبة أرض والفرقآ أراضي والزمن كله ترى ال غب ِت ماضي، والله
إني ما أشوف إال عيونك، إن رحلت اليوم أو طَول مراضي، قالوا العذال





والعَذال مرضى، وش بال حالك من األشواق قاضي، قلت يهجرني حبيبي
لين يرضى! عل في هواك وقلت َموا الظالم ترى المظلوم راضي، ج َرحوني
َي لو قطعَوا ألجلك
أبشكي ماهو من جرحي ولكن لـ إعتراضي، وش عل
"
عروقي من رضى بال ُحب يرضيه التغاضي
نا ِصر/ ِلك في الهَوى ديرة وِلك في صدِر . . . . . . . . . . . . . . . ي ُملك
َي شيء
، لم يح ُدث أ
أنتهت الرسالة بإسمها المزخرف على طرِفها " غادة "
من هذا، لم تأ ِت نورة ولم تأ ِت سارة، لم يأ ِت سلطان ولم يأ ِت ثامر،
أنتظرناهما كثي ًرا ولكننا لم نفلح، نسي ِت تما ًما من أكون! ولكنني لم أنساك!
مازلت أحفظك عن ظهِر ُحب/غيب، مازلت أعرفك تما ًما مهما تالطم مو ُج
الغياب عند أقدا ِمك، كيف يكون منظر األحالم حين يقرأها شخ ًصا لم يُحقق
ربعها؟ كيف يكون هذا المنظر ُمفجعًا بهذه الطريقة؟ لم نسكن الرياض ولم
ٍر نحلم به، رحل ِت يا غادة منَي في الوقت اللي كان صوتِي
نعي ُش بإستقرا
، رحل ِت منَي وأنا الذي أنتص ُف األشياء معك ولم
يُرقِي قلبي بـ " أحبك "
أستطع أن أنتص ُف قلبي ل ِك، أن ِت لم تكوني النصف منِي، ُكن ِت " أنا "
بأكملي، وكان قلبي يس ُكنك كما أنهُ قلبك، أضعنا الطريق، وأضعنا الحياة،
لو أنني أملك دقيقتين أقف بها أمامك ألو َدعك بما يليق، نح ُن لسنا منفصل ين
ولسنا متخاصم ين، كيف أتواص ُل معك؟ ال أملك سوى صوتُك الذي ينمو
ي، ال أمل ُك سواه
ب .
آمنت اآلن أن ال عو َدة، آمنت أن هذه الرسالة تأ ِت بطريقة معزيَة، لم نحقق
شيئًا طوال الخمس سنوات شيئًا، ماطلنا بموعِد الزفاف وقض ينا وقتنا
بالخطط واألحالم ولكننا حين حققنا أول حلم أغتالونا بليلة فرحنا، هل أقول
ر ِحم الله قلبًا تربَى على ُحبك، أم أقول سامح الله ال رق الذي لم تدلَك
ُط "
علينا ) أنا وقلبي ( ؟ أم أقول لنا الجنَة، لنا اآلخرة نح ُن الذين لم نفلح بال ُدنيا
؟ "
توقف عن التفكير إثر اإلختناق الذي واجهه من ك ٍف يجهلها، حاول أن
يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادةٍ ُمخ َدرة
أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يِده بين أصابعه.





ي
َهد اآلخر ليت ِصل ويأ ِت صوته صاخبًا : بسرعة تعال شيله معا
تن
يُتبع
،
لم يتح َدث بشيء، كان يُريد أن يسمعها فقط، ينظ ُر إلى عين يها طويالً دون
ٍر يطفو
َمل، مازال تحت وقع الالإستيعاب، يُجاهد أن يُفكر ولكن ال تفكي
أن ي
على سطح عقله، كل ما يف ِكر به الكلمات التي تتواف ُد من عين يها.
ًما؟ يالله ال تفجعني بهذه األحالم، ال تُفجعني بعين يها!
يالله هل ما أراه ُحل
ُصَدق أن هذا الصوت حقيقيًا وهذه العين ين
أحتاج ألياٍم متواصلة حتى أ
ًصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! ا
حقيقة، أشعُر أنَي أفقد عقلي، أ لسخرية
التي تجعل حتى الحقيقة مح ُض جنون بدالً من أن يكون الخيال محض
الجنون! يارب كيف لهذه العين ين أن تغيب عنَي كل هذه المَدة؟ كيف لم
أنتبه ألفعالهم معي؟ عندما علَمني والِدي العفُو هل كان يعرف أن ُهناك
اشخاص ال يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تن ذي وصل به ُظر للحال ال
إبنِك، لو يأ ِت منك عنا ٌق واحد والله لصلحت الحياة بعينِي .
غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك
عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟
غادة : يط َمني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مَرة ما نام
َي يومين وقام يهذي فيك، كان يب طريقة بس ما كنت ترد يا
ي يكلمك بأ
عبدالعزيز
عبدالعزيز بضيق : تعبان؟
غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . .
مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض األشياء وأحس فيه،
والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت
أتذكر شي يربطني وياه





َي شي بعد الحادث ؟
عبدالعزيز : ما تتذكرين أ
غادة : ال، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر
عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير
غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم
كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مَهد لي بشي كنت محتاجة أشوفك!
كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره
عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . .
غادة تألألت عين يها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر
آخر أيامهم، و َدي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل
عبدالعزيز : كلنا كنَا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما
انتظرناها
غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح
لحزن . . . !
عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟
غادة شتت نظراتها ليندفع الدم ُع على خ َدها الناعم : كثييير يا عزيز . . . .
تغيَرت كثير! أحس وج َه بس ك متغيَر مرة
عبدالعزيز بصو ٍت يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة
رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل
شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي ال تغلط! بس
َي ماعرفت أنتبه ألفعالي! ماعر غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني
فت أ
َرب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر
ويا كثر ما قلت الموت ق
فيني هاألمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف
خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! ال أنا نمت وال ناصر، جلسنا نف َكر وش الشي
اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنَا ندري إنك تشاركينا السما . . . !
غادة أقتربت منه لتُقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أب ِكيك . . يا جعلني ما
أب ِكيك يا أخو ي
عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . .
َي مكان . . خلنا نترك كل شي ه
غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أ نا





ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره
عبدالعزيز : حتى ناصر !
غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟
هو قبل ال يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!!
عبدالعزيز بح َدةِ صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد !
غادة : بس . . . بس هو ما سَوا شي
عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع
ذلك ما قالي!!!!
غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان
يصارخ و يع َصب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . .
والله ما نام وكان يهذي فيك !
ُمشتتة، لحزنه العميق الذي ال
عبدالعزيز عاد لصمتِه المؤذي، لنظراته ال
ينفَك عنه، وصل أقصاه من هذا الو َجع.
غادة تأملت الشقة المتغيَرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتَد لدقائق
طويلة : مين اللي كانت معاك ؟
عبدالعزيز ُدون ان ينظر إليها : زوجتي
َسها بما في ذلك عين يها : زوجتك!!!
غادة تجمَدت حوا
َهد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك
عبدالعزيز تن
غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟
عبدالعزيز : وأثير بعد
غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟
عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : تزوجت ثنتين!!!!
َهد بضيق يختنق منه : إيه
عبدالعزيز تن
غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟
عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟
غادة إبتسمت إلبتسامته لتضربه على كتفه بخفَه : نذل! حارمني من





هاإلبتسامة!!!
عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته
غادة مازالت اإلبتسامة تُزيَن محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟
عبدالعزيز : ما صار شي مهم
غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزَوج! قولي
األشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها
عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنَك كان ج َت
غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟
عبدالعزيز : رتيل
غادة : من وين تعرفها؟
عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن آل متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف
عنه
غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟
عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي
غادة : أتذكر األشياء القديمة قبل ال أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر
منها شي
عبدالعزيز وبفر ِط الالتصديق الذي يُصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . .
خلينا نصلَي أخاف يصير لنا شي
غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلَة، توضأت بجانبه و ُرغم أنه
على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي عل على وضو ٍء َمه أن يبقى
دائِ ًما، توضأ مرةً أخرى، ثوانِي قليلة حتى أنتهيَا .
مَد لها جالل الصالة و فرش السجادةِ بالعرض، كبَر بنبرةٍ جعلتها تتأخر
بقراءة سورة الفاتحة، بنبرةِ والدها تما ًما، النبرة التي ال تغي ُب عنها أب ًدا.
يتيمة وعين يها منخفضت ين، تجمَدت تما ًما
َي نزلت دمعة فع ٍل و ُعِقد ُ
من أ
لسانها بالحنين الذي تغ َص به، في جهٍة أخرى لم يستطع أن يُنهي الفاتحة،
، مضت دقائِق كثيرة على
"
غ َص بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم
وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتش َكل كبقعة، من
"
الحمدلله حمًدا كثي ًرا طيبًا ُمبار ًكا فيه ا من الركوع معًا،
بعِدها ر َكع، رفعَ





س َجدا وبالس ُجوِد أضطربت المشاعر، لم ي ُكن من الغريب أن يُطيالن هذا
"
السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم.
َهل " اللهم لك الحمُد حمًدا كثي ًرا طيبًا مباركا فيه كما ينبغي لجالل
بقل ٍب يبت
وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والش ِكر، يارب أوزعني أن أشكر
َي وأن أعمل عمالً صال ًحا ترضاه وأدخلني برحمتك
نعمتك التي أنعمتها عل
من عباِدك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز ُحزني بالتقرب إل يك، يا
رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا
و أهوائها، يارب أحفظها بعين يك التي ال تنام، يارب أرحمها برحمتك التي
وسعت كل شيء يا رحيم يا منَان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها
وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها وال ترني بها مكرو ًها، و
َي . . . .
أجعل ُحزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالد –) أختنق
بدمع صوته، ليست عيناه وح َدها من تتحشرج بالدمع، هُناك قل ٌب يب ِكي
َي وأرحمهما،
بب َح ٍة تعب ُر صوته، وهُناك نبرة تتبلل بالبكاء ( . . أغفر لوالد
ِزهم بالحسنات
يارب آنس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجا
إحسانًا، اللهم ال تجعل آخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم ال تجعل آخر لقاءنا
في الدنيَا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم
نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظ ِل عرشك يوم ال ِظل إال ظِلك "
رفع من السجود وعين يه مح َمرة، رفعت معه، ثوانِي قليلة حتى سجدا
السجدة الثانية، تت ِصل أرواحهم بالدعاء، ر َددت بعد الحمد " اللهم أحفظ
عبدالعزيز و ط َهر قلبه من ُحزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز وال ترني به
مكرو ًها، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من ش َر هذه الدنيا و ه َمها، اللهم ال تجعل
له ه ًما إال فرجته وال غ ًما إال كشفته وال ذنبًا إال غفرته، اللهم ال تجعل
ال ُدنيا أكبر همنا وال مبلغ علمنا وال إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا،
َي وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم
اللهم يا كريم أغفر لوالد
أرحم هديل رحمةً واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قل ِب
عبدالعزيز الذي بجانبها، ش َدت على السجادة حتى ال تنهار ببكاءها، أشتَد
دمعها.
أشتقت لعناق هِديل و ل َذة إسمها بالنداء، أشتقت إلبتسامتها و لضحكتها،





أشتقت يالله إل يها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب ال تُرهقني بإشتياقي وال
تُحزنَي، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها
وتجاوز عنها .
،
الساعة ت ِصل للثالثة فج ًرا وال يخ ُرج أح ًدا من غرفة العمليات يُطمئنه،
يسير ذهابًا وإيابًا وعقله يتشَوش بكل دقيق ٍة تمضي، ولسانِه يُردد " يارب ال
تُفجعنا، يارب ال تُفجعنا، يارب ال تُفجعنا، يارب ال تُفجعنا "
ر َن هاتفه ليُجيب : ألو
يوسف : وش صار؟
منصور : إلى اآلن
يوسف بدهشة :
ساعات وإلى اآلن!
منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما
بعد عرفوا مين!!!
يوسف : يارب بس
منصور : شلون هيفا ؟
َوها نامت الحمدلله
يوسف : ت
منصور تنَهد : الله يلطف فينا وال يفجعنا
يوسف : آمين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتط َمني
منصور : إن شاء الله
يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه.
سمع صوتُها ليسرع بخطواته إل يها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . .
بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني
َي قل ٍب يراها، شهقَت حتى أختنقت،
هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكس ُر أ
يوسف بضيق رفعها ليُجلسها، طَوق وجهها الباكي بكفيَها : أشششش





َو كلمت منصور
خالص . . . هو بخير ت
هيفاء بفزع نبرتها : يوسف
يوسف : س َمي
هيفاء بأنفا ٍس مضطربة متصاعدة : تكفى و َدني للمستشفى . . تكفى . .
تكفى
يوسف : بو َديك بس مو الحين . .
هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح
صور راح بسيارتي، بو َديك تط َم . . يوسف بتوتر : طيب بوديك بس من ني
.
هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟
يوسف : ال تفكرين بسلبية! خالص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي
بيفيده الدعاء
هيفاء بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب ال
ترينا مكروه فيه . . يارب ال تُرينا مكروه فيه
يُتبع
،
يجل ُس عبدالله أمام سلطان بجانب الضابط الذي يُحقق بمسألة فيصل،
سلطان : الساعة

و

دقيقة تمت الحادثة و العامل اللي كان موجود
َي وهو الوحيد اللي كان
َي قال أنه فيه شخص دخل ما يسكن الح
في الح
داخل في ذاك الوقت، دخل الساعة
و فيصل وصل بيته الساعة

. .
دقيقة ؟ وليه أصالً ليه أنتظر

جاء من بدري إذا كان هو مراقب فيصل
ويعرف مواعيد شغله!!!





عبدالله بإرها !! ٍق يستنزفه : ممكن عشان محد يش َك
الضابط : تعرف يا بو بدر الطريقة اللي تم اإلعتداء فيها على فيصل ج َت
بصورة سريعة ولو حطينا سيناريو للي صار، بيتضح أنه المرتكب هرب
من الناحية الشمالية عكس مكان دخوله من الناحية الثانية، ألن أقدامه
و َطت الزرع وواضح األثر على الرصيف كان متجه للشمال، وسوينا
نقطة تفتيش في الطريق العام لكن ما وصلنا لشي هذا يعني بعد أنه
المرتكب جاء بدون سيارة! وتخبَى !!
َي اللي يسكنه فيصل جديد لو تخبَى فيه بدون ال يروح
َهد : الح
عبدالله تن
للطريق العام بتكون في البيوت اللي ما بعد انسكنت
َي
سلطان : صح! يمكن حتى يبعد الشبهات يكون موجود بالح
َي ويفتشونه بيت بيت
َوات للح
عبدالله : أنا أقترح أنكم ترسلون الق
الضابط : أبشر . . . عن إذنكم دقايق . . . . خرج
سلطان : أقص إيدي إذا ما هو سليمان الغبي، أنمسك من رائد بس الكالب
َي من يمسكني إياه والله ما أخليه
اللي هنا للحين ما يدرون وش صاير! ح
فيه عظم صاحي ألطلَع حرة هالسنين فيه
عبدالله : واثق أنه سليمان ؟
سلطان : إيه ألن رائد أصالً ما يدري عن فيصل، يارب بس تلطف وال
يصير فيه شي . . ) وبسخرية يُكمل ( ويوم كلَمت الغالي طلع يدري عنه
فيصل وهو اللي قاله يجينا ذاك اليوم قبل عرسه، وقالي أنه الحمير الثانيين
بعد مخططين على ناصر! لو يصير شي في ناصر


إعدادات القراءة


لون الخلفية