الفصل 93

عبير ثبتت نظراتها عليه : أبي أعرف
فارس : وأنا أقولك كم تعطيني؟
عبير : ماعندي شي أعطيك إياه
فارس إبتسم : إال عندك
عبير إبتسمت : أفهم وش تبي بس ماأبي
فارس غرق بضحكته ليُردف : وال أنا أبي أقول!!
عبير نظرت لضفَة النهر البعيدة لتُعيد عين يها نحوه : تحب الغموض في كل
ي
أمور حياتك!! حتى معلومة مستخسر تقولها ل .
فارس: على األقل ما ما استخسرت أمر واقع وال أنكرته
عبير شعرت أن دماءها تجلطت وتجمَدت، صمتت ال كلمات تطفُو على
لسانها، كل شريَان يض ُخ عجزه أمامك .
فارس بخفُوت : على فِكرة ماراح تمرضين وال راح تموتين لو كن ِت
َي مع نفسك
صريحة شو
عبير تنهَدت : جايبني عشان تستدرجني بالحكي
فارس : ماأستدرجك على شي ماتبينه! من حقي أعرف
عبير بح َدة : آل مو من حقَك
فارس : عبير! من حقي وأن ِت أكثر شخص يعرف أنه من حقي!
عبير : وأنا ُح َرة بأني ماأتكلم
ي ؟
فارس : أن ِت عنيدة كذا مع الكل وال بس معا
عبير : ماني عنيدة . .
فارس: كل شي تنكرينه لو أقولك إسمك عبير بتقولين ال ماني عبير!! بس
ل !! ُمجرد أنك تعانديني
عبير بسخرية : إيه أنا نفسية كذا . .
َوك متعر ف
قبل أن يتحدث ثبتت نظراتها به لتُكمل : تسألني وكأنك ت
َي
عل !!!
فارس : ِكذا . . نفسية
عبير أشتعلت بقهرها لتصمت مشتتة نظراتها، يعرفني أكث ُر من نفسي





ف ُظ ذاتُها، يح أدق تفاصيلي وأصغرها، ومع ذلك يحاول أن يسألني وكأنه ال
يستطيع أن يستش َف . األجوبـة من عيني
فارس : بردتي؟
عبير بح َدة : إيه خلنا نرجع
فارس ينزع معطفه ليُغطيها ُدون أن يترك لها مجال للرفض أو القبول،
ش َده ليُقرب مالمحها من مالمحه هام ًسا : خل ط وخيارات َي عنِدك أمور وس
كثيرة
عبير اخترق عطره جيوبها األنفيَة حتى شعرت بأن رائحته تجري بدماءها
ِر والسيُول، هذا العطر يهزمني بصخبِه، على هوا َك يا فارس
جريَان األنها
ننص ُب طريقَا ونغيَر جغرافيَة العالم بإمتداِد صوتُك/رائحتك : شكًرا
ًوا يا روحي
فارس : عف
عبير خافت من إستسالمها له بهذه اللحظة، ارتعشت أطرافُها بحمرةِ
الخجل التي صبغت مالمحها البي َضاء.
فارس : جزآ الله عن صبري الجنَة
عبير ضاقت حنجرتها بتحشرجاتها، بنبرةٍ ضيَقة : محد صبر غيري! كنت
تعرفني وتعرف اهلي بكبرهم! وأنا حتى أول حرف من إسمك أجهله
فارس : وتحسبين أنه الوضع كان عاجبني؟ لكن كانت لي أسبابي!
عبير بإستهزاء : ماأتوقع أنك أول شخص إسمه فارس وال آخر شخص
َي اإلسم
عشان تخبي عل
ي أكثر إنسانة
ُمشكلة أنك أكثر إنسانة جدية مع الكل! بس معا
فارس : ال
تستهزأ بكل كلمة أقولها
" تتحكم بإبتساماتي يا فارس! بكل حر َكة
عبير ابتسمت ُرغ ًما عنها،
أصدرها تملك سيطرتك عليها" .
َي اإلبتسامة اللي تطلع بالسنة مَرة
فارس بضحكة : ح
عبير بجديَة : ألني مقهورة منك! ماني مستوعبة كيف سنة وأكثر وأنا
أشحذ خيالي عشان أخمنك! وآخر شي ببرود تبيني أتعايش مع الوضع
طبيعي!
فارس : صححي معلوماتك! ماطلبت هالشي ببرود





عبير : وش تفرق يعني؟ بالنهاية أنت تعرف وأنا ماأعرف وال شي
فارس: تفرق كثير . . احيانا نكون مجبورين على أشياء ما و َدنا فيها
عبير : من أضعف اإليمان أنك تقولي إسمك . .
صمتت، عادت لكن ِف الس ُكون، ال قُدرة على الكلمات أن تشرح حزنك في
اللحظة التي تغ َص الكلمات التي كانت خال ُصك لإلنشراح. بذا ِت الكلمات،
كم ليلة شحذ ُت بها عقلي حتى يُخمنك ويصَورك. كم ليلة حاولت أن
أرسمك بطريق ٍة أسطوريَة تلي ُق بصوتِك الرجولي الذي ه َز ما كان وما
سي ُكون، صوتُك الذي زلزل قلبي بصخبِه. صوتُك الذي سمعتهُ مَرة
وسرقني لعُمٍر على شارع ب ُمقابل الفندق حتى بأكمله، و لمحتُك لحظةً
توسدت تفكيري بعين يك، لمحتُك وأنا أدرك فداحة اللمحة اآلن، فداحتها التي
مني
َ
تنتهي بظال ِل مقبرة يقودها والدك، لمحتُك يا فارس وزعزعت أ .
فارس: بس هذا ما يمنع إني كنت صادق
عبير انسابت دمعة تحت ضوء القمر من عينها اليسرى، نظرت إليه
بضيا ِء الدمع : تتحمل ضميرك يأنبك ليُوم؟ بتضيق الدنيا في عينك وتنام
عشان تهرب من هالتأنيب . . كيف تتصَور هالضمير لو استمر معك سنَة
؟ وأستمر كل دقيقة وكل لحظة!! ج َربت تغص بالح ِكي وتحس حتى
ضحكتِك ما عدت تملكها؟ مافيه شيء ض َل على ماهو عليه من لحظة
دخولك لحياتي !
فارس: كل شي له جانب سلبي . . وله جانب إيجابي
عبير: ال ُحب اللي ما يقويك ما هو ُحب
فارس: وش اللي صبَرك كل هالفترة؟ مين عطاك هالقوة عشان تخبين
على كل اللي حولك ؟
عبير: الله
فارس: بعده؟
ي
َوجع: أنت تضعفني يا فارس!! ماكنت مصدر قوة بالنسبة ل
عبير ب
فارس: وأنا كنت أبيك، حاولت أمنع نفسي عنك بس مقدرت، ماعندي
قوتك اللي خلتك تقطعين بالشهور عنَي، ماعندي هالصبر اللي يخليني ما
أسمع صوتك وال أشوفك . . ماعندي وال شي من هذا!! رآس مالي





بهالحياة قلبك! قلبك اللي هنَا . . أشار لصدره.
عبير بضيق: وهالقوة والصبر على قولتك ما خلتني أبتسم يوم!! ليه بخلت
ي شي!
َما شفتك بباريس أول مرة ما قلت ل
َي بكلمة أتطمن فيها؟ ليه ل
عل
حسيت . . والله حسيت أنك تعرفني !
فارس: كنت بوضع مقدر أقولك فيه شي . . . ما اخترت أنا حياتي!
مااخترت وال شيء عشان تحاسبيني عليه .
عبير بدأت مالمحها بمقاومة البكاء الذي يفي ُض بها : طيب وأنا؟ خليتني
أدعي على نفسي أيام وأكره نفسي شهور! . . . ما يحق لي أتضايق؟
َهد : يحق لك تتضايقين! بس إلى متى؟ الحياة ماراح تنتظرك
فارس تن
ترضين !
عبير: تنتظرني؟ تقدر تصبر؟
ليُردف بكلمٍة أجهشت عين يها ببكا ٍء عميق : إذا كنت
فارس صمت قليالً
َي
ح
عبير ش َدت على شفتِها السفليَة حتى تقاوم طوفَان الدموع الذي يعب ُث
بمحاجرها : و َدي أصدقك . . بس ألني عارفة أنك ممكن تنجبر على أشياء
ماتبيها! وممكن منها تنجبر على شي يخليك تنساني !
فارس: الشي اللي ماتملكين سيطرتك عليه محد راح يسيطر عليه، حركاتك
تصرفاتك أفعالك كلها أشياء أن ِت تقررينها وممكن تنجبرين عليها لكن
قلبِك؟ أن ِت ماتملكين سيطرتك عليه كيف غيرك يملك سيطرته عليه؟
عبير رفعت نظراتها للسماء المتوه َجة بنجومها البيضاء: اللي سويناه غلط!
رضينا وال مارضينا! تعبانة من هالغلط . . ألنه بحق الله مو بحق أحد
ثاني عشان أنساه!!
ِضي عنك!! أنك تمنعين
فارس: وصححناه، يعني تتوقعين ِكذا أنه ربي را
نفسك عن شي بالحالل؟ الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو
رسول وقاله ال تُحرم على نفسك ما أحله الله لك . . كيف أن ِت؟
عبير همست: صلى الله عليه وسلم
فارس: محد معصوم عن الغلط! كلنا نغلط . . لكن نصحح أغالطنا . .
صح أننا صححنا غلطنا بطريقة أقبح من الغلط نفسه لكن بالنهاية صححناه





مهما كانت الطريقة . . ما أطلب منك شي يا عبير، وال راح أضغط عليك
بشي، كان يكفيني أحبك لو يوم بعُمري، كان يكفيني أني أعيش معك
هاليوم.
عبير تبللت مالمحها برجف ِة اطرافها المتجمدة، ش َدت على معطِفه الذي
يُغطيها: تتنازل؟ تتنازل عني بسهولة؟
فارس شتت نظراته بعي ًدا ليصمت لدقائق طويلة، بكل ثانية تسق ُط دمعة
مالحة على خدها ال . ُمح َمر
أردف: ما اقُول أن ِت قلبي وال أن ِت حياتي وال أن ِت جزء مني، ماأقول إنِك
شيء عاِدي ممكن أنساه، أن ِت تقاسميني نفسي، كيف أتنازل عن نفسي؟
يُضيء به وبعضه ينسكب، انساب
ٍ
ارتجف ت شفت يها، نظرت إل يه بدمع
َي ردة فعل لتوقف إنسيابه خلف ظهرها، تركت للريح
حجابُها ُدون أ
تنقذ
مج َرى أن يتالعب بشعِرها الطويل، تجمَد هذا الكو ُن بأكمله وال رمشةُ
ُط الموقف. لحظة نظراتهما المتقابلة ُ صم ٍت عميقة تر
ب
ُط
ٍو ويهب
ًما/ ُحبًا. اندفعت الضربا ُت لصدرها الذي يرتف ُع بعل
ا/شغفًا/غرا
عشقً
بذا ِت العلو.
كيف يأ ِت اإلعترا ُف صري ًحا هكذا؟ حا ًدا بهذه الصورة! أشعُر بحدائِق
تتحشر ُج بأوراقها في رئتي، ال خريف يأ ِت يقتلع جذو ِري وال ربيع
يُساعدها على النمو، واقفة بالمنتصف أنا وقلبي. أنت ما ُكتبت عنه غادة
الس َمان وصدقت، أنت الذي شهدت علي َك ولوال عكا ُز كلماتها ألنكسرت
وإذا أنكرت ُحبي لك، تشهد أهدابي على نظرة عيني
أمامك اآلن "
المشتعلة حتى واحتك، وإذا تنصلت منك تشهد يدي اليمنى على اليسرى
وأظافري على رسائل جنوني بك، وتشهد أنفاسي ضد رئتي وتمضي
دورتي الدموية عكس السير ضد قلبي، وتشهد روحي ضد جسدي وتشهد
صورتي في مراياك ضد وجهي، وتشهد األقمار الطبيعية واإلصطناعية
ضد صوتي، وحتى يوم أهجرك أو تهجرني، لن أملك إال التفاتة صبابة
مازلت
صوب زمنك ألشهد أنني أحببتك مَر يا فارس. ة ومازلت "
اقترب أكثر، اغمضت عين يها ليندفع الحلم نحَوها كإندفاع الدمع، أحاط يِده
ُمط َل بعُتمته، الم َست مالمحه
خلف رأسها ليُخلخل أصابعه بشعِرها ال





نجومه
ِ
السمَر . اء بياضها وال ش ُهود سَوى القمر وبضع
َي مقاومة تُذكر، من فر ِط السعادة ال نملك القدرة
استسلمت بال أ على
رؤيتها، نُغمض أعيننا ألن ال قدرة على الواقع أن يُرينا ضخامة ما نشعُر .
أغمض عين يه ليمتزج بها حسيًا، إني أستود ُع ثغر ِك وعو ًدا ال تكتبها سَوى
القُبالت، إني أشهُد على شفت ي ِك بغنَى وثراء ما قب ُل التاريخ وما بعده، إني
و ِن . أشهُد على إختصار الكو ِن أن ِت فيك، وكل الك
ا،
تعب ُر الدقائق وال يُلقى لها بال، لم ي ُكن الزمن ُمًرا في أشِد اللحظات ُعمقً
إنما مرارته بالوحدة/العُتمة.
سقط معطِفه من على كتِفها لتنجرف بأكملها نحوه، وضعت يدها خلف
عنقه بالالشعُور الذي يقودها، بكل كلمات الحب التي قيلت ومازالت تُقال،
ُ يكفيني يا قاسمك هذا
ُحبك لدقيقة وأن أتنفس أنفاسك، وأنا أ
فارس أن أ
الهواء وهذا الف َضاء، يكفيني أن أختلي بك في وس ِط هذا النهر ولي ُكن أجمل
أعرفها وال أعرفها،
ٍ
يوم في حياتي، وال يوٌم يضاهيه، ألتح ُم بِك بدوافع
وكفى، يا ل
إس ُمها " أحبك "
ٍ
لن أسأل نفسي عنها، بدوافع
ٍ
بدوافع ذة الو َجع
َوه ال جا ِمنك " أدركت تما ًما أ َن وجعي لذيذ و ُمغِري للغرق
منك! " يا حل
به، أعني الغرق بك.
ِر سنتيمتر واحد عن
اضطربت أنفا ُسها بربكِة قُربه/إلتحامه بها، ابتعد مقدا
شفت يها، ليُالصق أنفُها أنفه، كيف بقُبلة أن يقف هذا الزمن بعيني؟ أن
يتالشى الجمي ُع من عيني لتبقى الحياةُ أن ِت وما ُء عين يك َشرابي؟ لن يجيء
من بعِدك شخ ًصا له القدرة على إلمام الكون في مالِمحه و ُمقابلتي. لن
َي األرحاِم أت ي ِت حتى تحمِلي
يجيء شخ ًصا يقف ويلت ُف الكون حوله. من أ
قلبِي؟ يالطاعة التي أبذً ة في لها كلما تأملتك وقلت " ُسبحانه من أو َجد الفتن
عين يك ."
سنفترق يا عبير؟ هذا ما يطفُو على سطحنا، ولكن أحبك! " ِكذا ببساطة
أحبك."
ٌم أو واقع،
فتحت عين يها لتنظر إل يه بإضطرا ِب األنفاس المتبادلة، ما مَر حل
ما مَر مط ًرا قَ . َدَرهُ أن ت
فاضت مالمحها بال ُحمرة، ولم يبقى بيا ٌض سوى عين يها المتألألة بالدمع.





همس: مضطر! عشانك وعشاني، ولو بإيدي كان قلت أموت معاك وال
أموت من حياة ب ُدونك، . . آسف
عبير ببكا ٍء سلك مجراه على مالمحها، هم َست بب َحة : ال تروح!
لعين يه، صعَدت بتقيؤ للو َجع، أنا الذي ضللت السير
فارس صعَدت دمعةُ
طوال حياتي ولم أحب سوا ِك. ُكتب عل ينا أن ال نجتمع مهما حاولنَا أن
نقترب .
ِق من لياقة الكلمات
عبير بإستسالٍم تام يختنق صوتها تدريجيًا ببح ٍة لم تُب
شيئًا يُسمع: فارس
فارس رفع عينه للسماء: مافيه شي بحياتي مستقر! مافيه إال أن ِت.
عبير: محتاجتك . .
فارس بألم يتحشر ُج به صوته : آسف ألني مقدرت أكون زوجك
َي
عبير أخفضت رأسها ليواسيها َشعرها على الجانب ين، ب َكت بال أ
محاوال ٍت للصمود، ب َكت من مرارة البُعد والوداع، ب َكت ألن ال شيء
سي ُكون على ما يُرام في يوٍم سيغيب به فارس .
،
وقف أمام الباب بتع ٍب و ُجهٍد استنزفه الجُو البارد، ضغط على الجر ِس
كثي ًرا، تمُر اللحظة واللحظة األخرى وال يتحرك من مكانه، مازال يضغط
َوةٍ
على الجرس حتى بدأت مالمحه تح َمر بالغضب، طرق الباب بق
صاخبة، صرخ: ناااااااصر! . . . أدري أنك هنا! أدري أنك بباريس . .
الشقق التي
ضرب الباب بكفَه المتجمدة من البرد. واصل ضربه متجاهالً
َصل ُحرقته الت
بجانبه، وا ي ت ِصل بضرباته، صرخ حتى ب َح صوته:
نااااصر . . نااااااااااااااااصر
هرول إليه حارس العمارة سريعًا : أزيز؟ *عزيز*
إلتفت إليه ليُخبره الحارس قبل أن ينطق كلمة: ألم تعلم ماذا ح َصل؟ قد
أغلقته الشرطة وأتى أمٌر بأن ال يسكن أح ًدا حتى تنتهي مجريات القضية.





َي
عبدالعزيز بفرنسيَ ٍة أصبح يُبغضها و ُرغ ًما عنه ال يتخلى عنها : أ
قضية؟
:ال أدري تما ًما ما حصل ولكنه قتل شخ ًصا وهرب
عبدالعزيز شعَر بأن العالم ي ُدور حوله والحارس العجوز ي ُدور أكثر : من
الشخص؟ إمرأة؟
:ال أدري
عبدالعزيز بهذيَان تذ َكر صوتُها: متى حصلت الحادثة؟
:قبل أسبوع ين أو أكثر
َهد براحة وكأنه أمتلك العالم بك َف يده: شكًرا
تن
:بوردون
ٍن من الممكن أن يذهب إل يه، َسار كالعابرين
َي مكا
ن َزل للشارع ليُفكر بأ
َرة. ال تفعل
البائسين، يش ُد الخطوة ويسح ُب األخرى والذبول يلحظه الما
ي يا نا ِصر
هذا ب !
تجمَدت خطواته ليقف بالمنتصف، و األصوات تتداخل بمخيلته، حاول أن
يستعيذ بالله ويتر ُك هذا األمر برمته خلف ظهره ولكن لم يستطع، لم يقِدر
على أن يُصفي ذهنه من كل هذا.
َوجع عميق : يالله ساعدني . . ساعدني يارب يا
مسك رأسه لينخفض ب
كريم . . .
يُفتت خالياه تنبع ُث أصواتهم، و صو ُت هديل
ٍ
بصداع الناعم والصاخب
يسل ُب عقله، جلس على عتبا ِت الدرج لينقبض قلبه بشو ٍق لهديل ولضحكة
هديل ولروح هديل، يارب !
رفع عينه لسيارة األجرة الواقعة أمامه ليقف بتعب ويتجه نحوها : إلى
المقبرة .
:ولكن ال يُمكنك دخولها بهذا الوقت.
عبدالعزيز بح َدة : إتجه بي إل يها. . .
:حسنًا
نظر لساعته التي تعب ُر الفجر بساعاته األولى، يالله كم يلزمني من وق ٍت
حتى أتعايش مع موتكم/فقدكم، يارب أجبر كسر قلبي بفقدهم، يارب يا





ٍر من عنِدك في جناتِك
كريم عوضني بخي .
مَرت نصف ساعة حتى وصل إلى ُعتمٍة ال يضيئها شيء، أعطاه أجرته
َمن حوله، ل
ونزل، نظر ِل يتجه نحو الناحية األخرى، بحث في األرض عن
شيٍء حاد يُدخله بالقفل، حاول أن يدفع الباب ولكن ال جدوى، نظر
بنظرا ٍت للجانب ين حتى تسلق الج َدار ور َمى نف ِسه على األرض بمساف ٍة
ليست بالمرتفعة، نفض مالبسه ليسير ب ُخطاه نحو الجهة األخرى التي
يحفظها، بكل خطوة كان يخر ُج الهواء من رئت يه وال يعُود، بكل خطوة كان
يختنق أكثر .
جلس على ركبت يه أمام قبرها، ال قوة لد يه تُسعفه أن يقف أمام هذا األلم
المفجع.
السالُم " عليكم دار قوٍم مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم
الحقون "
ص َمت وال فكرة ت ُدور بباله، ينظ ُر للتراب الذي يرقد فوقها ويفي ُض قلبه
بحز ٍن ال تشرحه الكلمات وال توازيه المعاني.
الدمع، ال شيء يُبكينا بقدر الموت، لو
ِ
أخفض رأسه لتح َمر محاجره بملح
َما تركت لحظة تأ ِت وأنتم
َما فرطت بدقيقة دونكم، ل
أن الحياة تعود يو ًما ل
َما غبت
لستم معي، ل .
" أشتقت!
لو أن الحياة تعود يو ًما يا هديل وأشرح ل ِك عن وجع غيابك،
اشتقت لك كثير. وكيف ألتقيك؟ لو أنِي أقدر أشوفك أو بس ألمحك! لو بس
أملك هالمعجزة اللي تخليني أسمعك" .
وضع رأسه على الصخرة التي ترمز لقبرها، انسلخ من جلِده ولونه
أن خرج من رحِم
وشخصه وكبرياءه وعاد ألصله، أص ُل البشر بكاء منذُ
أمه ليواجه هذه الدنيَا.
" ال شيء حقيقي يُسعدني، وأنا
" لو
كل شيء بعدكم يحمل اإلفتراضات و
ي على الحياة بعدكم. يارب أسألك بكل إسٍم سميت به
والله العظيم ال قُدرة ل
نفسك ذكرته في قرآنك أو على لسان أحٍد من خلقك أو أخفيته في علم
الغيب عنِدك لحكمة منك النعلمها، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني
الصبر، يارب أرزقني الحياة .





،
ال -/ باريس . َساعة الثامنة صبا ًحا
ِر ًدا يُدفىء خالياه المشتاقة لهم، هذه
ًء با
خرج من الم َطار ليتنفس هوا
البرودة ال تعني شيئًا أمام حرارة الشوق، وال شيء يعتلي سقف العائلة، ال
شيء له القدرة أن يوا مقدار العائلة، هذا الشتات، شتاتكم تحدي ًدا يعني ِزي
أن يُك َسر في داخلي ضلعًا تلو ضلع، يارب المم شتاتنَا وبعثرتنا.
إتجه نحو نايف ليُسلم عليه بحرارة : الحمدلله على السالمة
عبدالرحمن : الله يسلمك . . شلونك يابوي؟
نايف: تمام . . خليت سالم في البيت
عبدالرحمن : ليه وين عبدالعزيز؟
نايف: طلَع . . خلنا نستعجل قبل ال تمسكنا الزحمة
عبدالرحمن عقد حاجب يه ليركب السيارة بجانبه، ربط حزام األمان ليُردف :
فيه شي صاير؟
نايف: كل األمور تمام
عبدالرحمن : وعبدالعزيز؟
نايف بتوتر تنحنح : بخير . . ح َرك السيارة ليأ ِت سؤال عبدالرحمن
لكل كذبَة يُغطي بها ما حدث: هذي سيارتك؟
مزلزالً
نايف: آل . . لسالم
ا
عبدالرحمن ص َمت لينظر للطريق المزدهر بخضاره وقلبه يبته ُل شوقً
ا أكثر/أعمق، كل األفكار
لعائلته. تمُر الدقيقة تلو الدقيقة ويفي ُض قلبه شوقً
تنسحب وتبقى فكرة واحدة " عائلته " . . رتيل، عبير، ضي .
ٍق بعد

طويل نحو البيت الخشبِي الذي لم يراه
دقيقة انقضت بطري
ا، ركن سيارته لينزل، سلَم على سالم ليلتفت نحو نايف:
عبدالرحمن ُمسبقً
تقدرون تآخذون إجازة اليوم بكون هنا
سالم: الحمدلله على سالمتك قبل كل شي





عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . إتجه نحو الباب ليفتحه بخفُوت،
ط َل للجهة األخرى ناحية المطبخ المكشوف على الصالة، نظر لظهرها
وهي تتكىء به على الطاولة وتُح َرك الملعقة وسط ال ُكوب. لم تشعُر
بخطواته خلفها وتفكيرها غارق ح ُد الالشعور بشيٍء آخر وبطنُها ينتفخ
بشهو ٍر حب لونُها أولى، بدأ الحم ُل يظهر عليها ويزي ُدها جماالً مهما ش
وانصهر، تبقى الحياة تُبَث بها ألن بداخلها حياةً أخرى.
:صباح الخير
ٍق جعلها
إلتفتت بلهفة لنبرةٍ تحت ُل قلبها، ارتجفت شفت يها لتتجه نحوه بعنا
تقف على أطرا ِف أصابعها، سحبت رائحته بداخلها وهي تستنش ُق الهواء
الذي يعب ُر عنقه، فاض قلبُها ببكا ٍء ممتلىء بالسكينة، فاضت ُروحها
و ُجودك بجانبي يكفيني!
"
بالشوق وهي تتشب ُث به كطفل ٍة أضاعت سبيلها،
يكفيني عن هذه الحياة بأكملها، لو تعلم كيف لمزاجيَة قلبي أن تتبعثر
ُم
ُمجرد أنك لست ُهنا! لو تعلم فقط كيف تتلعث
وتصطدم بح َدة التفكير ل
رو ِحي ُدونك؟ وأنك الطريق األوضح على اإلطالق! وأنك صوتي يا
عبدالرحمن، صوتي الذي ال يُبَح أب ًدا."
:اشتقت لك
عبدالرحمن بإبتسامة: وأنا أكثر . .
تشبثت به بطريق ٍة تُثير كل خليَة حانيَة في جسِد عبدالرحمن، لس ُت على ما
يُرام! ال شيء يسير بخير طالما أنك لست ُهنا، ال شيء يا عبدالرحمن يس َد
مكانك.
ش َد على ظهرها وهو يشعُر ببكا ِءها الذي يهُز قلبه قبل كل شيء: ليه
الب ِكي؟ . . ضي!!
ضي: ِمحنَا بخير !!!
عبدالرحمن يُبعدها ليُحاصر مالمحها الباكية بكفيَه: الحمدلله على كل حال
. . كل امورنا راح تتصلح بإذن الكريم . . إلتفت ليبحث بعين يه عن رتيل :
. . وين رتيل؟
ضي بضيق: طلعت مع عبدالعزيز
عبدالرحمن: متى؟





ضي: أمس
عبدالرحمن عقد حاجب يه: كيف ما رجعت؟ وين راحوا؟
ضي هزت كتف يها بالالأدري : عبدالعزيز مو على بعضه في اليومين اللي
راحوا
عبدالرحمن: رتيل معها جوالها؟
َما غاب عبدالعزيز آخر مرة أخذه معه وما رجعه
ضي: ال ل
َهد ليبتعد بخطواته متج ًها للخارج، اقترب من نايف: وين
عبدالرحمن تن
عبدالعزيز؟
نايف: قالي بيرجع بس ما رجع وماحبيت أشغل بالك!!
عبدالرحمن بغضب: كان الزم تعلمني! . . الحين وين نلقاه؟
نايف: تط َمن ماهو عند رائد وال غيره . . لكن بالضبط مقدرت أوصله
عبدالرحمن مسح على وجهه بتع ٍب وإرهاق: من وين طلعت لنا هالمصيبة
بعد!!!
َور عليه داخل باريس يمكن أقدر أوصله،
نايف: الحين راح أد
عبدالرحمن صمت لتتداخل األفكار بعقله، تحدي ًدا األفكار األشد سو ًء .
:ما قالك شي؟ ِكذا فجأة قالك بطلع
نايف: أل . . حصل شي غريب، جاه ظرف ومنعني إني أفتحه، خذاه ومن
عقبها انقلب حاله
عبدالرحمن شتت نظراته لتثبت للغرفـ ِة الخارجة عن البيت، أتى صو ُت
نايف منب ًها: هنا كان ينام
اقترب بخطواته ليفتح الباب ويدخل، نظر للمكان المبعثر حتى سقطت
عيناه على األرض، على الصور المشتتة.
انحنى ليأخذها بمالمحٍ جنها بكفَه المنتشي تشت ُد غضبًا، قرأ الورقـة ليع
َهد راميًا الورقة على األرض: مجنون
غضبًا، تن !!!!
جلس على طرف السرير ليضع يِده على رأسه، كل األمور تسوء! ما أن
نخرج من مصيبة حتى ندخ ُل في أخرى! ماذا تفعل اآلن يا عزيز، أعرف
تما ًما ماذا ي ُدور في عقلك هذه اللحظة. يالله أرحمنا!!!





،
ٍق يُدخن أخرى: أكرر سؤالي
ٍق ترق ُد على سا
سيجارته ليجلس أمامه بسا
مرةً أخرى
نا ِصر بتظاهر يتحد ُث بركاكة إنجليزية : ال أتكلم الفرنسية وال اإلنجليزية
:يب ُدو أنك ال تفهمني جي ًدا! سجلك وافر بشهادات اتقان اللغة . . لذا ال
فرصة لك بالكذب
ناصر: ال أفهمك
بغضب: اجبني قبل أن اتخذ بحقك عقاب يمنع عنك النوم!!
ناصر ببرود: ال أفهم شيء
حسنًا! في حال ُحكم عليك بالمؤبد قُ ! : ل لهم أنني ال أفهم لغتكم
ناصر بإستفزاز : من دواعي سروري
اقترب منه الضابط ليلكمه على شفتِه: إياك! إيَاك أن تستفزني
نا ِصر: ما أفهمه من لغتك أنني لست قاتل
:سأقول لك شيئًا وتذكره جي ًدا . . لن تخرج من هنا إلى لقبرك.
ناصر سعَل من ب َحة البرد الذي يُداهمه : شكًرا لمعلومتك
جلس الضابط الفرنسي خلف مكتبه: هروبك إلى لندن سيُكلفك الكثير
ناصر أسند ظهره متجاهالً صوته البغيض، الضابط: أال تملك شخ ًصا
نتصل به؟
ناصر: ال
الضابط: أين والدك؟
ناصر: ليس هنا !
الضابط: أنا اسألك أين هو وال أسألك إن كان هو هنا!
َهد بغضب ليعُود لصمته ُدون أن يجيبه بكلمة، هذه الحياة تتخلى
ناصر تن
عنَي للمرة الثالثة، لم أكن أحتاج أن يقف معي أح ًدا، تشاف يت تما ًما من
الخيبات والصدمات التي مازل ُت أتعرض لها، تشاف يت من النهايَة التي
ي، تشاف ي ُت من كل
تجيء ببطٍء يقتلني! تشاف ي ُت من اإلنكسارات التي تغد ُر ب





هذا ولكن لم ي ُكن شفا ِءي بال مقابل! دفع ُت مقابله الالشعور، لم أعد أشعُر
درك أعراض الفرح ذاته، وقلبي؟ فقدته تما ًما. أنا
ُ
َي فرح! لم أعد أ
بأ
أموت! بطريق ٍة بشعة.
،
َو نظر ة أن يخرج صوته مناديًا، ال أحد
للسقف يحاول بشتَى ما يمل ُك من ق
ٍق ال
حوله/بجانبه، مهما علَى صوتُه ال أحد يسمعه، احترق جوفـه بإختنا
قُدرة له عليه، اضطرب صدره الهابط/المرتفع، ش َد بأصابعه على السرير،
يحاول أن يتمالك نف َسه ويقاوم هذا الغرق، يد ُعو الله أن يدخل أح ًدا لينقذه
اآلن، يبته ُل قلبه بأن يدخل طبيبًا أو ممر ًضا ويُسعفه، في كل لحظة يزيد به
األلم كان يزيد بغرزه ألصابعه على السرير، في كل لحظة يزي ُد به الو َجع
كان يأ ِت صوتُها المالئ ِكي بآيات السكينة، في كل لحظة كان صوتُها يقرأ "
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم ولله
جنود السماوا ِت واألرض وكان الله علي ًما حكيما " ال مخرج هذه المَرة،
وال خالص .
الذي أشعُر به، تحدي ًدا إنقباضا ِت قلبي في هذه اللحظات، هل هي سكَرا ُت
الموت؟
وجاءت
يأ ِت صوتُها مَر سكرة ا يالله، يأ ِت صوتها بأكث ُر اآليات تأنيبًا "
الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونُفخ في الصور ذلك يوم الوعيد "
أخذ نفس عميق يحاول أن يستنشق الهواء الالزم للتنفس بصورة طبيعية،
وال محاولة تُجدي وتُفيد.
ِه ب ُحمرة مالمحه التي تضيق وتختنق بش ُحوب، يراهم! يقسُم
تفج َرت عروقـ
قُ بالله أنه يرى ما حوله ولكن ال درة له على مناداةِ أحد. يكاد يجزم أن
طوال حياته لم يشعُر بوجعًا قدر هذا الوجع الذي يقتلع حنجرته وقلبه ببطٍء
ال تتحملهُ الروح، يالله أسألك سال ًما .
ٍر مؤذي، تقف الغ َصات وتقبض على عنقه لتخنقه
اصطدم فكيَه بصري





بش َدة، ال مفَر من الموت، ال مفَر!
أصع ُب لحظا ِت حياته يشعُر بأنه يواجهها اآلن، حاول أن يضع يِده على
عنقه ولكن حتى يِده تجمَدت في موضعها، يشعُر بطعم الدماء التي تعب ُث
بفِمه، يشعُر بالقلب الذي يقتلع من محاجره، يشعُر بأن شو ًكا ينه ُش بكل
جز ٍء من جسِده، كل قوةٍ زائلة ما دامت هي في يِد الله .
َي لسانه، ضاقت محاجره حتى
حاول أن ينطق الشهادة، حاول حتى لو
تدافع الدم ُع بفوجٍ عميق، تحشرجت رو َحه وهي تعب ُر حنجرته كصو ٍت
ركيك جاهد أن يتسلق الشهادة .لم يستطع! لم يملك الحياة الكافيَة حتى يقول
، فقد الهواء الالزم
" أشهُد أن ال إله اال الله وأشهد أن محمًدا رسول الله "
ليدفَع بها كلمات الشهادة على لسانه . . فقد الحياة.
ارتخت أصابعه المشدودة على السرير، وهدأ إضطرا ِب صدره حتى
س َكنت أنفاسه بنظراتِه الذابلة األخيرة، كان المو ُت جديًا أكثر من الالزم.
وضع الممرض يِده على يِد السلطان الباردة ليلفظ بخوف: سلطان . .
سلطااااااااان!!! . . . . . إلتفت مناديًا . . دكتووور أحمد . . .اقترب
الممرض من كوب الماء ليُبلل يِده ويُبلل مالمحه الشاحبَة المختنقة، بنبرةٍ
أخوية حانية: بسم الله عليك . . استعيذ بالله هذا كابوس!!
َما حوله وال شيء يشعُر به سوى وج ُع قلبه هذه اللحظة، وضع يد يه
نظر ل
على رأسه المنفجر بصداعه، بربكٍة عميقة، تعلق عقله بفكرة أنه لم يستطع
نطق الشهادة في موته، يحاول أن يستوعب حاله اآلن! هل ما يمَر به
حقيقة أم كابوس/حلم! هل ما يحد ُث . له اآلن واقع
استعدل حتى حاول الوقوف ولكن منعه الممرض الواقف بجانبه: ارتاح
سلطان المتعرق من كابو ٍس لم يرى مثله أب ًدا: بس بتوضأ
:تحتاج مساعدة؟
سلطان هز رأسه بالنفي متج ًها للحمام، وقف أمام المغسلة مستن ًدا بذراع يه،
ُمجرد
ليتعَرى بجروحه أمام المرآة، اختنقت محاجره من هول ما رأى، ل
الحلم شعَر بأن روحه تُقبض كيف لو كان حقيقة؟ يالله! كيف سيأ ِت
ُم الموت! ماذا لو أتى ولم أ قبلة لن يكون
كن مستعًدا! هذا حلم ولكن المرة ال
حل . ًما





بدأت أفكاره تتشتت، لتتوس َده مسألة األمن التي تتذبذب في الفترة األخيرة
وهو مؤتمن عليها، بلل مالمحه بالمياه الباردة، يحاول أن يُهدأ رَوعه وال
فائدة، كل خليَة في جسده ترتجف.
توضأ ليخرج، رفع عينِه للممرض: راح أطلع الحين!!
الممرض: إيه بس . . حالك..
قاطعه: تمام . . . تحامل على كل شيء ليتوجه ناحية القبلة، بأو ِل سجدة
" اللهم أحفظ بالدنَا
وأول دعوة لله، أت َت بنبرةٍ مجروحة من بكا ٍء ال يخرج
بحفظك وآمنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها ومابطن، الله عليك
بأعداء الدين والمنافقين ومن والهم ومن عاونهم، اللهم أحفظ أرضنَا
وأرض المسلمين بعينك التي ال تنام، اللهم أدم أمننا واستقرارنا، يارب
يارب يارب أخلف لنا خي ًرا ممن فقدنا و ُمَد حماةِ األرض والدين بالقوة
والمعونة " .
خفت! خف ُت على أم ٍن سلَب، خف ُت يتزعز ُع بلحظة، خف ُت على أر ٍض أن تُ
على خرا ٍب أن يبعثرها، خف ُت للمرةٍ الالأدِري على الشهادة التي تعتلي
َوث
العل ! َم، خف ُت عل يها من أن تتل
يُتبع
،
َست أمامه ُدون أن تنطق كلمة من هول الكلمات التي لم تعرف منها وال
جل
شيء، البُد أن أصارحه بأنني أكذب! هذا الحال ال يُمكنني أن أستمر عليه،
يالله على غباءي في اللحظة التي كذب ُت بها عل يه، يالله على غباءي كيف
أصحح األفكار الخاطئة التي يأخذها عنَي، كنت أعلم والله أنني أستحق
رجالً طائ ًشا أطيش معه وليس متزنًا يغلبني معه.
فيصل :الله يعين





هيفاء: آمين
ٍق مبعثرة على مكتبه، ال يرفع رأس
ه من الثغرات المتو ِر انشغل بأورا ط بها
بفع ِل

يوم إن لم يُح َل األمر سيُفضح بإتجاهه ناصر، تبقى له من الشهر
إلى السجن، أخذ نفس عميق ليُعيد قراءة ما بين يد يه، يتجاوز األسطر
لينظر للحسابات البنكية المتعامل معها وعيناه تقرأ لغة األرقام.
تُراقب حركاته وتفاصيله الصغيرة بالتفكير، أصابعه التي تح َك جبينه
َهيدته الطويلة
للحظا ٍت طويلة وفرقعة أصابعه بين كل لحظ ٍة واألخرى، تن
التي تأ ِت بعد عم ٍل ُمتعبًا، تحاول أن تحفظه بقلبها وعين يها.
هيفاء وقفت: راح أجيب لك قهَوة . . خرجت لتنزل لألسفَل، نظرت لريف
التي تلع ُب بألعابها في منتصف الصالة، بحثت بعين يها عن أم فيصل ليأ ِت
صوتها مقاطعًا للعبها: ريف
إلتفتت عليها، أردفت هيفاء : وين ماما؟
ريف: راحت
هيفاء أمالت فِمها لتتجه نحو المطبخ، تحتاج أن تتعرف عن فيصل من
خالل والدته، دقائق قليلة حتى مألت الكوب بقهوةٍ ُمَرة، صعدت به
َر يسبقها، و
وبُخارها الحا ضعته على الطاولة أمامه.
فيصل: شكًرا
هيفاء: العفو . . رفع عين يه على صو ِت الهاتف الذي صخب برنينه .
َرد . . راقبها بنظراته إلى أن إتجهت نحو الهاتف،
هيفاء: خليك بشغلك أنا ب
رفعته : ألو . . . إيه . . . . . . . لزمت الصمت بربكٍة تامة . . . نظرت
إلى فيصل الذي يخفض نظره ناحية األوراق، بلعت ريقها بصعُوبة حتى
نطقت : فيصل . . .
رفع عينه : مين؟ . . . أنتبه لمالمحه ليترك القلم ويتجه إل يها، أخذ السماعة
: ألو . . .
لم يأ ِت صوتًا واض ًحا، ليشتَد صوته بحدة : ألو!!!!
:مبروك الزواج . . ليتك قلت لنا نسوي معك الواجب!
فيصل أشار لهيفاء أن تخرج، بخطوا ٍت مرتبكة إتجهت نحو الغرفة
المرتبطة بمكتبه ببا ٍب فاصل، جلست على طرف السرير وقدِمها تهتَز من





الكلمات التي زعزعت سكينة قلبها " زوجته؟ ماشاء الله تزَوج وال قالنا !!
َي األصدقاء هذا الذي يُحادث زوجة
زوجك من أولها باع العش َرة! . . " أ
صديقه بهذه الوقاحة! من المستحيل أن تكون طبيعة أصدقاءه بهذه
الصورة .
في جهٍة أخرى يلفظ بح َدة : ُعمر كلمة وحدة ماراح أكررها كثير لو
َي هنا ما تلوم اال نفسك! ال تج َرب تستفزني عشان ما أج َرب
أتصلت عل
أذبحك
َوة! عندي لك
ُعمر: معليش يا عريس شويَة تفاهم داخل علينا بق موضوع
يهمك
فيصل: وأنا عندي لك******
ُعمر غرق بضحكته ليُردف بإستفزاز: تؤ تؤ!! هذا حكي يطلع من فيصل
ولد القايد!!
فيصل بعصبيَة: أقسم لك بالله لو جربت تلعب بذيلك معي الأقطعه لك
َي
ُعمر بجدية : أنا أبي أساعدك! شفت توريطة ناصر لك وماهان عل
فيصل ابتسم بسخرية : على اساس أنه ناصر متصرف على كيفه! ال تلعب
َي وال ألعب عليك!! أالعيبكم حافظها
عل
ُعمر: بكَر ! ا راح تنسحب الدعوى اللي ضِدك
فيصل: وش المقابل؟
ُعمر بضحكة: وش متوقع أبي منك؟
َي
فيصل: ال يكثَر وأخلص عل
ُعمر: أبي بعض األوراق من عبدالله اليوسف
فيصل: روح لبومنصور وقوله أبي األوراق! ماني وسيلة لك
ُعمر: أكلمك جد!! ماهو وقت مصخرة . . أنا أحتاج هاألوراق ومتأكد أنه
بومنصور يعرف مكانها
فيصل: مقدر أجيب لك شي . . !وال تتوقع أني بساعدك بشي!!
ُعمر: أجل صبَح بكرا على الشرطة اللي راح تحبسك بديون مقدرت تسدد
ربعها!
فيصل بغضب: ُعمممر!!!





ُعمر: ج َرب تساعدني وراح أساعدك
فيصل زفَر براكينه ليلفظ بين كومٍة حادة تخنق صوته : تخص إيش
األوراق؟
ُعمر: أسماء موظفين يشتغلون عند رائد، أنسرقت قبل يومين من بيته وهي
موجودة عند بومنصور!
فيصل: بتفهمني أنه الي سرقها بومنصور!!
ُعمر: أل لكن وصلت له
َه
فيصل تن د: تطلب مني شي صعب!!
ُعمر: ما يصعب عليك . . عن طريق زوجتك
فيصل: وش عرفك عن زوجتي؟
ُعمر بضحكة: أنا ممكن أتظاهر لك بالغباء بس وال يدخل في مخك للحظة
إني غبي!!!!!
فيصل بغضب: طلبك مرفوض!!
ُعمر : تح َمل اللي بيجيك
فيصل صمت قليالً ه ليُردف :إذا عشت لبكَرا إن شاء الل
ُعمر بضحكة عميقة : يعجبني أنك واثق بمسألة موتي! بس بخليك تثق
بقدراتي بعد . . إتصال مني ينهي لك بيتك بكبره!
فيصل: يؤسفني والله إني أنزل من مستواي عشان أوصل لمستواك وأقول
*** . . أغلقه في وجهه ليأخذ نفس عميق يحاول أن يُهدأ به أعصابه،
على
أخذ هاتفه المحمول ومفتاحه ليتجه نحو الباب، تراجع بخطواته لغرفته،
ٍر عميق : هيفا
نظر لسكينتها التي ترتِدي عقلها بتفكي
رفعت عيناها ُدون أن تنطق كلمة، : أنا طالع . .
هيفاء بتوتر تُشتت نظراتها بعي ًدا عنه : طيب
نظر إل يها ليرفع حاجبه : فيك شي؟
هزت رأسها بالنفي ليخرج ب ُخطى سريعة، أخرج هاتفه المحمول ليثبته
بكتفه وهو يفتح باب سيارته : ُعمر هددني!





،
بح َرج يحاول يُغلق الموضوع برمته بعد أن تم فتحه بطريق ٍة لم يتوقعها :
آل أكيد . . هي أم زوجتي
الضابط رفع حاجب يه: بس الواضح مثل ما قلته
منصور: يعني كان فيه إتصاالت بين يزيد وفهد؟ قبل وفاته؟
الضابط: إيه ومن جوال أمه
ًء كانت
يوسف بضيق: طيب ما أظن حكي أمه بيغيَر شي الحين! سوا
تعرف أو ماتعرف . . بالنهاية يزيد هو اللي قتله ولبَس التهمة لمنصور
الضابط: هي تحايلت وغيَرت مجرى قضية كاملة!
يوسف بغضب لم يسيطر عليه: أنا وش دخلني الحين بأنكم تجيبون أمه!
منصور يضع يِده على كتف يوسف وبحدة : يوسف!!!
يوسف تنهد : أستغفر الله بس
الضابط: إحنا راح نسوي اللي علينا ومضطرين نعتقل األم
يوسف بح َدة : كيف تعتقلونها! هذا ولدها مستحيل تض َره، ممكن تكلمت من
خوفها .. بس بتج َر وحدة بمقام أمك لهنَا وبتدخلها بين الرجال. . !!
الضابط : أتمنى يا أخ يوسف ما تنسى نفسك
يوسف بعصبيَة بالغة : أنا ماني موافق! وال من المعقول انكم بتجيبونها
الضابط: ومين قال أننا ننتظر موافقتك؟
منصور: يوسف قوم!!
يوسف: ماراح أتح َرك . . يجي أبوي ويتفاهم مع مقامك السا ِمي . . أردف
كلمته األخيرة بسخرية/إستهزاء
الضابط: أخ يوسف أنت كذا بتخليني أحتجزك عندنا لمخالفتك القواعد
منصور وقف بغضب: يوسف قوم!!!
يوسف يخرج من المكتب بخطوا ٍت غاضبة، إتجه نحو الخارج ليلتفت يمينًا
نحو سيارته، إقترب منه منصور: مجنون! تبي تورطنا بعد!!!
بغض ٍب كبير يقف أمامه: تح َم ة بما فيه الكفاية! لت سخافاتكم بهالقضي





ترضى على أم نجال ؟ ماراح ترضى بس يوسف تآكل تراب وترضى
منصور: كان راح نقدر نوصل لحل لو ساكت ومخلينَا نتفاهم مع الضابط
يوسف: ماني مجبور أتح َمل أغالطك يا منصور! . . ركب سيارته ليُغرق
منصور بغض ٍب بالغ، إتجه نحو سيارته التي ترك ُن بجانبه ليلحقه.
،
صعد الدرج الذي شعَر وكأنه مبنى شاهق يتسلقه، رفع عينه لينظر لجسِدها
الواقف أمام الباب، إلتفتت عليه بلهفة، وضع قدِمه على آخر عتبَة حتى
اندفعت إليه وعانقتها بشو ٍق كبير ها ِم َسة: وينك كل هالمَدة! يالله يا عزوز
خوفتني عليك . .
َهد : أنشغلت
عبدالعزيز تن شو ي . .
لتنظر لمالمحه الشاحبَة: وش فيك؟ صاير شي؟
ابتعدت قليالً
عبدالعزيز: ال . .
أثير: طيب طمني عليك؟ وش مسوي؟
عبدالعزيز: كل أموري بخير . . رتيل هنا
أثير أتسعت محاجرها بالده َشة : نعم!!!!
عبدالعزيز يقترب من الباب ليُخرج مفتاحه، من خلفه: كيف هنا؟ كيف
تجيبها يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز بتعب: مافيني حيل أتناقش معك! بتكون هنا وياليت ما تقربين
لها بكلمة
أثير بغضب: يعني تتركني فترة ال أعرف أرضك من سماك بعدها تجيبها
ي وتقول ال تقربين لها! ما تراعي شعوري أبد
ل
عبدالعزيز: أثير!!
َي أثير بعصبية: عبدالعزيز الحين توديها عالقة فيها!
أل َي جهنم مالي أ
ماتجمعني معها في مكان واحد





عبدالعزيز بغضب يلتفت نحوها، ش َدها من ذراعها : كلمة ثانية وأقسم بالله
. . أستغفر الله بس
أثير ارتعبت لتصمت ُدون أن تهمس بحرف، فتح الباب لتدخل، بحث
بعين يه عنها ليراها منحنيَة تُغلق حذاءها، رفعت عين يها نحوه، لتشتَد حدتها
ب ُمجرد أن رأتها.
َي واحدة منهن، أثير تنهدت لتُعلَق
جلس على األريكة ُدون أن يبالي بأ
معطفها خلف الباب والسكارف، جلست بجانبه : وين كنت فيه؟
عبدالعزيز: هنا
أثير بضيق ينخفض صوتها: هنا وما تسأل عني!!!
عبدالعزيز: جوالي طاح في النهر وماطلعت جوال جديد!
أثير رفعت عينها لرتيل، ألتهمتها بنظراتها، ُرغم أنها كانت تشعر بأن
ً
رتيل ليست بالمنافسة لها إال أنها تشعُر اآلن بأنها تفوقها جماالً/فتنة.
إلتفتت لعبدالعزيز لتلتصق بجسِده: اهم شي إنك هنا . .
رتيل وقفت ولو جلست للحظة لن تتردد بأن تدفنها حيَة، تشت ُد غضبًا
وكر ًها لها : ممكن تفتح غرفة من هالغرف عشان أدخلها!
عبدالعزيز: كلهم مقفالت؟
رتيل تعلم أنه يستهزأ بها : إيه
عبدالعزيز: وش أسوي؟
رتيل بح َدة: يعني كيف؟
عبدالعزيز رفع حاجب يه: وش اللي كيف؟
رتيل بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف: على فكرة مسألة أنك تقهرني باللي
جمبك أمر أنساه! فعشان كذا تكَرم وأفتح لي غرفة من الغرف!!!
أثير بضحكة مستفزة : إسمي أثير مو اللي جمبك! . . عيب يا بنت
عبدالرحمن آل متعب تقولين مثل هالحكي!
عبدالعزيز إلتفت ألثير بح َدة جعلتها تصمت، أعاد نظره لرتيل: أظن أني
وصلت لك الفكرة أمس!
رتيل بغضب: أوكي وأنا أوصلك فكرة أني مجنونة أحرق لك البيت باللي
فيه لو ما تركتني بمكان ماأشوفك فيه أنت وياها!!





عبدالعزيز تجاهلها تما ًما ليُشتت نظراته بعي ًدا.
َي طريقة أن تُهين
تحاول أن تقتلني يا عزيز برؤيتك معها، تحاول بأ
كبريائي أمامها، لو أراك تحترق معًها وبيديِ ما ًء كر وال للحظة أن لن أف
ريد أن أنساك حاالً،
ُ
أسكبه عليكما. أشعُر بقهٍر يُثبَت أشواكه في صدِري، أ
َود بش َدة أن أتخلى عنك بدناءة ال تفارقك
أنا أتجاهلك وكأنك لم ت ُكن شيئًا، أ
َود أن أمحي أمُرها وأن ال يبقى في هذا الكون صدى إلسم
ُعمًرا بأكمله، أ
َود بش َدة ذلك
، أ .
"
" أثير
رتيل إقتربت منه لتقف أمامه: أنا أكلمك!!
عبدالعزيز بح َدة: رتيييل! ماأبغى أكرر الكالم عليك ألف مَرة
أثير تضع يدها على ذنقه لتلفَه نحوها وبإبتسامة: رَوق وبسوي لك كوفي
تمخمخ عليه . . وقفت لتسير من أمام رتيل، ضربت كتفها بكت ِف رتيل
وإتجهت نحو المطبخ.
رتيل أغمضت عين يها تحاول أن تمتص غضبها قبل أن ترتكب كارثة
بحِقها، نظرت إلى عبدالعزيز: الكلبة اللي معك ماأجلس معها بمكان واحد!
عبدالعزيز يستلقي على األري َكة بتعب: لها إسم !
بغضب ركلت األريكة بقدِمها، أنحنت عليه لينخفض صوتها بخفُوت: وش
َو تبي توصله؟ تبي تقهرني؟ أنت ما تق اك فيها
َصر ماله داعي تعزز ق !
عبدالعزيز بهُدوء: هذا بيتها
رتيل فاضت البراكين بداخلها، رفعت رأسها عنه لتتكتف : أبي أطلع من
هنا! ماراح أجلس معها وال تفكر إني بأرضى . . والله يا عزيز ال تطلع
جنوني عليكم أنتم اإلثنين
عبدالعزيز بضحكة يحاول أن يدفع بها القليل من همومه : أحب الشراسة!!
َوة لتُردف:
رتيل إلتفتت لترى ِغطاء المناديل الثقيل، رمته بإتجاه بطنه بق
ماراح أجلس معها!!
عبدالعزيز يُبعد الغطاء عن بطنه ليستعِدل بجلسته: تبيني أعيد حكي أمس؟
رتيل: أبي أطلع من هنا
عبدالعزيز بغضب: وقلت لك ال . . تفهمين وال ماتفهمين؟
رتيل: أفتح لي غرفة من الغرف . . ماأبغى أجلس معك طيب





عبدالعزيز : وبعد ال
رتيل تمتمت : حقييير!
كان سيتحدث لوال مجيء أثير، استغل فرصته بإستفزازها فعليًا، ليسرق
بلة خاطفة على خد أثير: شكًرا
قُ
بإبتسامة تمَد له الكوب : عافية على قلبك . .
تجمَدت حوا ت بأن عقلها يغلي وليس قلبها وح ُده، أغار َسها، حتى شعَر
َو َجع يتخمُر في قلبي وينضج، ال
عليك بصورةٍ مؤذيَة لقلبي، أغا ُر عليك ب
اعلم كيف لك القدرة أن تقسى بهذه الصورة؟ كيف لك أن تتجاوز أمُر قلبي
وتُالمسها أو حتى تُح َدثها بكلمة ناعمة! كيف لك كل هذه القوة أن تُغيضني
بها! " عسى حزني منك مايفارقك "
أثير رفعت عين يها بتغنج لرتيل: خالص وال يهمك الحين أقوله يعطيك
المفتاح! ال تموتين بس . . إلتفتت لعبدالعزيز . . حبيبي عطها المفتاح،
ماتسوى نسمع تحلطمها طول اليوم!
عبدالعزيز يضع الكوب على الطاولة ليرفع عين يه لرتيل المنهزمة تما ًما،
نظر جامدة
لعين يها وهو يفهمها جي ًدا، تقاوم بكاءها ودموعها، تقاوم بمالمحٍ
ال تلين بدمعة .
صم ٌت ي ُدور بينهم، ورتيل مازالت صامدة ثابتة أمام كل قوة تُهين قلبها.
نظراتِك هذه تحفظني، في الوقت الذي تخونني به أفعالك، عيناك تقف
بصفَي، في الوقت الذي تُشعرني بأني ال شيء, عيناك تُساندني، تملك
القدرة على اهانتي بكل شيء إال نظراتِك! مهما حاولت لن تستطيع أن
َي
تُهينني بنظرة محج ُرها ف .
أتى صوتُها مقاطعًا لألحاديث المتناقلة بنظراتهما : عطها عزوز
رتيل بح َدة مالمحها : ما أحتاج وساطتك في شي . . !
أثير بإبتسامة ناع َمة ترتسم على شفت يها : أنا أتوسط لنفسي! بصراحة ما
أتحمل وجودك قدامي . . فأبي فرقاك
عبدالعزيز بح َدة : أثير . .
أثير رفعت حاجبها : وش قلت؟
رتيل نظرت لحزمة المفاتيح المتوسدة الطاولة، رفعت عينها ألثير بإبتسامة





ُسرعان ما تالشت بطريقة " تسليكية " : ال تتكلفين مَر ما ة بكالمك ألنك
تهميني! زيَك زي الجدار . . وممكن حتى الجدار أكثر أهمية منك . .على
األقل مغري للتأمل !
عبدالعزيز بال ُمباالة وضع قدِمه على الطاولة التي أمامه: واضح أنه ليلتكم
ماراح تعَدي على خير!!
َي أنا
أثير: يا سالم! بس عل !
رتيل بتشفَي تنظ ُر إليها من أقدامها حتى رأسها بطريق ٍة تفصيلية ُمهينة،
بمِكر : ممكن يا روحي تعطيني المفتاح
عبدالعزيز نظر لنبرتها المتغنجة، إبتسم ال إراديًا: ال مو ممكن
أثير تأفأفت : بس تح َل مشاكلك معها نادني . . وقفت ليسحبها عبدالعزيز
من ذراعها ويُجلسها ُرغ ًما عنها : اللي ينطبق عليها ينطبق عليك
أثير: ال تساويني معها . .
رتيل استغلت إنشغالهما لتسحب المفتاح وتأخذ الكوب، بقهر سكبته عليها
لتُردف بسخرية: ِكذا صار فيه فرق بيني وبينك على األقل شكليًا . . م َشت
بخطوا ٍت سريعة نحو الغرفة، فتحتها لتدخل وتغلق قبل أن ي ِصل إليها
عبدالعزيز.
أثير تجمَدت بمكانها من القهوة التي تُبللها في هذه اللحظة : شايف اللي
سَو !!! ته
عبدالعزيز يسحب المناديل ليمسح مالمحها، أثير بغضب تُبعده: ال والله!
روح ك َسر راسها، لو أنا اللي مسوية هالتصرف كان كليتني! . . بس هي
على راسها ريشة
َهد: بسم الله على قلبك كأنك ما قلتي شي
عبدالعزيز تن !
يعني شايف وش سَو أثير: ت هالبزر فيني! . . مهي بصاحية مكانها
مستشفى المجانين!!
عبدالعزيز وقف متج ًها نحو الغرفة، طرق الباب: رتيل أفتحي
رتيل الجالسة على السرير ال تُجيبه بكلمة، نظرت للحا ُسوب المنط ِوي على
" قريبة
وايرلس
المكتب لتتقدم نحوه، فتحته وهي تدعي أن ت ِجد شبكة "
لتتحدث مع والدها.





َهد: حسابك بعدين
عبدالعزيز تن . .
مسح على وجهه بإرهاق : أستغفر الله . . نظر للساعة . . أذَن العصر
أثير وهي تمس ُح أثر القهوة على مالبسها: عبدالعزيز هالمجنونة ماأجلس
معها بكَرا عادي أنها تولَع فيني
عبدالعزيز يعقد حاجب يه: ماني ناقص مواضيعكم! فيني اللي مكفيني . .
إتجه نحو المغسلة ليتوضأ.
أثير إتجهت إليه لتغسل مالمحها: عاجبك شكلي ِكذا! حسبي الله عليها! . .
هالقميص توني شاريته وشوف وش سَوت فيه
عبدالعزيز نظر لقميصها لتحتَد مالمحه بالغضب: طالعة بالشارع كذا؟
أثير بربكة: كنت البسة جاكيتي؟
عبدالعزيز بعصبية : عاِدي عندك تلبسين قميص شفاف؟ واللي رايح
وجاي يتفرج!
َي ش َف . .
أثير: آل تبالغ ماهو شفاف! بس ألن حرمك المصون كبَت عل
وبعدين كنت البسة فوق جاكيتي
عبدالعزيز: قلت لك مليون مَرة وأحذرك للمرة األخيرة وبعدها ال تشرهين
َي تصرف أسويه بحقك! لو شفت
على أ ك البسة هالخرابيط ماتلومين اال
نفسك!
أثير تنهَدت : أستغفر الله . .
عبدالعزيز : على فكرة التحرر بالمنطق وبالتفكير وبالراي ماهو بالشكل
أثير بغضب: ومين قال إني متحررة! أنا ح َرة ألبس مثل ما أبي ماراح
تحاسبني على كل قطعة ألبسها . . ال تصادر حريتي الشخصية!
عبدالعزيز : من ِت ُح َرة! دام أن ِت على ذمتي يعني بتنضبطين!
أثير بهدوء : ماأمشي ورى قناعاتك يا عبدالعزيز! لي شخصيتي ولك
شخصيتك
متجاهالً
عبدالعزيز يُعيد وضوءه بعد أن فقد شرط " الترتيب والمتابعة "
َرغ : هالموضوع ال عاد تفتحينه
الجدال معها، إلتفت إليها بعد أن ف . .





،
" التي سمعت أسمها اليوم،
" ُمنى
تأملتهُ بنظرا ٍت تحاول أن تكتشف سر
زوجته األولى! مالذي يُخبئه بالضبط! هذا يعني أنه لم يستطيع أن
ي! ولكن
يتجاوزها بعد كل هذه السنوات! هذا يعني أنه يحاول أن ينساها ب
ال قُدرة يملكها على النسيان، ال شيء يُوحي بأنه يريد حياةً جديدة يبدأها
"
معي، وال ع


إعدادات القراءة


لون الخلفية