الفصل 77

الغاضب.
يقرأ األرقام وأسمائها وعينيه تشتعل غضبًا وهو يقرأ بع ُض األسماء
المشبوهة، كتب رسالة لعبدالرحمن " خل مقرن قدام عينك وبس تشوف
رسالتي أتصل عل " ِّي ضروري
،
يُقاطعه وهو يقف أمامه : بس أنتظر
ناصر بغضب ونظرات حادة : أتركني
فيصل : طيب أنا أوديك بنفسي
ناصر : فيه طيارة الليلة من البحرين وأنا أبيها !!
فيصل : أبشر أنا أطير لك الحين للبحرين .. بس خلني أنا بنفسي أوصلك





ناصر بحدة : توصلني ؟ بزر قدامك وال وش سالفتك
فيصل بجديَّة : طيب قدامنا طريق
ساعات ماعلى نوصل البحرين و
بنلحق إن شاء الله
ناصر : حجزت وخلصت .. بالمناسبة يعني
فيصل بهُدوء : إيه عارف .. خالص أنا بمشي معك أوصلك بس للبحرين
ناصر ألتزم الصمت لثواني ليُردف : طيب .. وخرج مع فيصل الذي تن َّهد
براحة .
،
َصل له " بكرا بيكون ناصر بباريس، مِِّهد لها " أخذ نف ًسا
يقرأ رسالة في
ا يشعُر بتأتأة ال ُحب في قلبه وهو يحاول أن يُدافع
ِ عميقً
ويسقط في فخ
الواقع، نظر إل يها وهي تسير على رصيف الميناء تتجاهله تما ًما، شخصيـة
غادة الجامعية ذات عنفوان الشباب عنيفة إتجاه الغرباء أمثالي، ياللسخرية!
اآلن أصبحت غريبًا عل يها .
سار بجانبها : غادة
غادة ُدون أن تلتفت عليه : نعم
وليد : خلينا نرجع ،
غادة : بروح شقتنا
وليد : شقتكم الحين اكيد ماهي موجودة !!
غادة بحدة : مالك شغل فيني .. أنت دكتور وال وش ؟
وليد تن َّهد : طيب زي ماتبين
غادة سارت بإتجاه طريق ريفُولي الذي يبدأ بمنطقتهم السابقة، كلماتها
تخد ُشه كثي ًرا، يَّود أن يصرخ عليها ويُخبرها أنه وليد الذي يُحبك وأن ِت
ُمستعجلة و َصلت لعمارتهم
ُكن ِت تعلمين بذلك. بدقائِق سريعة وبخطواتها ال
ِن عبدالعزيز، تُكرر إتصاالتها كثي ًرا
وبنهاية الشارع تسي ُر أثير القلقة بشأ
. يوم ين، يالله ! ماذا يح ُصل معه
والجوال مغلق منذُ
وقفت وهي تسمع الصوت الذي يُشير للبريد الصوتي : عزوز أنشغل بالي





ِّي
وينك فيه من يومين ال حس وال خبر .. بس تسمع هالرسالة أتصل عل
ضروري.
نظرت للعمارة التي ب ُمقابلها، تذَّمرت من نفسها ماذا تفعل أن تذهب وهي
تعلم انه ليس هُنا ، تراجعت لتعود من حي ُث ما أتت.
في جهٍة كانت غادة تطرق الباب وال أحد يُجيبها.
وليد : شفتِي ؟ خلينا نطلع
غادة تنظ ُر للباب الذي يقابلهم : هنا أم نادر جارتنا..
وليد تن َّهد : العمارة فاضية يا رؤى .. أقصد يا غادة...
غادة تنظ ُر للحارس الطاعن بالسن : جورج ... !!
جورج الذي كأنه سينصرع بمجرد أن رآهآ : أوه ماي قود .. ماذا يحدث
هنا ؟
وليد أبتسم على منظره : مرحبا
جورج بتهويل : كنت أعرف أن األموات يعيشون بعد زمن
وليد : هذه غادة ..
جورج يهرب بخطواته نحو غرفته ليُتمتم بكلماته ال تُفهم منها سوى "
يسوع " ..
غادة : يحسبني ميتة ؟
وليد : أختفي ِت سنة أكيد الكل بيحس نفس إحساسه ، خلينا نمشي
غادة بإحباط رحلت وهي تمُر من العمارة األخرى : هنا كان يعيش ناصر
،
َّت ركعت ين ُشكر ومثل مافعلت تما ًما ضي، يالله كيف يفل ُت منَّا كل
صل
الله، كيف نظ ُّل نعصيه ُرغم النعم التي تُحاصرنا من
شيء وتبقى رحمةُ
س أنفسنا بالذنب ونح ُن نعرف أن كل شيء
كل جانب، يالله كيف فقط ند ُّ
و شاء أن يخس ُف بنا فعَ . بيِد الله ول ل. يالله ماارحمك
عبير : الحمدلله .. أهم شي أنهم بخير





ضي أبتسمت وعيناها تتألأل : الحمدلله .. الحمدلله يالله
في جهٍة أخرى من باريس ينظ ُر لألطباء الداخلين والخارجين، اإلنتظا ُر
هذا يقتله، يستعُد أن يفعل كل شيء بوجه الحياة إال اإلنتظار الذي يجعل
أقدامه على ح َمٍم تُثير الف َزع.
أتجه نحو غرفة عبدالعزيز ليطمئن عليه بعد أن خرج الممرض من عنِده،
تما ًما، إصابا ٌت طفيفة
ٍ
دخل بخطوا ٍت خافتة حتى ال يُزعجه ولكن كان واع
ُمغطى بشا ٍش أبيض وصدِره الملتَّف حوله الشا ُش
تعَّرض لها، رأ ُسه ال
ليالً من أنهُ ال شيء أكب ُر من ذلك ح َص . أي ًضا يجعله يطمئن ق ل له
ِل جبينه بكل إمتنان : الحمدلله على سالمتك
أنحنى له ليُقبِّ
عبدالعزيز بصو ٍت مبحوح : الله يسلمك ..
وخانتهُ الب َّحة لتتقطع بصوتِه : رتيل ؟
عبدالرحمن : الحمدلله هي بخير ...
عبدالعزيز يستعي ُد اللحظات األخيرة التي تمُر على رأسه الذي يشعُر بأن
يُ َّحط عل يه. كان الطري ُق مغلق تما ًما لم أستطع أن أنحني جانبًا
طينًا ثقيالً
كان ال بُد أن نصطدم بعرب ِة النقل ، عينيها التي أغمضتها بش َّدة مازال
يشعُر بأنه ينظر إل يها ، أنحناءه لها وهو يفتح لها الباب حتى تخر ُج من
م في وق ٍت كان بابِ السيارة قبل اإلصطدا ه بجانب األسالك التي ال يستطيع
أن يعبر عبرها، رفضها أن تخرج من السيارة وهي تخف ُض رأسها ال تُريد
ِي لهاتفي الذي كان أثق ُل
أن ترى شيئًا. لم أستطع أن أفعل شيئًا سَوى رمي
شيئًا إتجاه الزجاج األمامي حتى يتك َّسر قبل أن يتك َّسر بمالِمحنا ويعجنها،
يا رتيل، لم ت ُكن
رميتهُ ع َّدة مرات حتى تك َّسر قليالً ، لم ن ِعش يو ًما جميالً
أيامنا جميلة معًا ، لم نستطع أن نستمتع بالصباح معًا ، لم أستطع أن أرى
عينا ِك وهي تستيقظ، لم أستطع أن أمسك يِدك أمام الجميع ونسير معًا، لم
ولم أست ولها لنفسي، لم
أستطع أب ًدا أن أقُول ل ِك " أحبك "
طع حتى أن أقُ
أستطع أب ًدا! في الحادث األول ُكن ِت هنا، سمعتها من ِك، سمعتها جي ًدا ومنذُ
يومها أنا الأنسى نبرةُ صوتِك، أعترف ِت ب ُحبك في وق ٍت تجاهلت هذا
َ
اإلعتراف، في هذا الحادث أي ًضا أعترف ُت لنفسي وأنا أتجاهل هذا أي ًضا، ِلم
نُكابر على كل حال ؟ ِل ذلك
الحوادث ترتبط بقلب ينا ُرغم أننا ننبذُ
َ
م .





ِح نفسك ونام ، التفكر كثير
قطع تفكيره صوتُه : ريِّ
عبدالعزيز أستجاب ألمره وهو يحاول أن ينام بعد أن أنقطعت أنفاسه
بالساعات الماضية.
،
ينظ ُر له بضحكة بعد أن غرق تما ًما بصخب ضحكاتِه ، أردف : فحل
ماشاء الله عليك
فارس يتجه نحو مكتبة والده : بقرآ كتاب أسهر عليه الليلة
رائِد : فويرس ..
ُمحرجة له : تصبح على خير يبه
فارس يحاول أن يقطع أحاديث والده ال
رائِد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب يا ولد
ي تحميها!! يخرب بيت عقلك بس
موضي .. قلت ل
فارس ألتفت عليها : طالع على أبوي
رائِد بإعتزاز : والله فخور فيك لكن طبعًا مانيب راضي
ُّف أسنانه : على قلبي يا ولد الجوهي
فارس أبتسم حتى بانت ص
رائِد بمثل إبتسامته : طيب .. وش قررت بموضوع بنت عبدالرحمن ؟
فارس : اللي قلته لك ماعندي غيره
رائِد : طيب يا مشعل المح َّمد
ًوا ؟
فارس رفع حاجبه بدهشة : عف
رائِد بإبتسامة ذات معنى عميق : الله يسلمك هذا اإلسم ما ين َّرد عند
عبدالرحمن
فارس بسخرية : تبغى تزِِّور إسمي عشان يقبل فيه عبدالرحمن !! مستحيل
يبه
رائِد : ماهو مستحيل! بتروح مع أبوك محمد .. وبتخطبها وطبعًا بيسأل
عنك وكالم الناس ينشرى .. كل شي جهزته لك ... أخرج من جيبه بطاقة
الهويـة المزَّورة والجواز.
فارس ضحك من دهشته ليُردف : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه





غير أبيه فالجنة عليه حرام
رائِد بهُدوء : ماشاء الله على ولِدي المتفقه بأمور الدين، يشرب ويكلم بنات
ويقولي والله حرام يبه التزوير !!
فارس تن َّهد بغضب شديد : يبه مستحيل تنسبني لواحد ماأعرفه
رائد : ماله عالقة فيك، راح تتزوج وتسافر تنقلع ألي ديرة وتصرف زي
ماتبي
فارس : هالشي ما يمشي معي بعدين كيف ! يعني .. أستغفر الله بس ..
العقد بيكون باطل
رائد : آل مايكون باطل دام الشروط كاملة فهذا شي عاِدي ، طيب اللي
يغيرون أسمائهم بعدين تحسبهم يتطلقون من زوجاتهم ! طبعًا ال و مافيه
شخص إسمه مشعل المحمد .. يعني إسم وهمي معناه فارس رائد الجوهي
ِّي ؟
.. لو أنه فيه شخص بهاإلسم كان ممكن يطلع عقدك باطل .. فاهم عل
فارس : يبه أنت على كيفك تتالعب باألمور الشرعية
ِّي شيخ وقله لو طلع اإلسم مزور
ِر حكي .. وروح أسأل أ
ِّ
رائِد تن َّهد : آل تكث
ماحكم العقد بيقولك صحيح ألن الشروط كاملة ويتوجب عليك أنه تسوي
عقد ثاني عشان اإلسم لكن زوجتك تبقى زوجتك
فارس : ال يبه مستحيل هالشي يصير! أصال بيكشفنا بسهولة ال تنسى
هالشي
رائِد بإبتسامة : الحين هو الهي ماهو يِِّمك، بيسأل عنك في الرياض وأنا
رتبت لك كل الناس و أنت ماشاء الله عليك دكتور وين يرفضك ؟
فارس: دكتور ؟
رائد بضحكة : معاي شهادة تثبت هالشي وكشف حساب يثبت بعد وظيفتك
المحترمة .. رجل تتمناه كل بنت وزي ماوصلني أنه بنته كبرت أكيد
ماراح يوقف نصيبها ال عرف عن سمعتك
ِّي خرابيط و اصال مين بيكون عارفني عشان يسمع
ِّي سمعة أ
فارس : أ
عن سمعتي
ِح عين تلقى الرياض تحكي عنك
رائِد : غمض عين وفتِّ
فارس : جد يبه منت صاحي !!





رائِد : بكرا العصر أنت عنده في باريس، تخطبها منه أنت وأبوك *أردف
كلمته األخيرة بضحكة ساخرة*
فارس : طيب وإذا كان يعرف شكلي!
رائد : مايدري عنك !! كيف بيعرف وأنت أصال ماتطلع بالشارع زين
يعرف أنه عندي ولد
فارس تن َّهد ليُردف بشك : أنت تعرف مع مين في باريس ؟
رائد ُدون إهتمام : مع بناته يراقبون الوضع بس ماعنده ماعند جدتي..
فارس : وزوج بنته ؟
رائد : يقولون أنه مسافر ولد سلطان العيد
فارس أطمئن على عبدالعزيز ليُردف : طيب ..
ِّي ، ملف
رائِد : المهم أنت يا عريسنا ج ِِّهز نفسك وكل الشغل خله عل
حياتِك وماضيك عندي وكل شي ممكن يخطر على بالك لقيت له حل .. أنا
خبرتي ماتروح عبث !!
،
في ساعات الليل المتأخرة تسي ُر مع ضي على الرصيف ُمتجهات للفندق
بعد عودتهما من المستشفى ، عبير : خلينا نآخذ قهوة نصحصح عليها
ُمقابل لتطلبَا على عجل ُدون
ضي : إيه والله محتاجين .. دخلتَا المقهى ال
ا بهُدوء
أن تجل . َسا ، أنتظرتَا وقوفً
ًما على أصحابه، عاد خطوتين لينظ ُر
النادل الذي يبدأ دوامه فج ًرا د َخل ُمسِل
لعبير في جهٍة كانت عبير تنظ ُر إل يه بريبة من نظراته ، تق َّدم لها : مرحبا
عبير بتوتر : أهال
النادل : معي شي ٌء خاص بك
ضي بإستغراب : لك ؟
عبير هزت كتف يها بعدم فهم ، النادل يُخرج المنديل من جيبه ويُقِِّدمه لها.
. ُط أخذتها لتقرأ الخ ذو اللون األسود المزخرف
ضي أبتسمت : معجبين ماشاء الله
عبير شعرت بأن أنفاسها تختنق، هذا الجو يضي ُق عليها لتضعها في





حقيبتها بع َجل بعد أن قرآها بإنسيابيـة: خلينا نطلع
ضي أخذت قهوتهَما : وش فيك ؟ تعرفينه ؟
عبير بربكة تبح ُث عن كذبة رقيقة تُقنع ضي : آل ، بس .. من جيت باريس
وهالرسايل تجيني
ضي : آهآآ ..
تستعي ُد بذاكرتها ما قرأتهُ للتو وتقف عند " أيتها اللماحة الشفافة العادلة
، وأنا أشهُد أن ال رجالً
الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله "
يجتم ُع عليه صم ٌت متواصل
يُرضي غروري إالك ، أشهُد أن ال رجالً
يُحيطني برجولته كأنت ، أشهُد
وحدي ٌث ال ينقطع إالك ، أشهُد أن ال رجالً
ِي أنتمي إليك،
يسر ُق ضوء القمر ويضيئني كأن ت ، أشهُد أنِّ
أن ال رجالً
ِي أرغ ُب بإحتالِلك
ريد الحريـة ِمنك وأنِّ
ُ
ِي ال أ
أستعمرتني تما ًما. أشهُد أنِّ
ي ، أشهُد أني أحبك بقدر ما قِيلت هذه
الكامل ل أتينا على هذه
الكلمة منذُ
الدنيا .
،
ُمغرية : أرجو ِك
يتو َّسل الممرضة بلكنته الفرنسية ال
الممرضة الحسناء : حسنًا ولكن لن تُطيل المكوث
عبدالعزيز بإبتسامة : شكًرا لك
الممرضة تأ ِت بال ُكرسي المتحرك له ، ليجلس عليه ِب رداء المستشفى
ال ، أتجهت به نحو الغرفة المجاورة، دخلت بهُدوء ُمنقَّط الذي ي ِصل لركبت يه
وخرجت لتتركه معها .
ي في الرياض، نح ُن نتشارك
مثل ما فعل ِت تما ًما يا رتيل، مثل ما تسلل ِت إل
بكل شيء ولكن الحياة ال تُريدنا أن نتشارك. يالهذا الواقع!
نظر إل يها، خدوش بسيطة على جبينها ووجهها ، يل ُف يد يها جبيرةٌ بيضاء،
" َه ل النِفرا ِط
ِص ُل قتله ،
تب ُدو شاحبة فقدت دما ًء كثيرة. هذه السمراء توا
َخشى َعلي ِك،
َف الأ
َخ َشى علي ِك، وكي
ُء ُج ر ُف ، أ
َسمرا
في ِعيني ِك يا
ِ
الموج
ا وهو يتأملها ُدون أن ينطق شيئًا سَوى قلبه
ن ِت َع ز ُف " أخذ نف ًسا عميقً
َ
وأ





الذي يبتهل ويُثرثر. " ِش حتى وأنا أمامك أكابر اآلن. لوهلة أشعُر ت ! "
بأنِي خلقت من حجر.
حركت رقبتها المثبَّتة بحا ِمي الرقبـة ، يب ُدو أنها شعرت به . . . .
ِز من أمامها، تُغمضها تارةً وتفتحها كي
فتحت عين يها بإنزعاج ُدون أن تميِّ
تستوعب الضوء الذي يدخل عليها من كل جانب . .
لجافت ين بلسانها حتى تن . . ُط بللت شفت يها ا ق
،
ر َجع على أطراف الفجر بعد أن أستغرق اليوم بأكمله في العمل، يبح ُث
بالسجالت وبملفا ٍت ضخمة تمتلىء باألوراق والحبر ، بدأ يسترجع ما
حدث المغرب حين قرأ الرسالة في مكتبه " سألت لك الشيخ وقال عليك
كفارة اليمين ألنها تدخل بمعنى اليمين لكن لو بنية الطالق فال يجوز لك
ِتك الطالق فما عليك اال كفارة اليمين "
وأنت قلت لي أنه ماكانت في نيِّ
وتحدي ًدا بعد صالة العشاء أتجه للجنة الخيرية حتى يتصدق بالطعام عن


مساكين وتسقط عنِّهُ الكفارة ، شتت أفكاره المضطربة ليضع يِده على
مقبض الباب، شعر بأن قلبه اليستقيم بالتفكير، مَّرت دقائِق طويلة وهو
ا ليدخل بثرثرة
أمام الباب، شعر بحركتها بالداخل لم تنَم بعد. أخذ نف ًسا عميقً
ِي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي
من حقِّ
عميقة مع روحه "
الوفاض، ...... " لحظة" !!!
.
.
ي أنتهى ، نلتِقي إن شاء الله يوم الخميس الجا
. ()
عنِدي إختبارات هاألسبوع ماراح أفضى ذهنيًا ليوم اإلثنين. لذلك راح
نلتقي الخميس إن ربي أراد .





.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم()$:
التحرمونِي من صدق دعواتك م و جنَّة حضورك م.
ب ُمستضعفين في ُكل م
ُّ
و ال ننسى أخواننا المسلمين ال كان أن يرحمهم ر
ِط علينا
ِّ
العباد و يرف ُع عنهم ُظلمهم و أن يُب ِشرنـا بنصر ُهم ، اللهم ال تسل
ُمسلمين
ِوك وعدونـا و أحفظ بالِدنا وبالد ال
عد .
أستغفر الله العظيم وأتُوب إل يه
ال تشغلكم عن الصالة
*بحفظ الرحمن.
السالم عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة()
ُوب الجميلة، تسعُدوني وتخجلوني دايم بلطفكم
ح ِّي هالناس الطيـبة وح ِّي القل
وكرمكم، الله يرفع من قدركم وكل من س َّجل عشان الروايـة أتشرف فيكم





" فيكم و
" يا ُكبر حظي
كثير شخ َصة شخ َصة :$)( ممنونتكم و زي دايم
قرأني والحمدلله أننا قدرنَا نو َص الحمدلله على هاألعين اللي ت ل ل ُجزء بعيد
من الروايـة. ج ًدا ج ًدا ممتنــة.
المد َخل للـ . ُمتنبي
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
و لكن من يبصر جفونك يعشق
أغرك مني أن حبك قاتلي
و أنك مهما تأمري القلب يفعل
يهواك ما عشت القلب فإن أمت
يتبع صداي صداك في األقبر.
أنت النعيم لقلبي و العذاب له
فما أمِّرك في قلبي و أحالك.
و ما عجبي موت المحبين في الهوى
و لكن بقاء العاشقين عجيب.
لقد دب الهوى لك في فؤادي
دبيب دم الحياة إلى عروقي.
َي فيما عشتما هل رأيتما
َخليلَ
قتيال بكى من حب قاتله قبلي
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
و ال رضيت سواكم في الهوى بدالً .
فياليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر.
عينا ِك نازلتا القلوب فكلهـــا
ِل
إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــ .
و إني ألهوى النوم في غير حينـه
لـــعـل لـقـاء فـي الـمـنـام يـكون.





و لوال الهوى ما ذ ِّل في األرض عاشـق
ولـكن عـزيـز الـعاشـقـيـن ذلـيل.
رَواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
، بقلم : ِطي ش!
ال ُجزء )

)
ِي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج
من حقِّ
يدخل بثرثرة عميقة مع روحه "
خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! منذُ متى وأنا أفكر بهذه اإلستغاللية ؟ بأن
أفرغ حقِدي بهذا ال ُرخص ! أن آخذ حاجتِي التي ُحرمت منها وأتركها،
ي بها ، هذه الحركة القذرة
أتركها لهذه الدنيا تواجهها كيفما تُريد ال دخل ل
التي ألطخ نفسي بها من يستحقها ؟ مللنا من المثالية والمبادىء الزائفة ،
هذه المبادىء لم تجعلني سعي ًدا ولم تجعلني أظف ُر بما أريد، بائسة هذه
المبادىء والقناعات وأنا اآلن على أتِم إستعداد أن أعلن تنازلي عنها، أعلن
تنازلي عن سخافا ِت عقلي، ومن حقي أن أأخذ حقي الشرعي من هذا
الزواج وإن كان يُزعجها فهو يزعجني أكثر منها .
فتح الباب لتتقدم خطواتِه نحوها، رفعت عينها وهي ُمتربعة في منتصف
السرير وبين يد يها إحدى ال ُكتب التاريخية التي تح ِكي سيرة العهد العثماني.
سلطان : مساء الخير
الجوهرة بخفوت : مساء النور .. أعادت نظرها للكتاب ُمشتتة ولم تستطع
ُمتأمل بها، تشعُر بالسهام
ِّي سطر و َصلت، تحت أنظار سلطان ال
التركيز بأ
التي تخر ُج من عينيها وتخترقها. أطال وقوفه وأطال بضياعها، رفعت
قلبها بقُربه
ُ
عينها مرةً أخرى محاولة لمسك زمام ربكة .
وقفت لتتجه ناحية الباب، أن تجتمع معه تحت سقف وا ِحد سب ٌب للتكهر ب
ا وأضاعت
ال أكثر، مسكها من معصمها وهي تِِّمُر بجانبه. أخذت شهيقً
الزفي ُر من بين شفت يها، تشعُر كأنها تركض محاولة الظفر بالزفير هذا هو
تعبيرها عن اإلختناق الِذي يسيطر عليها بقُربه، سحب الكتاب ووضعه





على األريكة : أظن تعرفين بالشرع أكثر مني
الجوهرة بعدم إستيعاب تاهت نظراتها.
سلطان بهُدو ٍء متزن : زي ما لك واجبات عليك واجبات بعد .
عت ريقها الجاف لتُردف بصو ٍت ُم ال ُجوهرة بل رتبك : ما ينطبق علينا
هالشي
سلطان يُجاريها بمثل التيَّار الذي تغر ُق به : وش ينطبق علينا ؟
ال ُجوهرة تشعُر بأنها تبتلع لسانها، شتت نظراتها ال رد لد يها.
سلطان رفع حاجبه : وين وصل ِت ؟
ُطق : ال
تحشرجت محاجرها وهي تن
تفاجىء، لم يتوقع أن تنطقها ُدون أن يمنعها خوفها، أردف بمحاولة
إستفزاز أعصابها : وش اللي ال ؟
ال ُجوهرة : واجباتك مهي معي
سلطان أمال فِمه : ومين معه إن شاء الله ؟
ال ُجوهرة ببرود عكس البراكين التي تفيض بقلبها : الشرع محللك
تزوج
وخذ واجباتك منها
ترك معصمها ليُردف : يعني موافقة أتزوج عليك ثالث مو وحدة ؟
َما رضي ت بأن يُشاركني
لو كنت مع أكرهُ شخص على وجهُ هذه الكون ل
معه أحد كيف معك يا سلطان ؟ ، تشعُر بأن الدمع سي ُخون خامة صوتها
ويُبللها : طلقني و سِّو اللي تبي
سلطان بحدةِ الكلمات التي تجاور بعضها البعض وتش ُطر قلب األنثى التي
أمامه : كل مَّرة أكتشف فيك شي سيء، حتى قراراتك تجي بدون تفكير ..
ِّي قرار جاء بدون تفكير؟ طالقي منك مفكرة فيه
ِل حدته : أ
الجوهرة بمث
وحتى مفكرة بحياتي بعدك ..
ُك : مالك حياة بعدي
سلطان بتمل
ها تُخفف بعض من
ال ُجوهرة تضغط على شفتِها ال ُسفليَة بأسنانها عل رعشتها َّ
ِف عمتك ضدك وأقدر أوقف أبوي ... لكن
: مو أنت اللي تقرر !! أقدر أوقِّ
إلى اآلن أحاول أحترم قدرك عندهم عشان ما ينصدمون بأفعالك
سلطان أبتسم بسخريَة : تهدديني ؟ خسرانة يالجوهرة مهما حاول ِت، إن





كان عندك ورقتين ضدي فأنا عندي أكثر ..
ال ُجوهرة أغمضت عين يها لثواني طويلة حتى نظرت إل يه : بمفهومك
الجاهلي أنه البنات دايم خسرانين
سلطان : البنات!! أن ِت من فئة البنات ؟
ال ُجوهرة بلعت غصتها لتغ ِّص محاجرها بالدمع، تألألت عين يها أمامه، لن
ت ِجد أقسى من هذه الكلمة وهي تعب ُر لسانه ببرود، لن ت ِجد أقسى منها أب ًدا.
ُم أخفضت ر نسِدل على الجانب ين، بكت ولم تخشى
أسها ليُواسيها شعَرها ال
أن تب ِكي أمامه كالمَّرات التي تحاول بها أن ال تضعف ، هذه المَّرة أريد أن
أضعف، أن أب ِكي ، أن تفلت دموعي من محجِر عيني. يا قسوتِك! ويا
حنيني بقُربك. كيف تنهمر الكلمات بزوائِدها الحادة ُدون أن تجرح لسانِك ؟
ُدون أن تتكَّور كـ غ َصة تس ُد مجرى تنفسك! كيف يا سلطان ال تقتلك
ِري وتغمس يد يك بالملح حتى
ُط مصيرك بمصي
الكلمات قبل أن تقتلني؟ ترب
تُمِررها على جروحي! ج ُروحي التي بق يت لسنوات غائِرة مك ُشوفة، لم
تسترها ولم تداويها! بق يت كما أن ت وبق يت كما أنا . . خط ين متجاور ين ال
يتقاطعان وال يسيران معًا.
رفعت عينها المنزلقَة بالدمع وبنبرةٍ باكيَة : وأنا كل مَّرة أكتشف أنك ما
تِِّمت لإلنسانية بصلة، تبي تقسى !! أنا أقسى معاك!! مثل ما تسوي يا
سلطان بسوي ! مثل ما تحلل على نفسك أنا بحللها ومثل ما تحِِّرم على
حِِّر . نفسك أنا ب م على نفسي
سلطان ببرود يُناقض النار التي ت ِصل ألعضاءه التنفسيَة : وش بتحرمين
على نفسك ؟
ِّي ِمنك،
أبتعدت عدة خطوات للخلف، مهما تظاهر ُت بالقوة أظ ُل أخشى عل
أظل أخافُك كما لم أخاف من أحٍد قبلك .
سلطان يقترب ب ُخطاه وبنبرةٍ ُمتحديَة : قوليها! وبعطيك درس في أصول
التحريم
الجوهرة بضيق : أبعد.. خلني أطلع
دها من خصرها الغ ِّض وهو يغرز أصابعه بها
ُك َساِدي يش ُّ
سلطان بتمل
ليهمس عند إذنها بنبرةٍ و َصلت لها بسخريَة في وق ٍت كان يعنيها سلطان





بجديَّة : دايم تخس ُرون يا بنت .
أعادها بخطوا ٍت حتى أرتطمت سيقانها بالسرير، أفلتها من قبض ِة أصابعه
لتسقط بس ُكون الليل على المفرش ال ُس َكِري، الِذي يعك ُس شفافيَة دمعها،
َسمعت عن مرض العين؟ أن تش ُحب
أشعُر بأن قلبِي يب ُهت بإصفرار، أ
َّو ُث قلبي يا سلطان
بلونها حتى يسق ُط لونها الطبيعي في القلب ويغرق، يتل
كثي ًرا وأنت تزيدهُ. " غر َزت أصابعها في كلتَا كفيَّها على المفرش " ُكنت
ي حجةٌ
ُموت ولكن ليس بهذه الطريقة الرخيصة. لم تترك ل
أنتظر أن أ
ُسامح.
ُخبرك بها أنني عنك أعفُو، وعن قلبي الذي بين يد يك أ
وا ِحدة أ
ِصل
ِصل إستحاللك على جسٍد يراك في هذا الكون ُكل الكون، توا
توا
ج َّمدت الحياة بعيني ولم أست َط إستعمارك لخاليا الحر َكة فيني حتى ع، لم
ِن أن أتجاوزك، أن أتجاوز عثراتِي، مللت البنيان على
أستطع يا سلطا
التزييف، هذه ليست شخصيتي، هذه ليست أنا، هذه ُجوهرة سلطان، أنا
، أنا شرعيتُك الباطلة، أنا عقيدتُك في ال ُحب
لعين يك " الولعانة "
ـةُ
َ
التابعيـ
وأنت الحاكُم والظالم. أنا اإلنتما ُء لقلبِك، لتشعُ ِب صدرك، أنا ُجوهرتِك بينما
أنت ! لم ت ُكن يو ًما تخ ُصني وحِدي، لم ت ُكن عيناك الداكنة تُريدني، و حين
قيم
ُ
أرد ُت اإلتكاء بين عين يك عجنتني بعُقدة حاجب يك ، حين أرد ُت أن أ
الثورة على قلبِك أستعمرتنِي، يا ُحزنِي! لم ت ُكن مثله، تشاف يت من تُر ِكي،
تشاف ي ُت تما ًما ولكن مرض ُت بما هو أعظم، ُكنت في كل مَّرة تقترب بها
ي أما هذه المَّرة ال يأ ِت أب ًدا على بالي، لم يأ ِت
منِي أتذكُر تقرب تُركي ل
ِف قلبي بما اليلي ق ب ُحبك، تُغرقني، تُغرقني وما عد ُت أخشى
ولكن تُعنِّ
غرقي .
ِه أغمضت عين يها لتسيل دمعة بة على خ َدها، و ألنك تُغيضنِي بملك يتك ٌ
ُملت
ُم لك يا ُسلطانِي
هذه المَّرة أنا من أستسل .
صعدت شفاهه لعين يها، قبَّل دمعتها وذراع يه تُحا ِصرها من كل جانب، أش ُد
إمرأة أنت سببها. يا ُخذالنِي من هذه ال ُدنيا، و إنصها ُر
ِل دمعةُ
الخيبَة أن تُقبِّ
الو َجع في قلبي، أن يُعيد هذا العضو النابض تركيب نفسه في كل مَّرة
" األنا " في صدِري، يا
وتُعيد الحياة إنصهاره في كل لحظة، يا و َجع
" في محجر عيني، كان بؤ ًسا أن أرا ِك في كل لحظة وكل
" اآله
تكاث ُر





ُحِِّرمك عليها، أن أبتعد
ثانية أمامي وال أتحرك، كان سيئًا على نف ِسي أن أ
في وق ٍت كان الالسبب يطغى علينَا، في وق ٍت لم أفهم نفورك، ُكنت أفهم
ي، لم ي ُكن أكب ُر
ُحبك برضاك، لم ي ُكن الجسد يو ًما ُمبتغا
فقط أنني أريد أن أ
ما أتمنى هو الظف ُر ببيا ِض جسِدك، ُكنت رجل أقاوم كل أهوائِي أمامك،
ألج ِل عين ي ُكنت رجل ألتم ُس لك من العذر ما يفُوق السبعين، أمتنع عن ِك ك
التي تتو َّرد ُكلما رأتنِي، تضبب ت ُرؤيتي ولس ُت ُمخطىء، إن ُكنت أخطأت
في مسال ِك ال ُدنيا بأكملها إال أنني لم أخطىء بقلبك أب ًدا، ال أعرف أن أتعامل
ي كل هذا، لم
ببرود أمام عين ين أشتهيها وجسٍد أتُوق له ألن الشرع يكف ُل ل
ا عنها حينما قاومتُك في ا عن القاعدة حين
أ ُكن شاذً
أردتك ولكن ُكنت شاذً
ُطيل نظِري بتفاصيلك الصغيرة، بأصابعك التي تُخلخل
كل مَّرة أرا ِك بها، أ
ِه التي تُزيح خصالتِك جانبًا في قراءتك، أراقب أد ُق
شعرك في مللك وكفِّ
األشياء التي تقتلني كرجل وكنت أصمد ألنني ال أريد أن أرغمك على
شيء. لكن هذه المَّرة أعلن إستسالِمي من قناعاتِي الشرقيَة، أعلن
ِري لثلجيَة مالمحك، أعلن وبغطر َسة ال أعر ُف كيف أبتل يت بها أن
إستعما
ال حياة بعِدي يالجوهرة.
،
ُطق بإنسيابيَة، و ما حول رقبتها
بللت شفت يها الجافت ين بلسانها حتى تن
َمن أمامها وهي
يُضيِّ تُشتت أنظارها بإنزعاج وببحة : ِق عليها، لم تنتبه ِل
يبــه
عبدالعزيز يُحامل على نف َسه حتى وقف وجلس على السرير بجانبها
َمة كانت تُغيض رتيل بإستمرار : يا عيُون يبه
وبإبتسا
عقدت حاجب يها لتص ُمت لثوانِي طويلة حتى تفتح عين يها مرةً وا ِحدة وتنظ ُر
ُمغطى بالشا ِش األبيض
ُم له، تأملت صدَر غطى ه ال
لتصعد أنظارها لرأسه ال
أي ًضا، ق َطع تأمالته : الحمدلله على سالمتِك
رتيل ترم ُش كثي ًرا حتى تستوعب : الله يسلمك .. أبوي هنا ؟
عبدالعزيز : الساعة
الفجر





رتيل عادت لصمتها لتقطعها الثوانِي الشا ِهقة ، تسأله برعش ِة شفت يها :
كيفك ؟
بدِر أبتسم حتى بانت أسنانه : ي
رتيل : حتى وأنت تعبان مستفز
" : تمام الحمدلله
ا وهو ينظ ُر لشعرها " الويفي
عبدالعزيز أخذ نف ًسا عميقً
أنها جت على كذا ماهو أكثر
رتيل : الحمدلله ... ألتفتت للجانب اآلخر .. عطشانة
كان سيقف لوال يدها التي مسكته من معصمه : خلك .. أستعدلت لتجلس
م ألتفتت
وتسن ُد ظهرها على السرير، أخذت ُكوب الماء لتشرب ُربعه ومن ثُ
صحصحت تما ًما ."
عليه وهي تشعُر بأنها "
أطال نظ ُره بعين يها، بمحجِرها وح ُصو ِن أهدابِها، أجي ُء ل ِك كما يجي ُء
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه و لكن من
"
ُمتنبي
العاش ُق من عصِر ال
" عينا ِك نازلتا
، أتغلغ ُل وأشتعل وأخف ُت بضيا ِءك و
يبصر جفونك يعشق "
ِل " يا جريحتِي بالهَوى
القلوب فكلهــــا إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــ
ُم اإلسرار واإلعالن ُهما
أصبتنِي بمقتل، كتم ُت ُحب ِك ولم يعُد ينفع! ما دا
درك بأننِي مجنُون ُمتعديً
ُ
على حاف ٍة واحدة، منذُ ا على النظرة األولى وأنا أ
ُمل ِك عبدالرحمن، لمح ُت في شفت يك طيف مقبرتِي وواصل ُت المض َي ولم
يهُمني المو ُت الذي يضي ُع أسفَل لسانِك، ُكنت أدرك جي ًدا أنهُ مهما حاولنَا
ِط علينا ُكل من هَو يكرهُ والِدك ووالِدي،
ِّ
ِط أعداءنَا، يُسل
ِّ
أن هذا ال ُحب يُسل
ُكنت أعرف ولس ُت ناِدم، ألنهُ لو عا ة
د الزمن لعصي ُت بمثل المعصيَ
وتزوجتُك ُرغ ًما عن الجميع، ُرغ ًما عن من ير ِوي أن ُحبنَا مستحيل.
والرواةُ كاذبُون يتأث ُرون بعهٍد عقولهم الجافَّة السطحية، و أنا والله غار ٌق
بعين يك، شفت يك، َشعُرك البندقِي، مالم ُحك النجديَّة وبشرتك السمراء، أنفُك
ُحب وعقُ
مهما
" أحبك كثي ًرا "
دة حاجب يك وشتائِ ُم الذي أ ك التي تعني
أنكر ِت .
نظرت له بضح َكة مبحوحة وهي تشعُر بحرارة تسِري في أوردتها من
عين يه : ال تطالعني كذا
عبدالعزيز : تخيلي لو صار فينا شي ال سمح الله ؟





ج َمدت مالمحها لتردف : ماأبغى أفكر باللي صار
عبدالعزيز بمحاوالت هزيلة لظفر إعترا ٍف منها : كن ِت راح تندمين على
شي ؟
بلعت ريقها الجاف : ال
عبدالعزيز تن َّهد، صدقها في الفترة األخيرة، كلماتها التي تعني تلويحة
وداع، تحديها لقلبها ومازالت هي الفائزة بهذا التحدي، كل هذه األشياء
تثقب قلبه : وال حتى كلمة ؟
َو َجع : وال حتى كلمة يا
رتيل صمتت لثواني طويلة حتى أردفت ب
عبدالعزيز ، ماراح أندم على شي
ِها
ُمتألألة بخفُوت، أشاح قليالً حتى ألتصقت أنظا ُره بكفِّ
نظر لعين يها ال
المرتبط بالمغذي : لو أنا! كنت راح أندم، يمكن ماهو على شي سويته
بحقك بس على أشياء سويتها بحق ناس ثانين ..
رفع عينه لها ليُكمل : ما يستاهل أني أندم على شي أن ِت ما ندمتِي عليه
عقدت حاجب يها، هذه الكلمات األخيرة ستدخل لفئة األشياء األكث ُر جر ًحا
لقلبي، والله ال يوازي جرحها شيئًا، أن يُسند لكالِمي مثل هذا األلم
َوجع، وج ًدا " يستاهل " أن نب ِكي على أيامنا التي تم ِضي دوننا ُر
وال غم أننا
معًا.
أردفت برب َكة لسانها : كنت راح أجاوبك بنفس الشي، ما يستاهل أبد أني
أندم على كالم أو أفعال إذا كانوا أصحابها أصالً ماندموا عليها
عبدالعزيز بهُدوء : من كل قلبك هالحكي ؟
شتت نظراتها : إيه، ليه تفتح هالمواضيع الحين ؟
عبدالعزيز بصوت أشتَّد به الغضب الذي لم يستطع أن يسيطر عليه : ألنك
كذابة ، تكذبين كثير وماتحسين على نفسك .. شوفي عيونك وأن ِت تتكلمين
.. تناقض كل كالمك
رتيل تحاول أن ال تفلت بها الدموع وتب ِكي، تنظ ُر لكل شيء ما عداه، هذا
اإلتهام الصريح لها يجعلها تضعف بعد حاد ٍث كادت تفقد به حياتها، أردفت
بب َحة : مو قصِدي أسيء لك ...
عبدالعزيز : إال قصِدك .. تستمتعين بكل شيء يقهرني





رتيل توجه نظراتها إل يه وبنبرةٍ تنخفض تدريجيًا : وأنت ؟ أحلف بالله أنك
َساِدي ومتغطرس وكل متعتك في هالكون أنك تضايقني
عبدالعزيز بإبتسامة ُمتعبة : بتكفرين عن الحلف صدقيني
رتيل أشاحت نظرها : شفت كيف ثقتك! عبدالعزيز واللي يسلمك تعبانة
وماأبغى أسمع مثل هالحكي
عبدالعزيز ينظ ُر للممرضة التي تُشير إليه من خلف الزجاج : طيب...
و بإبتسامة ُمستفزة أردف : تصبحين على خير يا زوجتي الغالية
رتيل ُرغم تكاث ُر الشعور المتناقض بها إال أنها ضحكت : يارب أرحمني
عبدالعزيز : سبحان الله ما تآخذين األمور بجديَّة!
نحو اليمين
رتيل بمثل إبتسامته أقتربت وال يف ُصل بينهما شي لتنحني قليالً
ِل خِِّده األي َسر : وأنت من أهل الخير
وتُقبِّ
أبتسم حتى بانت أسنانُه وهو يجلس في مقعده المتحرك بعد أن دخلت
الممر َضة للغرفة : يعني الحين أخذتي األمور بجدية ؟
رتيل بضح َكة طويلة غرقت بها : أنتهى كالمي
عبدالعزيز الذي يفهم قص ُدها جي ًدا : ملكعة !!!
رتيل أتسعت بإبتسامتها وهي تنظ ُر له عندما خرج، أستلقت على السرير
" أنا حيَّة " بعد أن واجه ُت الموت لدقائِق طويلة،
تحاول أن تعُود لنو ِمها،
قبل اإلصطدام كنت أتذكر األخطاء التي أنجذب ُت لها وكأنها أشياء عاديَّة،
نحتاج إلى
َ
هذه األخطاء التي خنقتني وأنا أشعُر بعظيم ذنبها، ال أعرف ِلم
تنبيه من الله كحاِد ٍث أو حلم أو غيره حتى نعُود له، حتى نستغفر لذنوبنا
بالطاعات، الحمدلله أنني أتنفس اآلن ومازال في الحياة ُمتسع ألستغفر لهذه
الذنوب، الحمدلله أ َّن ُهناك وقت ألفعل وأفعل وأفعل، ال أحد سيُقِِّدر نعمة
الوقت الضائع إال عندما يواجه الموت، عندما ينتهي به وهو يقُول " ياليتني
، يا غبائي طوال السنين الماضيَة!!
"
قدمت لحياتي
،
ُمنبعث من الشباك حي ُث األنوار ُغرفتها والس ُكون، ال نُور
سَو في ظالِم ى ال





ِن شوارع باريس، جلست بجانِب النافذة الزجاجية، بين يد يها الرسالة
تُزيِّ
ُ صوتك األس َمر، أقرأ حبر قل ِمك
التي تؤرقها، كيف أنام و أنا أقرأ
ُطعاته، أشعُر باإلنهزام، كيف تهُزمنِي بكلما ٍت بسيطة ؟ كيف تهزمني
وتقا
ِر بن َزار ؟ كيف تقت ه؟ يا قساوةُ صوتِك ويا حنيني إل يه، صعب ج ًدا
لني بأشعا
ودا ًعا " في وج ِه ُحبك، أن أرِمي هذا القلب بعرض الحائِط حتى
أن أقُول "
ي اآلن، كيف أنساك
ال أتمادى بالذنب، تأخرت كثي ًرا وأنت تتغلغل ب
بسهولة؟ سنَة ت ُمر و ش ُهور طويلة وأنا ال أراك ، ال أعرفك، أجهلك تما ًما.
أال ترى بأن هذه قسوة؟ يالله ِمنك! يالله كيف تجعلني أصب ُر كل هذا
أحببتك، أنا سيدتِه. صيَّرتنِي مثلما تُريد، ُكنت
الوقت، أنا أنثى الصبر منذُ
ريد نسيانك، ساعدني يا
ُ
مزا ِجي الذي ينف ُر مَّرة ويلوذ إليك مرةً أخرى، أ
رب.
أخفضت رأسها لينهمر دمعُها، أخذت المنديل إفراغ
لتكت ب خلفه محاولةً
ي بالكلمات وتقاطعُتها،
حزنها، علمتني كيف أكتُب وأنا التي ال عالقة ل
أغرقت محاجِري وأنا لم أراك، أغرقتها حتى أنزلقت بِك، أراك ب ُكل
العابرين ، من فرط الحنين لمالِمحك التي أجهلها أصبحت أرى كل شخ ٍص
يُطيل النظر بي أنه أنت، يا عذابي من ال ُحب المجروحة ِمنك! أنا
ك! يا لوعةُ
متلهفة حتى إلسِمك، لكوبليه حروفك وهي تمُر على لساني، يالله ألهذه
الدرجة تبل ُغ قساوتِك حتى على إسمك! " ليه ؟ " لم أستحق أب ًدا أن تُهاجمني
ِف ُحبي بجهِلي لك ، ُكنت أحلم كثي ًرا، ُكنت يائسة
بقلبك؟ لم أستحق أن تُعنِّ
كثي ًرا، ُكنت أحبك كثي ًرا ولكن ال أدِري ما الوق ُت الذي أندثر بيننا. أدرك
بأنك ذنب، وأدرك أن الله يُجازي كل عبٍد بما عمل، أنا أدف ُع ثمن خطيئتي
لكن .. أحبك. ال أطلب الكثير، ولكن أطل ُب من الله أن يُعيدني لقلبي الِذي
أخذتهُ منِّ . ِي
،
ص َحت مف ُزوعة من رنين هاتفها الِذي ض ِّج بالغُرفة وصو ُت األمطار تُثير
الخوف في داخلها، فتحت األبجورة لتُضيء عتمتها، أجابت بصو ٍت





ممتلىء بالنعاس : ألو
منيرة : السالم عليكم
أفنان : وعليكم السالم .. هذا وقت تتصلين فيه الله يهديك خرعتيني
منيرة : بسم الله على قلبك .. وش يدريني الوقت عندكم كم ؟ المهم أبغيك
في موضوع
أفنان : وشو ؟
منيرة : عنِدي لك عريس لؤطة
أفنان بتنهيدة غاضبة: من جدك منيرة !! متصلة عشان تقولين لي هالحكي
..
منيرة تن َّهدت : ال حول وال قوة اال بالله .. صدق من ِت وجه نعمة .. هذا
يصير ولد السفير يا ماما يعني بتقضينها غربة يحبها قلبك
أفنان بغضب : أستغفر الله!! منيرة مع السالمة
منيرة : ال تقولين بعد من ِت موافقة زي أختك الهبلة!! أنا مدري وش
قاردني معكم أبي لكم الزين بس منتم كفو
أفنان : الجوهرة الله س َّخر لها سلطان وعايشة حياتها ومرتاحة .. وماأظن
هالراحة كانت بتلقاها مع أخو زوجك
منيرة : يا ليلنا اللي ماراح ينتهي! أبشرك عنده ولد الحين ومتزوج خلي
اختك تندم وتعض أصابعها عليه .. وواصلة لي علومها.. لو مرتاحة كانت
حملت منه
أفنان بعصبية : أتركي عنك الجوهرة .. عندك شي ثاني تبين تقولينه ؟
منيرة : أفنان فكري بنفسك وبمصلحتك .. الر َّجال ما ينرد
أفنان : ماأبغاه يا منيرة .. الناس اللي من طرفك غاسلة إيدي منهم
منيرة بإنفعال : أحسن بكرا أندمي عليه ال تزوج ِت واحد طايح حظه
وقولي ليتني سمعت كالم مناير.. والله أنتم يا بنات عبدالمحسن ما يعجبكم
ِّي اللي
شي رافعين خشومكم على وش مدري .. مالت اال مالت الشرهة عل
أبي لك الخير .. وأغلقته في وجهها.
أفنان تن َّهدت ومزا ُجها بدأ يتجعد بكلمات منيرة اختها بالرضاعة، تذ ُكر
مجيئها في بدايَة السنَة بمحاولة الضغط على الجوهرة للزواج من أخ





، تُفكر بأن
" تسم البدن "
ٍر
زوجها، تغي ُب لشهو ٍر طويلة ثم تعود بأخبا
جميع النساء في السعودية يرغبن السفر خار ًجا مثلما أرادت حين تزَّوجت
مسِفر الذي يشتغل بسفارة اليونان، أحيانًا أشعُر أن منيرة تعاملنا كأننا
نعي ُش على حسابها الخاص، و كأننا عالة عليها ُرغم أنها ال عالقة لنا بها،
تزَّوجت وهي مجنونة فعليًا بتفكيرها، تقط ُع بنا وال تحاول أن
فهي منذُ
تت ِصل علينا حتى في المناسبات تكتفي برسائِل نصيَة وكأنها ال تنتمي إل ينا،
فك
ومن ثم تُعاتب! يالله على تخل . ُ
صاحية ؟ " . . أنتظرت كثي ًرا حتى كتبت
أر َسلت بالواتس آب للجوهرة "
لها مرةً أخرى " كلميني ضروري بس تصحين"
،
ينظ ُر من نافِذة الطيَّارة ألر ِض باريس، ضاقت محاجره بضيق هذه
األرض التي باتت ال تتسع أب ًدا، متى تهبُط؟ متى أرا ِك؟
بإبتسامة ال . ُمضيفة : يُرجى ربط حزام األمان
ُظر، قريب ج ًدا من ِك،
نا ِصر ُدون أن ينظر إل يها ربَط حزامه وهو مازال ين
قريب يا غادة. شعَر بأنه سيُغمى عليه اآلن، أفكاره تتهاوى من دماغه، كل
األشياء تب ُدو ريد فقط أن
ُ
رماديَة شا ِحبة، ال أحد أعرفه، ال أحد يُريدني، أ
فقدتِك وانا أعرف أن الهُدوء
أتنفس بنقاء! هذا ما فوق األحالم، منذُ
والراحة لن ته ُطل مرةً ثانية ، ُكنت أعرف أن عينا ِك هي الحل ومنذُ غيابها
وأنا فقد ُت جميع حلولي للحياة، حاليًا أنا أحاول أن أتنفس، أن أعيش. يالله
أخشى أنني لن أتحمل، لن تحملني أقدا ِمي، أخشى السقوط/الموت قبل أن
أراك، أشعُر بأن شيئًا سيمنعني ِمنك، حلم ُت ب ِك كثي ًرا ، حلم ُت أنني
سأ ُموت بال دماء ، بال مرض ، بال شيء ، سأ ُموت وأنا لم ألقاك، رأسي
سينفجر من هذه الفكرة، لم يبقى بي صبر، فقد ُت كل ما يربُطني بال ُحلم،
بالهُدوء، فقد ُت كل شيء يجعلني إنسانًا ُمستقي ًما. أريد أن أراك وال شيء
بعد ذلك .
تصاعدت أنفاسه وكأ َن روحه تختنق بعين يه، ينظ ُر لل ُركاب الذين بدأوا





بالوقوف، نزع حزامه ليرتطم رأسه بالمقعد األمامي والخالي بعد أن
ِصل
فُرغت الطائِرة إال من القليل، ثبت جبهته في ال ُكرسي وأنفُه يوا
النزيف، عيناه تحترق باإلحمرار وكأن نا ًرا تشتع ُل وال تنطفىء، ُكنت
قويًا، ُكنت !
ُمضيف : المعذرة! هل أنت بخير ؟
أط َّل ال
يشعُر بالضباب يغشى عين يه، أفق ُد النظر لألشياء بوضوح كما فقدتها أول
ِصل، كان
مَّرة تلقي ُت بها خبر وفاتِك، كان البش ُت بيِدي سأرتِديه عندما أ
على ذرا ِعي اليُمنى ولم ألبِسه أمامك، ولم أرا ِك بفستانك األبيض، يا ُحزني
الكبير بِك! أخشى أن أفقدك مرةً أخرى أو أفقدني قبل أن أراك .
ال .. ُمضيف يضع يِده على رأسه : سأجلب لك الـ
لم يُكمل من رأسه الِذي ُرفع وعينه الشديدة اإلحمرار، منظ ُره أفزعه بش َّدة
الطاقم، الدما ُء ل َطخت وجهه وهو يمسحها من ُك ِل جانب،
وهو يُنادي بقيَةُ
بدأ جبينهُ بالتعرق ُرغم الجو البارد، أهذه سكرات الموت؟ لس ُت أفهم تما ًما
ما يحصل، سيُعيد الزمان فعلتهُ معي، مثلما فقدتُك سأفقدك مرةً أخرى! يا
ريد أن أموت قبل أن أرى عين يك،
ُ
عذابي من يُنهيه؟ ليس هذا الحل، ال أ
مشتاق ج ًدا فوق ما تتصورين ل ِك، كيف ينتهي عذابِي بقبر وأنا لم أراك!
ِري
أستغف ُر الله من أن أسخط على القدر، أستغف ُر الله على شتات صب
وجزعي، أستغفر الله على ُحبي الِذي يُريد أن ينهيني، أني أموت وأنا لم
ي أجِدك، ! أنا من أحببتك
ُعودي إل !
سقط بقَّوة بين المقعدين لينجرح رأسه الِذي أصطدم بالنافذة.
،
ُمنهمر، تبلل وجهها
أستيقظت بتعُر ٍق شديد ، مسحت عين يها لتنتبه لدمعها ال
وأختلط ما ُءها المالح بما ِء مساماتها، نف ُسها يضيق و غصا ٍت ُمتراكمة تس ُد
َ
مجرى تنفُسها، نظرت ِلم حولها، للغرفة الغريبةُ عنها، أتجهت للنافذة
ال ُزجاجية والمط ُر يُبللها، تنظ ُر لسما ِء باريس الباكيَة، تنز ُل أنظارها
للطريق الِذي تق ُسو عليه األمطا ُر بسقوطها الحاد، أتجهت للحمام لتُغ ِسل





وجهها، بخطوا ٍت سريعة أرتدت مالب ُسها السابقة التي كانت مرمية على
األريكة، أخذت معطفها وحجابها لتخرج بخفُوت لممر الفندق قبل أن ينتبه
لها وليد الِذي يس ُكن بالغرفة المقابلة، نزلت بالدَرج وهي تفِِّو ُت الدرجتين
ُمبلل ، أحكمت ش ِّد معطفها وهي تسي ُر
ُمها الرصيف ال
بدرجة، وطأت أقدا
عل يها بإرتجاف ِة شفت يها من البرد الشديد، بكل محاولة للتنفس كان يخر ُج
بخا ٌر أبيض من بين شفت يها، بدأت تهر ِول ُمتجهة للطريق ذاته، للمكان ذاته
ُمتأخرة، طرقت
ُمظلمة في ساعات الفجر ال
التي تعرفُه، صعدت للعمارة ال
باب شقتهم، طرقتها كثي ًرا وهي تب ِكي، همست من خلفه ببحة : عبدالعزيز
........ ع ُزوز ... هدييل ...
دوا!
ُّ
أوجعتها الب َحة والبر ُد يخط ُف منها صوتُها، أردفت ببكا ٍء عميق : ر
ُمها
..... ألتصق صد ُرها بالباب وهي تطرق الباب حتى خانتها أقدا
لتسحبها لألسفل، جلست على ال ُرخام البارد وعينيها تح َّمُر بالدمع، تتذكُر
األمطار، نبراتِهم الخافتة
ِ
أصواتهم جي ًدا، تشعُر أنها تسمعهم بوقع
والصاخبة، كلماتهم الالمنتهية تطر ُق سمعها " تعرفين أنك أشين أخت !! ال
و ح ِّي الله غادة، تعالي يا قلبي تعالي جعلني ما
جد جد أشتقت لك " "
" "
" " غادة هنا!! أشتقنا لك " " غااادة تعالي شوفي
أذوق حزنك وأنا ح ِّي
"
أن ِت مستحيلة " " يا قاطعة ترى وحشتينا " " غاااااااااااااااااادة ُجوتيم
ماني
ُمرتجفت ين، ضعت تما ًما، يالله يا شوقي لكم. "
ش َّدت على شفتِ يها ال
دوا لي أحبابي اللي را ُحوا "
ُّ
بخير ! ر
سمعت بع ُض األصوات في األعلى، أضطرب قلبُها بالنبض لتركض نزوالً
ُو
ُطرق باريس، صد ُرها يهبط بش َّدة ويعل
للطابق األول، ضاعت عين يها ب
بمثل الش َّدة التي تشط ُرها كثي ًرا، يا ُحزني الذي يصع ُب عليه أن ينجِلي!
الطريق اآلخر، تنظ ُر للنافِذة التي تتوس ُط الطابق الخامس،
أتجهت ناحيَةُ
نا ِصر! ألتفتت للجهِة األخرى والمط ُر يختلط بدمِعها، في هذا الوقت ال
شقةُ
أحد يسي ُر سَوى ال ُسكارى وال خ ٍص يجل ُس على المقاعد، ُمشردين، نظرت لش
هذا عبدالعزيز! هذا هو! هذا شعرهُ القصير ومالِمحه السمراء، هذا هو
ًما إنهُ " عزيز " . . أقتربت منه ليستنطق صوتها المبحوح :
تما ًما، ليس حل
عزوز!





ألتفت عليها بنظرا ٍت ُمضطربة، عادت عدة خطوات للخلف، ليقترب منها،
صرخت بف َزع وهي تضع كلتا يد يها على أذنها .
أبتعد عنها وهو يشتُمها بشتائِم كثيرة ال تفهمها، ركضت بك ُل ما أوتيت من
لت والمر ُض
الشارع اآلخر الطويل ج ًدا، سعَ
قوة بإتجاه الفندق، كان نهايةُ
يب ُدو أنه في طريقه لجسِدها والمط ُر يُبللها من حجابها الذي تش َّرب المياه
العذبَة إلى أقدامها، دخلت الفندق لتتجه نحو المصاعد الكهربائية، ما إن
فتح المصعد على طابق ُغرفتها حتى سارت ب ُسرع ٍة إل يه ودمعُها يسبقها،
دخلت لترمي حجابها على الطاولة وتجلس على األرض، لم تستوع ُب
ِها لتنهار
أقدامها بعَد! لم تستوعب أنهم رحلوا عنها! غ َطت وج ُهها بكفِّ
ببكائها، " ماتوا ؟ طيب أبغى أشوفهم! أبغى صورهم، أبغى شيء يصبِِّرني
على فراقهم ! ، مشتاقة لهم كثير، والله كثير ، بموت من شوقي لهم "
وضعت رأسها على السجادةِ التي تُغطي الغرفة ودمعُها يعب ُر ُمنتصف أنفها
ويسق ُط على األرض، بدأت تهِذي وهي ُمغمضة العين ين : يُبه، كيف
يقولون لي ال تبكين .. ال تحزنين ! ما جربوا أنه يموت أبوهم ! يفقدون
أبوهم! ... ما شفتِك آخر مرة .. رحت الرياض وتركتنا .. قلت بتقِِّدم على
التقاعد .. قلتها والله ورحت وماشفتك بعدها .... يقولي هالمجنون أنك م ِّت
!! آآه يا يبه ... راح ُعمرك بعيد عننا .. بعيد عنِّ شوفك ِي والحين ما عاد أ
... أبيك .. مشتاقة لك .... مشتاقة ألمي ... لعزيز ... لهديل ... مشتاقة
لكم كلكم .... و أمي ؟ كانت تصحيني كل فجر .. بس هالفجر ماهي
موجودة ... ماهي هنا .... ماهي موجودة عشان تصحيني .. صوتها غاب!
.. وأنا أشتقت له يا يبه .. أشتقت له كثير ....... أشتقت لصوتها لما تقرأ
قرآن .... لما تغني لنا أغانيها القديمة .... لما تطبخ لنا ... أنا مشتاقة
لريحة طبخها!! ... وينهم يبه ؟ وينهم كلهم غابوا ! ... كلهم راحوا
وأتركوني وأنا طيب ؟ مين يسأل عني .. مين يحضني ويخليني أبكي لين
أقول بس! ... مين يا يبه ........... ُهم ما يدرون وش يعني أنتم؟ ما
يد ُرون كيف الواحد يعيش ب ُدون أم؟ بدون أبو ؟ ... يبه محتاجتِك
تحشرج صوتها المخنوق وهي تُردد : محتاجتك ومحتاجة أمي .....
محتاجتكم كثييييير





،
فتحت عين يها بتضايُق من النور، الساعة تُشير للسادسة صبا ًحا والمط ُر
مازال يه ُطل بش َّدة، نظرت إل يه وتوقعت أنه مشغول ببعض األوراق لتدخل
إلى الحمام وتستغر ُق بإستحمامها دقائِق طويلة، خرجت وهي تضع
المنشفة فوق رأسها وتُنشف شعرها بها، نظرت إليه بشك : عبدالرحمن !!
الجال ُس على األريكة ورأ ُسه بين يد يه، كان شدي ًدا عليه أن يتصَّور بأن
مقرن يخونه، يطعنهُ بظهره، أن يستغل إنحنا ِء ال ُحب والعشرة بيننا ويرك ُب
فوقي، هذا أكث ُر ما كان يرم ُق إل يه بأنه " كذب، نكتة، مزحة " ال يُمكن أن
ُصدق بأن هذه السنوات التي مضت ُمجرد كذب!
تكون حقيقة، يالله! كيف أ
الجميع
َ
يستحيل على عقلي أن يُصدق بأنه خائن! هذا فوق الخيال، ِلم
ِص ُل صهر نف ِسها
ِ يحاول أن رني كـ مادةٍ توا
الحياة تُصيِّ
َ
يقتلني ببطء! ِلم
ُدون أ ! ِّي سبب يُذكر. فعالً ال عقل لد ي إ


إعدادات القراءة


لون الخلفية