الفصل 76

حتى خر َجا للشارع الرئيسي وبأعينِهم واضحة ج ًدا سيارتهم السوداء،
تساقط المطر على مالبِسهم الثقيلة، وهي تفتح هاتفها لتنظ ُر للساعة التي
تُشير على الرابعة والنصف عص ًرا بتوقيت باريس .
َّظ في بدايـة الطريق ذُو الهندام ال ة : هو أمامي ُمبعثر يتح َّدث بإن
جليزية ُمغل





اآلن ... نعم في األمس عطل ُت مدِِّوس فراملها .. ال تقلق كل األمور في
ِد .. حسنًا ... أغلقه ليركن سيارته خلف سيارة عبدالعزيز تما ًما
حال جيِّ .
خرج له بإستغراب بعد أن أنتبه لمالبسه التي ال تُشكك في أمره سَوى بأنه
شخص عادي.
:هل تحتاج مساعدة ؟
ِطعت
بعد صم ٍت لثواني أردف : عجالت السيارة األمامية قُ
:حسنًا ، بإمكاني أن أساعدك
ِن عبدالعزيز، يب ُدو لطيفًا بأنه ن َزل
مر الدقائق وهذا الرجل تحت ُمراقبة عي
ت ُّ
ليُساعدنِي ويتضح من سيارته األقل من متوسطة بأنهُ رجل من الريف.
َم ليس واض ًحا من مالمحه أنهُ سي ا وقف! تداخلت أفكاره
ء ال ُخلق وإال ل
وهي تُحلل عينَاه الزرقاء وبشرته الشقراء بصم ٍت يغر ُق به .
وقف : أنتهينا .. أتمنى لك يوٌم جيد
عبدالعزيز بإمتنان كبير : شكًرا لك
ِ : ك
ال عليك .. وبثواني قليلة أختفى من أنظاره ، دخل السيارة : جابه ربِّ
رتيل تن َّهدت براحة : الحمدلله .. يالله خلنا نرجع بسرعة لباريس قبل ال
ِم الدنيا ونضيع
ِّ
تظل
ها أكثر من
ِّ
عبدالعزيز : نضيع ؟ لمعلوماتك أني كنت عايش فيها يعني أدل
الرياض
ها وأنت بغيت تنسف شبابي ! ال
َّ
رتيل ألتفتت عليه بكامل جسِدها : تدل
عشت حياتي وال شي .. ر ِِّجعني بس وتوبة أطلع معك
عبدالعزيز يُحرك سيارته بطريق العودة لباريس األنيقة ، وبصو ٍت شغوف
: بتضلين طول عمرك تقولين ياليت ترجع أيام رَوان
رتيل : كلها يوم وكان زفت وش اللي يخليني أتمنى رجوعه! ماأقول اال
وين أيام الرياض بس
ِّي أيام بالضبط ؟
عبدالعزيز بخبث : أ
رتيل بثقة : أيام ما كنت أعرفك فيها
عبدالعزيز جمَدت مالِمحه بهُدوء ليُردف بسخرية شديدة : وش كثر كن ِت
سعيدة!!





رتيل ُدون أن تنظر إل يه : على األقل كنت عايشة ُعمري
عبدالعزيز : والحين مو عايشة ُعمرك ؟
رتيل بنبرةِ الصراحة التي تجعل قلب من يُقابلها يضطرب : إيه طبعًا!
ماني ناقصة شي يوم أتزوج بهالطريقة ومحد يتزَّوج بهالطريقة اال اللي
عمره ع َّدا األربعين .. أصال حتى األربعينية ما ترضى بزواج على
الصامت
عبدالعزيز بضحكته التي تسلب عقل رتيل وتُغرقه أي ًضا : هالحين اللي
ِي
مضايقك أنه ماصار عرس وال صار طقطقة وعالم تبارك وتهنِّ
رتيل أنتبهت لسطحية تفكيرها لتُردف بدفاع عن نفسها : آل طبعًا!! أنا بس
أطرح لك مثال ..
عبدالعزيز : مع أني فاشل بعلم النفس لكن أثق أنه هذا اللي مضايقك
ها
َّ
رتيل بقهر : ثقتك مهي بمحل
عبدالعزيز بشماتة : يعِّوضك الله في حاتم
رتيل بإبتسامة تُخفي غي ٌض شديد : ومين قال برضى بحاتم ؟
عبدالعزيز بمثل نبرتها ، بدأت حر ُب الكالم بهذا الطريق الطويل : ما
يرضيك أنهم أقل منك مستوى إجتماعي !
رتيل بدلع لم تتعَّمده، بع ُض الكلمات تأتي ُمتغنجة بعفويـة شرسة على
قلو ِب الرجال : أوالً حاتم بمثل مستواي مافيه فرق كثير! لكن كذا مزاج
ماأبغاه ! أحلم بشخص ثاني
ِِّس ، وإيش مواصفات الشخص الثاني ؟
عبدالعزيز بإبتسامة ُمفتعلة : كوي
رتيل تشعُر بالتلذذ وهي تستفزه : أحتفظ فيها لنفسي
عبدالعزيز : تصدقين عاد! كنت أحلم بأشياء كثيرة وسويت عكسها
رتيل : ووش هاألحالم ؟
عبدالعزيز : كنت أتوقع أني بتزوج وحدة حياوية عاقلة هادية لها قناعات
ثابتة وأخالقها عالية ..
رتيل بإنفعال : وش قصدك ؟
عبدالعزيز ألتفت عليها بنظرة ذات معنى لتعُود أنظاره للطريق. أردف :
ما قلت أقصد رتيل! أن ِت قليلة حيا وطايشة ومزعجة ومالك رآي وشخصية





وأخالقك صفر ؟ عاد إذا أن ِت تشوفين نفسك كذا الشكوى لله
رتيل : آل طبعًا ماأشوف نفسي كذا ! يمكن تقصد بزواجك من أثير ألن
أظن أنه زواجك منها..
تُقلد صوته بسخرية الذعة وتُكمل : مبني على أخالقها العالية وعقلها
وحياءها وه ُدوئها.
عبدالعزيز : إال بشريني مجتمعنا تغيَّر بنظرته للمطلقة ؟
رتيل تفهم تماما ما يرمي إل يه : في كل شيء فيه الشين وفيه الزين! يا سعد
عينه من كنت نصيبه
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه العلويـة : أتفق معك بالجملة األولى بس
رتيل بنرفزة : كِِّمل طريقك بس وال عاد تكلمني
،
ِم من صالتها، ألتفتت عليه لتصِّد بنظراتها وهي تقف
ِّ
ينتظ ُرها حتى تُسل
نازعة جالل صالتها، أخذت السجادة ووضعتها على األريكـة الوثيرة
ُظر إل يه مرةً أخرى : ما أبغى أتكلم بالموضوع
لتن
يُوسف بإبتسامة : مين قال أني جاي أكلمك ؟
شعَرت بال ُحمرة وهي تسري بين عروق وجهها. ضحك بخفُوت ليُردف :
ي أكلمك، أجلسي
إال جا
ُمهرة بربكة : مالي مزاج أحكي في هالشي .. لو سمحت
يوسف : دام قل ِت لو سمحت فأنا بناقشك فيه وبعدها قرري بكيفك
ُمهرة تن َّهدت لتجلس بجانبه : طيب .. وش بتقولي ؟ أنه أمي تدري من
السماء وال كانت موجودة في يوم الحادث مثالً!
يوسف : ال بس بحكي لك القصة من بدايتها
وهذه الجروح التي لم تض َمد بعد ليس من ح ِق بها ليجعلها أحٍد ان ينبش
تغر ُز الوجع مرةً أخرى، أردفت : ال ماأبغى أسمعها! أنا عارفة وحافظتها
أكثر من إسمي
يوسف : آل ماتعرفينها .. فيه أشياء ما سبق وقلتها لك





ُمهرة بعصبية : جاي تدافع عن أخوك قدام وحدة خسرت أخوها!! يالله
على الضمير اللي عايش فيه أنت وأهلك
يوسف بهُدوء : ماني جاي أدافع عنه، أنا جاي أقولك الكالم اللي عندي
وبعدها ان ِت قرري !! أسمعيني لألخير وبنفسك أحكمي
ُمهرة وضعت يدها على بطنها الذي يُشاركها الحزن بأل ِمه : طيب ، شتت
نظراتها ال تُريد أن ترى كيف ال ُحب يتضع بعينه ألخيه وأن ترى الدفاع
من عين يه قبل حديثه !
َّط ُع أستغ الحديث بصم ِت
ص عليها ليتق
رق نصف ساعة وأكثر وهو يق ُّ
يُوسف الكثير ودم ُع ُمهرة الذي لم ي ِِّجف، مع كل حرف وكلمة كانت تنزل
أن فقدت شري ُك
دمعة تُشعرها بالضياع، بال ُحزن الذي لم ينفَّك منذُ
ُروحها/حياتها. يأتِي الكالم سهالً ج ًدا ولكن قلبي الِذي يواصل حياتِه مازال
يتذكُر فهد في كل زوايـا ُغربتِه، الغربـة ليست بتغيير الديَار، الغربـة أن
تفقد حياتِك السابقة التي كنت تشارك بها من يُطلق عليه حياتِك، أفتقدك ج ًدا
ج ًدا."
وأكث ُر بكثير والله من "
يُوسف يترق ُب ر َّدةِ فعلها، توتُره زاد وهو يؤمل نفسه على أن تُصِدقه :
والله العظيم أنه ما قتل أخوك وأنا أحلف لك بالله يا ُمهرة والحلف بالله
ماهو لعبة..
ُّي
ا لتمسح دُموعها المالحة التي تسربَّت تحت عينها، أ
أخذت نف ًسا عميقً
هراء يجب أن أصدقه! لم أ ِجد من هذه العائلة ما يُسيء لها فعليًا، لم ت ُكن
سَوى ُمتعاطفة مِعي وأي ًضا يوسف! ال أعرف تماما ما شعُوره نحوي! أهو
دور بطولي يقوم به من أجل أخيه ومازال أم ُمجرد .. ال أعرف كيف
ِفه. ال شيء واض ًحا بهذه الحياة وأنا أحمل بداخلي ُروح تن ُمو كل يوم
أصنِّ
ي، الرحمة منك يارب
ب .
يُوسف : ُمهرة
ُمهرة مازالت بصمتها، الوجع الذي ين ُمو في داخلها كالجنين كيف جهضه
تُ
بسهولة؟
يُوسف : حكمي عقلك!! وشوفي الموضوع من زاوية المنطق ماهو من
عواطِفك





ُمهرة أتجهت نحو الحمام ، أغلقته بإحكام وهي تُسند ظهرها على المغسلة
وتغر ُق ببكائِها الخافت، أنفجرت وكأنها للتو أستقبلت خبر وفاتِه، تناثر
دمعُها وكأنهُ لم يتناثر منذُ عقُود، تدافع بغزارة على مالِمحها النقيـة .
،
بصم ِت الطابق وإنزعاج أذنه التي تَّود أن تتداخل بها األصوات، للسقف
الصباح، بذاكرته التي تعُود إل يها
األبيض الذي قاس أمتارهُ بعينه منذُ
ولقلبها الزه ِري، على دندن ِة البدر يغيب " كانوا االحباب ظلك بعض
احساسك ونورك ..ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك ..
انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .. هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي ..
وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله .. وين كنتي ؟! .. شيبت عيني
طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك .. ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا ..
وفي جديلك عطر ورد .. آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني معنى وفي
سموم ضلوعي برد .. ليه تأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي .. كنتي
في غير الزمان ، وكنتي في غير المكان وانتي عمري كله عمري كله ..
اللي باقي واللي كان .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .." أكملهُ بعز ِف
ُروحه " أن ِت حلم ؟ و أ وني. أن ِت حلم ؟ وأنا
نا اللي شبيه ظالِلك ألقى به جنُ
اللي ترك ت الشعر بعِدك وأنا كيف أكتبه وعيُونك ما تقرآه ؟ أن ِت حلم يا
غادة أو أنا اللي ما صادفني من هالحياة لحظة صادقة، أن ِت حلم وال
هالحياة ُدونك هي الحلم ؟ هو صوتِك اللي سمعته ؟ هو أن ِت ؟ يا أجمل من
وطى هاألرض ، يا أجمل من ك َسر فيني عذاريب الوقت ، يا أجمل حلم
مِِّر ." ني و يا كثره ح ِّظِي يوم عينك مش ت بخطاويها لعيُوني
د َخلت الممرضـة الهنديـة ذات المالمح الناعمة لتطمئن عل يه ، أردفت بلغة
عربية ركيكة : محتاج ِشي ؟
ِود لقلب
ناصر هز رأسه بالرفض لتنسحب بهُدوء ويعا ه الذي غرق بها،
حاليًا أحتاج صفعة تُخبرني بأن ما يح ُدث حقيقة.





يُتبع
،
تنظ ُر من النافذة لألمطار التي تهطل بش َّدة، تسابقت الدعوات على لسانها
العذب، صمتت لزم ٍن قصير أو طويل ال أعرف جي ًدا كيف أحدده وهو
أنا بقلبي من أسي ُر
معه وأتصادُم يأتيني، يُشاركني دعواتِي ليس ُمتطفالً
أي ًضا. يُجاور عقلي ح ُد الالنسيان، أقصى األحالم أن أراك، تحت غيمةُ
ال ُحب أحتا ُجك بجانبي، أحتا ُج أن أسمع صوتِك وأنا التي أدمن ُت نبرته ،
ي
كيف أشفى منك ؟ أعر ُف جي ًدا كيف ال ُحب يؤِذي ؟ كيف أنه يتحشر ُج ب
وكأني أحتضر ألني مارستهُ دون رضـا الله، أع عاقب بِك،
ُ
ر ُف كل هذا وأ
ني أندم مع كل
ُ
بتعلقي، ب ُحزني اآلن وإشتياقي، أتعاقب بطريق ٍة الذعة تجعل
قطرة تنزل من السماء، تجعلني أندم على اللحظة التي سمح ُت لك بها أن
ي
تجتاحني وسمح ُت لقلبي أن يُغضب الله، أ ُعود لحياتي السابقة لكن ب
شي ٌء مكسور! منك لله يا مج ُهول ال أعر ُف منه سَوى صوتِه ورسائله
ِي، يا مج ُهول ال أعر ُف سَوى أنهُ يُضيء عيني ويخ ُدشني
ُمتمِددة على كفِّ
ال
بالنور دائِ ًما. يخ ُدشني وأنا التي رضي ُت بالعتمة كيف أقب ُل بالنور بعد ُكل
ُك أن تُط ِِّهر قلبي منه ومن ُحب أهواء
هذا ؟ يالله في يو ِمك هذا أسأل
الشيطان، يالله في وق ٍت إستجابتك هذا أسألك أن تُبعدني بينك وبين ما
يُغضبك كما باعدت بين المشرق والمغرب، يا رحمن أرحمني من ُحبِه.
بنبرةٍ دافئة :عبير
ِقة
ُمباغتة الضيِّ
ألتفتت عليها وهي تمس ُح على وجهها تخا ُف من الدموع ال
التي تهط ُل بال حو ٍل وال قوة منها.
ض ي ي الطريق : كلمتنا رتيل، هي ف
عبير : الحمدلله .. أبوي وينه ؟
ضي : راح مع مقرن ، فيك شي ؟





عبير بتوتر : ال ، كيف رتيل يوم كلمتوها ؟
ضي : كلمها أبوك بس طَّمني وقالي أنها بخير
جلست لتُطيل النظر بشتات الغُرفة ُدون أن تسقط على ضي، الش ُرود هو
محاولة ضائعة إلنكار الواقع .
ض ي ينا نطلع نتمشى في هالجو الحلو : تب
عبير تن َّهدت : ال ، طيب ممكن أسألك سؤال ؟
ضي بإبتسامة : إيه
عبير بربكة أصابعها : طبيعي انه بنت تتزوج شخص ماتحبه بس عشان
تنسى معاه واقعها ؟
ض ي صمتت لثواني طويلة حتى تقطعه : طبيعي إذا كانت متقبلة الزوج
والحب يجي بعدين لكن الغير طبيعي أنه يكون هالزواج قايم عشان تنسى
واقعها ماهو عشان قيمة الزواج نفسها واإلستقرار و إلى آخره من أهداف
الزواج ، وش فيه واقعك يا عبير ؟
عبير : ما تكلمت عن نفسي بس كان مجرد سؤال
ضي عقدت حاجبها : ممكن الحياة اللي تبينها ماراح تلقينها في الشخص
الثاني اللي ناوية ترتبطين فيه بس عشان ينسيك الواقع !
عبير : طبعًا ال ، أكيد أني بفكر بمؤهالت الشخص اللي راح يتقدم لي
ضي بإبتسامة : اللي راح يتقدم لك!! واقعك يا عبير ماهو سيء لهدرجة
ٍن أكثر : ماهو مسألة واقع
عبير أرتبكت من إندفاعها بالكالم لتُردف بإتزا
سيء أو كويِّ أظن أني وصلت لعُمر يخليني أحتاج لشخص ثاني في ِس،
حياتي
ضي : وعادي يكون أي شخص ؟
عبير : ال، بس عندي ثقة أنه من يجي عند أبوي يعرف على مين نوافق
وعلى مين نرفض .. يعني أثق بأنه بيكون شخص مقبول
ضي : حا َّسة فيك، أعرف قدر حاجتك لر َّجال في حياتك لكن ممكن ما
يرضيك أي أحد يتقدم لك بالنهاية هذا نصيب إال إذا أن ِت تبين توافقين على
أي أحد من باب أنك تتخلصين من قيود أبوك
عبير بهُدوء : أبي أوافق على أحد يشغل الفراغ اللي فيني، مثل ما الر َّجال





الزم يح ِِّصن نفسه بالزواج أنا محتاجة أني أحصن هالقلب ..
ضي بإندهاش : ما جاء في بالي وال حتى ممكن راح يجي أنك تشكين من
فراغ العاطفة
عبير بلعت غصتها لتقف ُمتجهة لهاتفها ال !! ُمتصل بالشاحن : كلنا نشكي
،
على مكتبه يُرتب بعض األوراق التي تُهمه، ُمثبت هاتفه على كتفه : يا
ِّي
وليد أفهمني الموضوع ماهو بإيدي، قلت لك اللي عل
وليد : وعبدالعزيز ؟ وينه ؟
فيصل بهُدوء : مدري اللي أعرفه ناصر وراح يجيك يوم اإلثنين
وليد : يالله يا فيصل كيف أتعامل معاه ! يخي تو ِِّرط الواحد
فيصل : ليه تتو َّرط معه ؟
وليد توتر ليُردف بمحاولة لتضييع كلماته : ماعلينا! كيف بكلمه عشان
أخليه يدل المكان !
فيصل : تدري شلون؟ بشوف لي صرفة وأسافر معه
وليد : فهمته الموضوع كله وأنها فاقدة ذاكرتها ؟
فيصل : يعني ماقلت له كل شي، الر َّجال مصدوم وبالمستشفى قايلين لي
أنه أنهار بعد ما رحت وحاس ُهم !! الله يصبره ويعينه
ا : طيب ومقرن كيف جاء إسمه عندها ؟
وليد أخذ نف ًسا عميقً
فيصل : تسألني وكأني أعرف كل شي .. خالص يا عِِّمي ال تدخل نفسك
بهالمشاكل.. أهم شي أنك سويت اللي عليك
وليد : بالله ؟ يعني أشوف الغلط قدام عيني وأسكت
فيصل : أنت ما بإيدك حيلة عشان تتصرف!! أرجع ميونخ وشوف شغلك
وأنسى الموضوع
وليد : يا هي سهلة على لسانك أنك تقولها كذا !! مع السالمة قبل ال ترفع
ضغطي .. أغلقه ُدون أن يسمع جوابه.
تأفأف، صعب إقناع وليد بأشياء وهميـة، يخاف أن يُخبر واِلده بالموضوع





ِّي أن
ومن ثم ي ِصل إلى مقرن مرةً أخرى وعبدالرحمن .. يالله صعب عل
أتخيَّل السيناريو الذي سيح ُدث .
نزل لألسفل لي ِجد والدته تُغلق الهاتف : هال بالزين كله
أبتسم : هالبك
والدته : متى إن شاء الله تبشرني وتروح تخطبها مع عمك؟
فيصل : يمه هاألسبوع مشغول وبسافر ال رجعت إن شاء الله نزورهم
والدته عقدت حاجب يها : آل والله منت مسافر قبل ال تملك عليها
ِّي، بسافر كم يوم وأرجع ماني مطِِّول
فيصل : الله يخليك ال تحلفين عل
والدته : آل كم يوم وال غيره! تملك وتسافر
فيصل تن َّهد : أستغفر الله العظيم وأتوب إل يه، يممه ماله داعي والله تعطلين
شغلي كذا
والدته : هيفا أهم من الشغل!
فيصل بقهر يجلس : الله يهديك يا يمه!! كان مفروض أحطك أمام األمر
الواقع وأسافر
والدته : عشان أذبحك! هذا اللي ناقص بعد .. الحين وش له طاير ؟
خالص أنتظر نفرح فيك بعدها سافر وسِّو اللي تبي
فيصل : يمه أن ِت اللي وش له طايرة!! هذا زواج خليني أفكر حتى...
والدته شهقت لتضرب صدرها برقَّة : وشهو ؟ وأنا غصبتك مو فكرت
وقلت أنك موافق
فيصل بإبتسامة : تفكير تحت الضغوطات وش أسوي بعد!
ِّي أنا
والدته : الشرهة مهي عليك الشرهة عل
فيصل بضيق : أمزح يالغالية بس مستعجلة مررة يعني بكرا يقولون أهلها
وش السبب اللي يخليك تستعجل ؟ هذا إذا وافقت البنت بعد
والدته : قل لهم بسافر وبيعذرونك
،
ِّي شيء
لملمت شعرها الفوضوي، مالمحها شاحبة خالية من أ حتى شفت يها





بدأت تكت ِسي ببع ِض الش ُحوب ولون الزهر الفاتح، لم يأ ِت إلى اآلن! ال ي ُهم.
ُمنعش،
فتحت النافذة ال ُزجاجية حتى يدخ ُل لها هوا ِء أسطنبُول البارد/ال
تأملت النهار الطويل الذي تعي ُشه ، األفكار التي ترف ُض الغروب رف ًضا
ُمش ِككة التي تُمسك ِّـان القصيرة الخاِد
قا ِطعًا، كلمات ريـ عة القاتلة، نبرتُه ال
ٍز من شوك وال ترحم قلبها، أكان طالقُه منها سببًا لذلك؟ لكن كان
بقفا
ا وأنتهى حتى أنهُ ال يُفكر بها أب ًدا هذا ما قالته رتيل لهيفاء، هذا
طالقً
مطلقها من زمان
"
بالضبط ما أراح صدِري تلك الليلة وهيفاء تُخبرني
وتقول أنه مشكلة صارت بينهم وماعاشرته كثير أصالً عشان ينساها
بصعوبة، يعني مجرد نصيب ومالقاه معها .. التفكرين بالموضوع كثير
"
دامك أستخر ِت ووافق ِت خالص
تن َّهدت وهي تراه يُقبل عل يها، بنبرةٍ مبحوحة : جوالي فصل وأبي أكلم
أهلي
ريـ ستعمليه َّـان وضع هاتفه على الطاولة التي أمامها : أ
ريم بضيق : عشان تتأكد وال عشان تراقب إتصاالتي ؟
ألتفت عليها : أراقبك ؟ يا صغر عقلك بس
ثبتت في مكانه بشك ٍل أدق تج َّمدت وهي تسم ُع منه جمل ٍة كهذه في أول أيام
زواجهم، الكالم الناعم الذي أعتادت أن تسمعه من صديقاتها المتزوجات
ا ال تراه مع ريَّان أ
حديث ب ًدا . ً
بلعت ريقها بربكة : عقلي مو صغير!! لكن أنت اللي تخليني أتكلم معك كذا
ريِّــان تجاهلها بطريق ٍة الذعة لقلبها وهو يسحب منشفته ويتجه نحو
ٍن تفصلها عن دمعة حا َّرة
الحمام. نظرت للباب الذي أغلق، و رمشةُ عي
على خِدها الورِدي، كثي ٌر عل يها كل هذا! كثي ٌر ج ًدا أن يتجاهلها بهذه
الطريقة. ما هذا الذنب العظيم الذي أرتكبته حتى يُعاملني بهذه الصورة
مازال عري ًسا."
البشعة لشخص يُفترض أن يقال عنه "
،





ِّي
في أطرا ِف ليل الرياض، يتراجع للخلف بعدةِ خطوات ُدون أن يحدث أ
صوت لتلتقط إذنه حديث ُهم الخافت.
ح ِّصـة : مدري والله يمكن أن ِت تحكمين عليه من موقف واحد أو إثنين،
سلطان ماهو بهالصورة أبد .. أكثر شخص ممكن يمسك أعصابه هو
سلطان
ال ُجوهرة وهي تحتضن الوسادة : أن ِت لو ما كن ِت هنا يمكن كان أنهبلت ..
ِّي مكان ؟
حصة أبتسمت : بسم الله عليك، طيب وش رايكم تسافرون أ
يعني تغيرون جو ؟ مع أني دارية ماراح يوافق بس ممكن محاولة من هنا
وهناك يوافق
ِّي
الجوهرة : ال مستحيل ، وين نسافر وقلبه شايل عل !
حصة : رجعنا لنفس المَّوال! أن ِت وش يدريك ؟ ، طيب وش رايك تعزمينه
على مطعم يختي أنا أحجز لكم طاولة ومستحيل يرفض .. عاد ماهو
لهدرجة سلطان قليل ذوق !!
الجوهرة : قلت لك سلطان مستحيل ينسى !! ودامه ما ينسى أكيد بيجلس
ِل طوايفي
يِذلني ويذ .. ِّ
حصة : الله أكبر يالشي العظيم اللي ما يقدر ينساه!! كل هالمشاكل صغيرة
وبكرا راح تضحكون عليها ال عرفتوا كيف فرقتكم على تفاهتها .. أبدي
بأول خطوة .. يعني مين يضمن ُعمره ؟ هالدنيا كلها كم يوم عيشوها وال
تزيدون هالحزن عليكم
الجوهرة أخفضت نظرها ال جوا ب لد يها، هذه الحياة فعالً قصيرة لكن
ُهناك غ َّصة تُباعد خطواتهم وال ُسلطة عل يها.
ح َصة : عشان ُحبك له ؟
ي حصـة ، ال صوت يخ ُرج ويُدافع عن
الجوهرة رفعت عينها لتلتصق بشفت
كبريا ٍء مك ُسور، تتعرى تما ًما أمام عمتِه بجروحها.
ي ! أن ِت بنفسك قل ِت لي ؟ ليه تكابرين! دامك
أكملت : تحبينه وال تكذبين عل
تكابرين أكيد سلطان بيكابر معك
الجوهرة بضيق ُحنجرتها : ما أكابر لكن ماهو أكبر طموحاتي أني أعيش
على مبدأ الحب بس!! فيه أشياء كثيرة أفقدها في سلطان وبنظري هي





أساسية
حصة : عشانه ضربك ؟ طيب يمكن بلحظة غضب مقدر..
تُقاطعها : مو بس ضرب! بس أنا وياه ما ننفع لبعض
حصة به ُجوٍم عنيف : إذا مالقيتي سبب قل ِت ما ننفع لبعض لو كل البنات
يسوون زيِّ
أرباع الحريم مطلقات !! ِك صدقيني
كلماتها الشفافة تخترق قلبه وتتو َّسدهُ بكل طغيان، بدأ يعز ُم على شيء وا ِحد
فقط . . ق َّدم خطواتِه بإتجاه الباب. .
،
ُمتمللة أو
ِريس ليُعيد للصو ِت مداه، يشعُر بفرقعة أصابعها ال
أقترب من با
يأ ِت في باله بيت
َ
ُربما اليفهُم توترها جي ًدا، ألتفت عليها كثي ًرا وال يعر ُف ِلم
شعٍر ساماته لضحكة من طريقة تفكيره وعقله يجعلهُ يبتسم حتى تكاثرت إبت
يقرأ عليه " الشاهد الله من لمحت عيونك آمنت في سحر الجمال النجدي "
، ألتفتت عل يه : مريض يضحك لحاله ويبتسم لحاله !!
عبدالعزيز : ذابحك الفضول تبين تعرفين ليه أبتسم!!
رتيل بكذ ٍب أنيق : ماني فضولية
عبدالعزيز : واضح!
رتيل تن َّهدت : متى نوصل وأفتَّك
عبدالعزيز بمحاولة إستفزاز : فر ًضا يصير شي وماتوصلين
رتيل : تبيها من الله
عبدالعزيز يشرب من الماء البارد ما يرويه ليُردف بإنتعاش صوتِه : ال
والله مشتاق ألثير .. أردف كلمته األخيرة بضحكة صخبت بها السيارة.
رتيل أبتسمت حتى بان ص ُف أسنانها البيضاء : أتصل عليها من جوالي ال
يطلع قلبك من شوقك
عبدالعزيز ألتفت عليها بمثل إبتسامتها وعيناه تغرق بالضحك : والله شكله
اللي بيطلع قلبه هو أن ِت إذا وصلنا
رتيل بضحكة طويلة : آآخ ياربي ال تطيح علينا السما !! ثقتك مستحيلة





عبدالعزيز : أعترفي قبل ال نوصل
رتيل : أعترف بأيش ؟
عبدالعزيز بسخرية : طيب أعتبري أنه خالص ماراح تشوفيني بعد اليوم!
الكلمة األخيرة وشهي ؟
رتيل بنبرةٍ الذعة : مع السالمة
عبدالعزيز ألتفت عليها : وبس ؟
رتيل هزت رأسها بإيجاب لتُردف : وأنت ؟
عبدالعزيز يُقلد صوتها : ماراح أقولك شي ..
رتيل ترفع حاجبها ليُكمل بصوتِه الواثق : أوِِّدعك على أساس أنك أيش ؟
رتيل فاضت بقهرها لتُردف : ماتعرف تعيش ب ُدون تجريح
عبدالعزيز بهُدوء تن َّهد : أظن أننا نتشابه بصفات كثيرة فما هو أحسن لك
أنك تعايريني بشي أن ِت تسوينه
رتيل بح َّدة : وش اللي أسويه ؟ تعرف شي !! خلنا ساكتين أحسن وال
نسولف عشان نجرح بعض
عبدالعزيز : شفتِي ! أن ِت أعترفتي ، عشان أيش ؟ عشان نجرح ؟ ماهو
عشان تجرحني !! شايفة الفرق
ي مجرد
رتيل بضيق : عاد صراحتي هي تجريح لك لكن ان ِت تجريحك ل
إنتقاص وماله أساس
عبدالعزيز عض شفتِه ال ُسفلية : قصِدك كذبك
رتيل ببرود ُمستفز: لو بكذب كان كذبت من زمان وقلت لك أول ماجيت
باريس وأظن تذكر كالمي
عبدالعزيز ألتزم صمته لي ُدوس على دَّواسة البنزين حتى يُخفف من سرعته
ويفصله عن باريس بع ُض الكيلومترات، ضغط أكثر من مَّرة ولكن ال
تعمل وال تُبطء من سي يُدخل يِده في ِر السيارة، شعَر بأن قلبه ينقبض وهو
جي ِب بابه، أنتبه للورقة الصغيرة على جانب شباكه " هذه المرة أنت من
يجب أن أشكره على غباءه "
ُمزدحمة
ُطرق باريس ال
بلع ريقه كيف يوقف هذه السيارة اآلن ؟ سيدخل ب
سيتعدى اإلشارات تبا ًعا فهذا األكيد ؟ مالحل ؟





ألتفت لرتيل الضاغطة على أسنانها والغضب يتضح على مالمحها، لن
يُخبرها ويثير ُرعبها ، بدأت ذكريات حادث عائلته يتكرر عل يه، تقرير
الشرطة الذي أخبره أن ُهناك عط ٌل في الدَّواسة جعلها ال تعمل، مثل
العُطل ومثل الحركة القذرة! أنعطف يمينًا للشارع اآلخر الِذي يؤدي
للطريق نفسه الذي قطعه منذُ ساعات، هذا الشارع السريع هو الحل
المؤقت.
ألتفتت عليه رتيل بعصبية بالغة : ليه إن شاء الله !!
،
يُدندن بالقلم على الطاولة ال ُزجاجيـة ، ينظ ُر إلبنة مرةً وللنافذة مرةً أخرى،
أفكاره تتشابك والشيطان صديق يجاور كل هذه األفكار الخبيثة، رفع عينه
له : فارس
:هال
رائد : تبي تتزوجها
فارس بلع ريقه بصعُوبة لينطق : وشو ؟
رائِد : تبي بنت عبدالرحمن ؟
فارس بهُدوء : أكيد بس يعني مستحيل و...
رائِد يُقاطعه : واللي يزو ِِّجك إياها ؟
.
.
أنتهى نلتِقي الخميس بإذن الله.
.
.





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم()$:
التحرمونِي من صدق دعواتك م و جنَّة حضورك م.
ب
ُّ
ُمستضعفين في ُكل مكان أن يرحمهم ر
و ال ننسى أخواننا المسلمين ال
ِط علينا
ِّ
العباد و يرف ُع عنهم ُظلمهم و أن يُب ِشرنـا بنصر ُهم ، اللهم ال تسل
ُمسلمين
ِوك وعدونـا و أحفظ بالِدنا وبالد ال
عد .
أستغفر الله العظيم وأتُوب إل يه
ال تشغلكم عن الصالة
*بحفظ الرحمن.
السالم عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة()
ُوب الجميلة، تسعُدوني وتخجلوني دايم بلطفكم
ح ِّي هالناس الطيـبة وح ِّي القل
وكرمكم، الله يرفع من قدركم وكل من س َّجل عشان الروايـة أتشرف فيكم
" فيكم و
" يا ُكبر حظي
كثير شخ َصة شخ َصة :$)( ممنونتكم و زي دايم
الحمدلله على هاألعين اللي تقرأني والحمدلله أننا قدرنَا نو َصل ل ُجزء بعيد
من الروايـة. ج ًدا ج ًدا ممتنــة.
ِز/الفاتن : عمر محمود العنَّاز
المد َخل للميِّ .





َم َسا ُء على يَدي ِك
نا يُبعثِ ُرني ال
َ
َوأ
فَ َكي غفو؟ َف
َ
أ
الصو َت يَجمعُنِي
د نحَو ! يَ َد َّي َك ُّف
والتمت ُّ
عينا ِك تَب َح ُث في َدمي َعنِّي
َوفي َغ َسِقي
ُّف
تَر
نا يُبعث ُرني ُح ُضو ِري
َ
َوأ
في َسمائِ ِك
َو هَو َك ش ُف،
ِ ِك ياليال َي
الله ِم ن َعبَ ٍق إلى َشفَتي
يهفُو
ِق ال ِّصم ِت
ُد ِم ن َرحي
البو ُح يُولَ
َو ص ُف
َغ َراهُ
إن أ
َجداو ُل،
ُها ال
ُء تَغزل
َو َموا ِعٌد َخضرا
َي ر ش ُف
ه
فَ
ُء
َسمرا
في ِعيني ِك يا
ِ
َه ل النِفرا ِط الموج
ُج ر ُف ؟
َخ َشى علي ِك،
أ
َخشى َعلي ِك،
َف الأ
وكي
ن ِت َع ز ُف
َ
وأ
رَواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
، بقلم : ِطي ش!
ال ُجزء )

)
ِ عينَ الطاولة لترتفع نحو شفت يه
اه تتأمل أصابع واِلده التي تصطدم بسطح
التي تتحرك بهُدوء وهو يُحدث الصخب في قلبِه النابض بتسارع تزداد





حدة سرعته مع الكلمات النديَّـة التي تخر ُج منه ليُردف بخفُوت : يبه كيف!
بهالطريقة
مستحيل بغصب أبوها !! وال أبي أتزِّوج أصالً
رائِد رفع حاجبه : ومين قال بتغصب أبوها! إال بيوافق وبيبارك بعد
فارس : كيف
رائد يرقد قدم على قدم ليُثبتهما على طرف الطاولـة و ُدون إنقطاع يُشعل
سيجارته : ال تسأل كيف! المهم أنك بتتزوجها مو هذا اللي تبيه
فارس : وش بتستفيد ؟ شغلك ال تدخلني فيه
ِِّضر زوجة ولدي
رائد بإبتسامة : ال تخاف ما أ
فارس يضيع بالمسمى ِليخفت بصوته : و أبو زوجة ولدك ؟
رائد : عاد أبو زوجة ولدي مالك عالقة فيه
فارس وقف بحزم : ال يبه هالشي ما أمشي معك فيه
رائد بنظرة وعيد : نععم ؟
فارس بهُدوء : ماني جبان عشان أغدر فيها وفي ابوها وفي ظهورهم !!
رائد : وش قصِدك ؟
فارس بغضب لم يتمالك نفسه : يبه أنت وش تعرف عن ال ُحب ؟ أقولك
أحبها !! وتبيني أض َّرها ؟ قول شي يستوعبه عقلي..
رائد : شف هال ُحب كيف مخليك ضعيف !!
فارس : غلطان ! مخليني أعيش ! أنا مدري كيف قبل عبير كنت عايش!!
كيف كنت متحِِّمل الجدران ؟ ُعمرك ماراح تحس وش يعني ال ُحب يا يبه
!! إيه أبيها وأحلم باليوم اللي أكون معها بس أبيها برضاها ماهو بهالطريقة
القذرة! أنا ُحبي لها أسمى من هالقذارة ومستحيل أدخل فيها
رائد أمال فِمه وعينه تنطق الغضب ، أنزل أقدامه من الطاولة ليقف وهو
يُطفىء السيجارة : قلت لك بتتزوجها برضاها وبر َضى أبوها
فارس بسخرية : على أساس أنه فارس رائد ال ُجوهي يشِِّر !! فه
رائد بح َّدة : ويزيده شرف بعد
فارس : تآمر على شي ؟ أنا بطلع
رائد : بتتزوجها يا فارس .. وهالشي ماأشاورك فيه أنا أقولك خبر راح
يصير ! إذا مو اليوم بكرا





فارس تن َّهد : تآمر على شي ؟
ر إذالل والده لهذا
ُّ
لم يُجيبه وهو يعود لمكتبه ، خرج بخطوات غاضبة يج
ال ُحب، و َطأت قدُمه على الرصيف المقابل للدكاكين الصغيرة الفرنسيـة
ذات الرائحة المنعشة، أستنشق هواء باريس والمط ُر بخفَّة يهطل. أدخل
يد يه بجيُوب جا ِكيته البنِي، ال ُخطى تقُوده لمكان إقامتها، م أن رأيتك وأنا
نذُ
، أنا المتفقه بأموره وأن ِت الشريعة التي ال تُخطىء
" ال ُحب "
أقِِّدس معنى
ا ِألرسم
أن تطفل ِت على رسوماتي وأنا ال أعر ُف منفذً
كيف أتجاوزك ؟ منذُ
غيرك، منذُ رجوعي تلك الليلة وعقلي يُسيطر عل يه فكرة وا ِحدة " المالمح
منذُ الحسناء البيضاء من صاحبتها ؟ تلك الليلة وأنا ال أنام إال من بعِد أن
"
تسترجعك ذاكرتِي وتهرول رق ًصا بِك، أن ِت يا عبير التي كتب ُت إسمها و
َّود أن
زخرفتُه الرقيقة أسفل القصائِد، ُكتبت ل ِك ول ِك فقط، لو تعرفين كم أ
أ ُكون شاع ًرا فقط ألكتُب عن حسنك، مللت النثر ، أحتا ُج أن أكتبك بقافي ِة
الفتنة التي تنتمي إل يك. أسف ُل أشعار نزار وإخضرار قلبي بكلماتِه يُوجد
" أشهد أن ال
أن ِت. تجاورين القصائِد بإستيطان ال يرحم وال يرح ُم قلبي،
امرأة قد أخذت من اهتمامي نصف ما أخذت واستعمرتني مثلما فعلت
و ليس هذا فقط، أشهُد ل ِك ب ُح ِب يعب ُر المحيطات
وحررتني مثلما فعلت "
وعين يك. " أشهد أن ال امرأة تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال ،
تحرقني .. تغرقني ، تشعلني .. تطفئني ، تكسرني نصفين كالهالل "
ُمقابل لفندقهم، تحدي ًدا بال ُكرسي الذي أعتادت عبير عليه
جلَس بالمقهى ال
ُمزخرف بخ ُط ان أتت باريس ، أخرج قلمه ليكتب على منديل المقهى ا
ل
منذُ
الثلث " يقُول نزار وأقُول ل ِك : أيتها البحرية العينين والشمعية اليدين
والرائعة الحضور أيتها البيضاء كالفضة والملساء كالبلور أشهد أن ال
امرأة على محيط خصرها . .تجتمع العصور وألف ألف كوكب يدور أشهد
أن ال امرأة غيرك يا حبيبتي على ذراعيها تربى أول الذكور وآخر الذكور
أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله "
طَواه ليُخبر الناِدل الذي وضع ُكوب القهوة أمامه : هل لي بطلب شيء
آخر ؟
النادل : بالطبع تف َّضل





فارس : تأ ِت هنا أمرأة عربية دائِ ًما مع فتاة اخرى
النادل بإبتسامة : العرب ُكثر
فارس : أعلم ولكن تجلس ُهنا أي ًضا .. أخرج هاتفه ليفتح على صورتها ..
هذه
النادل : عرفتها
فارس : تأ ِت كل يوم، هل لك أن تحتفظ بهذا المنديل حتى تأ ِت وتُعطيها
إياه مع قهوتها
النادل الوسيم يتس ُع بإبتسامته : بالطبع يا سيدي
فارس : شكًرا لك.
أخذ النادل المنديل ليضعه في جيبه، حكايا ال ُحب تُ َّدس في بالِدنا ولكن
تستنطقها العيُون بفضيحة كبيرة، ليست فضيحة بمعناها بقدر فضيحة
و ترتيلها.
ِهي بمثل الـ " أحبك "
و تنت
إنسانية ُمش َّرفة تبدأ بـ " أحبك "
وأحيانًا تكون فضيحة ال تُشِِّرف إن أتت بعصيا ن أج َمل ٍن لله، هو ال ُحب ي ُك
فهُ رضـا الرحمن
َّ
إن غل .
،
ا وهو يواصل طريقُه للخ ُروج من باريس ناحيـة الشمال
لم ينطق حرفً
الفرنسي، ضاق فِكره اليستطيع التركيز وهو يبحث عن منفذ، ليس أكثر
ذكا ًء من واِلده الذي واجه مثل هذا الموقف وأنقطعت أنفاسه حتى أندثر
التراب عليه، ليس أكث ُر دها ًء من سلطان العيد حتى يُف ِكر بح ٍل غير
اإلستسالم للموت الذي سينتهي به وهو يصطدم بإحدى السيارات. وهذا
ر من
ُّ
ُم الحياة، يبقى السؤال كيف نف
السيناريو المتوقع، الموت الذي يخت
النهاية ؟
ُط بش َّدة ويرتفع بمثل
ألتفت إل يها، صمتها ، ه ُدوئها وصدرها الذي يهب
الش َّدة، ف ُمها الذي يتمايل تارةً وتُقطعه أسنانها تارةً وجبينها الِذي يتعرج
ُم بثوانِي ُمتقطعة، أصابعها التي تتشابك فيما بينها وي ُدها
لحظات ويستقي
أتأم ُل أصغر
َ
التي تتكأ تحت خِدها بجانب الشباك، أقدامها التي تهت ُز ، ِلم





تفاصيلك في وق ٍت ضيق كهذا ؟ عطشان يا رتيل لكلمة منك، كلمة وأن ِت
شحيحة ج ًدا .
:أربطي حزام األمان
لم ترد عليه ولم تُطيع أمره، تفي ُض بقهرها حد انها ال تطيق أن تسمع
ن
ُّ
صوته اآلن. يلع ُب معي كالمراهقين، يستف ُز كل عرق يتصل بعقلي ليج
معه جنوني، أخذ ُت كفايتي من أسل . ُوبه وال أظن أنني سأستمر أكثر
يُكرر لها بحدةِ صوته : قلت أربطي الحزام
رتيل بنبرةٍ ُمرتفعة وهي تلتف ُت إل يه بكامل جسدها : مالك دخل فيني !!
بصرخة ألجمتها : أربطي الحزااااااام
تعبَّرت وهي تنظ ُر له، أختنقت بعبراتِها وتدافع الدموع عند عين يها،
ُمبلل
صرختُه زلزلت صدرها لتسند ظهرها على ال ُكرسي وتنظ ُر للطريق ال
وتُجاهد أن تمنع دموعها من إستعمار محاجرها أكثر.
نظر للطريق الذي فرغ بشك ٍل تام سوى من بعض السيارات البعيدة ،
بحركا ٍت سريعة سحب الحزام ليربطه عل يها. لم تتحرك سوى دمعة أبت
الغرق في محاجرها لتنزل على خدها .
سحب هاتفها ليتصل على عبدالرحمن، ثواني طويلة حتى أجابه بصو ٍت
يستبشر الفرح : هذاني بجيكم
عبدالعزيز بصو ٍت متزن تخونه الكلمات المتقطعة على حافتِه : مقدر
أرجع
عبدالرحمن من نبرته أستطاع التخمين بأن أح ًدا ثال ٌث معهم : وش صاير
؟
عبدالعزيز مسح وجهه ليُردف بقلة حيلة وكأنه يستقبل الموت مثل أهله،
أصواتهم تتداخل في ذاكرته، تتداخل بتقاطع حاد يشط ُر قلبه، ضحكاتهم
وصرخاتهم تعب ُر إذنه وتخنق عين يه بال رحمة : كان ف ِّخ منهم بس مقدرت
أتوقعه
وهذه النبرة التي تعني الخالص تُنهي قلب عبدالرحمن أي ًضا، أردف :
كيف فخ ؟ أنت وينك ؟
عبدالعزيز : السيارة ماتوقف .. الدوا َّسة ما تشتغل وال راح تشتغل ألنها





بس شكل قدامي لكن منفصلة
ألتفتت رتيل له وهي تسم ُع كلماته، بلعت غصتها ودموعها تتدافع على
خدها،
أكمل : مقدر أرجع باريس والطرق كلها زحمة .. الحين في طريق الشمال
...
صم ٌت مهيب يعق ُد على لسان عبدالرحمن الذي جلس على طرف السرير
بعد أن تج َّهز للخروج ، هذا الحادث تما ًما ما ح َصل مع سلطان العيد
وعائلته، ال قوة لد ي ألتح َمل كل هذا مرةً أخرى .
عبدالعزيز ينظ ُر للهاتف الذي يُضيء برسالة تُخبره عن نفاذ الرصيد، رماه
جانبًا ليأ ِت صوت عبدالرحمن النِدي : ألو. .. عبدالعزيز .... عبدالعزيز
... *صرخ* .. عبدالــــــــــــــعزيــــــــــز ...
سقط هاتفه من يِده ليُحاصر رأسه بين يد يه ، يشعُر بالضياع التام، رتيل
وعبدالعزيز معًا! قلب ين يشطران روحه اآلن.
عبدالعزيز عقد حاجب يه ليُردف بصو ٍت هامس : كتِفي إيدك ،
رتيل بصو ٍت يختنق : وش بيصير ؟
عبدالعزيز يفت ُح النافذة التي بجانب رتيل حتى إن ح َصل شيئًا وأصطدم ال
يأ ِت الزجاج عل يها : كتفيها يا رتيل عشان ماتنكسر
رتيل أخفضت رأسها لتب ِكي بإنهيار تام، يُشبه إنهيارها في تلك الليلة التي
غتصب بها شفت يها، يُشبه تما ًم أ ا ذلك األنين الذي يشطره نصف ين، شتت
نظراته : رتيل ..
رتيل هزت رأسها بالرفض، ال تُريد أن تُصدق ما يحدث اآلن، ال تُريد أن
تعرف. والهواء البارد يلع ُب بدمعها ال . ُمتطاير
عبدالعزيز يفت ُح شباكه أي ًضا والشارع الواسع الطويل يكاد ي ُكون خاويًا
اآلن إال من الشاحنات الغذائية : تنطين ؟
رتيل ببكاء عميق : ما أبغى
عبدالعزيز ينظ ُر للطريق مرةً أخرى وبنبرةِ المواساة التي يُدرك أنها كذب
: إن شاء الله ماراح يحصل شي ..
صمتَا لدقائق طويلة وال يحض ُر سوى بكائها، ببحة : ياربي عبدالعزيز





كيف كذا ؟
تن َّهد بضيق : أبوك صار عنده خبر يمكن يقدر يسوي شي
أنتبه للوحة المكتوبة بالفرنسية " يوجد إصالحات يُرجى المرور من
، تجاوز الطريق الفرعي الذي خلفه بعدةِ مترات قصيرة
"
الطريق الفرعي
، لم يستطيع أن يتراجع للخلف والسيارة مازالت ُمستمرة بالسير أما ًما، . .
. واآلن ال مفَّر يا أنا ، تبًا .
،
ا مكانًا للوحشة فقط،
تق َّدم بخطوا ٍت ضئيلة للصالة العلويـة التي كانت سابقً
ألقى السالم بج ُموِد مالمحه : السالم عليكم.
:وعليكم السالم
سلطان : غريبة جالسين هنا !!
ِر
ح َصة : قلنا نغيِّ
سلطان بصو ٍت يُثير الريبـة : تصبحون على خير .. ونزل لألسفل.
حصة : ألحقيه شوفي وش فيه
الجوهرة : آل .. أصال ماراح يقولي ليه أتعب نفسي !
حصة رفعت حاجبها : طيب روحي له .. وأنا بدخل أنام تأخر الوقت
دت أمام أنظار حصة المراقبة لخطواتها، عادت للخلف : بن ِّزِ الجوهرة تن َّه ل
القهوة للمطبخ
حصة أخذتها من الطاولة : أنا بن ِّزِ لها
الجوهرة تبح ُث عن حجة أخرى : طيب بآخذ لي كتاب أقرآه ألن مو جايني
نوم
حصة أمالت فمها لتُردف : الجوهرة!! وش فيك تدورين الحجة عشان
ماتنزلين
الجوهرة بحرج : مين قال كذا ! بس .. خالص طيب .. ونزلت لألسفل
بإتجاه جناحهم.
وضعت يدها على مقبض الباب وب ُمجرد مرور ح َصة بجانبها فتحته بهُدوء





لتلتقط عيناها خطوا ِت أصابعه التي تُغلق هاتفه ، رمقها بنظرة لم تفهمها
تما ًما، تُشبه نظرات العتاب أو الحزن أو الضيق أو الالأدري، بلعت ريقها
ِر مالبسها ، أفكارها
ب ُمجرد ما أعطاها ظهره، أتجهت نحو دوالبِها لتُغيِّ
ضاعت بنظراتِه وه ُدوئه الذي يُزلزلها دائِ ًما، أرتدت بيجامتها بخطوا ٍت
، بخفُوت سارت نحو
خفيفة/سريعة ، فتحت شعرها المرفوع كـ " كعكة "
الجانب اآلخر من السرير المصِِّو ست واألرق يهرول في بـة نظراته له، جل
جسدها من بدايته حتى نهايته، نظرت له وهو ُمغمض العين ين ، منتظم
األنفاس ، مالمحه هادئـة ال مجال بها للغضب أو الحقد الذي أعتادته في
الفترة األخيرة، اإلستفزاز الصامت من عين يه الدائِمة ال ُحب ، الذبذبات التي
تقف ُز من جسِده نحوي ال يُمكن أن يُنكرها عقله مهما فعل، رجولته التي
تسي ُر بثبات نحو قل ٍب ناعم، حاجب يه الغامقت ين، عيناه المَّرة كالقهوة الشديدة
التعقيد ، صخ ُب فحولته وصخ ُب جسِده الذي يمُر دائِ ًما ليُضيئني ويُشعلني
ي ، يا ر ُجل التاريخ األول، يا ر ُجل الوشم الذي
ويقتلني وكيفما يشاء يفع ُل ب
ُمعقِّد والعُقَد من عين يك تقتلني، يا
ال يُمحى من جسِدي. يا ر ُجل ال ُحب ال
" يا أيها اللغز
ريد به أن أحبك ،
ُ
ُمِّر أني أحبك في وق ٍت ال أ
ر ُجل البُ ِّن ال
أن أحز َر ك " يالسماء النديَّـة أنا والله
الذي.. دِّوختَني وأنا أحاو ُل جاهداً
ي يو ًم
لت ل
أخشى أن يُغمى عل ا " أحبك ." ي إن قُ
فتح عين يه التي لم تنام ويشعُر بالتفاصيل الرقيقة التي تُراقبـه، كيف ينام
وأفكاره تتلخبط وتصطدم بش َّدة/بحدة .
شهقت ب ُمجرد أن فتح عينِه، لتضع يدها على صدره وتهمس : بسم الله .
سارت ال ُحمَّرة وليست وحدها هي التي تسير، الحرارة الداخليـة تتفج ُر من
قلبها بهذه الثواني. ضحك بشهقتها ُدون أن يلفظ كلمة.
وضعت رأسها على الوسادة وهي تُغطي وجهها بالفراش تحاول أن
تتجاهل نظراته وضحكته والمحاوالت بح ِق سلطان شديدة الفشل والحرج .
بهمس : الجوهرة
لم ترد عليه وهي تغرز وجهها في الوسادة وتُغطي كامل جسِدها بالفراش،
أردف بعد أن رأى الصِّد : تصبحين على خير





،
ُمجعَّدة، يُريد الخروج ما عاد
يرمي كل شيء أمامه وهو يرتِدي مالبسه ال
ريد أن أنظر لها، أن أشعر بها، أن أصرخ وأقول "
ُ
به قَّوة للتحمل أكثر، أ
هذه والله غادة " ليست من األربعين الحمقى الذين تشب ُهوا بها ، ليست أحٌد
َّود أن أسقط لعناقها كما لم أعانقها من
والله سرق ظاللها ، إنها هي غادة أ
ُمتغطرسة التي
َّود أن أب ِكي على صدرها وأتخلص من الشرقية ال
قبل، أ
تأبى الدموع، يالله كم كان عقابِي شدي ًدا في الوقت الذي تفاخر ُت به بهذه
الشرقيَّـة ، كم كان فخِري مدعاةً للحزن وللسخرية وأنا أبكيك اآلن .
ي وإن جفَّت ف ُهناك قل ٌب يبته ُل بِك، ال يرى من النسا ِء إال أن ِت ، يا
عينا
ر به القل ب ،
مخملية العين ين التي أشتهيها، يا الح ُضور البهي التي يخض ُّ
يالغياب الِذي يُشارك الموت في مفرداتِه، يا الصباح الزا ِهي يشتَّ ُق من
غيابِك ش ُحوبِه .
خ َرج بإضطراب خطواتِه وهو بجنُون يُفكر أن يسير على أقدامه لباريس
إن صعب عل يه األمر، يُريد أن يغمض عين يه ويفتحها وهي أمامه،
ياللمجانين الذين يري ُدون أن يهذبُون قلبي وأنا مي ٌت بِك ؟ يا للمجانين الذين
يم ُحون البكاء وأنا عينا ! ي مسامات ال تيبس
مِّر من اإلستقبال ال ج من المستشفى و سما ُء الرياض الجافـة ُملتهي ليخر
مازالت تُمارس قمعها لقلبي الذي يتُوق للبلل.
في مثل هذا الفجر، في مثله قبل سنوات.
غادة : وجهة نظرك خاطئة ماله عالقة بالرجولة !
ناصر : هذا اللي ناقص !! أنا الرجال اللي يبكي قدامي يطيح من عيني
غادة تنظ ُر لفجِر زاحم الغيم : يالله يا ناصر! والله أنك تكذب باريس الذي يُ
مستحيل ما قد بكيت
ناصر : إال بس ما أبكي يعني أدِِّمع أحيانًا لكن أني أبكي وأنهار بصراحة
ال و هالشي عندي عيب
غادة : يعني بينقص من رجولتك أنك تبكي ؟ بالعكس الرسول صلى الله
عليه وسلم والصحابة كانوا يبكون أحيانًا





ي ناصر ماأحب البكي وال أحب
: صلى الله عليه وسلم لكن أنا بالنسبة ل
أشوف رجال قدامي يبكي
وبضحكة أردف : البكي مخلينه لكم يا رقيقات
خرج للشارع الرئيسي وهو يوقف إحدى سيارات األجرة ، لو تعلمين يا
ُحب البكاء يو ًما
غادة كم تغيَّرت قناعاتِي منذُ بات ال أن غب ِت، أنا الذي لم أ
يمُر يو ًما ُدون أن أس ِجد ببكائي من جنُون شوقِي إل يك .
،
إتصاله ، أخرج ورقـة بيضاء من الدرج
حك جبينـه ، لم يأتِه النوم منذُ
" عبدالرحمن " يُنقش
ثقيل على البياض، افرا ٌد مشتتة و إسم
ٍ
ليرسم بوقع
سلطان " تن َّهد لتختلط أفكار شديد
"
ٍن بطرف الورقة و يوازيـه إسم
ه بغثيا .
رفع هاتفه الذي يهتز : هال . . . هههه ضحكتني وأنا ماني مشتهي،
تستهبل معي وال كيف ؟ . . . طيب . . تعرفون أنكم تلعبون مع الشخص
الغلط ! بمجرد ما توصل لجهاز الرياض راح يتحرك اللي أكبر من
سلطان بن بدر وساعتها مدري مين اللي الزم يفلت ! . . طبعًا ال أنا
أحاول ألقى نهاية لهالمسألة بما ال يضرني وال يض ِّرك . . . . . . وتحسب
بدآ يشك وسلطان بعد بدآ يشك . . . . . .
عبدالرحمن بيسكت ؟ هو أصالً
أنا مايهمني كل اللي تقوله اللي يهمني أنه ما ينداس على طرف واحد من
اللي يعزهم عبدالرحمن . . . إيه نعم يؤسفني هالشي يا حبيبي . . . .
عبدالرحمن وأهله خط أحمر وماأبغى أعيد هالحكي مرة ثانية.
مقرن دَّورت على ملف قضايا




أغلقه بهُدوء لينظ ُر لرسالة متعب "
ومالقيتها، بس تصحى أرسلي مكانها "
ُمثقلة " في أرشيف الدور الرابع
ٍ
مقرن تن َّهد ليكتُب له بأصابع ."
،
ترك ضيء في ريـبة من أمرها ومن خلفها عبير التي بدأت تُخِِّمن بعين يه





ُمتسائلة عن ما يح ُدث، أبلغ الشر َطة ولكن األمور تفل ُت منه في وق ٍت
ال
ِّي سيارة تحمل هذا الرقم،
ٍو من أ
يُخبره رجل األمن أن الطريق بأكمله خا
ُّي أرض تحمل ُخطاهم المسكينة التي لم
أين ذهبُوا في هذه الساعات ؟ أ
ترى يو ًما أبيض! ال هاتف يستطيعون الوصول إل يه وال رقم يستطيعون
مراقبته لمعرفة أين هُم ! سيئـة األجواء واألكثر سو ًء هي الظروف. في
ُمنتصف الشارع بعد أن تم إغالقه والمطر يُبلل أجسادهم : إذن ماذا ؟
:يا سيدي إننا نفعل كل ما بوس ِعنا واآلن يتم البحث في الناحية األخرى من
المدينة
عبدالرحمن مسح وجهه ال يستطيع التفكير أكثر، الرماديـة تغشاه والضباب
أن سمع صو ُت
يُخبره بأن ال أح ًدا تنتظره. لسانه يبتهل بالدعوات منذُ
عبدالعزيز المرتبك .
:هل بإمكاني أن أرى آخر مكالمة له ؟
عبدالرحمن : مسجلة في البريد الصوتي .
ٍن :حسنًا ، سمع صو له ،
تُه وهو ال يفهم العربية تما ًما ، سنرى آخر مكا
دقائق عريضـة ُممت َدة تسوء على قلوب الجميع ُدون إستثناء. أتى الشاب
ِويغ ( بجانب مصبَّات النهر
اآلخر بلكنة فرنسية بحتَة : اإلشارة عند ) إست
ينظ ُر عبدالرحمن للطريق ذاته : نح ُن هنا !
.. الشرطي : ُربما تقدُموا ل سنتجه في ناحية الطريق ذاته
ألمام قليالً
ركبَا السيارة التي تسي ُر بمثل الطريق ، أعينهم الشاردة تبح ُث بكل بُقعة في
هذا الشارع التي على جانب يه األر ُض الخضراء ال . ُمصفَّرة
ال ُشرطي بصو ٍت متزن وبإنكليزية ُمغلظة : تم إبالغ ُشرطة الميناء
بفقدانهم، أمُر الحادث واقع ال ُمحالة لن يستطيعُوا السيطرة على السيارة
التي تسير بسرعة مثل ما تم تحديدها


كيلومتر في الساعة ، معنا
ُمسعفين في حال كانوا أحياء ولم يحصل لهم شيء.
،
لقلي ٌل من البرد. د َخل
الرياض البا ِكر، الجُو يعتدل مائِالً
ِ
في صباح





ُم المستشفى ُمتج ًها لغُرفته ، أ رتب
تسعت محاجره من السرير الفارغ ال
ويتضح أن ال أح ًدا نام عليه ليلة األمس ، أتجه لإلستقبال : بسأل عن
المريض ناصر الـ .. لم يُكمل إسمه من مقاطعته له : إيه لألسف مالقيناه
موجود وتوقعناه طلع حتى كنا نحاول الوصول لرقمك عشان بعض
األوراق المحتاجة توقيع
فيصل رفع حاجبه : كيف طلع ؟
:آعتذر بس
قاطعه فيصل بعصبية : هذي مسؤولية المستشفى كيف مريض يطلع بدون
ال تتم إجراءات الخروج !!
:أخ فيصل إحنا مـ
فيصل : آل آخ وال زفت أنا راح أشتكي عليكم .. هذي


إعدادات القراءة


لون الخلفية