الفصل 84

يتخلص من قيِده .
يُكمل : أما شغلي راح يتم غصبًا عنك وعن عبدالرحمن وسلطان! وبتبقى
معي إن شاء الله لين يصير اللي في بالي بعدها بف ِكر بأي طريقة تبي
تموت .. على فكرة أنا ديمقراطي ج ًدا أنت أختار الطريقة اللي تبي وأبشر
باللي أعنف منها .. أردف كلماته األخيرة بشماتة ساخرة.
ُوا ب ُمجرد سماع صوته المنادي،
أخذ المشرط ليُنادي الحرس حتى دخل
وا حول جسِده اللالصق حتى تجمَّدت حركته
ُّ
بقَّوة أجلسوه على كرسي ليلف
ِل رائد مالعمل؟ أخذ أحدهم
ولم يعد يستطيع أن يتحرك، وبعين يه يفهم رجا
ًطا وربط قدِمه اليمنى ليمِّد الخيط للعُمود الخشبي النحيف، أنهى العقدة
خي
بزناِد السالح، ب ُمجرِد ما تتحر ُك قدم عبدالعزيز سيضغط على الزناد
لتنطلق الرصاصة بإتجاهه .
ِِّرب
رائِد بسخرية : ال تحاول تموت بدري! تق َّدم إليه ليستفزه وهو يق
ي المشرط من رقبته : من مين هالخطة ؟ سلطان
؟ مين اللي قالك تروح ل
وال عبدالرحمن ؟
عبدالعزيز ال يُجيبه، معتمًدا على التجاهل التام.
رائِد بقَّوة يسحب المشرط من يمين رقبته حتى يسارها ليكتم صرخته وهو
يحاول أن يثبت أقدامه حتى ال يتحرك، فارس أبعد أنظاره ال يتحمل رؤية
هذه الوحشية من والده.
رائد : وش اللي تخبونه ؟ ها ؟ ترى السكوت ماهو لصالحك
ِّي معلومة
عبدالعزيز ويستح ُم بدماءه : ال تنتظر مني أ
رائِد بإبتسامة : حلو .. ج ًدا حلو ... ليصفعه بقَّوة وهو يقاوم حركة كل
شيء عدا أقدامه، نظر لعصير الليمون الذي ينتص ُف الكأس ليُمسكه وبتلذذ
سكبه على رقبته لتندفع صرخة عبدالعزيز.
:باقي ما شفت شي .. أنت بالذات راح أخليك تترجاني أنك تموت
وبتشوف ... أبتعد ليلتفت على فارس : يالله أطلع قدامي!





فارس : ممكن تخليني شوي!
رائد بضحكة شامتة : ال تفكر يا فارس تقدر تخليه يهرب ألن هالطلقة
بتجي في راسه أسرع من تصِِّورك وبتلحقه وراك .. هذا أنا حذرتك ...
وخرج ألنه يعرف تماما أن فارس يستحيل عليه أن يهِِّرب عبدالعزيز
والحرس ينتشرون في كل مكان.
فارس يسحب منديال ليقترب منه، يمسح دماءه وبقايا العصير، أدرك تلوث
جرحه : عبير عندي
عبدالعزيز بح َّدة : وأنت مين ؟ ال زوجها وال شي !
ًء
فارس : أنت عارف أبوي ! في كال الحالتين كان راح يخطفها سوا
بواسطتي أو بغيري بس أنا ماأبي شي يضرها والله العظيم يا عبدالعزيز
ما أبي شي يم َّسها عشان كذا سويت كل هذا
عبدالعزيز بصو ٍت خافت : واثق فيك بس أبعدها عن أبوك !
ِِّرب منها .. أنتظر لحظ
فارس : خذه وعد مني أبوي ماراح يق ة . . . . .
أقترب من الرفُوف ليستخرج لصقات الجروح ومعقم، عقَّم جروح
عبدالعزيز ليُغطيها باللصق.
عبدالعزيز : شكًرا ..
ِّك على عبير ويقول إن
فارس : العفو . . أبوي مقرر أنه بكرا بيخليني أمل
رفض عبدالرحمن فهو الخسران بكال الحالتين ماراح ترجع له بنته
عبدالعزيز : ماراح يوافق! مستحيل أصال
فارس : داري وأصال مستحيل الشيخ بيرضى ألن حضوره الزم
عبدالعزيز بسخرية : كأنها بتصعب على أبوك!
فارس يستخرج هاتفه : تبيني أتصل على عبدالرحمن! كلمه وقوله
عبدالعزيز تن َّهد : أنتظر لبكرا
فارس : طيب .. تآمر على شي
عبدالعزيز : ال . . . ليستدرك شيئًا ويوقفه: فارس
فارس ألتفت عليه ليُردف : ممكن تربط رجلي
عبدالعزيز الذي شعر بأنه ُربما يغفى وتتحرك أقدامه الغير مقيَّدة، أخذ
الالصق العريض ليلفه حول أقدامه لتتج َّمد بسيقان الكرسي : كذا تمام ؟





عبدالعزيز : إيه
،
أستيقظت شم ُس الرياض بخ ُمو ِل وهي تغي ُب خلف الغيم الذي يتكاثف ببداي ِة
شتا ٍء خافت، كان جالس في المقاعد الخارجية في ممر المستشفى ينتظرها
ِّي كلمة معها منذُ ما
تخرج بعد أن تم األذن لها، لم يتحاور معها ولم ينطق أ
حدث.
رفع عينه عندما فُتِح الباب، تق َّدم إل يها : تبين كرسي متحرك؟
مهرة ببحة تُخفي وجعها : ال
خرج معها متج ًها لسيارتِه، فتح لها الباب األمامي، الصمت الذي كان
بينهما لم يُدينه أحد، لم يقطعه الكالم أب ًدا طوال الطريق الطويل في صباحٍ
مزدحم، تِِّمر الدقائِق بثبا ٍت تشطر قلبيهما .
ُكنت أرف ُض هذا الحمل ولو عاد الوقت لما دعوت دعوة وا ِحدة على من
يسك ُن رحمي، أشعُر بأني فقد ُت نفسي معه، كل األشياء تالشت بسرعة
ولكن أشعُر بحاجتي ألن أصرخ بـ "
"
أمامي، ال أريد أن أندم وأقُول " لو
، لو أنني لم أخرج من الغرفة وأنا أشعُر ببع ِض التعب لما حدث كل
"
لو
هذا، يارب أني الأعترض على قدرك ولكن أرزقني الصبر والرضا به،
قبل عدة أيام كنت أراه بعيني واآلن ال أحد، رحِمي خاوي من الذي
أنتظرته في الفترة األخيرة.
ركن السيارة وهو يأخذ نف ٍس عميق يشعُر بالسوداوية تطغى على كل
حياتِه، فتحت الباب لتخرج وهي تشعُر بقلي ٍل من التعب يعك ُس نفسه على
خطواتها المتأنية المضطربة، أتجه معها للفوق ليفتح لها باب الجناح،
نزعت عباءتها بهُدوء لتضعها على األريكة وخلفها نقابها وطرحتها،
أتجهت نحو السرير لتِِّدس جسدها به، نظر إل يها وهي تُغطي مالمحها
بالفراش.
نزع حذاءه وهو يضع شماغه فوق عباءتها، أتجه لناحية السرير األخرى
ليجلس بقُربها : مهرة ...





كانت تغرق ببكائها تحت الفراش، لم تتوقع أب ًدا أن ي ِصل حالها إلى هذا
الحد. لم تتصَّور أن تب ِكي بهذه الصورة القاسية، ماذا يفرق أن يموت فرٌد
بعد أن يستنشق الحياة أو يموت في رحِم أمه؟ كالهما موت، كالهما نهاية،
كالهما قب ٌر لروحي.
رفع الفراش بهُدوء لتُغطي وجهها بيد يها وهي تجه ُش ببكائها، خرج
ٍن يخترق قلبه قبل سمعه، رفعها نحوه ليضعها على صدره
صوتها كأني
وهو يمس ُح على شعرها، لم أعرف كيف أوا ِسي نفسي حتى أواسيك؟ وال
ِّي طريقة تخفف وطأة الخبر علينا
أعر ُف أ .
تشبثت بثوبِه وهي تُبلله بحز ٍن عميق، كل األشياء أفقدها، كل شيء أتعل ُق
سحب من حياتي بهُدوء، لم أجِِّر به ين ب معنى األب، وحين جربته تالشى،
ِي ذابت ُدون أن ألمسها، أنا ال أعرف
ولم أجِِّرب األمومة وحين أقتربت منِّ
كيف أحافظ على أشيائي ولن أعرف أب ًدا ما ُدمت على الدوام أفقدها
ريد لمَّرة أ
ُ
ي، أؤمن بالموت وال أعترض عليه ولكن أ
بصورةٍ مفجعة ل ن
ُوا ولكن بهُدوء، ال ترحلون بهذه
أحافظ على شيٍء لفترة طويلة أو أرحل
ي، ال تجعلوني أتأمل ألصعد لسابع سماء وأسقط فجأة
الطريقة المفجعة ل
ُدون سابق إنذار على أر ٍض جافة. تك َّسر ظهري و ُضعلي من الفُقد، يالله
أرزقني الصبر . . يا رب الصبر.
يُوسف بخفُوت : الحمدلله على كل حال ...
س نفسها في صدره : بموت يا يوسف ..
ُمهرة بصو ٍت مخنوق وهي تد ُّ
يوسف : بسم الله عليك ال تجزعين مايجوز ...... الله يعوضنا بالذرية
الصالحة . . . يستلقي ليجعلها تستلقي معه . . . . نا ِمي وأرتاحي
ِّكر
نظرت للجدار الذي أمامها ويدها ترتخي عليه، وجهها الشاحب ع ِ
َّت به
جمالها الناعم، كيف أنام بهُدوء وأنا فقدت طفلي األول! طفلي الذي بث
الروح في أحشائي و كلمات الدكتورة تص ِّب في إذني كـ نار وأش ُد حرقة
من النار " سلمي أمرك لله والله يعين عباده "
َح مُد

ِه ال َّر ح َم ِن ال َّر ِحيِم ال
َّ
يوسف بصو ٍت هادىء : بِ ِمي َن سِم الل
عَالَ

ِه َر ِِّب ال
َّ
ِلل
ِِّص َرا َط
ِعي ُن اهِدنَا ال
ِيَّا َك نَ ستَ
َوإ
ِيَّا َك نَ عبُ ُد
ِن إ
ال َّر ح َم ِن ال َّر ِحيِم َماِل ِك يَ وِم الِِّدي
ِي َن . .
ِّ
َوالَ ال َّضال
ِه م
ي
َم غ ُضو ِب َعلَ

ِر ال
ِه م َغ ي
ي
نعَ م َت َعلَ
َ
ِذي َن أ
َّ
َ ِص َرا َط ال
ِقيم
ُم ستَ

ال





. وأكمل قراءته للرقيَة الشرعية عليها حتى نامت على صدره.
،
ِرها .. صدق قهرتني بس عاد حرام ما
بحِزن عقدت حاجب يها : الله يصبِّ
تستاهل
َّطع قلبي مع أنه ماقال شي بس لو
هيفاء بضيق : لو شفتي يوسف! ق
تشوفين عيونه .. يا شينها عاد ال تلهفتي على شي وماصار
ريم : ترى سمعت أنه مايجوز تقولين حرام وما يستاهل! كذا إعتراض
على القدر وكأنه الله ما يعرف يصِِّرف أحاول العباد .. يعني تعالى الله
عن ذلك
نجالء بدهشة : آلال أستغفر الله مو قصِدي كذا
ريم : إيه دارية بس أنا قلت لك عشان ماتقولينها مرة ثانية
نجالء : ما قلتي لنا وش فكرتي؟ بترجعين له ؟
ريم تنهَّدت : إيه
هيفاء : هذا أحسن حل توكم حتى ما تعرفتوا على بعض زين
ريم : الله يكتب اللي فيه الخير.
نجالء : صدقيني يا ريم بكرا تندمين على تسرعك! كل شي له حل !
الطالق مو سهل، أكثر شي يكسر المَرة الطالق ال تكسرين نفسك بنفسك
وتدمرين حالك وأن ِت ماتدرين زين الر َّجال وشينه .. تِِّوك في البداية يعني
ال تندفعين كثير
ريم بضيق كلماتها : وهذا أنا بسوي بنصيحتكم . . .
،
يجلس وهو يحتضن رأسه، يبح ُث عن الحلول، عن الحريَّة من كل هذه
ِريف الضاحكة وهي تقفز ُكلما أخرجت من بين
القيُود، عيناه تغرق بِـ
ا حتى
شفت يها فقاعا ِت الصابُون، وقف متج ًها لغرفة والدته، طرق الباب ثالثً





اد " تُشبه والده
فتحه ليراها مستقيمة بجلستها تقرأ كتاب " عبقرية عمر للعقَّ
َسة مثل العين ين التي تغر ُق في القراءة،
كثي ًرا، ِمثل ال ِطباع تما ًما مثل الجل
أمي في اإلشتياق
كل األشياء تكتسبها من أبي وهذه طريقة ، أن تتقم ُص ُ
ما يُحب
ُ
دوره وتقرأ .
ِل رأسها وأطال بقُبلته التي توس َّدت كتفها، جلس عند أقدامها
أنحنى ليُقبِّ
ي يا جنتي
ُك ل
ِّي زعلك! قا ٍس كثي ًرا تجاهل
وعيناه تتو َّسل، قا ٍس عل .
وضعت الفا ِصل المزخرف لتغلق الكتاب عليه، رفعت عينها بعتب :
تضايقني كثير يا فيصل!
ِّ فيصل ِم فيني عظم إن ضايقتك! يمه أن ِت من ِت فاهمة
بخفُوت : الله ال يسل
الموضوع بس صدقيني مو زي اللي في بالك
والدته : أبيك الحين تجاوبني! وش عالقتك بمقرن؟ وش كنتم تسوون في
باريس ؟ أبي أعرف الحين وأتطمن
فيصل بضيق : شغلي هذا اللي أسسته كله كان من باريس! ومقرن كان
يساعدني بعالقاته بس هذا الموضوع
أختنقت عيناها بالدمع : تكذب! والله تكذب
فيصل وسيُ َّجن بفع ِل دموع والدته : يمه ال تعورين قلبي، تطمني مافيه شي
من اللي في بالك
تنز ُل دمعتها بحزنها الالذع الذي يجعلها تُح ِِّضر قلبها على فُقِده، شتت
نظراته ليس ُهناك أقسى من دمعِة األم، قبَّل ُركبتِها ليضع رأسه في
ِق : سِِّوي اللي تبينه فيني بس هالدموع
حجرها وهو يرد ُف بصو ٍت ضيِّ
ماأبي أشوفها، ال توجعيني يمه فيك التوجعيني وأنا أحس باإلهانة قدام
دموعك إذا نزلت بسببي، قاسي هالشعور والله.. والله يا يمه تكسرني
دموعك
وضعت كفيِّها على رأسه لتغرق بما ِء عين يها، خرج صو ُت بكائها الحزين
كيف إلبنِي الِذي خ ِّط السواد في مالِمحه أن ينحني كالطفل حتى ال يرى
ِّي خير
ي؟ أ
ُّي دعاء يا فِيصل خرج من لساني حتى يجلبُك الله ل
دُموعي؟ أ
فعلتهُ في حياتي حتى تأ ِت؟ بقدِر الوجع الذي أشعُر به إال أنك لم تخرج من
ب ُجِز بطنِي وحي ء منِي لذلك أشعُر بنب ِضك
ًدا؟ أنت خرجت ومحمالً





ِرك وليتك تعلم مامعنى أن ُحزنك ال
المضطرب ألنِي ُهناك! هناك في يسا
ا
يعنيك وحدك فهو يضايقني أضعافً . ا وأضعافً
،
يدخل الغرفة الوا ِسعة التي تنش ُر في كل جهة ملفا ٍت كثيرة، ب ُخطى ثابِتة
يلتفت حتى يتأكد من خل المكان، أقترب من جهٍة ُصفَّت بها الملفا ٍت ِو
الزرقاء بعناية، يسي ُر خطوة خطوة بتأني شديد وهو يقرأ كل إسم حتى
وقف عند – صالح العيد - ، فتحه وهو يقل ُب بأوراق الجرائم السابقة
والشهادات الجنائية، حتى سمع صو ُت أحدهم يقترب، هرول سريعًا حتى
أختفى خلف الر ِِّف األخير.
عبدالرحمن وبجانبه عبدالله اليوسف ومن خلفهم متعب : هنا طال ُعمرك.
ِن الملف الخالي : مين كان هنا ؟
يقترب بهُدوء لينظر لمكا
متعب : محد الله يسلمك
عبدالله يرفع حاجبه : متأكد ؟
متعب بلع ريقه : إيه
عبدالله ينظر للملفات وهو الذي بدآ يعاونهم بالفترة األخيرة : تدري يا
بوسعود! شكله فيه ناس تلعب على الحبلين
عبدالرحمن تن َّهد : والله ما أتركوا لنا عقل
عبدالله : طيب خلنا نراجع القضايا السابقة المرتبطة برائد . . . هذا
سليمان الفهد؟
عبدالرحمن ينظ ُر للملف الذي بين يد ِّي بو منصور : إيه . . . . وين صالح
العيد؟
متعب : موجود . . نظر للملفات وهو يبح ُث عن اإلسم ليزداد توتره مع
كل خطوة ال يجد بها اإلسم المراد.
عبدالرحمن يعقد حاجب يه وبنبرةٍ حادة : مين داخل قبلنا ؟ ه ِّي فوضى عشان
يدخل كل من هب ود ِّب!
متعب : ال طال عمرك والله محد دخل أنا متأكد و أسأل بو مساعد





ي الملف! كذا يختفي فجأة
عبدالرحمن : طيب يالله طلع ل
متعب : لحظة أناديه . . . وخرج
عبدالله بصو ٍت خافت وبنبرةٍ غير راضية أب ًدا : أشياء سرية وقاعدة
تخترق بسهولة! وش بقى لألشياء الثانية؟
عبدالرحمن بغضب : تعرف شي؟ أنا أعرف كيف أوقفهم عند حدهم . . .
. . . وخرج بخطوا ٍت تهيج غضبًا .
وقف عند سكرتيره : تبلغ كل الموظفين إجتماع طارىء بعد ساعة وإن
تغيَّب شخص واحد ما يلوم اال نفسه . . بما فيهم أنتم
:أبشر إن شاء الله
دخل مكتبه ليتبعه عبدالله بعد أن ترك ملف سليمان في مكانه : بتحقق
معهم ؟
عبدالرحمن : اليوم أعرف مين اللي ورى كل هذا !
في جهٍة أخرى يضع الملف بمكانه وهو يخرج بهُدوء قبل أن يلحظه أحد
ليتقدم نحو مكتبه ومن خلفه : إجتماع بعد ساعة واللي ما يحضر على
قولت بو سعود ما يلوم اال نفسه
بصو ٍت خافت : إن شاء الله
دخل متعب ب ُخطى مضطربة بعد أن خرج زياد : يارب أني ألقاه !
أحمد من خلفه : طيب دِِّور في الجهة الثانية
متعب يمسح على وجهه : مستحيل يكون في غير مكانه! محد دخل أصالً
أحمد يبح ُث بعين يه : قلنا بنرتاح من عصبية سلطان هاألسبوع وجاء اللي
ألعن منه
ِّطِل عليه أحمد بإستغراب : وش فيك ؟
وقف متجمًدا لي
متعب بهذيان : بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم
أني أعوذ بك من الشياطين ومن أن يحضرون
ضحك ليُردف : وش فيك أنخرشت؟ . . أقترب منه ليلتقط إسم صالح
العيد.
متعب : والله يا أحمد أنه ما كان موجود قبل شوي!
أحمد : شكل حرارتك مرتفعة اليوم





متعب بعصبية : أقولك والله ماكان موجود! مين دخل بعدنا ؟
أحمد : يمكن ماأنتبهتوا له
ا : اللي قاعد يصير هنا مو طبيعي! .. ط ِّل عليهم
متعب أخذ نفس عميقً
سكرتير عبدالرحمن آل متعب : أنتم هنا! جهزوا نفسكم فيه إجتماع بعد
ساعة
متعب يسحب الملف ليتجه نحو مكتب عبدالرحمن، طرق الباب ودخل :
لقيته طال عمرك
عبدالله بدهشة ينظر إليه : وين ؟
عبدالرحمن يقف مقتربًا منه ليأخذ الملف ، متعب بلع ريقه : في مكانه
عبدالرحمن : نلعب إحنا!
متعب : والله العظيم قدام أحمد حتى! لقيناه في مكانه
عبدالله : تونا قبل شوي ما كان موجود شي ، كذا نزل من السماء
متعب ويعر ُف قوة عبدالله اليوسف وغضبه : ال الله يسلمك بس هذا اللي
ح َصل دخلت عشان أدِّوره مع أحمد ولقيناه بمكانه
عبدالرحمن بح َّدة : شف يا متعب أعصابي بروحها مشدودة ال تنرفزني
أكثر!
متعب بربكة : والله العظيم هذا اللي صار
عبدالرحمن تعتلي نبرته لت ِصل للممر الخارجي : قبل شوي كنا هناك
وماكان فيه شي !
متعب يُشتت نظراته : تقدر تشوف بكاميرات المراقبة !
عبدالرحمن يتجه نحوه والكل في هذه اللحظة يبتعد عن طريقه، و َصلت
ي
حالة الحليم الذي أبتعد عن شِِّر . ه إن غضب، نظر للشاشات : طلعه ل
زياد بعد أن مسح الشريط الذي يسب ُق دخوله، بهُدوء ضغط على زر
اإلعادة ليعرض دخوله مع عبدالله ومن بعِده دخول متعب و أحمد وما
ِّي تغيير ألنه أستطاع بسهولة أن يق ِّصها
بينهما ُصورة مثبتة لم تشهد أ .
عبدالرحمن يُدقق في الدقائِق، كانت

:
و من ثم

:
وما بينهما أقل
من

دقيقة : لحظة أرجع
يعُود للبدايَة ُدون أن يرى شيئًا مختلفًا، عبدالرحمن ينظ ُر لزياد بنظرةٍ





أربكته : أعرض لي الممر اللي قدام األرشيف
َرا األخرى لتعرض له سير جميع الموظفين على
زياد يضغط على الكامي
الممر، عبدالرحمن : بعد
و

دقيقة .. شف مين مشى؟
زياد يضغط على الوقت ليتم تسجيل كل من سا ُروا في الممر ُدون أن
يتحدد من الخارج، عبدالله بدهاء : أخذ الكاميرا األمامية
زياد مِّد قدِمه أسفل الطاولة ليسحب إحدى األسالك عشوائيًا وينغل ُق نظام
المراقبة. رفع عينه : ممكن عطل فني .. وقف . . أشوفه بس
عبدالله بشك : يا سبحان الله هالعطل جاء الحين
عبدالرحمن : دواهم عندي
ِّطع بها
زياد ينحني خلف الطاولة بحج ِة إصالح العطل في لحظ ٍة كان يُق ِ
الشاشة المسؤولة عن الكاميرا األمامية .
عبدالله ويشعُر بالمسؤولية، بشعُور الثقل على أكتافه كما كان قبل تقاعده :
وش قاعد يصير هنا! وش هالفوضى ؟
عبدالرحمن تن َّهد : يارب رحمتك . . . نظر لمتعب وهو يشعر بان فاجعة
أخرى تنتظره .. يالله كِِّمل علي بعد
متعب ويَّود لو يتو َّسل إل يهم بأنه ليس ذنبه أن ينقل األخبار السيئة، أخذ
ا ليُردف : عبدالعزيز
شهيقً
عبدالرحمن بخوف : وش صاير ؟
متعب : عند رائد
عبدالرحمن بغضب : قلت له ال يطلع . . .
متعب بربكة حقيقية : بس .. يعني .. يعني بنتك طال ُعمرك
تج َّمدت أعصابها التي أشتعلت بغضبها : بنتي!!!
متعب : عند رائد بعد . . خطفها
عبدالله أتسعت محاجره بصدمة ال يسبقها صدمة أخرى، إختطاف تعني
مو ٍت من نوع آخر هذا ما نؤمن به.
ُع قلبه في هذه األثناء، كان بيِده ملف
عبدالرحمن يشعُر بيٍد من حديد تقتل
صالح العيد ضربه في عرض الحائط ليخرج،
عبدالله بهيبته أردف : خذ الملف ومفتاح األرشيف يجيني مفهوم يا متعب





وال أعيد الكالم ؟
متعب : أبشر !
يدخ ُل مكتبه بغض ٍب كان من الناِدر أن ي ِصل لهذا المستوى، صرخ على
سكرتيره : أحجز لي على باريس بأسرع وقت !
أخذ هاتفه ليت ِصل على األمن الذي وضعه في باريس، أستمر لدقائق ولم
ِّي أحٍد منهم، أغلقه ليتصل على هوات ٍف كثيرة أنتهت بهات ِف عبير
يُجيب أ
بعد أن ظ ِّن أن رتيل هي المخطوفة، على بعُِد مسافا ٍت طويلة كان يهتز
" ال أحد
" ض ِّي عيني
الهاتف أمامه، ضحك بشماتة وهو يقرأ اإلسم
وها أنت تأ ِت بكامل إرادتِك، بعد
" عبدالرحمن "
يستح ُق اإلسم هذا غير
أن تالعب بأعصابه وأطال برنينه حتى أجابه بصو ِت ُمنتصر : و
عبدالرحمن آل متعب بجاللة قدره يكلمنا!
عبدالرحمن يُدرك من صاحب هذا الصوت : تلعب بالنار !
رائِد : وأنا أحب النار
عبدالرحمن : واجهني باللي تبيه بس بناتي خط أحمر!
رائد بتلذذ : يعني على حرمك المصون ترضى؟
عبدالرحمن بغضب : رائِد! محد خسران بهالقضية غيرك! كل األدلة
ضدك
رائد : أثبت لي دليل واحد وأرسلك بنتك جثة محروقة
عبدالرحمن تح َّمر عيناه بغضبه : كلمة وحدة وال عندي غيرها! تترك عبير
حاالً .. وأنت عارف بصالحياتي وش ممكن أسوي فيك
رائد بهُدوء مستفز : بصراحة ما جربت المساومة إال مع سلطان العيد
وراح الله يرحمه و الحين بجربها معك وممكن بعدها تروح ونترحم
عليك! يا خسارة! قايلكم من قبل ال تلعبون معي بس أنتم ناوينها حرب وأنا
أكِِّملها لكم ماعندي مانع
عبدالرحمن : أنتبه أللفاظك أنا ماأساومك أنا أأمرك!
رائد : تصدق سبقتني كنت راح أتصل عليك عشان تبلغ الشيخ بموافقتك
عبدالرحمن : موافقتي؟؟؟
بضحكة يستف ُز كل عص ٍب في جسِد عبدالرحمن : على زواج بنتِك من





مشعل وال نقول من فارس ولدي ! . . قلت أرحمك وأرسلك فارس بإسم
ثاني عشان ما تجيك جلطة وتلحق خويِّ لعبتوا ِك سلطان بس شفت! ألنكم
معي مضطر وأنا كلي حزن على اللي بسويه . . على العموم في حال
رفضت صدقني عبير راح تبقى عند فارس! أنت عاد قرر كيف العالقة
تكون بينهم؟
عبدالرحمن يبلع غ َّصة إنكساره في إبنته : تلوي ذراعي في بنتي! لو فيك
خير قابلني بقوتي!
ي بالمناسبة
رائد : أنا ما فيني خير . . ونقاط ضعفك هي قوة بالنسبة ل
عبدالرحمن : أترك عبير .. أتركها يا رائد مشكلتك معي مو معها!
رائد : وتبيني أترك لك صالح . . أووه قصدي عبدالعزيز ؟ . . . أنا أقول
ما ظنتي راح تشوف عبدالعزيز بعد! ممكن تزوره في قبره .. ماراح أكون
حقير أب ًدا وأضيِّ طها لكم قدامكم . . *أردف جملته األخيرة ِع جثته أبد بح
بسخرية الذعة *
عبدالرحمن : هي مسألة وقت وراح تنتهي !
ِف ما اقوى على بكي
رائد : وِِّدك تسمع صوت بنتك ؟ ترى قلبي رهيِّ
الحريم!
عبدالرحمن بغضب : أقسم بالحي القيوم لو تلمس شعرة منها ال أقاضيك
بنفسي! وأنت عارف وش أقصد والله العظيم أللعب معك بأساليبك الملتوية
ومحد بيخسر غيرك! ألن القوانين مع أشكالك ما تنفع
رائد بنبرةٍ مستفزة : ال ال ما ارضى على زوجة ولدي تنهان أفا عليك! . .
بس تعرف بنتك الحلوة مع ولِدي وبروحهم! ما تجي صح ؟ وبعدين كنت
راح توافق على مشعل! شفت أنك مغفل وبسهولة أقدر أخدعك . . !
يُتبع
في جهٍة آخرى يقف فارس ويستهلك كل قَّواه العقلية في إقناع الشيخ ذو
المالمح البيضاء بتوكي ٍل مزَّور : طيب هذا التوكيل؟





الشيخ : ال يا إبني الجواز مش ِلعبه! بشوف ولي أمر الفتاة باالول
فارس : طيب هو في السعودية ما يقدر يجي! ومو ِّك الثانية ِل زوج بنته
يكون ولي أمرها في عقد النكاح !
الشيخ بشك : ما بقدر! هيك العقد باطل !
فارس : الشروط كلها تامة! الشهود موجودين والفحوصات الطبية قدامك
والبنت راضية ووالدها راضي لكن صعب يجي الحين! نواجه ظروف
صعبة يا شيخ
الشيخ : طيب باألول تفرجيني إثبات بموافقة ولي األمر غير هالتوكيل
فارس يمسح وجهه بعد أن أستعصى عليه إقناع هذا الشيخ، وكأنه يعرف
بأنه توكيل مزَّور لولي األمر، أخذ نفس عميق : طيب .. تف َّضل هنا على
ما أتصل وأشوف . . . . . أبتعد عن الغرفة متج ًها لوالده، دخل عليه
ليستمع لكلماتِه األخيرة: مو قلنا لكم خلكم في وا غيركم يشوف
ُّ
شغلكم وخل
شغله .. الحين ال تطلب مني شي! بنتِك بعيد التفكير فيها لكن أظنك
بتهوجس كثير وال بتشوف حتى طيفها
فارس وقف أمامه ليُردف بضيق على هذا الحال : يبـه
رائد بضحكة : عن إذنك يا بوسعود بس خلك قريب من الجوال ها! ال
أوصيك عشان تشهد على زواج بنتِك . . وأغلقه.
فارس : كنت تكلمه؟
رائد : جاء الوقت اللي أتشمت فيهم! . . وش سويت مع هالشيخ ؟
فارس : رفض! يقول الزم يشوف ولي أمرها
رائد تن َّهد : أقول أكرشه وأجلس ماهو الزم تتزوجها
فارس بدهشة يلفظها غضبًا : كيف يعني؟ أتركها كذا
رائد بإبتسامة : عشان يتعذبون صح
فارس : آل يبه .. واللي يرحم لي والديك عاِدك بتعذبني معهم
رائد بهُدوء : طيب وش أسوي! هذا الشيخ ورفض تبيني أبوس رجله
عشان يوافق حضرته يزِّوجكم
فارس شتت نظراته ال يعرف ماذا يفعل، كل األشياء تتعقَّد أمامه، رائِد
بخبث : لقيتها لك .. مكالمة فيديو تفي بالغرض!





فارس : كيف يثبت أنه ابوها!
ِل مخك! بيشوف صورته وبيسمع موافقته وبنثبت هالشي ببطاقته
رائد : شغِّ
.. غصبًا عنه أصال راح يوريهم بطاقته! وبتطابق أوراق بنته وتم
الموضوع
ِع عنه ؟
فارس : ومين يوقِّ
ِع
رائد : التوكيل! الكلب الثاني جيبه وخله يوقِّ
فارس : طيب يعتبر عقدنا باطل؟ بكرا إذا صار شي . .
رائد يقاطعه : شف عاد األشياء القانونية أعرفها أكثر منك! عقدك تام تمت
الشروط فيه خالص يكون صحيح وإن حصل شي بعدين تطمن تقدر تجدد
ِّي أحد يشهد معكم
عقد الزواج وينتهي موضوعك .. رح شف الكلب وخل أ
ماعلى أشوف ولد خالد وش بيسوي!
يت ِصل على عبدالرحمن من هات ِف عبير ليُجيبه بهُدوء، لم يلفظ كلمة :
أسمع من اآلخر الشيخ يبي موافقتك! ويبي يتأكد من أنك ولي أمرها !
ببنتك وفيك ياليت تقبل مكالمة الفيديو عشان
وبسخرية يُكمل : لذلك رحمةً
حضرة الشيخ يشوفك ويسمعك وغير كذا ياليت توريه بطاقتِك اللي تثبت
إسمك وصورتك ... وإال . . تخيَّل وش ممكن يصير في بنتك!
ذيق
ُ
عبدالرحمن الصامت ينظ ُر للعَدم، ماهذا الخطأ العظيم الذي يجعلني أ
حرقته مرتين أول مرة مع رتيل واآلن مع عبير، كال ُهما لم يتزوجان
بصورةٍ طبيعية، كالهما شعَر ُت بأن موتًا يقذفني ليُحييني من جديد، في
أشٍِّد األشياء يكس ُرون ظهري بها، هذه إبنتِي كيف أرضى؟ كيف تحدث كل
َ كل هذا يحدث،
ريد فقط أن أفهم ِلم
ُ
هذه الفوضى وأعجز عن فعل شيء! أ
لن أ ِجد أسوأ من شعُورك بأنك عاجز! ال تستطيع فعل شيء ألقر ِب الناس
إل يك، يالله صبِّ . ِر عباِدك
رائِد : أفهم من كالمك رفضك؟ يعني عبير ب ِّح!
ِّطع أوردته : أنتظرك
عبدالرحمن بإنهزام فظيع يُق ِ
رائد أتسعت إبتسامته : واللي يبيه رائد بالنهاية هو اللي يصير! ليتكم
تفهمون هالقاعدة زين . . . أغلقه ليتصل عليه ب ُمكالمة فيديو . . وقف
متج ًها للصالة األخرى نحو الشيخ : تف َضل تقدر تكلم ولي أمرها وتتأكد





بنفسك . . .
أبتعد فارس حتى ال يظهر بجانب الشيخ، لن يتجرأ أن ينظر إل يه أب ًدا.
دخل عبدالعزيز بعد أن ف ِّك قيِده حتى ال يُثير الريبة في نف ِس الشيخ،
ُم نحر الحياة في قلب
بصورةٍ سريعة تسي ُر الدقائِق، بصورةٍ سريعة يت
ُط قلبه وشرايينه التي تنب ُض له،
عبدالرحمن، بصورةٍ سريعة يسق بصورةٍ
سريعة يفقد الحياة مع إبنتيه، ُكنت أخاف عليهما من ظلهما، ُكنت أحزن
عليهما من نسمِة هواء تُضايق جدائِلهما، ولم أستطع أن أحميهما بصورةٍ
ِي،
كافية، أ ُهناك أش ُد وجعًا من كل هذا ؟ يا ضياعي وشتا ُت األشياء منِّ
يارب إني أحس ُن ظني بك وإن هذا لحكمة منك ولكن أسألك بكل إسٍم
سمي ُت به نفسك أن ال تجعلني أشهُد يو ًما ضياعهَم . ا مني
ِع بعد إطالة الشيخ بأسئلته حتى يتأكد وتبقت خانة
أنحنى فارس ليوق – ِّ
الزوجة.-
وقف متج ًها إل يها، فتح الباب ليراها جاِلسة وتضع ذقنها على ركبت يها،
رفعت عين يها إل يه لتزحف حتى الصق الجدار ظهرها.
بهُدوء : تعالي عشان يسمع الشيخ موافقتك!
عبير : ماني موافقة
فارس : الزم توافقين! ألن أبوك أتصل وبلغ الشيخ موافقته بعد
عبير وهي تتعبَّر : كذاب! أبوي مستحيل يوافق
فارس : والله . . ممكن تجين؟
عبير بحدة : قلت ال . . لو تذبحني ما وافقت
فارس يتأمل ش ُحوب مالمحها ليلفظ : بكيفك! بس تحملي وش بيصير بعدها
عبير بضيق تسق ُط دمعتها الفاتنة لقل ِب من يقف أمامها : مو قلت ماراح
تض ِّرني؟
فارس : وعشان ما أضِِّرك أنا جيتك الحين . . لو هالشي يضرك أبوك ما
وافق
تهز رأسها بالرفض، بعدم اإلقتناع أن والدها يتساهل بالزواج بهذه
الصورة، يقترب منها : ممكن توقفين وتجين معاي؟
عبير بغضب ودموعها تسبقها على مالمحها : ما تقدرون تزوجوني





بالغصب! هنا فيه قانون .. مو على كيفكم
فارس بهُدوء : مافيه شي بالغصب إذا تبيني أشيل إيدي منك وأخلي أبوي
يتصرف زي مايبي بكيفك! عاد الله أعلم مين يخلي عنِدك .. أن ِت ح َّرة
ماراح تشوفين وجهي ومثل ماتبين بيصير . . . . أعطاها ظهره متج ًها
للباب وبنبرةٍ باكية أرتجفت بها الحروف : لحظة!
وقف ُدون أن يلتفت عليها لتقترب بخطواتِها نحوه، نظر إل يها لعينيها
ًما
ا برج ٍل أصطبر علي ِك حل
ا بأعصابي، رفقً
ِصبَا رفقً
المتألألتين، يا فتنة ال
" تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في
ولم يتوقع أن يُقابلك وج ًها لوجه،
العمر إال القليل أتينا الحياة بحلٍم بريٍء فعربد فينا زما ٌن بخيل " تعاِلي قبل
ُّل الطريق تعالي
أن ينف ِّك قي ُد الظروف وتذهبين، إن كنت ضائِعًا ال أد
م ِل الحياة التي
ألعي ُش ب ِك الحلم، إني راضيًا ب ُك تسكنني أن أعيشك حل
وأصب ُر على حقيقتِك ليوٍم ال أعرفه ولكن سأنتظره .
تقف خلف الباب ليسألها الشيخ، ثوانِي طويلة حتى لفظت بثبا ٍت يعني فقدان
الحياة، أن تستقبل الموت بتبلد : موافقة.
ِع، أتجه إل يها، أخذت القلم وبرجف ِة أصابعها
يعطي فارس األوراق حتى توقِّ
َما حولها من الصعب أن تهرب، ال مجال للهر ِب أسا ًسا.
وقعَّت، نظرت ِل
،
يجلس سكرتيره أمامه وهو يُلقي عليه األخبار الجديدة : وبس هذا!
َّق أوراق رائد ؟
سلطان يمسح وجهه بتعب : مين اللي وث
:والله ما عندي علم يا بوبدر .. أظن بوسعود قايل لمتعب يسويهم!
سلطان : آل مو متعب! أبغى أعرف مين اللي تصرف بقضية رائد؟ أبي
ًء شخص من قريب وال من بعيد
كل شخص قرأ قضيته سوا
:مافيه غيركم! الملفات ما تطلع ألحد
سلطان : طيب مقرن في الفترة األخيرة كيف كانت تصرفاته بالشغل ؟
تذكر شي سَّواه وأستغربت منه
:تعرف يا بو بدر أحمد ومتعب هم اللي قريبين منه أما أنا ملتزم بمكتبي





ماأطلع وال أتكلم معاه كثير
سلطان تنهد : طيب مستحيل ما مِّر عليك! تذكر حتى لو شي بسيط
ُطول حتى يردف : قبل ال يروح بوسعود باريس طلب مني
بصم ٍت ي
كشوفات إلتصاالت رائد اللي قدرنا نحصل عليها
سلطان : أيه؟
بدهشة يلفظ : ال ال صح! هذي كيف ضاعت مني أذكر يوم عطاني أسماء
عشان أراقبها
سلطان : مين؟
:أسامة و عمر و حسين و إسم ثاني ناسيه .. كلهم كانوا يرتبطون مع رائد
سلطان أسند رأسه لينظر إلى السقف : وش تبيني أسوي فيك؟
بحرج : ما توقعت والله!
سلطان : أبي مقرن هاليومين! يجي الرياض .. حاول تشوف أي طريقة
عشان يرجع بدون ال تشككه بشي .. أتفقنا ؟
:أبشر
سلطان : تقدر تروح
:مع السالمة وما تشوف شر مرة ثانية . .
سلطان : الشر ما يجيك . . نظر للنافِذة التي ال تطل على شيء يستحق
التأمل، غرق بتفكيره وهو يعزم على أن يُذيق رائِد شر هزيمة، طرأت
على عقله المشوش – الجوهرة - ، تُجادل عقله في الوقت الذي يُريد أن
يفكر به بالعمل فقط.
يعُود عقله لتفاصيل وق ٍت مضى، للحظ ٍة رحلت ولن تعود !
في ساعا ِت الليل المتأخرة، وقمُر الرياض يتز ُن في عر ِض السماء الداكنة،
دخل وهو مضطرب المزاج ال يريد أن يحرك فكيِّه بكلمٍة واحدة، نزع
حذاءه األسود الثقيل ورمى نفسه على السرير بمالب ِسه العسكريَة ُدون أن
يخلعها من شدةِ التعب، سمع صو ُت فتح الباب ومن إرهاقه لم يلتفت .
تقدمت بخطواتها إل يه وهي تحسبه نائِ ًما، اقتربت حتى تفتح أزارير قميصه
األولى لكي ال تٌضايقه، ب ُمجرد ما المست أصابعها رقبته حتى فتح عين يه.
الجوهرة بربكة : كنت أحسبك نايم . .





ينظر إليها بصمت ويشعُر بأن الكلمة اآلن لها وزنها على لسانه لذا
يصرف نظره عن الحديث.
الجوهرة : طيب نام على ظهرك! هذي نومة أهل النار نهى الرسول صلى
الله عليه وسلم عن نومة البطن
سلطان : أنا مانمت !
الجوهرة أخذت نفس عميق : طيب ... ووقفت
سلطان : وين رايحة ؟
الجوهرة : بنزل تحت
سلطان بهُدوء هامس : تعالي
وقفت ُدون أن تتقدم خطوة ليُعيد حديثه : تعااااالي
وإرهاقه يجعله يتراجع عن مواقفه السابقة بصورةٍ مؤقتة، وضع رأسه في
حجرها : دلكي راسي
تجمَّدت خالياها ب ُمجرد ما شعرت برأسه وهو في حضنها، وضعت يدها
على رأسه وهي تخلخل شعره القصير، بسخريته : قلت دلكي راسي مو
ألعبي بشعري
سارت ال ُحمرة في جسدها بأكمله لترتجف أصابعها وهي تُدلك فروة رأسه.
أستيقظ من غيبوبة الجوهرة على سؤال الدكتور أمامه : شلونك يا سلطان
اليوم ؟
،
جلس وهو يعص ُر رأسه بكال كفيِّه، وصل أعاله، وصل لحٍد ال يستطيع أن
يقاوم كل هذه الضغوط، للتو وافق على زواج إبنته، للتو إبنته تزوجت! ال
يستطيع أن يستوعب كل هذا، ال يملك القدرة على اإلستيعاب أب ًدا، في حين
كان جالس عبدالله بمحاول ِة مواساة لم يلفظ كلمة أمامه، الصمت هو أعلى
ِّي ُرتب الموا أن أرى عبدالرحمن
ساة، لس ُت أقل دهشةً منه ولكن صعب عل
بهذه الحالة التي لم أراها به منذُ سنوات طويلة : تعِّوذ من الشيطان
عبدالرحمن يقف وهو ال يعرف أين يذهب، وصل لقمة غضبه، أوقفته





الطاولة الزجاجية التي أمامه ولم يتردد بأن يتعارك مع " جماد " وهو
يرفسها حتى تسقط ويتناث ُر زجاجها، قاسي حزن الرجال! قاسي قهرهم.
بغض ٍب يلفظ : كسرني يا عبدالله في أغلى شي عندي . .
عبدالله بهُدوء : إن شاء الله مو صاير لها شي
يلتفت عليه لينفجر بصراخه : معاه كيف مو صاير لها شي! هذا إذا ما
جننها! . . يارب .. يارب بس
ِو الموت منه، بأن روحه ت ِصل لحنجرته حتى
مسك جبينه وهو يشعُر بـ دن
تسقط مرةً أخرى في قلبه : بيذبحون لي بنتي! .. بيذبحونها يا عبدالله
أعرفه وأعرف أساليبه ..
عبدالله : دامها زَّوجها ولده أكيد ماراح يسوي فيها شي . . خلنا نفكر ب َحل
بدل هالعصبية .. وعبدالعزيز معاها
عبدالرحمن صمت قليالً ليستوعب : ورتيل وضي ؟ . . وينهم!
مغلق " هذه
"
بخطوا ٍت سريعة أتجه نحو هاتفه ليت ِصل على هاتف رتيل و
ِق عليه دائِ ًما، ضغط على رقم ضي وال طاقة له بأن
اإلجابة التي تُضيِّ
يتحمل أخبا ًرا أسوأ.
لتضع
أهتز الهاتف أمامها ورأ ُس ضيء في حضنها يغفُو، سحبتها قليالً
الوسادة أسفلها، نظرت للرقم لتُجيب بسرعة : ألو .. يبه
عبدالرحمن : هال يبه . . . وينكم فيه ؟
رتيل برجفة الكلمات التي تخرج من بين شفتيها : مدري طلعنا من باريس
بس بالضبط ماأعرف
عبدالرحمن : وداكم عبدالعزيز؟
رتيل : إيه تركنا هنا وراح
عبدالرحمن : ضي وينها ؟
رتيل : نايمة
عبدالرحمن الذي أستغرب نومها في هذه الساعة، لفظ بخوف : فيها شي ؟
رتيل : آل بس يمكن تعبت من اللي صار ... يبه وش بيصير علينا . .
أردفت جملتها األخيرة برجف ِة أسنانها.
عبدالرحمن : بجيكم إن شاء الله بأقرب وقت، الحين بخليهم يرسلون لكم





ح َرس وتطمنوا .. طيب يا قلبي . . . . كان يُهدئها بكلماتِه في وقت لم
يستطع أن يُطمئن قلبه.
رتيل وتختنق بغصتها : وعبير ؟
عبدالرحمن : وعبير بخير .. مو صاير لها شي بإذن الله
رتيل : آل تخبي علي شي
عبدالرحمن : يبه رتيل تطمني إذا مو بكرا إن شاء الله اللي بعده أنا عندكم
. .
رتيل لم تتمالك نفسها أكثر لتب ِكي ومن بين دموعها : يبه كيف أصبر لبكرا
وال اللي بعده! والله خايفة لو صار شي مقدر أتصل على أحد ..
عبدالعزيز مو هنا وال عمي مقرن موجود
عبدالرحمن ويشعُر بأن هذا فوق طاقته، بكاء إبنته األخرى يعني مو ٌت
رسلكم ح َر فعلي لخالياه : رتيل حبيبتي قلت الحين ب س وبحدد مكانكم بعد .
. ريحي نفسك
رتيل بنبرةٍ باكية : يبه المكان يخِِّوف . . تكفى خل أحد نعرفه يجينا ..
عبدالرحمن بضيق : يا يبه قلت لك بيجونكم حرس تطمني .. أنا الحين
بشوف لي أ ! ِّي حجز عشان أجيكم اليوم قبل بكرا بعد
رتيل : طيب
عبدالرحمن : أنتبهي لنفسك و أنا كل شوي بت ِصل عليكم عشان أتطمن ..
أتفقنا ؟
رتيل : طيب ألن جوال ضي ما بقى فيه رصيد كثير يمكن مانقدر نتصل
إحنا .. تكفى يبه أتصل بعد شوي
عبدالرحمن : إن شاء الله يا عمري ... مع السالمة ...
عبدالله : عبدالعزيز تاركهم وين ؟
عبدالرحمن : شكله مسكنهم في بيت برا باريس! الحمدلله تطمنت عليهم
واثق متأكد أنه عبدالعزيز مستحيل يسوي شي بدون ال يتأكد. . . بخليهم
يرسلون حرس لهم ويشوفون الرقم وش إحداثياته
عبدالله : كويِّس على األقل نضمن سالمتهم ونفكر برائِد ومصايبه اللي
ماتنتهي.





،
يخترق عتمة الغرفة بد ُخوله، لم يراها أمس، نظر لجسِدها الملقى على
منذُ
السرير ويب ُدو أنها تغر ُق بنومها، أنتبه لزجاجا ِت العطر المرمية على
األرض، كالعادة تُف ِِّجر غضبها برم ي األشياء، دائِ ًما ما ُكن ِت عنفوانية يا
ريد أن أعرف شيئًا واح ًدا كيف تنكرين هذا ال ُحب؟
ُ
ي، أ
غادة حتى ب ُحب ِك ل
ال ُحب الذي يعني قلبك، جسدك، عقلك ، حواسك، حياتُك وأكسجينك؟ كيف
تصبرين على هذا اإلختناق بتوحدك مع نفسك ُدوني؟ وضع قدِمه خلف
قدمه ألخرى لينزع حذاءه بها، ويعاو ُد حركته مع القدِم األخرى، وضع
س جسده خلفها، أحاط
معطفه على الكرسي ليسحب الفراش برفق، ويد ُّ
بشعِر . . . . بطنها بذراعه ورأسه يغر ُق ها الطويل
،
أن وصلت لبيته وهي لم تنطق كلمة وا ِحدة، تكاد
أخذت نفس عميق منذُ
تنفجر من صمتها وه ُدوء األجواء حولها، وقفت وهي تتشابك مع يِدها،
تحاول أن تج ِِّهز كلماتها في عقلها وتسترجع عباراتها، يجب أن أتفاهم معه
أن يعرف كيف يضع ح ُدوده معي، وي ثانية
فهم أنني ُعدت ألعطيه فرصةً
وليس ألعطي نفسي فرصة، أنا لم أخطىء وهذا ما يجب أن يفهمه السيد
ريَّان.
خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعِِّري صدره،
بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت
بأنه ال نية له للحديث والنقاش . . .
،
في ضوضا ِء ال ُخضرِة المزهرة تتذبذب األصوات يمينًا ويسا ًرا، سمعت





صو ُت السيارة خار ًجا وال بيت بجانبهم حتى تُخمن أنه الحٍد آخر، بلعت
ريقها بخوف لتهمس : مو قادرة أتصل! مافيه شبكة!!
ضي وتشعُر بحاجتها للتقيؤ حاالً : كبدي تقلب!
رتيل بتوسل : تكفين بس هالدقيقة !!!
،
للهروب، أستلقت
ُط حيلةً
سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخي
ِل النوم مغمضة العين ين
ِّ
على األريكة وهي تمث . . .
.
.
أنتهى نلتقي بإذن الكريم يوم الجمعة.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم()$:
التحرمونِي من صدق دعواتك م و جنَّة حضورك م.
ب
ُّ
ُمستضعفين في ُكل مكان أن يرحمهم ر
و ال ننسى أخواننا المسلمين ال
ِط علينا
ِّ
العباد و يرف ُع عنهم ُظلمهم و أن يُب ِشرنـا بنصر ُهم ، اللهم ال تسل
ُمسلمين
ِوك وعدونـا و أحفظ بالِدنا وبالد ال
عد .





أستغفر الله العظيم وأتُوب إل يه
ال تشغلكم عن الصالة
*بحفظ الرحمن.
الجزء )

)
المدخل لـ فاروق جويدة.
لو كنت أعلم أنني
سأذوب شوقا في األلم
لو كنت أعلم أنني
سأصير شيئا من عدم
لبقيت وحدي
أنشد األشعار في دنيا.. بعيدة
و جعلت بيتك واحة
أرتاح فيها.. كل عام
و أتيت بيتك زائرا





كالناس يكفيني السالم..
س جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه ومالمحه تغرق بخصال ِت شعرها
ويد ُّ
الطويلة، يا ليلي أن ِت! إني لوجه الله أترك الحياة أما ِمك، ألج ِل ال ُحب
ر النكران وأنا محج ُرها يا غادة.
ُّ
رها؟ ما س
ُّ
أتركها ولكن! عينا ِك ما س
تعالي، أقبلي كحشٍد مستبِّ إني أرضى بإستبدادي، أقبِلي كحكومٍة ترأسني ِد
ُظلمي، تعالي ألقُول ل ِك فقط أني أحبك، تعالي كـ غادة، كروح
إني أرضى ب
ِن غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورةٍ طبيعية، أنا
غادة، كع ي
والله من بعد ِك لم أرى شيئًا يستح ُق العيش وكيف أرى بعد أن ُكنت أرى
الغدي ُر من ضحكت ِك ينساب؟ والجنَّة بين هدب ي ِك تُرى؟ كيف أرى بهذا العالم
شي ٌء يستحق التأمل وأن ِت ُكن ِت حبيبتي؟ ُكن ِت يا غادة واآلن؟ هل تكفي
" هل ستشعِرين بب َّحة قلبي ؟ قاسية ج ًدا
المساحة؟ هل تكفي ألقول " آآآه
قاسية على رجل يرا ِك من هذا الكو ُن كونًا آخر، قاسية على رج ٍل يُق ِّدم ل ِك
ي لمَّرة، قولي أن ِك أشتق ِت!
قلبهُ قربانًا ؟ أستجيبي .. من أجل الله أستجيبي ل
ُموت ولم أسمعها منك! ال تتركيني أغرق وصوتُك طوق
ال تتركيني أ
نجاتي. ال تتركيني يا غادة وأنا عطشان، تعالي و أرويني بما ِءك، -
أكثر
ٍ
يستنشق عنقها ليش َّدها نحوه أكثر بوجع – هذا الجسد كيف ينساني؟
وأنا الموشو ُم بك من مفر ِق رأسي إلى أقدامي! هذا الجلد الذي يحب ُس
كلماتنا وضحكاتنا كيف تفكرينه بهذه الخشونة! كيف تمحين – قلبي –
بسهولة. أنا حزين! حزين ج ًدا وأشعُر بالوحشة ُرغم أن جسدك يُدث ِّرني.
تحركت وهي تتضايق من حصاره، فتحت عين يها لتنظر إل يه بج ُمود بعد أن
نامت و بكائِها يتلحفها، حاولت أن تسحب ذراعها ولكن ال حيلة للهروب
ويد يه تُثبتها من كل جهة، بهمس مبحوح : ممكن تبعد!
ال يُجيبها ليغمض عين يه ورأسه يضعه على كتفها، وبمثل همسها أوجعها :
إذا كان بُعدك واقع أتركيني على األقل أحلم.
ب في قلبها كندبا ٍت مالحة : ال توجعني
ُّ
غادة صمتت لثواني وكلماته تص
أكثر .. أتركني لو سمحت.





د عليها حتى كادت تدخل به : ال تقولين لو سمحت
ناصر بلهي ِب أنفاسه يش ُّ
وتشعُر باأللم من قبضته على جسدها : ناصر أتركني أوجعتني
ِن ُحمى الحب :
ناصر بهذيا
سنين كيف تنسينها ؟ أن ِت اللي أوجعتيني ..
شوفي وش سويتي فيني! مريض فيك وتعبان منك ..... ليتني ماعرفتك . .
ليتني صدقت موتك وبقيت عليه، أحزن عليك وال أضيق منك!
نزلت دمعتها بنهاي ِة كلمته األخيرة، وإن نسي ُت من أنت ولكن هذه الكلمة
تُهين قلبي الذي ال يشعر بك، تُهينه ألنه متخم بالكبرياء الذي ال يروق له
بأن أح ًدا يندُم على معرفته به .
ُم به الحزن : كن ِت تقولين الحب ما يموت! كلهم يشهدون
يُكمل بصو ٍت ينا
عليك! هالجدران هذي تشهد عليك! ليه مات في صدرك ُحبي؟ ليه ذبحتيني
وأنا المتشفق عليك! . . . . مين المخطي؟ انا وال أن ِت! . . قلبك هذا من
أيش؟ قلبك هذا أناآآ . . وين ضيعتيني ؟ وين تركتيني ؟. . .
وبهم ٍس ي ُموت تدريجيًا : رديني . . رِِّدي لقلبي حياته
تتحس ُس الحمِّرة التي تنسا ُب من صوته، يندف ُع قلبه بإتجاِه صدرها الرقيق،
أستسلمت من قَّواه بين ذراع يه، لم تستطع أن تقاوم وأفلتت كل وسيلة
للمقاومة بعد كلماته، كيف تكون لهذه الكلمات حوا ٍف حادة تقتلني بهذه
الصورة؟ يالله يا ناصر! لو أنني فقط أسترج ُع نفسي حتى أعر ُف كيف
أسترجعك.
همست بين ظالِم الغرفَة والهواء العابر ُدون أن يغطيهما شيء، كانت
ِر نفسها بنفسها والفراش يُغطي أقدامهما فقط. : عطني
ِّ
أجساِدهم الباردة تُدث
وقت! بس وقت عشان أصلح نفسي.
ناصر وهو مغمض عين يه : عطيني ُعمر! وأوعدك بالوقت.
ش َّدت على شفت يها حتى ال يخرج أنينها، لم تستطع أن تتمالك نفسها أمام
كلماته المندفعة بعاطفته، هذه العاطفة الرجولية تكسرها بعنف، بضراوة لم
تتوقعها. بب َّح ِة البكاء وعيناها تغرق بالدمع وهي ال تستطيع أن تلتفت إل يه
ما دام ظهرها يالصق بطنه وهو يستلقي على جانبه األيمن : تكفى....
ِي! يا قساوتك
نا ِصر : تبين تبعدين؟ تبين تصِل ِحين نفسك بعيد عنِّ
غادة وضعت يدها على ذراعيه وهي تحاول أن تف ِّك قيده على جسِدها :





أرجوك . . والله مافيني طاقة أتحمل كل هذا
ناصر بعنف يش ِّدها أكثر وهو يضغط على بطنها حتى شعرت بأنه يخترق
جلدها ليطحن أحشائها بقبضته، وبنبرةٍ حادة تتركها تصرخ بألمها : أن ِت
ي
ل .
بضيق حنجرتها : آآآه . . خالص .. تكفى خالاااص أوجعتني
بغياب الوعي التام يؤلمها بمفاص ِل يِده المشتاقة، أزداد بضغطه وأزدادت
بألمها، غرزت أظاف ُرها في ذراعه وهي تهم ُس بين أنفاسها المضطربة :
نااااصر ...... كافي .. كااااااااااااااافي
بهذيان : تتذكريني! متأكد أنك تتذكريني مستحيل تنسيني لكن فيه شخص
ثاني بحياتك! فيه شخص تبينه ..
فتح عينيه ليُكمل : تبينه صح؟
غادة : ماأبي أحد . . أتركني واللي يرحم والديك
ناصر : تبين وليد؟ . . . وليد بسنة خالك تنسين
سنين من ُعمرك! أنا
بس بسألك شي واحد وبعدها بتركك
أرخى يد يه لتتن َّهد براحة بعد أن شعرت بالغثيان من معدتها، أستلقت على
ُمضيئت ين بالدمع كما
ظهرها وهو يف ِّك قيد جسده منها، نظر لعين يها ال
تُضيء السماء في هذه اللحظات بماءها.
أردف : مين قال أنه المطر أنت وأنه السما ما تشبه إال عيونك ؟
غادة تجمَّدت حوا ُسها في لحظ ٍة ال تعر ُف ماهية نبرةُ األحداث التي تجري
على لسان ناصر.
أبتعد ليقف، يُراقب شفتيها، ال يُريد أن يفقد األمل و موسيقى الحزن
ٍق تضر ُب في قلب طويلة وهو ينتظر جواب! التصمتِي! هذه
ه، أنتظر لدقائِ
المرة أرجو ِك اكذبي وقولي أنا وجه ُت هذا الخطاب لعين يك. من أجل الله ال
تكسري مجادي ُف األمل في قلبي.
أرتجفت شفت يها ليشعُر بأم ٍل أن تتح َّدث ليُصَدم بفظاعة الخيبة وهي تنطق :
ِّي كثير
تضغط عل .
من يداوي الخيبات في صدِري؟ من يش ِّق طريقه لقلبِي ويضِِّمد جراحه؟
؟ من يعتذر عن حزني هذا وسأع ُف عنه! أنا أحتاج
من يعتذر عنها نيابةً





ه
َّ
" عل
ِ َك فَا صبِ ر
َربِّ
َوِل
ِّي آيا ِت السكينة، أن يقول "
وبش َّدة لشخ ٍص يقرأ عل
ينتشلنِي من وعثاء الحياة، يالله ال تُميت بي الحياة بهذه الطريقة.
تراجع بخطواته مضطربًا، وصوتُها الخمري يغشى عليه ليستذكر ذاك
اليوٍم الماطر أسفل سما ُء باريس كان صوتُها أغنية، كيف تنسى لحنها؟
بتراقصات المطر تسي ُر معه وذراعها تتأب ! ُط ذراعه : أعلمك شي
ناصر : وشو
غادة : جايني حس الشاعرية اللي عندك
وترج ُف شفتيه من البرد وأنفاسه البيضاء يزفرها : سمعينا
غادة تتنحنح لتُردف بصو ٍت عذب : و أعطشك! وأنت المطر وهذي
السماء ما تشبه إال عيُونك .
ناصر بإبتسامة شا ِسعة : الله الله صح لسانك! . . . يسمح لي مقامك أني
أرد عليك ؟
غادة بخجل شفا ِهها التي تُصيِّ ممر ِر أنفاسها للبياض و ُهما يدخالن ال
المغطى حتى يقيهما من المطر : إيش رِِّدك؟
ناصر يقف لتالصق أقدامه أقدامها ويِده تُالمس ظهرها الناعم وعيناهما
تُغنِي الصمت: البدر يقول .. انا قلبي عصفورك وباقي الصدر


إعدادات القراءة


لون الخلفية