الفصل 59
ُسمية عادت و أنظا ُرها تتف َّحص أفنان : مزحوا معنا ثقيليين الدم
نواف : مين ؟
وِليفر و
ُ
ُسمية : كنا ندِِّور باألرشيف على محاضرات يوم اإلثنين و لقينا أ
جاك وقي س و عبدالله كانوا يحضرون للهالوين وماأعرف أيش من
وا علينا النور وأرعبونا
ُّ
خرابيطهم وطف
ي
نواف : إيه الهالوين الشهر الجا
ُسمية بغضب : وقفوا قلوبنا وأرعبونا
ُمنحنية برأسها : وهذا اللي مبكيك ؟
نواف يُخفض صوته ألفنان ال
أفنان شعرت وكأنه يستصغرها ، لم تُجيبه وأكتفت بالصم ت.
نواف ألتفت على الصخب الِذي يخ ُرج من المصعد الكهربائِي
ُسمية بحقد : جِّو
ُظر لصديقه الحميم أوليفر : أوليي
نواف أبتسم وهو ين
رج : أقسُم أتى إليه و بح لك أننا ُكنَّا نمزح لم نتوقع أن تغضب
نواف : أعتذر لها اآلن!
ُخرى يلفُظ أوليفر : أنا آسف يا فنَا
ومرةً أ ..
نواف : أفنان وليس فنـا
ُحبه فنـا
أوليفر بضيق : و أنا أ
أفنان بهمس ُمحرج : خالص إستاذ نواف ماصار شيء هم كانوا يمزحون
وأنا فهمتهم غلط
أوليفر : يجب أن تُخبرني بخطوطكم الحمراء حتى ال أتجاوزها
نواف بضحكة : النساء باكملهم خ ٌط احمر
أوليفر : صديقة ال غير ؟
نواف : ال صداقة بين ر ُجل و إمرأة س ًدا لباب الفتنة
أوليفر : أوووه ؟ بربِك النساء بأكمل . ُهن فتنة
نواف رفع حاجبيه وهو يُراقصهن ويتفنن ب ُهن : أنتهى عملك اليوم.
أوليفر بإبتسامة : حسنًا يا فنـا .. هل السالم أي ًضا غير جائز ؟
نواف : ُدون مصافحة
أوليفر : حسنًا ماذا أي ًضا ؟
نواف : آل تُطيل النظر ب ُهن
أوليفر : هههههههههههه وماذا ؟
نواف ألتفت ل ُسميـة وأفنان : وش مضايقكم بعد ؟
ُسمية : مفروض األماكن المغلقة واللي ماتندخل دايم إحنا ماندخلها ! و
أعيادهم ذي محرمة وإحنا مانحبها
نواف يُحِِّدث أوليفر بالفرنسية حتى ال تفهمان عليه أفنان و ُسمية : ال
دعوات لحفال ٍت وال سهرات ُهنا ، و المش ُروبات الكحولية ال تجيء لهذا
الطابق
أوليفر : ياإلهي أال يُوجد شيء إسمه إستمتاع ؟
،
تِقف أمامه مر ُعوبـة تعلم أنَّه سيشر ب من دِمها تعر ُف غضب و براكين
سلطان ، أردفت : خالص عشان خاطري هالمَّرة
سلطان و يرمي السالح المركون بخصِره على الطاولة : تحترم المكان
اللي هي فيه غصبًا عنها وماهو كل مرة بطنِّ !! ِش عشانك يا حصة
العنُود بإندفاع طائِش : آل أنا أبغاك ماتطنَّش ! مستقوي على الحريم .. لو
فيك خير تستقوي على الرياجيل وال بس شاطر علينا !! مالك دخل فيني ..
أنا مسؤولة عن نفسي ال أنت أبوي وال أخوي وأمي الحمدلله للحين عايشة
ِوي إيدك بـ *بنبرةٍ
!! مالك عالقة فيني أسوي اللي أبيه وال بعرف كيف أل
ُخبث ُمهددة* بالجوهرة.
حصة بعصبية : العنووووود ... التجننيني
ًوا ؟ وش قلتي ؟ أبيك تعيدين
سلطان وكأ َّن بروٍد أصابه اآلن : عف
العنُود بإبتسامة : أقول إذا تبي تحافظ على زواجك من الجوهرة تحفظ
نفسك بعيد عني
سلطان: تِِّوك ماطلعتي من البيضة وتهدديني ؟ والله وطلع لك لسان .. تق َّدم
إليها ومحاوالت حصة بائِسة هزيلة.
العنُود حاولت ان تهرب ولكن وصل لها سلطان ليشِِّدها من شعرها و
يدفعها على طاولة الطعام ذات الخشب المح ُروق ، حاولت أن تُمسكه
حصة عن إبنتها الوحيدة ولكن قوتِه الكبيرة جعلته ينش ُر الكدما ِت على
مالِمح العنُود النا ِعمة.
سلطان يرفع رأسها من شعِرها وبخفُوت : مسألة أنك تهدديني هذي جديدة
ِّي ، صدقيني ممكن أذبحك و أدفنك مع تهديدك .. التحطين راسك
عل
براسي عشان ماتخسرين نفسك!!
العنُود ببكاء : يمممممممممممه شوفيييه
َّطعت شعرها
ح َّصة تُمسكه من ذراعه ب ُضعف : تكفى يا سلطان خالااص ق
سلطان : هذي بنتك يبي لها تربية من جديد
العنُود بصراخ : متربية غصبًا عنك وقبل ال اشوف وجهههك !!
سلطان وكان سيقترب منها مرةً أخرى ولكن حصة وقفت أمامه : خالااص
.. ياعنود روحي لغرفتك
العنود تمسح نزي ُف شفت يها : شوهني الله يشِِّوهه الكلب
سلطان : مين الكلب ؟
العنود بحدة : أنت .. وأنت .. وأنتتت . وانـ
لم تُكمل من صفعٍة مدوية على بالقُرب من شفت يها جعلتها تنز ُف أكثر ،
أبعد حصة عن طريقه و لوى ذراعها خلف ظهرها وهو يحر ُق أذنها
بغضبه : كالِمك أحسبي حسابه قبل ال ينقال فيني .. فاهمة . .
ش ِّد على إلتواء يد يها أكثر حتى كادت تنك ِسر و تركها.
،
سحبها لغُرف ِة التخزين الخا َّصة بأدوا ِت التدري ب و الحوائِط الخشبية ، بعي ًدا
" اللمبة " الخافتة التِي تتدلى
ُمختبئة خلف نوافِذ القصر ، فتح
عن األنظار ال
من السقف الخشبي بخي ٍط رقيق و الظالُم . يُحيطهم
رتيل بغضب تُخِفي خلفه توتُ أروووح .. وش تبي ؟ ٍر عميق : أتركني
يخيي فكني منننك
عبدالعزيز بنظرا ٍت غير مف ُهومة ، أو أنه حتى هو اليفهم رغبا ِت عينِه ،
ُمغلقة الخشبيـة الضيقة و ال ُشبا ٍك يثق ُب هذا الخش ب
واق ٌف أمامها بالغُرف ِة ال
ذُو لو ِن . الشاطىء
تهُز أطراِفها ، بفكو ٍك تتصاد
ٌ :
رتيل نبضاتِها ال تستقر و رجفة م رهبةً
عبدالعزيز .. لو سمحت
ِره ال ترمش عليها ، يُردف بهم ٍس ُمرعب : على ؟
عبدالعزيز و انظا
رتيل وأفلتت أعصابها : روح ألثيرك وتمتع فيها زي ماتبي .. أما أنا
تتركني
عبدالعزيز بإبتسامٍة تُظ ِهر القلي ُل من أسنانه : أن ِت غير و أثير غير
رتيل عادت بخطوا ٍت قليلة إلى الخلف ، و بنبرةٍ ُمهتزة : وش قصِدك ؟
عبدالعزيز : أثير زوجتي و حاضري و ُمستقبلي
رتيل أهدابِها ترتجف ، تشتعل غيرةً من هذه األثير و كلماتِه عنها.
عبدالعزيز : لكن أن ِت . . .
رتيل تشعُر بأ َّن عيناها تتف َّجر بالحرارةِ و ثق ٌب من نص ِل غيرةٍ يلتهُم قلبها ،
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة تُشبه تأثي ُر النور حولهم : مقدر أرفضك .. يعني
أن ِت تخيلي أحد يعرض نفسه عليك ؟ ترفضين ؟ أكيد أل
حمٌم تن َّص ب في قل ِب رتيل ، و إهتزا ُز رم ِشها يفض ُح ربكة قلبها و إنتفا ِض
روحها العالقة في ُحنجرتها تتش َّكل على هيئة غ َّصة ، قلي ٌل فقط قلي ٌل من
الرحمة أو حتى من الشفقة فأنا راضيـة ، فقط القليل ال أطل ب الكثير فقط
أن تحترم هذا ال ُحب ، ألهذه الدرجة يا عزيز ؟ يالله أو َصل حاِلي إلى
َعة
ِّي حتى األشيا ُء الصغيرة التي ال تعنيك شيء ؟ يا لذا
مرحلة أ َّن تشفق عل
عقلي اآلن و يا قسوةِ سياطه على قلبِي ، خوفِي عليك و صوتِي الجبان
ِّي في وق ٍت كان يج ب أن تُحيطنِي
الِذي ال يصر ُخ بِك تخيَّل أنه يشفق عل
ُح ٍب و إن كان عابِ ًرا و لكن تبقَى ُصورتِك نقيـة في وس ِط قلبِي ،
ِ
ببضع
ِّي اآلن
ُحبك " تشفق عل
" أ !!
حتى
عبدالعزيز يقترب بخطوا ٍت رقيقة ، يُحاصرها بالزاويـة ، وقفت ُمنك ِسرة
ودُموعها مازالت تُكابِر وهي تختنق في محا ِجرها وتحج ُب عنها الرؤيـة
بوضوح.
ال مفَّر من عزيز اآلن ، ذراع يه ُمثبته على الحائِط و رتيل بين ُهم ،
رتيل بح َّدة أتت ُمهتزة : حتى زوجتك تخونها !! قذر .. حقير .. أنت
مستحيل تكون ر َّجال .. لو ر َّجال ماتخون اللي ماصار لك كم يوم
متزوجها .. لو ر َّجال ماتختلي فيني كذا ... لو ر َّجال ما تنسى حدودك ..
ِه على فِمها ،
لو ر َّجال . . لم تُكمل وهو يضع باطن كفِّ
ِه على فِمها وبصو ٍت محروق : و
عبدالعزيز و يُلصق جبينه بجبينها و كفِّ
أن ِت ؟
دُموعها تلت ِصق بك ٍف عبدالعزيز ، و عيناها تح ِكي الكثير ، يااه يا عيُونِي و
الحدي ِث بينها
يا رحمة ! ُ
عبدالعزيز ببح ٍة قاتِلة لبقايا ُروحها : قلبك هذا *أشار بأصبعه وكأنَّها سهٌم
يغرز صدِرها* أنا أعرفه أكثر منِك ، أكثر بكثير
رتيل ش َّدت على شفت يها حتى تب ِكي بصم ٍت و التخ ُرج منها شهق ٍة تائِهة
تُدِمي قلبها ، دُموعها تنساب على مالِمحها.
عبدالعزيز و مازال يُحا ِصرها : أرفعي عيونك وقوليها .. قوليها وببعد
ِك إن صدقتي فيها
عنِّ
يالله يُريد إذالِلي ، يُريد إهانتِي بكل قَّواه الذكوريـة ، معك فقط شعر ُت
ُم أن تُنجب
ُط الرجال ، معك فقط شعرت ِلم الصبيـة تحل
بقمع المرأة و تسل
َحد يا
ُمتغطرس ، ألن ال أحد يُؤذينـا كالرجال ! ال أ
ينتِمي لجن ِس آدم ال
طفالً
عزيز يُؤذينـا ويُحطمنا كـ أنتُم.
ُك المرأة و ممارسة
بعد عبادةِ الله أشعُر أ َّن وظيفت ُكم بالحياةِ هي تمل
غ ُروركم على جسِدها و قلبُها بين كفُوفِكم يعتص ُر وال رحمٍة.
بحدة أرهبت رتيل : قوليها
رتِيل وعيناها تب ِكي ُحمرةً و بقايا الكح ُل تُحيطها بهال ٍة سوداء ، بنبرةٍ ُمهتزة
كاِذبة : أكرهههك
عبدالعزيز بجنُون : كذابة ، شفتِي أنك كذابة .. وتسأليني ليه أخون أثير ؟
أنا ماأخونها ! ألن أن ِت وال شيء .. وال شيء .. ولو أقولها عنك ماح َّرك
نها تدِر . فيها شعرة أل ي أنك . . والشيء
رتِيل أخفضت رأسها ، قوتِها تُجهض من ِرحم هذا ال ُحب ، ال قوةٌ تملكها
حتى تُدافع عن نفسها ، ُكل ما كانت تقوله طوال األيام الماضية لنف ِسها
بأنها ستتجاهله ولن تضعف أمامه و ستتناساه و ستتصنع ُكرهه إلى أن
ِّي أتكرهه ، كل شيء تب َّخر اآلن ، معصي ٍة
كل شيء ال و ُجود له ، أ
لهذه الدرجة ؟
ُّي مقبرةٍ تدفنِي فيها يا عزيز !! أكان ذنبِي هائِالً
أرتكبتها ؟ أ
أنا أصبحت " ال شيء "
يالله يا قسوةِ هذه الكلمة ِمنك ، قسوت ج ًدا و ج ًدا تعنِي جر ٌح ال يُغتفَر و
أشيا ٍء رماديـة لن تتل . َّون ُمجدًدا
رفعت مالِمحها الممتلئة بالدُموع و حرارةِ أنفاس عبدالعزيز تحر ُق وجنت يها
: أنا وال شيء ؟
ي رأ ِسها لتُغ ِطي إذنها : أن ِت مين
عبدالعزيز يضع كفوفه الدافئة على جانب
ي !! . . زيادة عدد يا رتيل ..
أصالً ؟ حتى أبوك وهو أبوك أرخصك ل
تجرح صح ؟ توجع أنك تكونين زيادة عدد في دنيا مثل هذي!
رتيل ب ُحرقة و بهم ٍس مج ُروح : أل ما تجرحني ألنها منك وأنت ماتعني لي
شي ..
عبدالعزيز و لمساتِه لمالِمحها تزي ُد من إختناق عينها بالدُموع ،
أردفت بح َّدة : و ال بأحالمك يا عبدالعزيز ... إذا أن ِت تشوفني وال شيء أنا
أشوفك نزوة .. نزوة وبتعِِّدي .. مثلك مثل غيرك
عبدالعزيز كاد يخنُقها وهو يُذيب عظاِم وجنت يها بكف يه : نزوة!!
رتيل وضعت كفوفها على صدره لتدفعه و لم تست ِطع قوتها الهزيلة ،
خرجت من بي ن ذراع يه وتخ ُطو بُسرعة إلى الباب وبربكة تُحاول فتح قفله
، ش َّدها عبدالعزيز من خصِرها ليجعلها تِقف على أطراف أصابعها وت ِصل
لمستواه : وأنا بخلي للنزوة ذكرى
وضع ذراعه خلف ظهِرها ُمحاوالً فتح أزارير بلوزتِها و حين أستصعب
عليه مَّزقها من جهة األمام ،
رتِيل سقطت على ركبت يها ب ُضعف مقاومتِها لتهمس : إحنا بالعشر حرااام
.. حرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
عبدالعزيز و هو الِذي فتح أزارير قميصه ، نزعه ليُغ ِطيها وهو يهمس في
أذنِها بأنفا ٍس حارقة : النزوات ما ت ُموت في قلبك يا رتيل
أخفضت رأسها ليرت ِطم على كت ِف عزيز ، وضعت رأسها على كتِفه باكيةً
، تحترق من داخلها من الله الِذي يراها في هذا المنظر ، ُرغم كل هذا هي
ُمتشبث ة
ة ُمتماسكة لم تِقف وتقُول أن الله يراني ، يِأست ، وصلت لمرحل
من اليأس تجعلها تغر ق ُدون أن تطل . َب النجاة
طو ُق النجاة المك ُسور على حاف ِة ُحبك يا عزيز ،
الشم ُس تشرق عليهم و بين ثقُوب الخشب يختر ُق ضوئُها ، خرج أنينها ، و
خرج عز ُف الدُموع.
ِري يخن ُق مالِمحه بشعِرها ، يغم ُس أنِفه بين ه ال
عبدالعزيز بصدِر عا
خصالتِها البُندقيـة ،
ِزي جسِدها و قلبُها ينتِفض بدقا ٍت ال تهدأ تُشبه
تُوا
رتِيل ويداها مريضةً
جر ٌس يُنِذر عن حريق ، أحترق بك يا عبدالعزيز وال نجاة.
عبدالعزيز : تخافين مني ؟
رتيل بصو ٍت ي ُموت : أخاف من الله
عبدالعزيز يُبعد مالِمحه عنها لتلتِقي عيناهُم ، و هوا ٌء قليل يفص ُل بينهم و
ِره لقميصه الِذي يُغطيها اآلن ،
يُتسابقون عليه ، نزلت أنظا
رتيل بنبرة ُموجعة : كل اللي مزعجني أنك تسوي فيني كذا ؟ حتى إسم
اني بنت صديق أبوك ماأحترمت هالشيء ! .. في كل البنات اللي تقابلهم
واللي عندك وال شيء تسوي فيهم كذا ؟ . . ُعمري ماراح أكره شخص
مايعني لي شيء قد ماأكرهك الحين !! و بتعِِّدي يا عزيز .. ماراح أسمح
ي ..... وألنك ماتعني لي شي راح أقول ألبو ي ..
لك تتعدى حدودك معا
أخفضت نظرها لقميصه ُمجبرة أن ترتِديه ، أغلقت أزاريره حتى تُغ ِطي
جسدها الِذي ُك ِشف أمامه
قبل أن تخرج ألتفتت عليه : انا ماكنت رخيصة بس أنت اللي ماكنت ر َّجال
ِزن
ِ غير ُمت
ِركةً عبدالعزيز في وضع
.. وخرج ت تا .
تن َّهد بضيق مما كان سيح ُدث لوال رحمة الله ، يُدرك أن ماكان سيفعله هو
من حقه الشر ِعي ولكن ُدون علم رتِيل يجعله يشعُر بدناءة الكون ترتِمي
في قلبه ، يالله ماذا يح ُصل بي ؟ يجب أن أرِِّوض نف ِسي عنها ، يجب . .
ال حل غير أثير ، يجب أن تكون أثِير حقيق ٍة في حياتِي.
ُخرى أرتمت على السرير ورائِحة عطره تخترق أنِفها ، دفنت
في جهٍة أ
وجهها في سريرها وهي تب ِكي بش َّدة ، كان سيُكتب على جبينها " زانيـة
، يالله كيف تجرأ أن يُمزق مالب ِسي ؟ كيف
"
حتى لو أظهر ُت رف ِضي
أبِي ، ُمستحيل
تجرأ و ن َسى الله و نسى تربيتِه و إسمه و نسى حتى مكانةُ
أن ي ُكون عبدالعزيز الذي أحببته ، ُمستحيل أن ي ُكون كذلك!
ُربما هذه األسئلة كانت تُقال لي في فترةٍ مضت و لم أهتم بها و ها أنا
ُعاقب عليها و كما تُدين تُدان ! ليتني فكر ُت بكالِم عبير ، ليتني أخذ ُت
أ
ي بأهمية
حديث والدي الدائِم ل .
ال شيء آخر سَوى أنني سأكرهه ُرغ ًما عن قلبِي ، ُرغ ًما عن ُكل شيء ،
يارب أنزعه من قلبِي و من حياتِي عاجالً غير آجل.
،
الشم ُس من خدِر في صباحٍ ها غا ِضبة تحر ُق مالِمح الما َّرة ، دا ِكن تط ُّل
ُمز َّرقة من إتهاماتِهم الباطلة ، الريا ُض الخجولة مثقُوبة بكدما ٍت
الريا ُض ال
م
ُّ
من كذ ِب البع ض على عفتِها ، الريا ض الصا ِخبة صيفًا و الدافئِة شتا ًء تل
بقمٍر ط ِّل من سما ِء الريا
شم ًل القل ض ، يا من ُوب حوِلها ، تبقى الفتنةُ
تركت الرياض . . كيف الحياة بدونها ؟ ُرغم التذمر و الشكوى من هذه
و العشا ق يربط ُهم رضـا الله و
" بل ُل "
األرض ، إال أ َّن الجفا ُف يبقى
َمر
الن ُجوم ضيا ٌء تشهد بسباب ِة الق .
في ُمنتصف طريق بقي تقريبًا
وا إلى حائِل ، يُوسف
ُ
ساعات حتَى ي ِصل
بهُدوء : نزلي الكرسي عشان يرتاح ظهرك
ُمهرة أنزلت يِدها بجانب المقعَد حتى تضغط عليه لتُردف : ماينزل
يُوسف ألتفت عليها : مو األولى الثانية
ُمهرة بخوف : شوف الطريق طيب
يُوسف خفف ُسرعته و ر َكن سيارتِه جانبًا لينحنِي عليها من الجهة األخرى
،
ُمهرة أخذت نف ًسا ولم تزفُره م ربه وهو يحاول
ن قُربه ، شف َطت بطنها من قُ
إنزال ال ُكر ِسي ، تسم ُع أنفا ِسه و دقا ِت قلبه ، أنزله إلى أن قارب المرتبة
الخلفية : ِكذا تمام ؟
ُمهرة بصو ٍت ُمرتبك : إيه
يُوسف عاد لمقعِده و ح َّرك سيارتِه : فيه محطة قدامنا إذا تبينا نوقف عندها
؟
ُمهرة : أل
يُوسف : كلمتي أمك ؟ يعني قلتي لها!
ُمهرة : أل بس أوصل أشرح لها .. ماراح تفهمني من التليفون
يُوسف : تدلين بيتهم
ُمهرة : أل بس نوصل للقصيم ويبقى ساعتين على حايل أكلمهم ويعطوني
العنوان
صمت لدقائِق يُحيطهم ثم أردف* .. ودراستك
يُوسف تن َّهد : طيب ، .. *
بالرياض ؟
ُمهر وقفها عاِدي
ة : أ
،
الضو ُء يخترق النوافِذ التي تُشبه الس ُجون ، يقط ُع الزجاج أعمدةٍ كثيرة و
رائِحة المكان ُمقرفة تُثير الغثيان ،
ُمغلق عيناها بوشا ِحها و ُمثبت أقدامها بال ُكر ِسي الخشبِي الممتلىء
ٍن ُمظلم و كأنهُ مهجور
بالرسومات والعبارات التعصبية ، في مكا .
سعَد : طيب .. آل وال يهمك ... تآمر آمر إن شاء الله ... وأغلق هاتِفه ،
سحب ُكرسي ليجلس أمامها ،
سحب الال ِصق من فِمها ليُثير الحمرة حول ثغرها : مين اللي اعطاك
الفلوس ؟ أبي كلمة وحدة
ال رد يأتِي ،
سعَد : صدقيني ماهو بصالحك أبد ، يعني لو وصل موضوعك لبوسعود و
بوبدر .. بتكونين في عداد الموتى
أمل . . . . . . :
سعَد : ب ِعِّد لين العشرة إن ماتكلمتي يؤسفني أنه بيتم التبليغ عنك . . . واحد
. . إثنين . . ثالثة . . أربـ
أمل : ناس
سعد أبتسم بإستخفاف : أحلفي عاد ؟ ناس ؟ تصدقين أحسبهم حيوانات
م أمل أشاحت نظرها بعي ًدا عنه و ا يسي ُر ببطء بين مالِمحها بعد أن نامت
ألل
ليلتها على هذا الكرسي ،
سعد بغضب : أنطقـــــــــــــــــي !! . . كن ِت راح تعيشين زي ماتبين ..
وش تغيَّر ؟
أمل . . . . . . :
سعد : ال توجعين راسي عندي ميَّة شغلة غيرك ، غادة مع وليد الحين وال
ندري عنهم شي والبركة بأفعالك !! تكلمي عن كل شي تعرفينه ، ال والله
يصير شي مايعجبك
أمل : هي تحب وليد
سعد بغضب : مالك شغل تحبه وال تكرهه قولي لي شي يفيدني بعيد عن
هالخرابيط
أمل : مدري قالوا بيطلعون برا باريس
سعد : طبعا ماراح يقدرون ألن جوازها هنا .. أبغى إسم المدينة اللي
راحوا لها
أمل بإرهاق : وقلت لك مااعرف
سعَد بهُدو ٍء ُمخيف : أف ِّكِر بردة فعل سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل
متعب إذا عرفوا عنك
ُمتصا ِعدة ،
أمل بلعت ريقها و الخو ُف يتش َّك ُل بأنفاسها ال
سعَد : مقرن يبي يساعدك ويبعدك لكن أن ِت تجبرينه يتصرف معك كذا !!
يُتبع
،
في الضاحية الشرقية لباريس ، مقبرةُ دي بلفيز في ُمربع المسلمين ، و َّكل
ُهم الر ُسوم في شراء المقابر ُهنا حي ُث أنِّها تُشترى و
شركة فرنسية تدفع ل
ِمي كل
ُ
حس ِب ال
سنة يجب أن نُجدد ُمدة فـ ُكل عائلة عبدالعزيز و أ
الشراء لهم وإال أخرجت ال ُسلطات الفرنسية الجثث و أحرقوها ، وقف عند
َم ن َد َخ َل بَ يتِي ُم ؤ ِمنًا
َواِل َد َّي َوِل
مه و قرأ من القرآن " َر ِِّب ا غِف ر ِلي َوِل
ُ
ِر أ
قب
، أح َّمرت عيناه وهو
َّال تَبَا ًرا "
ِ
َّظاِل ِمي َن إ
ِز د ال
ُم ؤ ِمنَا ِت َوَال تَ
ُم ؤ ِمنِي َن َوال
َوِلل
" اللهم أبدلها دا ًرا خي ًرا من داره خي ًرا من
يجمع كفُوفه ليد ِعي
ا و أهالً
*تحشرج صوتِه ليصمت ثوانِي ثم يُردف بصو ٍت
اهلها و أدخلها الجن ِة و
و أ ِعذها من النار و من عذاب القبر ، اللهم تجاوز عن سيئاتها و
موجوع*
ًوا و ُغفرآنا ، اللهم أجمعنا
ِزها عن الحسنا ِت إحسانًا و عن السيئات عف
جا
في يوٍم الريب فيه .. أكمل ُدعاءه تام و عيناه تب ِكي وج ٌع
ٍ
بخشوع "
ِمه ، قبل أن يذهب عنها أبتسم لم يراها
ُ
ِر أ
مَّرت دقائِق طويلة و هو امام قب
كثي ًرا . . توف يت و هو في ثاني متوسط ، ليتهُ كان معها في آخر أيامها ،
ُم مر ِضها و عال ُجها الِذي تو َّجب عليه الذهاب لباريس . . ر َّب ضارةٍ
أيا
نافعة ، لو لم تأتِي للعالج في باريس لما رأيت غادة.
يشعُر
ِر هديل ، د َعى لها كثي ًرا و كأنها أخته ، هو فعالً
وقف أمام قب
بأخويتِه مع هديل وحميمية األخوة بين ُهما ُرغم أ َّن ال موقفًا يُذ َكر بيني
كت قلبي
وبينها .. إال أنها أخ ُت من أفدي ِه ب ُرو ِحي و أخ ُت من تمل . َّ
ِر واِلد عبدالعزيز ، د َعى لهُ بالمثل إال أنَّه تأثَ أقترب من ق ر أكثر أما ِمه و
ب
صوتُه يختنق و يتحشرج و يِقف بمساحا ٍت شاسعة تُشبه الخواء الِذي يواجه
ِر والدة عبدالعزيز ، قرأ بع ُض آيات
قلبه اآلن في وحدتِه ، وقف أمام قب
القرآن و د َعى لها.
أتَى الدور على القسم األكب قلبه ، وقف هذه المَّرة على ُركبت يه أمام ِر من
ِرها ، ش ِّد على شفت يه ويحاول أن يبتسم أن يفرح ، يُريد أن ي ِصل شعُوره
قب
إل يها ، قبل أن آآتي إلى ُهنا قرأت أداب زيارة المقابر حتى ال أقع بشيٍء
ما من
"
ا صحي ًحا شعر ُت بأ َّن ُعر ًسا يُقيم في قلبي
منهي عنه و قرأ ُت حديثً
رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إال استأنس به ورد عليه حتى يقوم "
ُخبرك عن ُحزنِي ُدونك و
ريد أن أ
ُ
ي ؟ يالله يا غادة أ
هذا يعني انها تشعُر ب
ُعطيها بع ُض األهمية
ا َّن الحياة ناقِصة تتشع ُب منها زوائِ ٌد مهما حاولت أن أ
إال أنَّها تعجز أن تح ُل جز ًء من قلبِي مثل ما حيي ِت هُنا – قلبي - ، " نزلت
دمعتِه ليُكمل بأحادي ِث نف ٍس ال يُجرؤ أن تخرج بصوتِه ، تعبنا يا غادة ، ال
عزي ٌز سعيد و ال أنا ، ال نح ُن نحن و ال الحياةُ ترت ِضي أن تُس ِعدنا ، يالله
ياغادة لو تعرفين أو تدركين كيف أنني غير قاِدر على العيش و الحياة !
والله لس ُت بقاِدر و أخا ُف السخط على قدِره يا غادة . . يا جنُونِي . . يا
ة ، أول مَّرة أفق ُد اللهفة في
َّ
حبيبتي ، أو ُل مرة أرى باريس بهذه الثيا ُب الرث
نا
ُ
َسة ، أيا ُمنـا القديمة و تفا ِصيل
عين يها ، أول مَّرة أ ِجد أن باريس جافة ُمفل
لبي حتى تنزلق بِ ال ك يا ُروحي ، يا ُمباغتة لذاكرتِي التي تِِّمر ببُطء على ق
سمائِي . . يا أر ِضي ، يا ُكل شيء ، تراكمت الغيُوم يا غادة و لم تبقى
السما ُء كما عهد ِت . . تراكمت ولم ترح ُم العطشى و الحزانى ، لم ترحمهم
وتُم ِطر.
ي ، أنا لم أنساك و لم أنسى وع ُدنا
أتشعُرين بي اآلن ؟ يارب أنك تُشعرين ب
والله لم أن َس . لبعض ، ى
ِرع ِة ُحبِنا ، أحال ُمنا التي
َصر من أحالِمنا الممت َّدة على قا
كانت الحياة أق
نا
ُ
كانت أن نشيخ سويًا و أحفاِدنا حولنا ، لم نشيخ يا غادة و لم نرى أطفال
ًما لهذا المكان
حتى . *ب َكى بش َّدة و بصم ٍت ُمطبق ش َّد به على شفت يه إحترا
و أن ال يج ِب النواح فيه*
َصر يا غادة ، والله ست ُكون الحياة أسعَد لو ترك ِت لي طفالً ، فقط
كانت أق
طف ٌل وا ِحٌد ياغادة ، أنا أحببتُك و أحبب ُت أن تُبللين ُجحِري بطف ٍل يقع و
ِمه الكثير ، أن يُشبهك ،
ُ
يتشب ث ، يسر ُق من تفا ِصيل أ
تذكرين المرةِ التي قُ ذين يحش ُرون أنوفهم لت ل ِك فيها " األربعين الشبيه الل
"
بقصائِد ال ُشعراء ال وجود لهم و لم تصدقيني
أتُصدقيني اآلن ؟ أين أشباه ِك يا غادة ، أين ُهم ؟
ريد أن أح ِكي لك الكثير ، الكثير مما ح َصل ، ُعدنا للرياض التي ُكن ِت
ُ
أ
تشتاقين إليها ، ُعدنا يا غادة ولم ت ُكونِي معنا.
لم تتغيَّر كثي ًرا ، أر ُض ظ ال أحد
لم تطأ بها قدما ِك هي عنص ٌر كونِي ُمكتَّ
يلتف ت إليه و اآلن باريس تدخ ُل تحت هذا المصطلح بعد أن كانت حسنا ٌء
راقِصة تسر ُق من عين ي ِك ضيا ُءها و ِمن رق ِة شفت يك فتنتُها . . آآآه يا غادة
في صدِري تلع ُب
ُمدن تتشابه ؟ ِلم األر ُض بأكمِلها تُشبه غصةً
ال
َ
ِلم
، ال شيء يُذ َكر
ُكل شيء في غيابِك " با ِهت "
َ
بأعصابِي وال ترحل ، ِلم
بعد ، سنَة كاملة لم أفعل بما شيئًا يستح ُق الِذكر حتى األمور البسيطة كانت
في وقتِنا هي أه ُم . األشياء ولكن فقدتك و فقد ُت كل أشيائِي خلفك
ُخبرك ، . . . . *خر َجت شم ُس ب
ريد أن أ
ُ
قبل أن أر َحل أ اريس الخجولة و
أشعتُها الخافتة لتعك َس دمع نا ِصر على مالِمحه*
ِك أكث ُر مما يُدَرك في هذه الحياة الوضيعة و لم
ريد أن أقُول أنني أحببتُ
ُ
أ
ُمتمايلة بين
أتوقَع أن خسارتِي فاِدحة إال و أنا أرى السماء تُط ِوي ُسحبها ال
همساتِنا لتقطع خي . ًطا بيني وبينك
ريد أن أقُول
ُ
أ ك و ج ًدا ،
يا غادة أننِي أشتاقُك . . ، أشتاقُ
أد ُعو الله أن يُسامحنِي على إحتفا ِظي بصو ِرك و بكلماتِك و بأقرا ٍص تضُم
مشا ِه ٌد تضح ِكين بها كإتساع الشمس و قطرا ُت الم َطر و تب ِكين فيها كرذاِذ
عطٍر ال يك ُّف عن السؤال عنك.
أد ُعو الله أن يعفُو عنِّ قدانِك في ِي لما أفعله اآلن
ِي أضعفنِي فُ
، ُرغ ًما عنِّ
ُصِلي معك
ليلتنا التي جلسنَا سنين نُف ِكر بها ، في ليلتنا التي كان يجب أن أ
ُشكًرا أ َّن سق ُف ُحبي بات يجمعُنا على أر ٍض وا ِحدة ، في ليلتنا التي كان
ِق بها ُحبنا ألطفالنا ، في ليلتنا يا غادة أتى موتُك خا ِطفًا قتلنِ
يج ب أن نوث ي ِّ
و قتل عبدالعزيز من خلِفي.
ريد ، والله ال
ُ
أد ُعو الله أن ال يجعلنا من الساخطين على أقداره ، والله ال أ
ريد أن يغضب مني الله ببُكائِي ، ال أريد
ُ
ريد أن أكون مجنُونًا هكذا ، ال أ
ُ
أ
ريد
ُ
ريد أن أضعف ولكن ُحبك أقوى ، ال أ
ُ
ِي ، ال أ
يا غادة ولكن ُرغ ًما عنِّ
ُ أن أنك ريد أن أنهار ولكن ح ُضورك أكث ُر إتزانًا
ِسر ولكن غيابُك أقسى ، ال أ
ُحبه و الله على ُكل هذا هو األعظم وهو
ريده وال أ
ُ
ريد يا جنُونِي ال أ
ُ
، ال أ
ٍق واقفة في حلقي ، كل شيء يا غادة
القاِدر على أن يُخفف من جمرةُ أشتيا
ا أن ُل ليظهر أما ِمي ليُذكرني بك وكأنِي نسيت
يتطفَّ منيتي سابقً
ُ
ك ، كانت أ
منيتي أ َّن الجنة تجمعُني بك ألحبك من جديد
ُ
نشيخ سويًا و لكن اآلن أ .
ِزن و يُطفأ ُحرقة دموعه ، وقف وجمع كفيَّه
أست َّمر دقائِ ٌق يحاول أن يت
ليد ُعو لها و نصف ساعة و أكثَر وهو يد ُعو إلى أن قال موِد ًعا " يالله إنك
فطرت إبن آدم على قل ٍب ِقني بِك و
ِّ
ضعيف ينشغ ُل بلهِو ال ُدنيـا فـ يارب عل
ُحببها ألج ِل
أرحمني و أرحمها كما ترح ُم عباِدك الصالحين ، يالله أني لم أ
فيك لم تُشغلني يو ًما عن ِذكرك فـ يارب
ُدنيا فانية ، يالله أني أحببتُها طاعةً
كما أحببتُها بال ُدنيا ُحبًا عظي ًما قائِ ًما على طاعتِك و على رضاك أن
تجمعني بها في أعلى جنانِك "
،
ُمستلقي على السرير الوثِير و رائِحتُها تُثير حوا ِِّسه النا ِعسة ، ُصدا ٌع يق ُضم
خاليـا ُمخه و يفت ُح عيناه ببطء.
نظر للسقف ُمستغربًا إلى أن أستوعب ماجاء بِه إلى هُنا ، مَّدد ذراع يه
ٍق و تعب بعد أن أستنزفت ُكل قَّو
بإرها اه باألمس العنُود ، يالله يا هذه
األنثى يشعُر بأنَّه يكرهها أكثر من الي ُهوِد أنفُسهم ، تح ُررها الزائِد و
مظهرها الِذي يشعُر به دائِ ًما بالتقزز ، يخ َجل من أن ت ُكون إبنة عِمته بهذه
ال ُصورة ، سيئَة ج ًدا حتى أخالقُها تشِِّوهها كثي ًرا ُرغم أ َّن مالِمحها تُشبه
عمته األقرب لقلبه ولكن تبقى عمته أجمل بكثير و هي الشيء يُذ َكر ِعندها
ُعيد تربيتها من جديد و أجعلها تحترم عاداتنا
، هذه العنُود سأعرف كيف أ
وتقاليدنا ولو كان ُرغ ًما عنها.
ُخرى ، ُغرفة الجوهرة في أيامها األخيرة
تأ َّمل الغُرفة التي هو بِها مرةً أ
ِلم شعَر بضيق من أن يدخل جناحه وال يعرف كيف قادتِ ُهنا ، ال يعلم ه
ن في إذنه بُكائِها و كوابِيسها
ُّ
َي ، مازال ير
أقدامه لغرفتها ه .
مقهور ج ًدا من طريقة إستغفالي هذه وأنا الذي لم أعتاد أن أحد ُهم يُهينني
بهذا الشكل كيف وأن ِت الجوهرة ؟
ا أهم من والد ي أنا قاِدر على العي ش ُدونِك لم ت ُكوني يو ًم ! ولكن بي من
ريد أن
ُ
ريد أن أر َّدها بأقر ِب فُرصة ، أ
ُ
ي ، أ
د إساءتِك ل
ُّ
نِي أر
ُ
القهر ما يجعل
ذيقك مِّر ما ِذقتهُ ِمن ِك ، ليتك تشعُرين بشعُور الرفض الذي كنت أراه
ُ
أ
بعينك إن حاول ُت اإلقتراب ِمنك ، شعُور سيء يُثير أعصابي و يُغضبني ،
يو ًم ! ل ا بِفكرة أنني زو ُجك و ألقى الرفض من ُكل جانب م تشعُري
قسم بذلك
ُ
أن ِت و تُر ِكي ستدفعُون الثمن غاِلي و أنا أ .
ُملحق بالغُرفة ، بلل وجهه و كالعادة توضأ ُرغم أنه ليس
م ال
دخل للحما
بوق ِت صالة ،
َي ح َّصة و عائشة
خ َرج و أنتبه لبع ُض الحركة في ُغرف ِة ُسعاد ، دخل و لق
، رفع حاجبه : وش قاعد يصير ؟
ح َّصة بحِزم :سعاد والله يرحمها بتب َّرع بأغراضها للفقراء ، فيه محتاجين
كثير ومنها نكسب أجر
سلطان بهُدوء : طيب ماهو كان الزم تستشريني ؟ قلت لك يا ح َّصة مليون
مرة عن هالموضوع
ح َّصة بحزم أكبر : أنا أكبر منك ومفروض تحترمني وتحترم شوري
ِّي بطيخ !! هذي أشياء تخصني
ِّي شوري أ
سلطان بإنفعال : أ
حصة بهُدوء تُريد أن تختبره : بس الجوهرة أكيد بتجي قبل العيد ومايصير
تشوف هالغرفة في بيتها
سلطان : والله ؟ ومين قال بتجي ! حصة لو سمح ِت أطلعي أنت وعايشة
وأتركوا الغرفة
حصة بنبرةٍ خبيثة : ليه نايم بغُرفتها اليوم ؟
ِّي ُغرفة ؟
ٍن وا ِحد : أ
سلطان يُظهر الال ُمباالة و اإلستغباء في آ
ِمها لعائشة : مدري أي غرفة بس يقولون
ِّ
حصة وهي تمسك ال ُكتب وتُسل
لك اللي قلبه على حبيبه يدور عليه ويجيبه
سلطان الغاضب النت مالِمحه ليبتسم : مخك متبرمج على أفالم أبيض
وأسود
ح َّصة بإبتسامة : سعاد ب ِّح . . طيب ؟
سلطان : عطيني الكتب بحطها في مكتبتي
ح َّصة : أنت ماتقرأ كتب رومانسية وأدب ليه أحطها لك
سلطان : إال أقرأ .. جيبي بس
ح َّصة : علي ؟ خلك على كتب المجانين حقتك ومالك دخل بهالكتب
سلطان بجدية : عطيني أبيها . . الجوهرة تقرآها
ح َّصة بضحكة : صدق ؟
سلطان : أسألي الجاسوس اللي جمبك
عايشة بإندفاع وخوف : أنا ما يقول شي
ح َّصة : مالك دخل بحبيبتي عيوشة
سلطان بسخرية : يا عيني بس !!
َّول قولي الجوهرة تقرأ الكتب األدبية ؟
حصة : أ
سلطان : والله تقراها
حصة : طيب أخذها أجل .. مَّدت له الكتب
سلطان : خل عايشة تحطها في صندوق واحد وتجيبها المكتبة انا أرتبهم
ح َّصة و ه ُدوء سلطان يُغريها باألسئلة : متى راح تجيبها ؟
ِم أبوها نتفق على
ِّ
سلطان بضحكة يُردف : تحزنيني والله عاد أمس مكل
الطالق
ح َّصة تو َّسعت محاجرها : من جدك ؟
سلطان بجدية : حصة الله يخليك الموضوع منتهي وماأبغى أتناقش فيه
وهي تعرف مصلحتها وأنا أعرف مصلحتي
ح َّصة بإنفعال : ننععععم ! ال والله ماتطلقها .. وش تطلقها ماصار لكم سنة
عشان تطلقها ؟ مهما كانت هالمشكلة العظيمة اللي بينكم وأدري أنها
سخيفة بس مايصير
عائشة عندما علت األصوات أنسحبت بأطراف أصابعها ومالمح الخوف
تظ َهر بمالمحها ،
سلطان : خالص وال يهمك اطلقها عقب ماترجعين لندن
حصة بغضب : تستهزأ فيني ؟
سلطان يقترب منها ليُقبل رأسها وبنبرةٍ خافتة : الموضوع منتهي
ح َّصة بحز ٍن واضح على مالمحها : طيب ليه ؟ سلطان أنت كبرت
مايصير تبقى ِكذا !! بكرا تتقاعد وش بتسوي ؟ قولي بس وش بتسوي ؟ أنا
خايفة عليك وأبيك تعيش حياتك زي مالكل عايش .. يكفي شغل ماراح
يجيك كثر ماراح من ُعمرك في هالزفت شغلك ، وش أستفدت منه ؟ طيب
قلنا نسلم أمرنا لله وتبقى في هالشغل لكن حياتِك !! أنا ماشفت الجوهرة
بس واثقة أنها ما تستاهل الطالق .. مَّرة وحدة بحياتك حاول تحافظ على
شخص .. أنت منت مالحظ أنك تخسر الناس بسهولة !! منت قاِدر تحميهم
.. آلتقولي أنا أحمي غيرهم .. لكن أحنا أهلك و الجوهرة أهلك يا سلطان
.. يا روحي الله يخليك يكفي اللي مضى ، ال ترخص هالناس اللي حولك
لمك .. ر ِِّجعها عشان خاطِر .. بيجي وقت تحتاج فيه ألحد يسمعك ويك ي
وبعدها يحلها ربِك ، و كل مشكلة لها حل
سلطان تن َّهد : أنا ماأصلح أكون كذا ، ماأعرف أكون زوج وال غيره .. أنا
ماأصلح اال بمكان شغلي وبجلس فيه ألني أحبه و هو حياتي كلها ..
ومستغني أنا عن هالحياة الثانية اللي مع الجوهرة و غيرها.
ح َّصة و أختنقت محاجرها بالدُموع : مستغني عنَّا ؟ يالله يا سلطان
ماأعرف كيف قلبك حجر كذا !! ليه ماتحس أنه بكرا بتشيب وهالشغل
بيستغني عنك مثل ماأستغنى عن غيرك و بتبقى بروحك ال زوجة وال أهل
..
سلطان بصم ٍت يتأمل عيناها التي تُجاهد أن التب ِكي ،
ح َّصة تُكمل : إذا تغليني ولو شويَّة يا سلطان ال تخسر نفسك أكثر من كذا
.. آلتخسرها ور ِِّجعها .. آلتطلقها بس عشان ترضي عقلك .. ألن هالعقل
اللي تفكر فيه مصيره بيتخلى عنه وماراح تلقى بقلبك إال ذكرى ناس أنت
خسرتهم بنفسك !! .. رمقته بنظرا ٍت راجيَة وخرجت.
ِره تهَوى كما تسقُط قطرا ُت
سلطان وقف في ُمنتصف ُغرفة سعاد و أفكا
الماء من المباني ، أصطدم به أكث ُر من فِكرة و حدي ُث ح َّصة ُموجع لقلبه ،
كم خ َسر في حياته ؟ فترةُ الشباب الطائشة و عِمي عنَاد و إبنه نايف في
في ال ُدنيا
ِمي الجنَّة و ال جنةٌ
ُ
رحلتِنا الغارقة على شواطىء صقليَّة ، أ
سواها و أبِي الرائحة العتيقة التي يحتفُظ بها قلبي ، أجداِدي الِذين باغت ُهم
َي ؟ كان يج ب
المشيب حتى ماتُوا تبا ًعا و المصائِ ُب ال تأتِي فُرادى ، من بق
ِوحدةِ إبنهم بعد ُعمٍر طال ، لو أ َّن لد ي أخ اآلن
على والد ي أن يُف ِكُروا ب
قريبًا من ُعمري كان األمر سي ُكون مسليًا ُربما كنت سأعلمه على الفروسية
ُعلمه على انواع األسلحة و من الممكن أن يُعلمني شيئًا .. كنت
أو ُربما أ
سأ ِجد ُمتسعًا ألحتِفظ بهذه الحياة كما رددتها عمتِي ، ولكن حياتي ليست
ُمغرية أل َّن أتشبث بها ، أصابني الله في ُح ِب عملي حتى أفقدنِي الكثير و
مازال.
،
ِرة ، على ُشرف ِة شقتِها تنظ ُر ُدو للب ِعيد الغير
ُمستق
البحر ال
ِ
فِيل على أمواج
آتي ،
وضعت كفَّها على صدِرها ، نبضاتِها غير ُمستِقرة تشعُر بهيجان يحر ُق
أطرا ِف قلبها ، أحد ُهم يُناديها ، أحد ُهم يُثير سمعها كما لو أنه يضع جمرا ٍت
ذنها الرقيق
ُ
ِري ِف أ
ُمترا َّصة حول غضا و ُربما
ة ، عيناها تب ِكي بال سبب ا
حتى األسباب تجهلها ، مازال قلبُها يتواطؤ مع ُحزنِها و يُمارس اإلختباء ،
ي ، أحد ُهم
يتألم وال يُخبرني ما يؤلمه ، أحد ُهم أشتا ُق إليه كما يشتاق إل
يخنقنِي و قلبهُ األكسجين ، أحد ُهم صيحةٌ عظيمة تنه ُش بعظا ِمي ، أحد ُهم
يُضعفني ، يُعصرني ، يُبكيني ، يؤلمني ، يجرحني ، يك ُسرني ، يُقتلني. .
ي ، أحدهُم ُمز ِعج ج ًدا
ٍن من أن يقُول ل
أحد ُهم قلبي يعرفه جي ًدا ولكنه جبا
لذاكرتي ، يُثير الخوف على أطرا ِف ُحزني ، أرجف.
أكفف عن هذا ، أر ُجوك . . ال طاقة لد ي لهذا األلم ،
أخفضت رأسها و كفوفها تنزل ببطء لبطنِها و غثيا ٌن يُداهمها كأ َّن جنينًا بها
يصر ُخ عن واِلده ، واِلده ؟ يالله يا .. يا .. من أنا ؟
يالله يا ُروحي أكان ُهناك شخ ًصا أ " ُحبه قبل الحادث ؟ " طيب مين ؟
هديل . . ُربما أختي ، و عبدالعزيز أخي ، و مقرن . . أبي أو من ؟ لن
أ سامحه أب ًدا وهو ُسامحه إن كان حيً
ُ
ا و تركني ضائعة ُمشتتة ، لن أ
ُسامحه على
ني ، لن أ
ا في هذه ال ُدنيا ُدون أن يحِميني ويطِِّوقُ
يُسقطني غرقً
هذا ال ُحزن أب ًدا.
ُمتشابك مع
ناصر ؟ . . . صم ُت لدقائِق طويلة حتى تُردف بحدي ِث عقلها ال
قلبها . . ُربما أخي ؟
دُمو ِعها و
أبتسمت بين أمواج قلبُها يضطرب كإضطراب البح ُر في ِ
موا ِسمه و إرتفاعه.
همست : وينك ؟
أين انت من ُكل هذا ؟ أين قلبِك اآلن ؟ يب ُدو أ َّن قلبي يُحبك يا نا ِصر كما
يُحب هديل الغائِبة عني و عبدالعزيز الذي ال أعرفُه ، أحبكم و لكن "
وينكم " ؟
يالله يا من أجهله كم أشتا ُق لك كتكاث رباء في ُمحيطي. ُر الغ
،
أفاق و العر ُق يُبلل ال ُجزء العلوي من جسِده العاري ، أنفا ِسه تُس َمع
كإرتطاِم قط ٌع معدنية على األرض ، شعَر بوخٍز يسار صدِره و رع ٌب
ُمتأخر
ب في قلبه ال . ُمضطرب في هذا الصباح ال
ُّ
يد
مسح وجهه و عيناه تسر ُق تفاصيل ما رآه ، أ ُعوذ بالله من هذه الكوابيس ،
ٍ شديد
ُو بوقع
صدِر . . ه يهبط ويعل
ُب في قبرها ،
ُخرى هذا يعني أنها تتعذَّ
َرى أختي ت ُموت أما ِمي مرةً أ
أن أ
يالله يا غادة ماذا يحصل معك في ُظلمتك ؟ أكاد أحلف أنك لم تفِِّوتِي فر ًضا
وال صالة !! ماذا فعل ِت ؟ بر ِِّب الناس ماذا فعل ِت في ُدنياك ؟ يالله يا غادة